دكاترة وبروفيسرات في الدين!! المقالة الثانية

 


 

 

المركز الاسلامي بالسودان للدعوة والدراسات المقارنة والهجوم الجائر على الفكرة الجمهورية

دكاترة وبروفيسرات في الدين!!

المقالة الثانية

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَا مِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

 

الحلقة (2)

خالد الحاج عبد المحمود

الانسان الكامل ووحدة الوجود

رأينا أن هؤلاء النفر من العلماء غيبوا الموضوع الاساسي الذي زعموا انهم سيتناولونه، وهو موضوع الرسالة الثانية، ودعوة الاستاذ محمود وما تقوم عليه من مصادر معرفة.. فهم لم يتعرضوا قط لكتاب الرسالة الثانية، موضوعهم الذي زعموا انهم سيتناولونه برؤية نقدية تحليلية.. كما أنهم لم يشيروا قط الى طريق محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو موضوع الدعوة.. فكانوا خارج الموضوع بصورة تامة.. وهذا اهون ما ذهبوا اليه.. واما بقية ما ذهبوا اليه في حديثهم، بصورة خاصة د. اسماعيل صديق، فكله يقوم على بتر النصوص، وتحريف معانيها، الى الحد الذي معه يقوّلون النص عكس ما يقول به.. واساس عملهم هذا يقوم على تكفير الاستاذ محمود محمد طه، بل اخطر من ذلك، هم يزعمون انه لا يؤمن بالذات الالهية، رغم كثرة حديثه عنها، وانه يدعي الالوهية، وانه يدعي انه الانسان الكامل، وانه المسيح المحمدي، الى آخر هذه العبارات التي تخرج تماما عن الدين وعن ادب الدين، وتقوم على الكذب المبالغ فيه، وعلى عكس الأمور عكسا تاما.. فد. اسماعيل صديق يورد النصوص الخاصة بالعبودية، بعد بترها، وتشويه معانيها، ليدعي أن الأستاذ محمود يدعي الألوهية!! كبرت كلمة تخرج من افواههم!!
نبدأ بالنص الذي اورده د. اسماعيل صديق من كتاب الرسالة الثانية، فهو يقول: "فهو (أي العبد) قد أطاع الله حتى أطاعه الله ، معاوضة لفعله .. فيكون حيا حياة الله، ومريدا وقادرا قدرة الله، ويكون الله .وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين" انتهى الحديث.. ألا يكون لله صورة يكونها العبد نفي للكينونة نفسها لأنه لا كينونة للأعراض.. اما استمرارية التكوين فهي عرض مستحيل وليس جوهرا ثابتا وقول محمود محمد طه وليس لله صورة يكونها العبد هدم لقوله السابق (ويكون الله) ثم هل يصبح من حظي باستمرارية التكوين موصوفا بكونه الله.. ما الداعي اذا لكل هذه الغرابة التي يسوغها عليها محمود محمد طه؟ النتيجة واضحة اذن وضوحا تاما وهي ادعاء محمود للألوهية" انتهى
هذا قول مخجل جداً، أن يصدر من أي انسان متعلم، خل عنك أن يكون دكتوراً.. انظر الى النتيجة التي توصل اليها، والتي جاء فيها قوله: ( النتيجة واضحة اذن وضوحا تاما وهي ادعاء محمود للألوهية).. فيما قاله هو بنفسه لا توجد علاقة بين ما قاله والنتيجة التي توصل اليها.. فهو قد بدأ النص بقوله: "فهو (أي العبد) قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله" فهل يكون العبد المطيع لله، هو من يدعي أنه اله؟! فالعبد حتى في الجزء الذي نقله، هو من يتخلق بأخلاق الله كما امر بذلك الله تعالى، ونبيه