مذكرات معلم مخضرم تنشر والحكم فيها للجمهور !!

 


 

 

درج ناشرو المذكرات علي تبيان وجوههم الحسنة واخفاء النواقص ظنا منهم أن الرقابة المجتمعية تغط في نوم عميق ولكن لو وطنوا أنفسهم وتحروا الصدق علي الاقل سيخرج للعلن عمل مفيد وتجارب ثرة تكون حادية لركب الأجيال الجديدة الواعدة التي ستعض بالنواجز علي الراية ويفهمون أن الإنسان يجب أن يعمل ويخلص وإذا أخطأ فهذا من سنة الحياة وكلنا خطاؤون وخير الخطايين التوابون !!..
في العام ١٩٦٨ جلست لامتحان الشهادة الثانوية واحرزت القسم الثاني وقدمت لمعهد المعلمين العالي وكان عميده عبد القادر حسن الضو من أبناء الأبيض وفي المعاينة سألني الدكتور بهاء الدين محمد ادريس إذا كنت لاعب قوي عندما راي اني اتمتع بجسم لا اقول مفتل العضلات ولكنه علي أية حال ينفع في العدو والقفز العالي هذا خلاف صلاحيته لممارسة كرة السلة وكرة الطائرة وحراسة المرمي في كرة القدم ولكن للاسف كان د. بهاء الدين قد وجه لي السؤال باللغة الإنجليزية ولم أدرك معني كلمة ( athlete ) وقتها فاسقط في يدي وبالطبع كان أدائي في بقية الأسئلة متواضعا وخرجت من القاعة اجرجر أذيال الخيبة وكان العرق يتصبب من جسمي مدرارا رغم أن الجو لم يكن بذاك الحر الذي اشتهرت به بلادنا الحبيبة !!..
حقيقة أن عدم قبولي بمعهد المعلمين لم يكن سببه الوحيد أنني أخفقت في المعاينة بل إن هذه المؤسسة التعليمية الشامخة التي شيدتها اليونسكو والتي كان اول عميد لها استاذ الأجيال محمد توم التيجاني كانت تجد إقبالا شديدا من الطلاب النابهين الذين احرزوا القسم الاول والذين تتمناهم اي كلية ولكنهم آثروا المعهد لكرمه الفياض بمنحهم مرتب معلم كامل الدسم وهم طلاب بمعني إدخالهم في الخدمة منذ أول يوم وضعوا فيه اقدامهم في المدرجات وتلقي المحاضرات ولا غرو أن طلاب معهد المعلمين في عصره الذهبي تجدهم اليوم من البروفيسوات ومن ذوي التجارب والخبرات في كافة المجالات التي نفعت الوطن وفاضت علي دول الجوار وحتي علي دول أعالي البحار !!..
اذكر من المشاهير الذين أجريت لهم المعاينة في ذاك اليوم الذي لم يكن لي فيه نصيب لدخول المعهد درة الكرة السودانية حيدر حسن التوم الشهير ب ( علي قاقارين ) والذي تقلب في التدريس بالثانويات وابتعث الي فرنسا وصار سفيرا الي أن وصل مرتبة السفير الممتاز وقد عرفت عنه أنه كان من المتفوقين في مراحل دراسته الاولي وفي الثانوي والجامعة وفي الخارجية إضافة إلي نبوغه في دنيا المستديرة.
إذن الطالب حيدر حسن التوم ابلي بلاءا حسنا واجتاز بجدارة المعاينة إضافة إلي أنه متفوق يحمل القسم الاول في الشهادة الثانوية !!..
لن تصدقوا أن قلت إنني خرجت من مباني المعهد بعد أن أيقنت اني لا مكان لي في أروقته فهو محجوز للفطاحلة النوابغ وانا لست منهم وخرجت لشارع الوادي وكان وقتها في قمة عافيته وهندامه ولم يكن تملأ جسمه الاخاديد والتجاعيد ومسكت الدرب عديل راجلا وانا ارتدي الشورت والقميص زي المدرسة الرسمي حتي وصلت إلي مبني رئاسة وزارة التربية والتعليم وربما أفادني هذا المشوار المحترم في التقاط انفاسي وإبعاد شبح الفشل عني وخضت هذا المشوار المحترم رغم أن المواصلات العامة كانت تحترم المواعيد وكانت نظيفة وزهيدة الثمن !!..
عند بوابة الوزارة قابلني الأستاذ من أبناء المسلمية الباقر ابراهيم ورغم أنه كان معلما في المدارس الصغري إلا أنه كان خبيرا بشؤون الوزارة ويعرفها شبرا شبرا ودهليزا دهليزا وبادرني بعد التحية والمجاملة بالسؤال :
( تريد أن تقدم طلبا للعمل بالمدارس الوسطي ) ؟!
وقبل أن أجيب أخذني من يدي مباشرة للمكتب السري الذي كان علي رأسه أحد أبناء المسلمية ويدعي مدني بخيت وارشدني وساعدني في أن املأ الطلب بصورة صحيحة وافهمني أن أترقب الإذاعة عندما يعلن عن فتح وظائف لمعلمين بالمرحلة الوسطي وشكرناه أنا وأستاذ الباقر وخرجت لشارع النيل اتنسم الهواء العليل ومترقبا هنا ام درمان التي ستذيع الخبر الهام !!..
نتابع ...

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء