كثافة التمثيل الدبلوماسي … وانسداد الأفق السياسي !!

 


 

 

البلاد تجتاحها السيول والفيضانات الكارثية كذا والوفود الدبلومساية العالمية والإقليمية، وآخرها ترفيع القائم بأعمال الدبلوماسية الأمريكية بالخرطوم إلى درجة سفير، لا أدري ما الدور الحاسم الذي يمكن أن يقوم به السفير الأمريكي الجديد؟، وأين حطت مبادرة السفير السعودي رحلها بعد أن ملأت الدنيا وشغلت الناس؟، فهل قُدّر للشعب السوداني المغلوب على أمره أن يبقى قيد الانتظار ويقف هذا الوقوف الطويل والممل، لكي يأتيه سفراء البلدان الصديقة والأجنبية بالحل؟، كم سنة مرت على القضية الوطنية وهي تتداول في اجتماعات منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي؟، وحدها قضية الرئيس الملخوع المطلوب للعدالة الدولية استنفذت طاقات الأجيال المتعاقبة، ولم تحسم، برغم عظم إمكانيات منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية، لقد أصاب الناس الفتور والسأم من هذا الانتظار المؤلم الذي لا ينتهي، والمدهش أن السيدات والسادة الممثلين لهذه الواجهات الدولية يرفلون في رغد من العيش لا مثيل له، ويعتبرون رحلاتهم للبلدان التي تشابهنا في سوء الحال مجرد نزهات للتطواف حول أعاجيب هذا الكوكب، وللتمتع والتنزه، فمنذ صغرنا ونحن نرى السيارات الفارهات لبرنامج الغذاء العالمي وأطباء بلا حدود وأنقذوا الطفولة البريطانية واليونسكو، وهي تخفي وراء زجاجها فتيات وفتيان عيونهم زرق قادمين من وراء البحار يلقون بالنظر إلينا والحيرة سيدة الموقف.
كل الدلائل تشير إلى أن الدول التي تتواجد بها البعثات الأممية بكثافة لن تخرج من أتون الحرب والفقر بسهولة، وعليك أن تعتبر بالميزانيات الضخمة المخصصة لمنظمة الأمم المتحدة وأساطيل الطائرات والسفن المكتوب على جنباتها الحرفين (يو إن) المختصرين لعنوان المنظمة الدولية، والشعارات (الإنسانية) الّلامعة البرّاقة الحاضّة الناس على رعاية الإنسان وحفظ حقوقه، والبرامج الأممية الناشدة لأمن واستقرار شعوب البلدان الموبوءة بالفقر والمرض والقتل خارج إطار القانون، ومع ذلك تزداد هذه البلدان المنكوبة نكبة على نكبة وتتفاقم مشكلات الحاجة والفاقة وإفلاس الخزائن العامة والخاصة، أنظر إلى البؤساء الذين يستطعمون العصيدة على ضفاف المجاري القذرة لفيضانات ولاية الجزيرة، وجيوش الذباب والبعوض تلتف حولهم في مواكب احتفالية غريبة، أين أيادي منظمات جسور الخير والبر والاحسان الآتية من بلاد العربان؟، ومن عجائب هذه المعونات العربية (الشقيقة) أن جوالاتها مكتوب عليها (غير مسموح بعرضها في الأسواق)، يا للخيبة، ما تلك الأيدي غير الأمينة التي يخشى المحسنون امتدادها لسرقة المعونة الإنسانية؟، لا تقل لي إنّها يد الحكومة!!، لقد صدق ذلك الرسّام الذي عبّر بريشته المتواضعة عن هذا الوضع اللا انساني العالمي، برسم العالم الغربي الجشع في صورة رجل ثري وبدين يتغذى من يد رجل فقير مهتريء الملبس يجلس قبالة هذا الغول المنتفخ الأوداج.
يا سودانيين، لا تفرحوا كثيراً ولا تغتبطوا أكثر لمقدم السفير الأمريكي، ولا تفعلوا الشيء نفسه لو أرسلت روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وكندا سفراءها العظام، هؤلاء جميعهم يأتون لكي ينصبوا خيام التعازي حول جثة الوطن، ليتمكنوا من التهام لحمة الوطن الطاعمة الشهيّة والغنيّة بالدسم، التي أسالت لعاب الغرب والشرق، فأمست صيداً سميناً وثميناً تُشد إليه الرحال من كل بقاع الأرض، أزيلوا الجواسيس والعملاء والمرتزقة والطواغيت، تنجو بلادكم من أنياب الدببة الروسية والصقور الأمريكية، وكما تقول أمثالنا الشعبية المعبّرة جداً:(من يأكلك لا يكترث لصياحك)، و( المذبوحة لا تسمع الصائحة)، فما أكثر الذابحين والناحرين للوطن، وما أحقر المسهّلين للناحر ثني عنق بعير الوطن من ابناء البلاد التعساء، رأيتهم يتسابقون لاستقبال السفير الأمريكي تعلو وجوههم ابتسامات صفراء بلهاء، مصفرة وشاحبة مثل اصفرار وقبح خصيصة الجشع ونهب الثروات والمقدرات الوطنية الموصومين بها، إنّه زمان المهازل والمخازي أن يتبارى هؤلاء البلهاء للتقرب إلى السفراء والمبعوثين الدوليين، لقد هزُلت القضية الوطنية وهي تتأرجح بين أيديهم الراجفة، فصار العقوق شيمة سمحاء تتباهى بها قبيلة النعاج هذه، وأصبح بيع الوطن في مزادات وأسواق النخاسة الدولية أمراً مستسهلاً ومسترخصاً، من قبل هذه الفئات المشلولة النخاع الشوكي والمنزوعة الضمير.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
26 اغسطس 2022

 

آراء