كتاب كولونيالية الإسلام السياسي: عرض ومناقشة (1- 2) .. بقلم : تاج السر عثمان

 


 

 

1
صدر كتاب "كولونيالية الإسلام السياسي : أزمة الوطن والوطنية والمواطنة في خطاب الإخوان - السودان نموذجا " للدكتور فتح الرحمن التوم الحسن رئيس قسم الفلسفة – جامعة النيلين، عن دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع 2021.
عدد الصفحات 1018 صفحة ، من الحجم المتوسط 17*24 سم.
تناول الكتاب 999 عنوانا من غير تبويب في فصول، وبلا مقدمة بعد أن طلب الكاتب اعفائه من عنف كتابة المقدمات.
2
بذل الكاتب جهدا كبيرا ومقدرا في نقد تجربة الإسلام السياسي في السودان من وثائقها ومصادرها الأصلية ، وهو لعمرى بحث رصين، اختلفت أو اتفقت معه، فرغم فشل تجربة الإسلام السياسي في السودان التي دمرت البلاد وفرطت في اصولها وتروتها وسيادتها الوطنية ، وثورة شعب السودان في ديسمبر التي نحتفل بذكراها هذه الأيام وتم فيها اسقاط رأس النظام ، ومازال الصراع مستمرا لتصفية التمكين واستعادة أموال الشعب السوداني ،ترسيخ الديمقراطية المستدامة ، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو الثقافة ، لكن لا يكفي الإزاحة السياسية والإدارية فقط ، بل من المهم مواصلة الصراع الفكري لإجلاء خطل دعاوى الإسلام السياسي علي مستوى الأصول الفكرية .
وهذا ما نجح فيه الكاتب الذي غاص في تقد الأصول الفكرية كما ورد في المصادر والمراجع في نهاية الكتاب التي شملت القرآن الكريم وكتب الأحاديث والسيرة ومؤلفات الفقهاء والمؤرخين الإسلاميين ، ومؤلفات رموز الإسلام السياسي ، ووثائق ومطبوعات تنظيم الإخوان المسلمين الذي اتخذ اسماء شتي: جبهة الميثاق الإسلامي، الجبهة القومية الإسلامية ، المؤتمر الوطني الذي انشطر الي مؤتمر وطني وشعبي بعد المفاصلة 1999 ، اضافة للتنظيمات الأخرى التي انشقت عنه مثل :الاصلاح والتجديد بقيادة د. غازي صلاح الدين . الخ ( راجع قائمة المصادر والمراجع).
كشف الكاتب أنها حركة تهدف لمصالح دنيوية زائلة ملتحفة ثوب الدين، والي أن الإسلام السياسي ليس دينا ، بل هو ايديولوجيا كولونيالية وُلدت في خضم التوحيد المقولي بين النص والسيف ، ووضح خطل شعار الإسلام السياسي دين ودولة ، وأن الإخوان لا يؤمنون بالوطن فالاله ليس له وطن ، وأن الوطن قد لقي مصرعه مع الوطنية في الفترة التأسيسية لتنظيم الإخوان في السودان ( الوطن الذبيح)، اضافة لخرقهم أسس التعددية الديمقراطية في السودان ، بعد انقلابهم العسكري ، بعد أن توهموا في كون السلطة هي أساس الاصلاح الديني، وما زالوا متشبثين بالسلطة كما في انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019 الذي قطع الطريق أمام الثورة ، وانقلاب مجزرة فض الاعتصام ، حتى انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي شارك فيه المؤتمر الوطني، وتم إعادة ماتم تفكيكه من تمكين وإعادة الأموال المنهوبة للفاسدين.
فقد ظل تمكين الإسلام السياسي مستمرا، كما في اعتذار إدارة جامعة النيلين عن استضافة فعالية ثقافية لتدشين كتاب " كولونيالية الإسلام السياسي" للدكتور فتح الرحمن التوم الحسن ، الشئ الذي يتعارض مع الحريات الأكاديمية التي هي سمة الجامعات، مما يتطلب مواصلة الصراع من أجل استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي.
