خواطر شتى من وحي زيارة روما والفاتيكان
د. خالد محمد فرح
23 December, 2022
23 December, 2022
Khaldoon90@hotmail.com
قمت ترافقني زوجتي في الاسبوع المنصرم ، بزيارة عمل الى ايطاليا استغرقت اربعة ايام. شملت المهمة زيارة الى العاصمة الايطالية روما، وتمثلت على نحو اخص في زيارة الى حاضرة الفاتيكان بغرض تقديم اوراق اعتمادي الى قداسة البابا فرانسيس ، سفيرا لدى الكرسي الرسولي مقيما بباريس، وهو ما تم لي بفضل الله في صباح يوم الخميس الموافق 15 ديسمبر الحالي 2022م.
انطوت مهمتي بالفاتيكان بالتاكيد، على جوانب وابعاد سياسية ودبلوماسية محدّدة ، ليس هذا هو المجال المناسب للخوض فيها بطبيعة الحال، بيد انني اود ان اشرك الاصدقاء وسائر القراء الكرام معي في بعض التأملات والخواطر المعرفية: التاريخية واللغوية والثقافية والفنية ذات الطبيعة العامة، التي عنّت لي من خلال وقائع هذه التجربة المثيرة حقا.
استقبلنا بحفاوة ظاهرة فور وصولنا الى مطار ليوناردو دافنشي الدولي بروما، حيث وجدنا في استقبالنا على باب الخروج من الطائرة موظف من بروتكول الفاتيكان في مسوح كنسي، يتحدث الانجليزية بلكنة امريكية، وقد ذهب وهلي بالفعل ترجيحاً الى انه ربما كان امريكي الجنسية، ولما سالته عن جنسيته الاصلية رد علي بانه امريكي من اصول كندية من مقاطعة كويبك ذات التراث الفرنسي والفرانكفوني العتيد، ثم استقر اسلافه بولاية لويزيانا ذات التراث الكاثوليكي والفرانكفوني الواضح في امريكا، ومن ذلك على سبيل اسمها ذاته المشتق من اسم الملك الفرنسي لويس الخامس عشر أو السادس عشر، ومن هنا جاء انتماء ذلك الراهب الى المذهب الكاثوليكي. ومضيت مع مضيفي في الحديث، فوددت ان استعرض امامه معرفتي واطلاعي على بعض جوانب التاريخ المعاصر للولايات المتحدة، فتسرعت وبادرت قائلا: ان الرئيس الامريكي الوحيد الذي كان كاثوليكي المذهب هو جون كندي، فصوبني الرجل بلطف وتهذيب ، وأفادني بان الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن نفسه ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية، وهي معلومة لم اكن على علم بها البتة.
ثم ما لبثنا أن وجدنا زميلنا السفير سيد الطيب ونائبه الوزير المفوض محمد المعتز في انتظارنا ايضا وصحبناهما مع مندوب برتوكول الفاتيكان الى قاعة كبار الزوار ، حيث ألفينا بها في استقبالنا ايضا، زميلتينا الدبلوماسيتين بالبعثة: المستشارة زهرة جلال ، والسكرتير الاول ايمان موسى.
اقمنا بفندق Residenza San Paolo أي نزل القديس بولس الذي يقع على بعد اقرب من مرمى حجر من الفاتيكان، وخصوصا من ساحة القديس بطرس التي تقع في قبالة مدخل الفندق تماما، بحيث اننا كنا نشاهد من على شرفة غرفتنا ارتال الزوار والسواح الذين يتقاطرون على ذلك المزار الديني والسياحي المرموق بلا توقف، والذي تؤدّى فيه سائر المناسبات الدينية، ويطل على ساحته الحبر الاعظم كل يوم احد لكي يقود القداس الاسبوعي المشهود. وقد دخلنا الى تلك الساحة وزرناها انا وزوجتي مشيا على الاقدام من الفندق، وتصورنا فيها، وتاملنا مشاهد الصور والتماثيل والنقوش المتقنة، والكنيسة الكبرى بقبتها البديعة، والمسلة الفرعونية المجلوبة من مصر، المنصوبة في وسط ذلك الميدان.
لم تكن تلك هي زيارتي الاولى الى روما، فقد زرتها من قبل في نحو عام ٢٠٠٢ او ٢٠٠٣م ، وانا قادم من طرابلس الغرب في طريقي الى اديس ابابا، ولكن زوجتي لم تزرها من قبل فطلبت من السائق الذي وضعه الزملاء الافاضل بالسفارة تحت تصرفنا ان يحملنا الى اطلال مسرح الكوليزيوم الروماني الشهير لكي تراه. ذلك المقصد الذي يعد واحدا من اشهر المعالم السياحية التاريخية داخل العاصمة الايطالية، والذي كان ساحة للتسلية والفرجة بالنسبة للاباطرة والقادة الرومان وساير فئات الشعب لمشاهدة مختلف انواع الصراع والجلاد والمبارزة بين الابطال، وكذلك مشاهد مصارع البؤساء من الاسرى والمساجين المحكوم عليهم بالاعدام ، وقد أطلقت عليهم الاسود المجوّعة عمدا لكي تفترسهم وتنهش لحومهم نهشا وهم احياء، وسط صخب النظّارة وقهقهاتهم.
ان ذلك يذكرنا في الواقع بقصة " أندرو والأسد " التي درسونا اياها في المدرسة الابتدائية، وهي من الادب الاوروبي المترجم. وقد قال العلامة عبد الله الطيب إن أندرو والاسد معناها: الرجل والاسد. اذ ان اندرو هو الرِجل باتفاق عندهم في اللاتينية القديمة. ومضى الدكتور علي فهمي خشيم في بيان تخريج الاسم اندرو ومحاولة التماس اصل له في العربية ايضا، فكانه يقول بان اللاتينية ربما تكون قد اخذته من العربية، فقارب بين اللفظ اندرو والاسم العربي الشهير " عنتر او عنترة " ، ومعناه الرجل القوي والباسل مطلقاً، وقد كانت تلك هي صفة الشاعر والفارس المشهور " عنترة بن شداد " كما هو معروف. والحق هو ان الجذر اللغوي ع ت ر وكذلك ع ت ل باللام عوضاً عن الراء يفيد في العربية معنى القوة والمنعة والشدة الخ ، ومن ذلك الفعل عتل بمعنى حمل شيئا ثقيلا بمشقة، ومنه ايضا الصفة عُتلّ بمعنى الغليظ الجافي من الناس ، وليس ببعيد منه في العامية الصفة " عنتيل " الذي يطلق اسما علما على بعض الرجال كصفة مدح غالباً، وكذلك " عتريس "، فكلهن شقائق عنترة واندرو يا هذا.
وكذلك زرنا نافورة الاماني الشهيرة ايضا، والتي يقصدها السياح ويقذفون مختلف انواع العملات المعدنية في مياه حوضها المستدير، اعتقادا منهم بان مثل ذلك الصنيع، كفيل بأن يضمن لهم عودة اخرى لزيارة روما في يوم ما من الايام. وتلك لعمري هي ذات النافورة التي تظهر في احد اشهر مشاهد الفيلم السينمائي " عنتر شايل سيفه " بطولة النجم الكوميدي الاشهر الزعيم عادل امام، والساعة بخمسة جنيه والحسّابة بتحسب !!.
وقبيل عودتنا الى الفندق، عرجنا على مطعم اريتري صغير اسمه " اسمرا "، فتغدينا بأنجيرا بطبيخ زغني طاعم بالدجاج ، وسلطة في امان الله، وأطفأنا لذعة شطة الزغني الحارقة، بمشروب اسبرايت مثلج.
أهدى الحبر الاعظم لجميع السفراء المعنيين ومرافقيهم هدية تذكرية رمزية عبارة عن ميدالية معدنية فضية اللون عليها رسوم ونقوش بارزة متقنة الصنع، موضوعة في صندوق صغير مغلف بغلاف ورقي ابيض اللون، أما وزير الخارجية فقد اهدى لكل سفير نسخة من مجلد يحوي نسخا مصورة ومصغرة من التحف واللوحات المحفوظة بكنيسة سيستين المتحفية الصغيرة The Sistine Chapel التي يعود تأسيسها الى القرن الخامس عشر الميلادي، وبالتحديد على يد المهندس المعماري باكشيو بونتللي
الذي انجز هذا المعلم الديني والثقافي والسياحي المرموق بين عامي 1477 و 1481م، الذي جرى تصميمه بنفس مقاسات وابعاد هيكل سليمان المفقود، والذي ظل منذ ذلك التاريخ ولعقود طويلة متحفاً يضم أرفع التحف واللوحات الفنية لكبار فناني عصر النهضة مثل روفائيل ومايكل انجلو وأضرابهما، الذين برعوا في رسم وتصوير مختلف المشاهد الدينية المستوحاة من كلا العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس، مثل: خلق الكون، وخلق آدم، والخطيئة الكبرى، والعشاء الاخير، وتعميد المسيح على يد يحي بن زكريا عليهم السلام ، وهلم جرا. كما كانت تلك الكنيسة الصغيرة أيضاً، المكان الذي يختلي فيه الكرادلة ليختاروا البابا الجديد من بينهم.
فجميع هذه المعلومات والصور واللوحات وكثير غيرها موجودة في هذا المجلد المسلي والمفيد للغاية في بابه.
زرنا مبنى سفارتنا في روما، واستضافنا السيد السفير سيد الطيب في مكتبه وجاء جميع اعضاء البعثة بمختلف مواقعهم ووظائفهم فسلموا علينا، وجلسنا مع السيد السفير السفير والزملاء الدبلوماسيين، وطفق الاخ ابو السيد الامدرماني الهاشمابي القح، يحدثنا حديثاً شائقا في مواضيع شتى. حدثنا عن مبنى السفارة وكيف انه مستأجر من اسرة ممثل افلام الوستيرن او الكاوبوي الشهير الراحل " بد سبنسر "، وان مكتبه الذي استقبلنا فيه كان هو في الواقع غرفة بد اسبنسر نفسها، ثم اردف متحسرا بان ورثة الراحل طلبوا منهم اخلاءه نظرا لحاجتهم اليه. غالبا بسبب طمع الورثة فيما سوف يدره عليهم من اموال طائلة في حالة تحويله مثلاً الى مزار او متحف لنجم سينمائي عالمي شهير.
وعادت بي الذاكرة الى ايام الصبا والشباب عندما كنا نستمتع بافلام الكاوبوي التي يتناوب على بطولتها ممثلون مشهورون معظمهم من الجنسية الايطالية مثل فرناندو سانشو الذي كان يلقب بديجانقو، وجوليانو جيما، ثم علمت لاول مرة من خلال هذه الزيارة ان بد اسبنسر هو الاخر ايطالي الجنسية، ولا ادري عما اذا كان رفيق دربه الذي كان يمثل معه دائما " تيرنس هل " الذي كان يلقب ب " ترنتي " ايطالي ايضا ، ام انه امريكي امه بنت عم ابيه !. كان بد اسبنسر بضخامة جثته وقوته البدنية الهائلة ، يمثل القوة، بينما كان تيرنس هل في المقابل، يمثل البراعة وخصوصا في استخدام السلاح، واعتلاء صهوات الجياد، والذكاء وخفة الحركة، وخفة الروح ايضا فنشأ بينهما تكامل محكم ضمن لهما التفوق على الاعداء دائما.
والشىء بالشىء يذكر، ذكر لنا السفير سيد ان احدى كريمات السفير القدير الراحل أحمد صلاح بخاري الذي عمل سفيرا للسودان بروما في عام 1968م، قد زارت روما مؤخرا لكي تسأل عن موقع البيت الذي كانت اسرتها تقطن فيه في طفولتها، وكذلك المدرسة العالمية التي درست فيها عهدئذ، فساعدتها السفارة في هذا الامر لغرض الذكرى والتوثيق.
وختاماً ، كانت واسطة عقد زيارتنا لروما والفاتيكان،، هي بلا ريب مأدبة العشاء الفخيمة التي اقامها لنا السيد السفير بمنزله بحضور جميع اعضاء البعثة، ولقد استمتعنا بالحفاوة وكرم الضيافة وحسن الاستقبال الذي خصنا به الاخ السفير وولداه الشابان محمد وأمين، وجميع الاخوة والاخوات اعضاء البعثة، كما نعمنا بانسهم البهيج، وبصحاف الطعام الشهي الذي قدم لنا في تلك الليلة الدافئة بصدق المشاعر ورحابة القلوب، رغم انهمار المطر وبرودة الطقس، فبارك الله فيهم، ولله درهم اجمعين.
//////////////////////
قمت ترافقني زوجتي في الاسبوع المنصرم ، بزيارة عمل الى ايطاليا استغرقت اربعة ايام. شملت المهمة زيارة الى العاصمة الايطالية روما، وتمثلت على نحو اخص في زيارة الى حاضرة الفاتيكان بغرض تقديم اوراق اعتمادي الى قداسة البابا فرانسيس ، سفيرا لدى الكرسي الرسولي مقيما بباريس، وهو ما تم لي بفضل الله في صباح يوم الخميس الموافق 15 ديسمبر الحالي 2022م.
انطوت مهمتي بالفاتيكان بالتاكيد، على جوانب وابعاد سياسية ودبلوماسية محدّدة ، ليس هذا هو المجال المناسب للخوض فيها بطبيعة الحال، بيد انني اود ان اشرك الاصدقاء وسائر القراء الكرام معي في بعض التأملات والخواطر المعرفية: التاريخية واللغوية والثقافية والفنية ذات الطبيعة العامة، التي عنّت لي من خلال وقائع هذه التجربة المثيرة حقا.
استقبلنا بحفاوة ظاهرة فور وصولنا الى مطار ليوناردو دافنشي الدولي بروما، حيث وجدنا في استقبالنا على باب الخروج من الطائرة موظف من بروتكول الفاتيكان في مسوح كنسي، يتحدث الانجليزية بلكنة امريكية، وقد ذهب وهلي بالفعل ترجيحاً الى انه ربما كان امريكي الجنسية، ولما سالته عن جنسيته الاصلية رد علي بانه امريكي من اصول كندية من مقاطعة كويبك ذات التراث الفرنسي والفرانكفوني العتيد، ثم استقر اسلافه بولاية لويزيانا ذات التراث الكاثوليكي والفرانكفوني الواضح في امريكا، ومن ذلك على سبيل اسمها ذاته المشتق من اسم الملك الفرنسي لويس الخامس عشر أو السادس عشر، ومن هنا جاء انتماء ذلك الراهب الى المذهب الكاثوليكي. ومضيت مع مضيفي في الحديث، فوددت ان استعرض امامه معرفتي واطلاعي على بعض جوانب التاريخ المعاصر للولايات المتحدة، فتسرعت وبادرت قائلا: ان الرئيس الامريكي الوحيد الذي كان كاثوليكي المذهب هو جون كندي، فصوبني الرجل بلطف وتهذيب ، وأفادني بان الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن نفسه ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية، وهي معلومة لم اكن على علم بها البتة.
ثم ما لبثنا أن وجدنا زميلنا السفير سيد الطيب ونائبه الوزير المفوض محمد المعتز في انتظارنا ايضا وصحبناهما مع مندوب برتوكول الفاتيكان الى قاعة كبار الزوار ، حيث ألفينا بها في استقبالنا ايضا، زميلتينا الدبلوماسيتين بالبعثة: المستشارة زهرة جلال ، والسكرتير الاول ايمان موسى.
اقمنا بفندق Residenza San Paolo أي نزل القديس بولس الذي يقع على بعد اقرب من مرمى حجر من الفاتيكان، وخصوصا من ساحة القديس بطرس التي تقع في قبالة مدخل الفندق تماما، بحيث اننا كنا نشاهد من على شرفة غرفتنا ارتال الزوار والسواح الذين يتقاطرون على ذلك المزار الديني والسياحي المرموق بلا توقف، والذي تؤدّى فيه سائر المناسبات الدينية، ويطل على ساحته الحبر الاعظم كل يوم احد لكي يقود القداس الاسبوعي المشهود. وقد دخلنا الى تلك الساحة وزرناها انا وزوجتي مشيا على الاقدام من الفندق، وتصورنا فيها، وتاملنا مشاهد الصور والتماثيل والنقوش المتقنة، والكنيسة الكبرى بقبتها البديعة، والمسلة الفرعونية المجلوبة من مصر، المنصوبة في وسط ذلك الميدان.
لم تكن تلك هي زيارتي الاولى الى روما، فقد زرتها من قبل في نحو عام ٢٠٠٢ او ٢٠٠٣م ، وانا قادم من طرابلس الغرب في طريقي الى اديس ابابا، ولكن زوجتي لم تزرها من قبل فطلبت من السائق الذي وضعه الزملاء الافاضل بالسفارة تحت تصرفنا ان يحملنا الى اطلال مسرح الكوليزيوم الروماني الشهير لكي تراه. ذلك المقصد الذي يعد واحدا من اشهر المعالم السياحية التاريخية داخل العاصمة الايطالية، والذي كان ساحة للتسلية والفرجة بالنسبة للاباطرة والقادة الرومان وساير فئات الشعب لمشاهدة مختلف انواع الصراع والجلاد والمبارزة بين الابطال، وكذلك مشاهد مصارع البؤساء من الاسرى والمساجين المحكوم عليهم بالاعدام ، وقد أطلقت عليهم الاسود المجوّعة عمدا لكي تفترسهم وتنهش لحومهم نهشا وهم احياء، وسط صخب النظّارة وقهقهاتهم.
ان ذلك يذكرنا في الواقع بقصة " أندرو والأسد " التي درسونا اياها في المدرسة الابتدائية، وهي من الادب الاوروبي المترجم. وقد قال العلامة عبد الله الطيب إن أندرو والاسد معناها: الرجل والاسد. اذ ان اندرو هو الرِجل باتفاق عندهم في اللاتينية القديمة. ومضى الدكتور علي فهمي خشيم في بيان تخريج الاسم اندرو ومحاولة التماس اصل له في العربية ايضا، فكانه يقول بان اللاتينية ربما تكون قد اخذته من العربية، فقارب بين اللفظ اندرو والاسم العربي الشهير " عنتر او عنترة " ، ومعناه الرجل القوي والباسل مطلقاً، وقد كانت تلك هي صفة الشاعر والفارس المشهور " عنترة بن شداد " كما هو معروف. والحق هو ان الجذر اللغوي ع ت ر وكذلك ع ت ل باللام عوضاً عن الراء يفيد في العربية معنى القوة والمنعة والشدة الخ ، ومن ذلك الفعل عتل بمعنى حمل شيئا ثقيلا بمشقة، ومنه ايضا الصفة عُتلّ بمعنى الغليظ الجافي من الناس ، وليس ببعيد منه في العامية الصفة " عنتيل " الذي يطلق اسما علما على بعض الرجال كصفة مدح غالباً، وكذلك " عتريس "، فكلهن شقائق عنترة واندرو يا هذا.
وكذلك زرنا نافورة الاماني الشهيرة ايضا، والتي يقصدها السياح ويقذفون مختلف انواع العملات المعدنية في مياه حوضها المستدير، اعتقادا منهم بان مثل ذلك الصنيع، كفيل بأن يضمن لهم عودة اخرى لزيارة روما في يوم ما من الايام. وتلك لعمري هي ذات النافورة التي تظهر في احد اشهر مشاهد الفيلم السينمائي " عنتر شايل سيفه " بطولة النجم الكوميدي الاشهر الزعيم عادل امام، والساعة بخمسة جنيه والحسّابة بتحسب !!.
وقبيل عودتنا الى الفندق، عرجنا على مطعم اريتري صغير اسمه " اسمرا "، فتغدينا بأنجيرا بطبيخ زغني طاعم بالدجاج ، وسلطة في امان الله، وأطفأنا لذعة شطة الزغني الحارقة، بمشروب اسبرايت مثلج.
أهدى الحبر الاعظم لجميع السفراء المعنيين ومرافقيهم هدية تذكرية رمزية عبارة عن ميدالية معدنية فضية اللون عليها رسوم ونقوش بارزة متقنة الصنع، موضوعة في صندوق صغير مغلف بغلاف ورقي ابيض اللون، أما وزير الخارجية فقد اهدى لكل سفير نسخة من مجلد يحوي نسخا مصورة ومصغرة من التحف واللوحات المحفوظة بكنيسة سيستين المتحفية الصغيرة The Sistine Chapel التي يعود تأسيسها الى القرن الخامس عشر الميلادي، وبالتحديد على يد المهندس المعماري باكشيو بونتللي
الذي انجز هذا المعلم الديني والثقافي والسياحي المرموق بين عامي 1477 و 1481م، الذي جرى تصميمه بنفس مقاسات وابعاد هيكل سليمان المفقود، والذي ظل منذ ذلك التاريخ ولعقود طويلة متحفاً يضم أرفع التحف واللوحات الفنية لكبار فناني عصر النهضة مثل روفائيل ومايكل انجلو وأضرابهما، الذين برعوا في رسم وتصوير مختلف المشاهد الدينية المستوحاة من كلا العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس، مثل: خلق الكون، وخلق آدم، والخطيئة الكبرى، والعشاء الاخير، وتعميد المسيح على يد يحي بن زكريا عليهم السلام ، وهلم جرا. كما كانت تلك الكنيسة الصغيرة أيضاً، المكان الذي يختلي فيه الكرادلة ليختاروا البابا الجديد من بينهم.
فجميع هذه المعلومات والصور واللوحات وكثير غيرها موجودة في هذا المجلد المسلي والمفيد للغاية في بابه.
زرنا مبنى سفارتنا في روما، واستضافنا السيد السفير سيد الطيب في مكتبه وجاء جميع اعضاء البعثة بمختلف مواقعهم ووظائفهم فسلموا علينا، وجلسنا مع السيد السفير السفير والزملاء الدبلوماسيين، وطفق الاخ ابو السيد الامدرماني الهاشمابي القح، يحدثنا حديثاً شائقا في مواضيع شتى. حدثنا عن مبنى السفارة وكيف انه مستأجر من اسرة ممثل افلام الوستيرن او الكاوبوي الشهير الراحل " بد سبنسر "، وان مكتبه الذي استقبلنا فيه كان هو في الواقع غرفة بد اسبنسر نفسها، ثم اردف متحسرا بان ورثة الراحل طلبوا منهم اخلاءه نظرا لحاجتهم اليه. غالبا بسبب طمع الورثة فيما سوف يدره عليهم من اموال طائلة في حالة تحويله مثلاً الى مزار او متحف لنجم سينمائي عالمي شهير.
وعادت بي الذاكرة الى ايام الصبا والشباب عندما كنا نستمتع بافلام الكاوبوي التي يتناوب على بطولتها ممثلون مشهورون معظمهم من الجنسية الايطالية مثل فرناندو سانشو الذي كان يلقب بديجانقو، وجوليانو جيما، ثم علمت لاول مرة من خلال هذه الزيارة ان بد اسبنسر هو الاخر ايطالي الجنسية، ولا ادري عما اذا كان رفيق دربه الذي كان يمثل معه دائما " تيرنس هل " الذي كان يلقب ب " ترنتي " ايطالي ايضا ، ام انه امريكي امه بنت عم ابيه !. كان بد اسبنسر بضخامة جثته وقوته البدنية الهائلة ، يمثل القوة، بينما كان تيرنس هل في المقابل، يمثل البراعة وخصوصا في استخدام السلاح، واعتلاء صهوات الجياد، والذكاء وخفة الحركة، وخفة الروح ايضا فنشأ بينهما تكامل محكم ضمن لهما التفوق على الاعداء دائما.
والشىء بالشىء يذكر، ذكر لنا السفير سيد ان احدى كريمات السفير القدير الراحل أحمد صلاح بخاري الذي عمل سفيرا للسودان بروما في عام 1968م، قد زارت روما مؤخرا لكي تسأل عن موقع البيت الذي كانت اسرتها تقطن فيه في طفولتها، وكذلك المدرسة العالمية التي درست فيها عهدئذ، فساعدتها السفارة في هذا الامر لغرض الذكرى والتوثيق.
وختاماً ، كانت واسطة عقد زيارتنا لروما والفاتيكان،، هي بلا ريب مأدبة العشاء الفخيمة التي اقامها لنا السيد السفير بمنزله بحضور جميع اعضاء البعثة، ولقد استمتعنا بالحفاوة وكرم الضيافة وحسن الاستقبال الذي خصنا به الاخ السفير وولداه الشابان محمد وأمين، وجميع الاخوة والاخوات اعضاء البعثة، كما نعمنا بانسهم البهيج، وبصحاف الطعام الشهي الذي قدم لنا في تلك الليلة الدافئة بصدق المشاعر ورحابة القلوب، رغم انهمار المطر وبرودة الطقس، فبارك الله فيهم، ولله درهم اجمعين.
//////////////////////