الكريم.. ولما كانت اخلاق الله في الاطلاق فمن المستحيل ان يحيط بها العبد، وانما حظه في التخلق بأخلاق الله، هو ما ورد عنه، التعبير بقوله (وانما يصبح حظه من ذلك ان يكون مستمر التكوين)، يعني لا نهاية للتخلق بأخلاق الله، فهي عمل يستمر سرمداً.. ولما كان التخلق بأخلاق الله هو عمل في تحقيق العبودية لله، فهذا يعني ان العبودية ملازمة للعبد سرمداً.. والدكتور بتر النص من اعلاه ومن اسفله، مع أن ذلك الجزء الذي اورده، هو عكس النتيجة التي توصل اليها!! موضوع الجزء الذي بتره هو العبودية لله، وطاعة الله التي تكون نتيجتها طاعة الله للعبد، معاوضة لفعله في الطاعة. والنص في مصدره يقول: " وليس لله تعالى صورة فيكونها ، ولا نهاية فيبلغها ، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه، ( كل يوم هـو في شأن) والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال ( تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم ) وقد قال تعالى (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ).. فبتر الدكتور النص من اسفله فوقف عند عبارة (وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين) والعبارة مستمرة وتبين معنى كيف يكون مستمر التكوين (وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره ، في كل لحظة).. فالحديث كله عن العبودية لله، وعكسه الدكتور ليجعله ادعاء الوهية.. حشر الدكتور عبارتي (جوهر) و(عرض)، ليتفلسف بهما، وهو لا يدرك معناهما ولا يعرف استخدامهما.. فالكلمتين من مصطلحات الفلسفة، وهما لهما معاني كثيرة مختلفة، حسب اختلاف الفلسفات والفلاسفة.. والمعنى اللغوي المباشر هو: الجوهر ما قام بنفسه، والعرَض هو ما قام بغيره.. وتوصل الدكتور من الكلمتين وكالعادة، الى معاني لا تؤديانها، فقال: (ألا يكون لله صورة يكونها العبد نفي للكينونة نفسها لأنه لا كينونة للأعراض.)!! هذا منتهى الجهل والمغالطة الفجة.. القول (لا كينونة للأعراض) غير صحيح، والصحيح انه لا كينونة للأعراض من نفسها، فالأعراض لا تقوم إلا بغيرها، وهذا معنى القيومية في التوحيد.. فالإنسان كائن، بداهة، ولكن كينونته ليست بنفسه، وانما هي بالله.. وهذا يختلف تماما عن ما ذهب اليه الدكتور.. هل يصح - حسب ما زعم الدكتور - ان نقول انه ليس للدكتور كينونة لأنه عرض؟!هذا خطأ شنيع لا يصدر من عقل موضوعي.. وهل يرى الدكتور القول بأنه (وليس لله تعالى صورة فيكونها، قول خطأ؟ واضح من قوله: (ألا يكون لله صورة يكونها العبد نفي للكينونة نفسها) انه يعترض على القول بأنه ليس لله صورة.. فهذا يعني عنده أن لله صورة، وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً...
اما قول الدكتور: "اما استمرارية التكوين فهي عرض مستحيل، وليس جوهرا ثابتا"، فهي تدل على خلل خطير في عقل الدكتور.. فاستمرارية التكوين لا تتعلق بالجوهر _الله _ وإنما تتعلق بالعرض، العبد.. فلأن العبد ليس جوهرا ثابتا .. ليست قيوميته بنفسه _ فهو مستمر التكوين.. ومن المستحيل أن يكون الأمر خلاف ذلك.. فالله تعالى هو وحده الثابت الوجودي، وكل من عداه وما عداه من خلقه، من المستحيل في حقه ان يكون ثابتاً وجودياً، فالخلق، جميعهم في حركة مستمرة لا تهدأ، ولن تهدأ.. والثبات الوجودي، والحركة، هما الاختلاف الأساسي بين العبد والرب.
اما قول الدكتور: "قول محمود محمد طه، وليس لله صورة يكونها العبد، هدم لقوله السابق (ويكون الله)...".. قوله هذا يعني ان العبد ليتخلق باخلاق الله، لابد ان تكون لله صورة!!
ويسأل الدكنور مستنكراً: "ثم هل يصبح من حظي باستمرارية التكوين موصوفا بكونه الله".. نعم استمرارية التكوين هي التي يكون بها العبد موصوفاً، بأنه (الله)"، وخلاف ذلك مستحيل تماماً ويتناقض مع التوحيد.. لا يمكن للعبد، ان يصل الى مرحلة يكون فيها الله بصورة تامة، والا اصبح المطلق محدودا، فلا يبقى الا ان يكون العبد مستمر التكوين، في تخلقه باخلاق الله سرمداً.. فلن يأتي يوم، يكون فيه العبد قد تخلق بأخلاق الله بصورة تامة، ليس عليها من مزيد، وهذا في حكم البداهة.. يجب ملاحظة أن الحديث كله حتى عند محاولة تشويهه، حديث حول العبد والرب، هو حديث عن عبودية العبد وكيفية تحقيقها، فتحقيقها انما يكون بالتخلق بأخلاق الله الواردة في القرآن، وهي تتعلق بالاسم، وليس بالذات.
جاء من النص الذي بتره الدكتور من اسفل، عن استمرارية التكوين، قوله: (إنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره في كل لحظة).. هل تجديد حياة الشعور وحياة الفكر أمر مستحيل؟ إنه الأمر الواجب، والذي يقوم عليه الدين كله.. فالدين كله، عند المتدين هو تجديد لحياة الفكر وحياة الشعور، وهذا يجري في تطور مستمر سرمدي لا نهاية له.. مرة اخرى، من المستحيل أن يحيط المحدود – الانسان – بكل ما عند المطلق – الرب، وإلا أصبح المطلق محدودا، وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً..
الحديث كله عن تخلق العبد بأخلاق الله، وهذا ما بتره الدكتور من اسفل، فقد جاء في النص: " والى ذلك تهدف العبادة ، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال ( تخلقوا بأخلاق الله ، إن ربي على سراط مستقيم) وقد قال تعالى ( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)..، " فالحديث كله عن تحقيق العبودية، ولكن الدكتور، لأمر في نفسه، عكسه تماما ليقول بأنه ادعاء ربوبية..
قول الدكتور هذا الذي اوردناه، يكون فيه الدكتور احد رجلين: اما انه يرى ان لا رجوع الى الله، مع كل النصوص المستفيضة في القرآن عن الرجوع الى الله، فهو الدين كله.. واما انه يرى ان الرجوع الى الله ، يتم بصورة نهائية ليس عليها من مزيد، ولذلك يستنكر ان يكون العبد مستمر التكوين.. وفي كلا الحالتين، يكون الدكتور خارج الدين بصورة صارخة.. وأكثر من ذلك هو خارج التوحيد
لقد اوردنا في الجزء الأول حديثنا عن تعريف الواصل.. وجاء فيه: ليس الوصول الى الله بالمعنى الذي يؤديه حرف الكلمة، فالواصل هو الذي يكون حضوره مع الله، اكثر من غفلته عنه.. وفي نفس المعنى يأتي التخلق بأخلاق الله، او الرجوع الى الله!!
والدكتور كما بتر النص من اسفل بتره من اعلى، ليغيب موضوع العبودية، الذي هو موضوع النص كله.. فقد جاء في بداية النص: " وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه ، وترضى به، وتستسلم وتنقاد ، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك، ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها، فتصير خيرا محضا، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار.
ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية . فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله .. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله ، وقادرا قدرة الله ، ويكون الله.
وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه، ( كل يوم هـو في شأن ) والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال ( تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم ( وقد قال تعالى ) كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )".
واضح جداً أن الحديث كله عن تحقيق العبودية لله، عكس ما خرجه الدكتور.. ولو كان للدكتور حس ديني، لطرب للمعاني الواردة في حق العبد المستسلم لله.. حسب النص، النفس تسكن الى الله وترضى به، وتستسلم له.. وهذه اعلى القيم في حق العبد، (راجع النص).. والنص يقول بوضوح لا مجال للبس فيه: "ههنا يسجد القلب، والى الابد بوصيد اول منازل العبودية" فإذا ذهب الدكتور في سوء التخريج ان يجعل من اول منازل العبودية ادعاء للربوبية، فهو وشأنه.. ولكن من المؤكد أن من يرمي غيره بالكفر، إما ان يكون الأمر كما قال، او تعود كلمة الكفر عليه، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" . ليس للدكتور وازع من دين يعصمه ان يحور الكلام، حتى يجعل الحديث الواضح عن العبودية، هو ادعاء ربوبية!! هذا هو دين الدكتور، وهو فيه ، يمثل صحبه.
الأستاذ محمود لم يدع لنفسه، ولم يتحدث عن نفسه.. وهو ينهى بصورة قاطعة عن قول (انا).. فقد جاء من كتاب (تعلموا كيف تصلون) ، قوله " قل: (أنت) دائماً، ولا تقل (أنا)، أبداً .. (أنت) دائماً.. ولا تنس: أن أقرب طريق إلى ال (أنت) التي هي (نفسك العليا) إنما هو العمل لإسعاد ال (أنت) التي هي: (صاحبك الآخر) راجع كتاب تعلموا كيف تصلون
يقول الدكتور فيما نقلناه عنه(ثم هل يصبح من حظي باستمرارية التكوين موصوفا بكونه الله.. ما الداعي اذا لكل هذه الغرابة ؟!).. الداعي هو انه الحق، الذي لا حق غيره، وقد امر الله تعالى به، وامر به نبيه الكريم.. والسؤال هو هل يصبح من حظي باستمرارية التكوين موصوفا بكونه الله؟ الوصف اساسا اتى في الحديث وفي القرآن، ولا مجال لفهمه، ولا صحة لفهمه إلا بالقول باستمرارية التكوين، فمن المستحيل ان يتخلق العبد بأخلاق الله مرة واحدة والى الابد.. فإحاطة المخلوق بالمطلق امر مستحيل، والا اصبح المطلق محدودا.. وفي الدين الله تعالى قال ما قاله في القرآن وفي الحديث القدسي، والنبي قال ما قاله في الحديث النبوي، وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو الا وحي يوحى.. فعلى المسلم ان يفهم ما قيل له، واذا لم يفهم عليه ان يؤمن ريثما يفهم.. فإذا تحدث المعصوم عن بقرة تتكلم، فقوله هذا حق علمنا ام لم نعلم، وعلينا ان نتأدب معه ولا نعترض، بل نؤمن ريثما نعلم. فعقولنا ليست حكما على الوجود، وعقل النبي لا يخضع لعقولنا، بل عقولنا هي التي ينبغي ان تخضع له.. ولكن الدكتور وصحبه من الفقهاء يجعلون عقولهم حكما على الوجود، فما لا يتماشى معها ، ولا يستقيم مع عقولهم فينقحونه او يغيرونه!!
ورد في الحديث القدسي قوله تعالى: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب عبدي الىّ بشيء احب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتى احبه، فإذا احببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".. هذا الحديث حسب معيار الدكتور، لا داعي له، لأنه غريب عليه، فحسب تصوره المجافي للإيمان، كيف يصير الرب سمع العبد الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها... الخ.. وعبارة (ولا يزال عبدي يتقرب الىّ بالنوافل) هذه عند الدكتور، عرض مستحيل!! فالدكتور وصحبه يقيسون كلام الله ورسوله بعقولهم ابتداء.. فهم لا يؤمنون به، وينتظرون أن يفتح الله لهم في معرفته.
عندما اخبر النبي قريشاً بأمر الاسراء والمعراج، قال بعض القرشيين لسيدنا ابي بكر، بقصد احراجه: ارأيت صاحبك يقول أنه ذهب الى بيت المقدس، ثم عاد، في نفس الليلة، ونحن نضرب لها أكباد الابل شهراً.. فكان رد سيدنا ابوبكر: او قالها؟ (يعني هل النبي فعلا قال ذلك)، ثم واصل: لان كان قالها فقد صدق.. اصدقه في اخبار السماء، أفلا اصدقه في ذلك؟ فابوبكر يعلم الزمن الذي تاخذه الرحلة الى بيت المقدس ذهابا واياباً.. وحسب هذه المعرفة الذهاب والاياب في الليلة امر مستحيل.. ولكن ابوبكر لأنه مؤمن، لم يبن على ما يعلمه هو، فعنده أن النبي، صادق فيما يقول، ولابد للقول من وجه صحيح لا يعلمه هو، ولكنه يؤمن به طالما أن القول صدر عن النبي، فقد تكون هنالك وسيلة اخرى لا يعلمها ابوبكر، ويعلمها النبي، ويمكن الذهاب بها الى بيت المقدس والعودة في نفس الليلة.. ولكن الدكتور وصحبه ينكرون كل ما لا يعلمونه، وهذه هي مشكلتهم الكبرى والحقيقية.. مشكلتهم أنهم يجعلون عقولهم حكما على الوجود، ما يعلمونه هو الموجود، وما لا يعلمونه لا وجود له!! ولما كانوا قليلا ما يعلمون، فقد اوصدوا الباب على انفسهم امامهم من كل علم جديد.
لاحظ في الحديث اعلاه، الصفات التي ينالها العبد بسبب محبة الله له!! (فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به...الخ) ، يعني تصبح جوارحه رحمانية، يسمع بسمع الله، ويبصر ببصر الله...الخ، والوسيلة الى محبة الله هي اتباع (طريق محمد) (صلى الله عليه وسلم).. فآية الاتباع والتقليد، تقول: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، ومن يحبه الله يكون سمعه سمع الله وبصره بصر الله.. الخ.. فالاسلام دين المحبة، بهذا المعنى..
الدكتور يعترض على عبارة اطاع الله فأطاعه الله!! وهي عبارة واردة بالنص عن النبي الكريم.. فقد قال له جده ابو طالب: ما اطوع ربك لك يا ابن اخي!! فقال المعصوم: لو اطعته لأطاعك يا عماه

3-
الدكتور يكفر الأستاذ، ويتهمه بما اتهمه به ابتداء، وقبل ان يعلم أي شيء عن دعوته، ثم يذهب ليبحث عن الاقوال التي يعتقد انه يستطيع أن يحرفها، لتدل على ما قرره ابتداء.. اسمعه يقول: "اما مصطلح الذات المطلقة الذي يشير به الى الذات الالهية انما هو مجرد لفظ دون مضمون.. فالذات المطلقة ذات لا اسم لها اوصفة بل هي فوق العبارة وفوق الاشارة ..ذات يجردها محمود حتى من صفة الاطلاق حين يقول ابداء ذات الله لخلقه انما يتم عن طريق تقييد الانسان الكامل للمطلق"وهو يقرر أن" ..البحث في مضمون هذه المقولات يقودنا الى ان محمود محمد طه لا يؤمن اصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين".. انظر الى هذه الربوبية!! لا يؤمن اصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين!!
ورد أن اسامة بن زيد قتل رجلاً من المشركين بعد أن قال: لا اله إلا الله.. وحكى ذلك للنبي (صلى الله عليه وسل) فَقالَ له يا اسامة أقَتَلْتَهُ بعد ان قال لا اله الا الله؟! قلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ! إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَومَئذٍ... وفي رواية أخرى سَأَلَهُ النبي: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ! أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلانًا وفُلانًا - وسَمَّى لَهُ نَفرًا - وإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، قَالَ رسولُ اللَّه: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعمْ، قَالَ: فَكيْفَ تَصْنَعُ بلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟!
عن عبدِاللَّه بنِ عتبة بن مسعودٍ قَالَ: سمِعْتُ عُمَر بْنَ الخَطَّابِ يقولُ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه ، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ، وقرَّبناه، وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ.. هذا هو الاسلام، حتى في مستوى الشريعة، أما اسلام العلماء بزعمهم، فلا يتورع من تكفير أكبر الموحدين!!
قوله عن الذات الالهية عند الاستاذ: "انما هو مجرد لفظ دون مضمون" هو كذب وبهتان عظيم، عن علم، فهو يعلم تماما مضمون الذات الالهية عند الاستاذ .. هو يعلم ان الذات الالهية عند الاستاذ محمود هي حقيقة الوجود الوحيدة.. فهي الوجود الذي ليس معه موجود آخر، فكل الموجودات انما هي موجودة به، وليست معه.. وهو يعلم أن كلمة التوحيد عند الاستاذ تعني : ان الله تعالى هو الفاعل الوحيد في الحقيقة، لكبير الأشياء وصغيرها.. هذا يعلمه بدليل انه تعرض اليه في نفس اقواله.. ثم قوله عن الذات عند الاستاذ محمود: " فالذات المطلقة ذات لا اسم لها اوصفة بل هي فوق العبارة وفوق الاشارة ..ذات يجردها محمود حتى من صفة الاطلاق حين يقول ابداء ذات الله لخلقه انما يتم عن طريق تقييد الانسان الكامل للمطلق" اليس هذا هو الحق؟! الصورة كما وردت عند الجمهوريين تقول مثلا: "فالله تعالى من حيث ذاته الصرفة، المطلقة، فوق أن يعرف ، او يوصف، او يشار اليه، فهو مطلق يتسامى عن كل قيد او تحديد.. ثم انه تعالى لكي يعرف تنزل الى منطقة القيد" وتم ايراد الحديث: "كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبي عرفوني".. وجاء في الشرح "فـ(كنت كنزا مخفيا)، يعنى في حضرة إطلاق لا تعرف، وهذا معنى (مخفيا).. فهو من حيث ذاته المطلقة، كان، ولا يزال، ولن ينفك، في حضرة خفاء، تجلّ عن أن تعرف.. ولكن لكي يعرف، تنزل إلى مرتبة الخلق، وإلى ذلك الإشارة بقوله (فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق).. فالله تعالى إنما يعرف بخلقه.. وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل.. هم فعله، وفعله ليس غيره" هذا ما ورد في كتاب ادب السالك، وفي عديد الكتب الأخرى، وهو كافي جداً في دحض زعم الدكتور ان الذات(لفظ دون مضمون).
وجاء من نفس الكتاب: " وعن كون ذات الله الصرفة لا تعرف، ولا توصف، ولا يشار إليها، يجيء قوله تعالى في القرآن: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين).. فـ(سبحان ربك رب العزة عما يصفون) يعنى تنزه الله في ذاته عن كل وصف، (وسلام على المرسلين) يعنى أن خير من وصف الله هم المرسلون، لأنهم وصفوه بما وصف به نفسه، وفق ما تقتضيه حكمته في التنزل، ومن هنا يأتيهم السلام.. وفي هذا المعنى أيضا يأتي قول المعصوم: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)، فذات الله لا يحويها الفكر، لأنها مطلقة، والفكر محدود، ولأنها وحدة، والفكر يقوم على الثنائية، ولذلك قيل (كل ما خطر ببالك فالله من حيث ذاته، بخلاف ذلك)".. فإذا كان الشيخ الدكتور يرى ان الذات مقيدة، ولذلك يعارض ما قلناه عن اطلاقها، فهو من يحتاج الى مراجعة دينه، فهو في هذه الحالة لا دين له!!
على كل، حجته هذه هي ما ورد عن الملحدين، وقمنا نحن بالرد عليهم.. وردت عند د. مصطفى محمود - قبل أن يتجه للإسلام- فقد قال في كتابه (الله والانسان): "إن الله الذي لا يحترم عقلاً صنعه بيديه يعطيني العذر في أن لا اعبده" وتم الرد عليه..
وقالها بنفس صورة الشيخ، د. جلال العظم في كتابه (نقض الفكر الديني).. وقد قال عن ذات الله: ""يقول أصحاب هذا المذهب أن العقل الإنساني قاصر عن أن يعرف طبيعة الإله وعن أن يحيط به ولو إحاطة جزئية. إنه عاجز عن تصوره، وعن التعبير عن طبيعته، عبر البعض عن هذا الرأي بقولهم عن الله: (كل ما خطر ببالك فهو خلاف ذلك). توجد عدة اعتراضات على هذا الموقف: أولا هل بإمكاني أن أقيم أية علاقات جدية بيني وبين هذا الإله الذي تتجاوز طبيعته تجاوزاً مطلقاً منطقي ومشاعري وأفكاري ومثلي وآمالي؟ هل بإمكاني أن أجد عزاءً في إله جل ما أعرف عنه هو أنه مهما خطر في بالى من أفكار وصفات فهو يختلف عنها اختلافا مطلقا؟ إن وجود مثل هذا الإله، وعدم وجوده سيان بالنسبة لي. إن هذا الإله ليس إلا تجريداً فارغاً من كل معنى ومحتوى".. تقريبا كلام الشيخ الدكتور، وكلام جلال العظم يتطابقان.. فالشيخ الدكتور يزعم ان الحديث عن الذات (هو مجرد لفظ دون مضمون) وهذا ما يقوله د. العظم (إن هذا الإله ليس إلا تجريداً فارغاً من كل معنى ومحتوى)، وقد قمنا بالرد على د. جلال العظم، في كتابنا( العصر الذهبي للاسلام امامنا)، وجاء في الرد: "إن أفكار د. العظم هذه ليست أكثر من مغالطات، ركيكة، ليست لها علاقة بالفكر الديني الذي ينتقده، فالمطلق الذي يتحدث عنه، تجلى في تجسيد، هو هذا العالم وأحداثه، ثم هو أرسل رسلَ ملائكةٍ ورسل بشرٍ.. وكل الدين قائم على خلق العلاقة بالله، التي ينفى د. العظم إمكانيتها"، ونفس هذا الرد نقوله للشيخ الدكتور.
ود. العظم صادق مع نفسه، فهو ملحد، ولكن الشيخ الدكتور، كاذب، فهو يعلم ما تقوم عليه دعوة الاستاذ من محتوى تجعل الذات وحدها هي الحقيقة، وهي وحدها الفاعل في الوجود.. وكل الدين هو حركة من المحدود نحو المطلق.. من العبد نحو الرب في اطلاقه.. وهي حركة سرمدية، لا انتهاء لها، لأن الذات مطلقة.. والشيخ يعلم تماماً حديثنا عن ان الله تعالى انما يعرف، المعرفة العقلية، عن طريق خلقه.. فهو اشار الى مصادر ورد فيها هذا الحديث، ولكنه كعادته في الاخفاء تجاوزه ولم يشر اليه.
اسوأ من ذلك بكثير، الشيخ الدكتور يقول نفس الكلام الذي يعترض عليه، وفي نفس الحديث الذي نحن بصدده.. فهو قد قال: "ولا مجال للتصور البشري أن ينشيء صورة لذات الله الا عبر .........
فكل التصورات البشرية اذا انما تنشأ في حدود المحيط الذي يستخلصه العقل البشري مما حوله من اشياء.. فإذا كان الله سبحانه وتعالى( ليس كمثله شيء) توقف التصور البشري اطلاقا عن انشاء صورة معينة لذاته تعالى.. اذا كيف نعرف الله سبحانه وتعالى ؟ لكي نعرف الله سبحانه وتعالى علينا أن نتعرف على قوانينه المبثوثة في الكون والنفس.. فإذا سلمنا بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء توقف التصور البشري اطلاقا عن انشاء صورة معينة لذاته تعالى.. ومتى توقف عن انشاء صورة معينة لذاته العلية فإنه يتوقف تبعا لذلك عن تصور كيفيات افعاله جميعا بالتأكيد.
ولم يبق اذاً امامنا الا مجال تدبر اثار هذه الافعال في الوجود من حولنا".. فالشيخ اذن يقول نفس كلامنا الذي كفرنا فيه، وزعم ان الذات عندنا ليست اكثر من تجريد.. فعلى هذا، هو عمليا يتهم نفسه انه لا يؤمن بذات الله، حسب زعمه.. فقوله عاد اليه.. ولكن اهم من ذلك، واخطر، هو ان من كفر مؤمنا، اما ان الامر كما قال، او التكفير يعود عليه.. وهو هنا في هذا الحديث الذي نقلناه اعلاه، يثبت بنفسه ان الامر ليس كما قال، فالتكفير عائد عليه لا محالة.. ولكن انا يعنيني بصورة خاصة القيم، فهل يمكن ان تكون هذه قيم الاسلام؟! على كلٍّ، هذه قيم الشيخ الدكتور، وصحبه، التي لا يعرفون غيرها، فهم كما قال صاحبه بالنص: (فنحن بنفصل ما بين الصفات الشخصية وما بين الفكر)!!
رأينا أن الدكتور يقول: "البحث في مضمون هذه المقولات يقودنا الى ان محمود محمد طه لا يؤمن اصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين"..اولا هذ قياس معكوس، فالإيمان بالله لا يقاس بما عليه المسلمون.. العكس هو الصحيح: ايمان المسلمين يقاس على مصادر الدين الاساسية، القرآن والسنة النبوية.. ثم من هم المسلمون، وهل لهم صورة واحدة في أي جانب من جوانب الاسلام؟! المسلمون اليوم ليسوا على الاسلام، هم على قشور من الدين، وقشور من المدنية الغربية، فقد ادركتهم النذارة النبوية، فتقسموا الى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها الناجية، كما اخبر المعصوم.. وانت بقولك هذا تزعم ان جميع المسلمين، ما عدا الجمهوريين فرقة واحدة، وعلى اتفاق بينهم في التصورات، وهذا كذب، ومغالطة للواقع، ومخالفة للمعصوم في نذارته.. المسلمون اليوم، تأتينا اخبارهم، يوميا يقتل بعضهم البعض، ويكفر بعضهم البعض، وهذا ما تفعلونه انتمً.. وفي موضوع القتل، اخبار ما تقوم به داعش، وطالبان، وبوكو حرام، وبقية الفرق التكفيرية، من قتل للمسلمين المسالمين، الغافلين، حتى في المساجد، هذا خبر يكاد يكون ثابتاً.. فهل هؤلاء هم المسلمون الذين علينا ان نتصور الاسلام وفق تصوراتهم؟! لا؟! نحن ضدهم تماماً، ونرى بوضوح انهم خرجوا عن الاسلام ويشوهونه.. واساسا في الدين، الناس لا يكونون على صورة واحدة من المعرفة بالله، ففوق كل ذي علم عليم.. وكما يقول المعصوم: "إن من الدين كهيأة المكنون، لا يعلمه إلا اهل العلم بالله .. فإذا تحدثوا به، لا ينكره إلا اهل الغرة بالله".. فالإنكار هو ديدنكم انتم!!
نحن نزعم أننا الفرقة الناجية ونقيم الدليل على ذلك.. ومن حق اي فرقة ان تزعم أنها الفرقة الناجية، وتقيم الدليل الواضح القاطع على زعمها هذا، لنفسها وللآخرين.. فالموضوع خطير جداً، إما نجاة، أو هلاك، فلا مجال فيه للتهاون.. يمكن لمن شاء أن يراجع كتابنا (الفرقة الناجية)..
وللنجاة، نحن نقدم (طريق محمد) (صلى الله عليه وسلم)، ونحن على يقين تام، أن المعصوم هو الدليل الذي لا يضل ولا يضلل، وهذا لا يتوفر لغيره..

مدينة رفاعة

نواصل

 

آراء