3
وسّع الكاتب مصطلح الكولونيالية التقليدي الذي يعني هيمنة وسيطرة دولة أجنبية علي شعب آخر بهدف نهب موارده الاقتصادية ليصبح تابعا سياسيا واقتصاديا وثقافيا بعد محو ثقافته وتاريخه وهوّيته الوطنية، كما أكسب الكاتب المصطلح بعدا اجتماعيا وأخلاقيا، وعرّف الكاتب الكولونيالية هي " نموذج في التفكير والتواصل والتصرف والحكم يتميز بانتهاك الكرامة الانسانية والتعدى علي الحرية ومصادرة الحقوق ومجانية الأخلاق واساءة إنتاج واستخدام السلطة السياسية وتغريب العلوم عن الانسان ، واحتكار القوة واغتيال الغيرية لصالح الذات أو لصالح فئة معينة فقط".
اضافة " لاخضاع جسد انسان ما وفنه ومعارفه وعلومه وموارده وأرضه ومصادرتها كلها أو بعضها لصالح طرف بشري معين ، سواء باستخدام القوة أم السلطة السلطة السياسية أم الدين أم القانون أم العلوم أو التزوير ، أم الابتزاز أم الحرمان أم التوظيف أم التقصير المتعمد في المسؤولية أم الاهمال في التفويض أم عن طريق خيانة التمثيل المتفق عليه نيابة عن الآخرين". (ص 21).
يواصل الكاتب ويقول: " مشروع الإسلام السياسي ليس دينا ، إنما هو "مشروع كولونيالي" بحكم طبيعته وخطابه وغاياته، ولا يمنع من وصف هذا المشروع بالكولونيالية وجود بعض المبادرات الطيبة التي حدثت ضمن سياقه ، لأن سببه ودافعه الأساسي لم يكن أبدا هو هدف املبادرات" ( ص (23).
فمشروع الإسلام السياسي باختصار ارتبط بالسلب ومصادرة الحقوق والأخلاق والكرامة الانسانية.
4
كما تابع الكاتب في بحثه الطاقة الكولونيالية لمؤسسة الإخوان داخل السودان في خمسة محاور هي :
الأول : كولونيالية المجال السيادي في السيطرة عي المجال السيادي للدولة تنفيذيا وقضائيا وبرلمانيا من خلال العمل السياسي حتى تم تتويج ذلك بالسيطرة الكاملة عليه عبر الانقلاب العسكري.
الثاني : كولونيالية المجال الاقتصادي التي تجسدت في تكريس اقتصاد السوق الحر بمبررات دينية مثل : أن الله هو المسعر ، وأن الأصل في الإسلام هو الفرد.
الثالث: كولونيالية المجال الاجتماعي : كما في إلغاء التعددية الدينية والاثنية والثقافية ، بتحويل المجتمع السوداني الي مجتمع إخوان مسلمين .
الرابع : كولونيالية الفعل الحضاري باعتبار أن جوهر التاريخ هو من نصيب الإخوان، وأن الآخرين لا تاريخ لهم .
الخامس : كولونيالية المجال الحقاني: ويتجلى في انتهاك مجال " الحقانية" وصورها في ( الوعي الديني والعلوم والآداب والفنون والقوانين والأنظمة الضبطية) ، والمصادرة عبر آليتى الاجماع وآلية التأويل بوصفهما آلية دينية ، علما بأنها انشطة ناسوتية تماما ، وتاصيل المنتج المعرفي الي النص الديني باعتباره الصحيح اوحيد.( راجع صفحة : 991- 994).
5
خلص الكاتب بعد متابعة تاريخ المشروع الإخواني في السودان الي تعارضه وتقاطعه مع مبدأ المواطنة والدولة الوطنية والمشروع السياسي الوطني السوداني ، وفشله خلال سبعين عاما قبل "مؤتمر العيد" سنة 1954 في انجاز تركيب معرفي سياسي حقوقي جديد يجمع الفهم التعددي للدين وبين عمومية الوطن معا في تأليف محلي واحد.
كما أشار الي أن فشل مشروع الإسلام السياسي لايمكن اختزاله في التطبيق وتبريره بممارسات فردية أو من عناصر مندسة تسعى لتخريب دولة الإسلام ، بل في جذوره الفكرية، ولا يجدى التهرب من نقد الذات وفتح باب الحريات ، واتاحة مناخ ديمقراطي للعمل المشترك بين السودانيين من جهة أخرى حيث أدي الي تعثر عملية انقاذ الوطن من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية المتلاحقة.
( نواصل)

alsirbabo@yahoo.co.uk

كتاب كولونيالية الإسلام السياسي: عرض ومناقشة (2- 2) .. بقلم: تاج السر عثمان
1
في المناقشة لكتاب "كولونيالية الإسلام السياسي" ، كما أشرنا في الحلقة السابقة الي أن الكاتب بذل جهدا في دراسة تجربة الإسلام السياسي بالغوص في جذوره الفكرية ، وهذا البحث ياتي امتدادا متطورا لصراع فكرى خاضته الحركة السياسية والفكرية التي استشعرت خطورة هذا التيار علي وحدة وسلامة الوطن كما حدث بالفعل بعد تجربة ثلاثين عاما كانت وبالا علي العباد والبلاد ، في إطار مقاومتها لاستغلال الدين في السياسة، وجاء هذا الكتاب حلقة مهمة للنتاج الفكري الناقد للإسلام السياسي ، ودراسة خصوصية الإسلام في السودان ،علي سبيل المثال، لا الحصر:
مؤلفات د. محمد سعيد القدال (الاسلام والسياسة في السودان، الانفاق في القرآن الكريم ..الخ)، مؤلف د. احمد عثمان عمر( القوانين الاسلامية)، مؤلفات طه ابراهيم المحامي(هذا أو التخلف...الخ)،كمال الجزولي(عتود الدولة،..الخ)، د. كامل ابراهيم حسن(الاسلام والعلمانية،..الخ)، مؤلفات د.حيدر ابراهيم علي(أزمة الاسلام السياسي، سقوط المشروع الحضاري..الخ)، مؤلفات د. منصور خالد( الفجر الكاذب..)، مؤلفات تاج السر عثمان الحاج حول التشكيلات الاقتصادية - الاجتماعية لممالك السودان الوسيط (تاريخ النوبة المسيحية، الفونج، والفور، التركية ، المهدية الاحتماعي..الخ)، مؤلفات الاستاذ محمود محمد طه وتلاميذه، وغير ذلك من عشرات المؤلفات والمقالات والدراسات التي نشرت في المجلات والصحف السيارة والالكترونية داخل وخارج البلاد التي تصدت لظاهرة الإسلام السياسي، وأكدت علي ضرورة الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع..
مما يشير الي أن الحركة السياسية والفكرية السودانية راكمت دراسات وابحاث ومقاومة متصاعدة لخطل الدولة الدينية، وتلك الابحاث والدراسات تشكل رصيدا فكريا وأساسا متينا للانطلاق منه في مواصلة االتصدى لدعاة الدولة الدينية والهوس الديني والقمع والنهب باسم الإسلام، ومواصلة الصراع من مواقع الهجوم، لا الدفاع أوالتبرير أو الاعتذار، ضد كل ما يحط من قيمة الانسان السوداني، ويكرس الديكتاتورية والقهر والنهب والاستغلال وتمزيق وحدة البلاد باسم الدين، ويرسخ الديمقراطية والعدالة والسلام
2
بتسليط الضوء على مفهوم أوتجربة الإسلام السياسي في السودان يتضح الاتي:
برز مفهوم ومصطلح الاسلام السياسي في الدراسات المعاصرة كرمز للحركات التي رفعت شعارات مثل: (الاسلام هو الحل) ، (الحاكمية لله)... الخ، ولكن المصطلح ملتبس اذ مامعني أن الاسلام هو الحل؟ ، ومامعني الحاكمية لله؟.
ولكن يبدو أن الأقرب الي الواقع الحديث عن (الدين والسياسة) أو (استغلال الدين في السياسة)، وبالتالي، يمكن القول أن المقصود بالاسلام السياسي: هو تلك الحركات السلفية التي اتخذت من الاسلام غطاءا ايديولوجيا والتي بدأت في شكلها الحديث بمدرسة حسن البناء في مصر والمودودي في باكستان، تلك الحركات التي رفعت شعار الحاكمية لله ، وحاولت اعادتنا لمربع الدولة الدينية التي تجاوزها التاريخ.
وقد عبر المستشار محمد سعيد العشماوي عن التمييز بين السياسة والدين في كتابه: الاسلام السياسي (دار سينا للنشر 1987 ، ص 15 ) بقوله:
(المقصود من التمييز بين السياسة والدين أن تقوم الأعمال السياسية باعتبارها أعمال بشر ليسوا مقدسين ولا معصومين ، وأن الحكام مختارون من الشعب وليسوا معينين من الله).
علي أن العودة لمربع الدولة الدينية فكرة رجعية تجاوزها التاريخ الذي لا يمكن ارجاع عجلته الي الوراء،
واذا رجعنا الي الوراء نجد أن فكرة (الحاكمية لله) كانت موجودة في الحضارات القديمة علي سبيل المثال:
- في مصر القديمة كان الفرعون صورة الله في الأرض "فحشر فنادي * فقال أنا ربكم الأعلي*" (سورة النازعات).
- وفي اليابان كان الامبراطور ظل الله في الأرض.
- وفي اوربا القرون كان الحاكم ظل الله في الأرض وله حق مقدس في الحكم ، وأحكامه تصدر تبعا للعناية الالهية.
- وفي السودان القديم في حضارات (نبته ومروي) كان الحكم بالحق الالهي.
علي أن مايؤكد خطل وفساد ورجعية الدولة الدينية التجارب المعاصرة لها في: افغانستان والسودان وايران والتي كانت مثالا لمصادرة حقوق الانسان وقهر المرأة ، ونهب قدرات البلاد الاقتصادية لمصلحة فئات رأسمالية طفيلية قليلة، وافقار الغالبية العظمي من الشعب، وتمزيق وحدة البلاد وانتهاج سياسات فتحت الطريق للتدخل الاجنبي وفقدان تلك البلاد لسيادتها الوطنية، وبالتالي لم تقدم نماذج جاذبة لفكرة الدولة الدينية باسم الإسلام.
وفي السودان وقفت الدولة الدينية أو مايسمي ب (دولة المشروع الحضاري) عقبة أمام وحدة السودان ، والتي يجب أن تقوم علي دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن المعتقد أو العرق أو اللغة أو الثقافة، مما كان من أسباب فصل جنوب السودان..
وبالتالي اصبح لابديل للدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع وتكفل الحقوق والحريات الديمقراطية ( حرية التعبير والنشر والتنظيم)، وحرية المعتقد وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء، ويتساوي فيها الجميع. تلك الدولة هي التي تشكل الاطار المناسب للتداول الديمقراطي للسلطة بين الأحزاب والطبقات المصطرعة في المجتمع علي اختلاف وتباين برامجها وسياساتها وتوجهاتها الاقتصادية والفكرية.
3
وفي السودان برزت تجربة الحركة الاسلامية التي اتخذت اسماء مختلفة مثل: الأخوان المسلمين وجبهة الميثاق الاسلامي بعد ثورة اكتوبر 1964م، والجبهة القومية الاسلامية بعد المصالحة مع نظام الديكتاتور جعفر نميري عام 1977م، والمؤتمر الوطني بعد انقلاب الانقاذ في يونيو 1989م، الذي انشق الي وطني وشعبي بعد المفاصلة عام 1999م.
من أهم المؤلفات التي لخصت تجربة الحركة الاسلامية: مؤلف د. حسن مكي ( حركة الأخوان المسلمين في السودان) ومؤلف د. حسن الترابي (الحركة الاسلامية في السودان: التطور والمنهج والكسب)، ومن هذين المؤلفين يمكن أن نلحظ الآتي:
- قامت الحركة الاسلامية كرد فعل لنمو ونشاط الحركة الشيوعية السودانية في منتصف اربعينيات القرن الماضي. ولم تكتف بذلك، بل تبنت أشكال عملها وتحالفاتها التكتيكية والاستراتيجية في العمل التنظيمي والجماهيري علي سبيل المثال : اتخذت وسط الطلاب اسم (الاتجاه الاسلامي) مقابل (الجبهة الديمقراطية) ووسط الشباب ( الاتحاد الوطني للشباب ) مقابل ( اتحاد الشباب السوداني)، ووسط النساء الاتحاد الوطني للنساء ) مقابل ( الاتحاد النسائي السوداني)، وكذلك الحال وسط المهنيين والاشكال الجبهوية علي النطاق الوطني التي دخل فيها الحزب الشيوعي السوداني.
وبالتالي يتضح الطبيعة والنشأة الطفيلية لهذا التنظيم العاجز عن اتخاذ الاشكال التنظيمية التي تنبع من فكره وجهده في دراسة الواقع.
- رفعت الشعارات المبهمة التي لاتغني ولاتسمن من جوع مثل: (الاسلام هو الحل) ، اذ ما معني أن الاسلام هو الحل؟ ، وحل لماذا؟، والشعارت المضللة حول (العلمانية) باعتبارها كفر ورذيلة ودعوة للتحلل الخلقي والالحاد ومؤامرة صهيونية ضد الاسلام. الخ، في حين أن (العلمانية) هي دعوة لأن تكون السياسة ممارسة بشرية تقبل الخطأ والصواب ، بدون قداسة وحكم زائف باسم السماء، وأن العلمانية لاتعني استبعاد الدين من حياة المواطنين، فما علاقة ذلك بالالحاد والتحلل الخلقي والمؤامرة الصهيونية.الخ؟؟؟!!!!
الفرية الثانية في شعارات الحركة الإسلامية هي الدعاية المضللة ضد (الشيوعية) وتصويرها بأنها كفر والحاد ودعوة للرذيلة وغير ذلك من الأوصاف التي لايقبلها العقل والفكر السياسي الحديث، في حين أن (الشيوعية) دعوة لاقامة مجتمع خالي من كل أشكال الاستغلال الطبقي والعنصري والديني والاثني والجنسي ، وتحقيق الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر، فما علاقة ذلك بالكفر والرذيلة والتحلل الأخلاقي ..الخ؟!!!.
4
- نلاحظ أن الحركة الإسلاموية لم تبذل ا جهدا معتبرا في دراسة واقع السودان وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية وتطوره التاريخي، ولم تقدم رؤي منتجة وفعّالة لحل مشكلة الأقليات في السودان، وقضايا الاصلاح الزراعي والصناعي والتعليم والصحة ..الخ، وعندما وصلت تلك الحركة للسلطة لم تفعل شيئا سوي أنها تبنت سياسة الاقتصاد الحر في ابشع صوره، وخصخصة القطاع العام، و(روشتة) صندوق النقد الدولي بسحب الدعم عن التعليم والصحة والخدمات والسلع الأساسية، وهي سياسات افقرت الشعب السوداني بحيث اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر فاي اسلام هذا؟! كما دمرت هذه السياسات القطاع العام عن طريق الخصخصة وتم بيع مرافق السكة الحديد ومشروع الجزيرة والنقل النهري ، ولم يتم تخصيص جزء من عائدات النفط لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والخدمات، كما تم تدمير الخدمة المدنية من خلال تشريد الالاف من الكوادر المؤهلة والمدربة لأهداف سياسية، كما تم ادخال نظام التعذيب الوحشي حتي الموت للمعتقلين السياسيين، كما عمّق التفرقة العنصرية ومزق وحدة البلاد وفرط في سيادتها الوطنية( احتلال حلايب وشلاتين من قبل مصر، واثيوبيا للفشقة.الخ)، اضافة لنهب ثروات البلاد كما في نهريب عائدات البترول والذهب التي تقدر بعشرات المليارات خارج البلاد، كما يمكن أن تساهم في تنمية البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كل ذلك يوضح مدي تخبط هذه الحركة التي ذابت داخل السلطة، ونشأت من صلبها مجموعة رأسمالية طفيلية فاسدة حتي نخاع العظم، وتناسلت وتكاثرت داخل تلك البحيرة الراكدة التنظيمات السلفية الإرهابية التي تكفر الجميع.
لم تقدم الحركة نماذجا للتنمية والديمقراطية يحتذي بها رغم وجودها في السلطة لثلاثين عاما حسوما ، وحتي الصيغ الاسلامية التي قدمتها كانت فاشلة مثل نظم: البنوك الاسلامية ( زيادة الربا) ، ونظام السلم، والزكاة، ولم تسهم تلك النظم في التنمية وخلق نظام اجتماعي عادل.
كما لم تنتج هذه الحركة حتي بعد الوصول للسلطة وتسخير كل امكانانها لها فنا أو ادبا يذكر ، اضافة لخلوها من الطاقات المبدعة والخلاقة وعيشها في فراغ ثقافي، و لم تنتج دراسات عميقة في الواقع السوداني كما أشرنا سابقا. اضافة الي أن اخطر ما في دعوة الحركة الاسلامية هو: اعتبار كل تاريخنا الثقافي منذ ممالك السودان القديمة والنوبة المسيحية جاهلية، والغاء وتحطيم آثار تلك الفترة بوسائل وطرق غير مباشرة وماكرة.
5
- ارتبطت الحركة منذ نشأتها بالارهاب ودعم الأنظمة الديكتاتورية مثل: محاولة اغتيال الحاكم العام روبرت هاو ، وتأييد انقلاب 17 نوفمبر 1958م (نظام عبود) والدخول في (حالة كمون) كما أشار د. الترابي خوفا من القمع كما حدث لحركة الاخوان المسلمين في مصر، حتي تحركوا في السنوات الأخيرة وركبوا موجة المعارضة التي تصاعدت ضد النظام.
وبعد ثورة اكتوبر 1964م خططوا لمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في خرق واضح للدستور وانتهاك لاستقلال القضاء برفض قرار المحكمة العليا لقرار الحل وباعتباره غير دستوري ، مما خلق أزمة في البلاد، كان من نتائجها انقلاب 25/5/1969م.
كما ادخلوا العنف في الحياة السياسية وخاصة وسط الطلاب والهجوم المسلح علي دور الحزب الشيوعي بعد قرار حله، والهجوم علي معرض الفنون الشعبية الذي اقامته جمعية الثقافة الوطنية والفكر التقدمي بجامعة الخرطوم عام 1968م، وتكوين التشكيلات العسكرية التي استخدموها في العنف في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حتي تفذوا انقلاب 30 يونيو 1989م، واقاموا دولة ارهابية فاشية ودموية حولت حرب الجنوب الي دينية، ونتجت منها فظائع عمقت جراح الوطن ، بعد انقلابهم الذي قطع الطريق أمام الحل السلمي ( اتفاق الميرغني – قرنق)، مما أدي لانفصال الجنوب. .
كما ايدوا محكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968م، وباركوا اعدامه عام 1985م بعد قوانين سبتمبر1983م.
6
علي أنه مهم النظر اوسع من الكولونيالية من زاوية أن تنظيمات الإسلام السياسي تاريخيا كانت مخالب وأدوات للاستعمار بشقيه القديم والحديث والتحالف مع امريكا والسعودية التي دعمت الوهابية وحركات والإخوان المسلمين وتنظيمات القاعدة في حرب افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي ، و في الحرب الباردة ضد الشيوعية والمعسكر الاشتراكي، والمشاركة في ضرب النظم الديمقراطية والوطنية في بلدان العالم الثالث ، وشق وحدتها الوطنية، و نفكيك الاتحاد السوفيتي السابق .
- عارضوا اشتراك المرأة في السياسة حتي فرضت عليهم الأحداث ذلك بعد ثورة اكتوبر 1964م، ثم بعد ذلك ركبوا الموجة وجاءت اجتهادات د. الترابي لتبرير اشتراكها في انتخابات الطلاب والانتخابات العامة.
- رغم التحولات في بنية الحركة الإسلامية والاصلاحات التي احدثها د. الترابي فيها بعد انقلاب 25 مايو وطرحه للتجديد في الشكل لا المحتوي الذي ظل بائسا ومكرسا للاحادية والتسلط حتي داخل التنظيم مثل الدخول في السوق وادخال التقنية الحديثة (كمبيوتر وادوات اتصال ووسائل اعلامية وادارية حديثة.)، الا أنه بعد انقلاب 30 يونيو 1989م تم خلق فئة رأسمالية إسلاموية طفيلية نهبت قطاع الدولة.
- تكرار تجارب الفاشية والنازية باسم الاسلام ، ويتضح ذلك في بداية انقلاب الاسلاميين عتدما استخدموا ابشع اساليب الاعتقالات والتعذيب الوحشي لالاف المعارضين السياسيين والنقابين في بيوت الأشباح سيئة الصيت، وتشريد أكثر من (450) الف من اعمالهم، وممارسة الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ، وتكوين مليشيات الجنجويد (الدعم السريع حاليا) التى تشكل خطرا علي وحدة البلاد ،مما أدي ليكون البشير ومن معه مطلوبا للمجكمة الجنائية الدولية.
اضفة لمحاولة محو التاريخ السوداني من الذاكرة السودانية وفرض مناهج للتعليم تكرس لايديولوجية التنظيم الاحادية وضيقة الافق، وتضخيم الاجهزة الأمنية وزيادة ميزانيتها لتصل الي اكثر من 75% من الميزانية العامة وتقليل ميزانيتي التعليم والصحة، والصرف الضخم علي جهاز الدولة والإعلام المتضخم وارتباط الحزب بالدولة ، والسيطرة علي النقابات وربطها بالدولة عن طريق مايسمي بنقابة المنشأة وتزوير انتخابات نقابات العاملين والمهنيين واتحادات الطلاب والانتخابات العامة وصرف من لايخشي الفقر علي تلك المهازل المسماة زورا انتخابات، اضافة لتوسيع قاعدة القمع بذرائع ايديولوجية والمضايقات الشخصية للمواطنين واصحاب الديانات المسيحية وكريم المعتقدات عن طريق مايسمي بقوانين النظام العام، اضافة الي الغاء ونفي الآخر، وتحويل حرب الجنوب في بداية انقلاب الانقاذ الي حرب دينية،.
وخلاصة الأمر يتضح لنا فشل تجربة الاسلام السياسي في السودان ومدي الخراب والدمار الذي الحقته بالبلاد من تدمير للاقتصاد والاخلاق والمجتمع والتفريط في السيادة الوطنية وتمزيق وحدة البلاد، مما أدي لتراكم المقاومة ضد نظام الانقاذ الذي اقاموه حنى انفجار ثورة ديسمبر التي ما زالت جذوتها متقدة، و النضال مستمرا لاستكمال الثور وتفكيك تالتمكين واسترداد الأموال المنهوبة، وضم شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لصالح لولاية وزارة المالية، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات زقيام الجيش الوقمي المهني الموحد ، وتحقيق بقية أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية..

alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////

 

آراء