بزوغ أول لسان شرعي في السودان

 


 

 

كان من الطبيعي أن الفئة المهنية التي كانت قد تعرضت لكثير من المضايقات في أداء دورها الوطني و المجتمعي و السياسي و الثقافي أن تكون هي الرائدة في طريق الشرعية، أن تبدأ مسيرة الانتخابات النقابية الشرعية في البلاد بعلو صوتها و أصرار أعضائها. أن انتخابات نقابة الصحافيين السودانيين تعد خطوة وطنية سوف يسجلها التاريخ لهذه الفئة المستنيرة من الشعب السوداني. و لا غلو إذا تعتبر هي التي بدأت بنضالها و علو صوتها في تمزيق رداء الديكتاتورية و الشمولية و الحديث المباشر من أجل التغيير و محاربة الفساد و تمكين حكم القانون، فكانت رغم الحصار الذي كان مضروبا عليها و الرقابة القبلية التي مارسها النظام السابق، إلا أنها استطاعت أن توسع من دائرة الحرية بصمود أصحاب المهنة و اقلامهم المعبأة دائما بقيم الحرية، لذلك ليس غريبا أن تبدأ هذه الفئة فتح طريق الانتخابات الشرعية في البلاد.
أن الخلاف الذي حدث بين الصحافيين الذين كانوا مصرين علي قيام الانتخابات، و الأخرين المعترضين عليها كلها يجب أن تكون جزءا من الممارسة الديمقراطية، و الانتخابات لنقابة الصحافيين في ظل نظام جديد قدم فيه أبناء الوطن تضحيات كبيرة مهرت بدماء شباب يتطلعون لغد أفضل ضرورة. باعتبار أن دعاة الانتخاب لنقابة جديدة لديهم رؤى و تصورات تختلف عن التي كانت في النظام السابق، و بالتالي لابد أن ترى النور. أن المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد الآن إذا كان قبل انقلاب 25 أكتوبر أو بعده تحتاج إلي عقول مستنيرة تقدم مصلحة الوطن و المواطن على كل الأجندة الأخرى. بعد تعثر خطوات النخب السياسية، و بالتالي لابد أن تكون هناك فئة تتحدث بلسان شرعي لها القدرة على طرح الأسئلة العصية التي فشلت النخبة السياسية على طرحها.
أن خطوة انتخاب نقابة شرعية في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، تؤكد أن عملية التحول الديمقراطي في البلاد سوف تنجح مهما كانت العقبات التي سوف تعترضها، مادام هناك أصرار و إرادة قوية من أجل الوصل للهدف. و كما يقول المثل أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، و الصحافيون يبدأون هذه الخطوة رغم التحديات التي واجهتهم. و كما يقول عبد العزيز حسين الصاوي أن الديمقراطية لكي تترسخ في المجتمع تحتاج إلي " استنارة و عقل" و أن الصحافة و الإعلام هما أدوات الاستنارة في البلاد. و أن العقول المشبعة بالمعرفة و الخبرة و الخيال الموار و أدوات الإبداع هي التي سوف تحدث التغيير المطلوب في المجتمع، أن انتخابات نقابة الصحافيين كأول انتخابات يكتسب اصحابها الشرعية من قواعدهم، هي بداية للسمفونية الجديدة التي يجب أن تتبعها كل المهن الأخرى، لكي تكون هي طريق التعليم عبر الممارسة الديمقراطية الناضجة، و هي بداية لأول عمل ينتج ثقافة ديمقراطية حقيقية غير مزيفة. هنيئا لكم أيها الزملاء بهذا الكسب الثقافي الوطني. و نسأل الله لكم التوفيق و حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء