هيجل والحرية المركزي وشكل وضع الهرم

 


 

 

من مفارقات السياسة السودانية، أن مراحل تطور التاريخ عند الفيلسوف الألماني هيجل لم تأتي صدفة بل هي تنبع من الروح المطلق أي هي حركة حرية و الكل خاضع لأداة الروح المطلق. و جاء ماركس ليقول أن الصراع الطبقي هو الذي يقود للتغييرات الاجتماعية و التاريخ. و يقول المفكر السوداني محمد إبوالقاسم حاج حمد " اقدمت حركة المثقفين السودانيين في وقت مبكر على نقد التركيبة غير الديمقراطية في المجتمع بهجومها الواسع الذي شنته على ( القبيلة) و ( الطائفية) و كشفت أرتباطاتها بالاستعمار و واقع التخلف. بعد عقود من الزمان تأتي اليوم ( القوى التقليدية) و تتهم القوى الحديثة المحركة للعملية السياسية بأنها مرهونة لدول الخارج. الفارق بين المقولتين هو السياق التاريخي لكل مقولة. الأمر الذي يوضح أن المقولات في السودان ثابته، و لكن المتغير الوحيد هو الوعي السياسي بحكم اتساع دائرة المعرفة و انتشار المعلومة.
إذا نظرنا لحركة القوى السياسية مجتمعة قبل أن ندخل في عملية فرز لها، نجد البعض كانت لهم رؤى للنضال ضد حكم الإنقاذ و التخلص منه، لكن لم يكن لديهم أي مشروع سياسي بعد هزيمة الإنقاذ، و حتى التي كان لديها مشروع تجده مرتبط برؤيتها لتحقيق أهدافها الإيديولوجية، و ليس مشروعا وطنيا يمكن أن تتبناه القوى الأخرى لتقطع به الفترة الانتقالية، و حتى يمكن الاستفادة منه لما بعد الفترة الانتقالية. فمثلا الحزب الشيوعي أجاز في مؤتمره الخامس ( مشروع البرنامج الوطني الديمقراطي) لكنه مرتبطت بمرجعية الحزب عندما يقول " أن تنفيذ مشروع البرنامج الوطني الديمقراطي هو الذي يضع حجر الأساس للبناء الاشتراكي، و هو غير منفصل عن ذهنية النضال من أجل التحول الوطني الديمقراطي" لذلك كان لابد من مشروع يلتف حوله الجميع. الأمر الذي جعل تجمع المهنيين يقدم ( الإعلان السياسي لقوى الحرية و التغيير) الذي وقعت عليه العديد من القوى السياسية و منظمات المجتمع المدني و غيرها من التجمعات في يناير 2019م. و فشلت القوى السياسية أن تحول الإعلان إلي مشروع سياسي مفصل. و فشلت في تكوين ( المجلس التشريعي) الذي تقع عليه عملية المراقبة و المساءلة مما أدى إلي تعثر في انجاز مهام الفترة الانتقالية.
أن إنقلاب 25 أكتوبر 2021م أدى لتغيير في المشهد السياسي، و لكن ظهر فعلان إيجابيان، الأول خروج الجماهير تدافع عن شعاراتها الديمقراطية قبل أن يتلوا رئيس الانقلاب بيانه، و هذه إشارة إيجابية أن الشارع يملك وعيا سياسيا جديدا أحدث صدمة قوية لقيادة الانقلاب، و أعطى إشارة أخرى لا بديل للديمقراطية. الثاني في ظل الأزمة التي خلقها الانقلاب، تم نشر الاءات الثلاث الناهية من قبل قوى سياسية، كان لابد من أحداث إختراق للساحة السياسية تنقلها من الاءات العدمية للحراك السياسي، و هذه لا تحصل بالشعارات لكنها بالرؤية و الفكر الذي ينقل العقل السياسي السوداني من حالة ردة الفعل إلي أحداث الفعل الذي يحرك عجلات العملية السياسية إلي الأمام. ظلت القوى السياسة في حالة ثبات شتوي بفضل الاءات، و بعض القوى تدثرت بالاءات فقط دون أن يكون لها رؤية للخروج من الأزمة، و قوى أخرى لا تملك غير ردات الفعل، هذه الحالة أدت للجمود السياسي، أن اقدام مجموعة الحرية المركزي بفتح حوار مع العسكر كانت خطوة جريئة و شجاعة أن تكسر حالة الجمود، و تنقل العملية السياسية لعتبة أعلى. بالضرورة كل قوى سياسية تقيمها حسب مصالحها. رغم واقع الانقلاب و ما نتج عنه من جمود للفعل السياسي، كانت خطوة الحرية المركزي قد أحدثت إندهاشة في الشارع السياسي الذي كان قد شل تفكيره تماما، لذلك كانت ردة الفعل تجاه خطوة الحرية متوقعة، و تسمى ثورة العجز، بأن القوى الأخرى لا هي قادرة أن تقدم تصورها لحل الأزمة، و تستقطب الجماهير و المجتمع الدولي، و لا قادرة أن تستوعب تصور الآخرين للحل. و بدأت الحرية المركزي تقدم تصورها في نقل العملية السياسية من عتبة في أدنى السلم إلي العتبات الأعلى، حتى وصلت مرحلة الاتفاق الإطاري بالاتفاق الإطاري. و عندما كان البرهان يقف في منابر الأسلحة العسكرية و يعلن أنه لم يوقع اتفاق ثنائيا، و لابد من مشاركة الجميع ماعدا المؤتمر الوطني. كانت بعض قيادة المركزي تؤكد أن مشروع حلها لا تبطئه مقولات المنابر. مما يؤكد أنهم كانوا مجودين عملهم تماما. فهل كان هؤلاء يملكون أداة الروح المطلق؟
أن أي عملية تغييرسياسي، أو محاولات سياسية لاختراق جدار الأزمة، لا تقوم به كل القوى السياسية مجتمعة، فالتاريخ القديم و المعاصر يبين أن الفكرة هي أهم أداة للتغيير، و يمكن أن يحملها حزب سياسي أو مجموعة و حتى شخص واحد، و سوف تجد تأييدا أو معارضة من قبل المجتمع التقليدي و الحديث، و لكن أصحابها وحدهم يقع عليهم عبء عملية نجاح الفكرة، و هي تتطلب دراسة كل مرحلة و تقيمها، ثم الانتقال إلي المرحلة الأخرى. فالحرية المركزي رغم النقد الذي قد وجه لها، لكنها استطاعات أن تتخطى حواجز كثير، و تقبض على مفاصل عجلة سريان العملية السياسية. و السؤال هل تستطيع الحرية المركزي أن تحافظ على النجاحات التي حققتها، خاصة فيما يخص توسيع دائرة المشاركة؟
و رغم هذا النجاح الذي حققته الحرية المركزي في رؤيتها حتى الآن، إلا إن المسيرة أيضا تحتاج لتوسيع قاعدتها الإجتماعية، إذا كانت هي بالفعل راغبة في عملية ( التحول الديمقراطي) فهي الآن قد انهت ورشة (إزالة لجنة التمكين) و قالت في بيان لها، أن الذين حضروا الورشة 350 شخص من مجموعة شعب تجاوز 40 مليون شخص، و هل الورش الأخرى سوف تستمر بذات الكيفية أن تكون هناك فئة محدودة هي وحدها التي تناقش قضايا حكم لشعب يتطلع إلي دولة ديمقراطية؟ و كان من المفترض أن أي شخص لديه الرغبة في المشاركة تتاح له. كان المتوقع أن القضايا التي يراد مناقشتها في الورش أن تقدم ندوات مفتوحة حولها، ندوات في الجامعات و الأحياء و النوادي و في الأقاليم، ثم تجمع اراء هؤلاء جميعا، و تقوم الورش بدراسة هذه الأراء و الوصول إلي القرارات و التوصيات.
مثلا قضية الشرق و قضية اتفاق جوبا أليس الأفضل أن تحمل تقام ندوات و لقاءات في الشرق و دارفور و تحمل كل الاراء بعد ذلك إلي الغرف المغلقة، و أيضا العدالة الانتقالية أن تفتح في كل المناطق صرع فيه شهيد و مناطق النزاعات. القضية الوحيدة التي كان يجب أن يتم التداول فيها هي قضية المؤسسات العسكرية، أما بقية الورش الأخرى يجب أن يشارك فيها أكبر قطاع من الشعب السوداني، و بالتالي تنقل الرؤية من آطار مغلق إلي آطار مفتوح يستطيع أن يستقطب أكبرقطاع جماهير مؤيد لها و في نفس الوقت يشكل توازن القوى المطلوب لأي عملية تحول ديمقراطي. أن عملية التحول الديمقراطي من أصعب التغييرات التي تحدث داخل المجتمعات، لأنها تتطلب قيادات متجردة ليس في ذهن غير الوطن. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
//////////////////////

 

آراء