ذكرى ديسمبر ونُذُر الإسقاط الثالث !!

 


 

 

التاسع عشر من ديسمبر ذكرى الثورة السودانية العظيمة، التي أسقطت رأس نظام الثلاثين من يونيو قبل ثلاثة أعوام، مازال حفلها طفل يحبو على مدارج استكمال مشروعها الوطني الكبير، هذه الثورة الجهيرة التي خطفها الانتهازيون والمتسكعون، والعسكريون المرتعبون من مصير الحساب والمحاكمة لما اقترفوه من جرم فض اعتصام الثوار أمام باب (الحارس الأمين)، تكالبت عليها تحالفات الهبوط الخانع المدمنة لإذلال الدكتاتور الساقط، الذي روّضها وجعلها مداساً يمشي عليه صباح مساء، لم تتورع أحلاف البغاء السياسي من اختطاف جنين الثورة الديسمبرية المجيدة، فاستولت عليه دون وجه حق وركلت الثائرين على جانبي الطريق الثوري المزدهر بالهتاف اليومي الداعي للإسقاط الثالث، لم تدري القوى الخادعة والخانعة أن ثورات الشعوب المقهورة لا تخضع للتسويات، وأن إرادة الشعوب لا تقهرها استسلامات الشخوص اللاهثين وراء الفتات السلطوي الزائف، وأن لاعقي حذاء العسكر لم ولن يكونوا رصيداً مضافاً لأرصدة الثورة المتراكمة، على مدى عقود كفاح الثائر السوداني ضد بطش الدكتاتوريات العسكرية، والأنظمة المدنية المطعّمة بالسلاح، صمدت قوى الثورة الحيّة التي ما لانت وما انكسرت أمام أفواج اللصوص والمنافقين الحاملين للواءها انتهازاً ووصولاً لمآرب ذاتية دنيئة.
الثورة الديسمبرية المجيدة تدخل عامها الرابع وهي تتزين بأزهى الحُلي وأغلى المجوهرات المطلية بدم الشهيد، وترفرف أعلامها الخفّاقة فوق ساريات منازل أمهات الشهداء، معلنة عن الاصرار والصمود والتحدي المجابه لتعنت العسكر وانبطاح الأراذل المسافحين لهم، فالأهداف العليا التي ضحى من أجلها الصغار ليست مجرد شعارات ترفع ولا هتافات هادرة، وإنّما هي ميثاق شرف تواثقت عليه القوى الحيّة صاحبة الضمير المخلص والمدرك لأبعاد التآمر الدولي والإقليمي والداخلي، الساعي لوأد المولود الديسمبري، وهيهات أن يصل المراوغون المداهنون لأهدافهم الرخيصة، فالقيمة الأخلاقية لأدبيات (الشفوت والكنداكات) التي دشنت كتابها الأول بميدان الاعتصام، تزداد ألقاً وبريقاً ولمعاناً يوماً بعد آخر، وتتجذر في القلوب المؤمنة بعشق التراب، وتخرج من الحناجر هواءً ساخناً يرعب المتربصين بالمشروع الديسمبري الطموح، فكثير من السياسيين الطارئين الذين أتت بهم الظروف غير المواتية والاستثنائية، سيكتسحهم بركان ديسمبر الذي يغلي كالمرجل، وكذب المرجفون في مدن البلاد، من الذين تساورهم خيالاتهم المريضة بموت هذا المارد، فمارد ثورة شباب السودان لن يلج القمقم، ولن يعِش بين جنبات الحوائط، ولا يمشي تحت ظلها، فهو عملاق يجأر بصوته الصادع بالحق.
الفورة مليون، ولتتمايز الصفوف وليتكيء من شاء على عصا العسكر المثنيّة، وليقف عظماء الشارع وقفتهم الصامدة لهزيمة الجوقة المتآمرة والفاسدة، فالفاسدون لا يبنون أوطانهم بل يبنون ذواتهم، كما قال أيقونة النضال والتحرر الوطني الأفريقي نلسون مانديلا، والثورة الديسمبرية المجيدة ليست استثناء من رصيفاتها حول الكوكب الأرضي، وسوف تظل قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن، ولن تهزم. مع هذه الذكريات الثائرة لابد أن يستلهم الثوار العبرة من الحكم والمقولات الخالدة لأيقونات الثورات الكبرى، مثل وصية أب الثورة الصينية ماوتسي تونج، صاحب المقولة المأثورة والأشهر: (من يقم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده)، على هذا الجيل الثائر الراكب راس الذي أسقط الجنرال الراقص، أن يقرأ من كتاب ثورات التحرر الوطني في كل أنحاء العالم، ابتداءً من أمريكا اللاتينية – جيفارا – مروراً بآسيا – المهاتما غاندي – وأفريقيا – ماديبا – وانتهاءً بأم الثورات الأوروبية (الثورة الفرنسية)، فالانسانية جمعاء لها ذات المشتركات الهازّة لعروش جميع الطغاة، في كل الأزمان وفي جميع الأوطان، فالإنسان هو الإنسان مجبول على رفض الظلم والطغيان، موهوب بفنون بارعة في مقارعة الجبابرة رصفاء فرعون وهامان.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء