الجنرال الماظ …أُم درمان ذلك الفردوس المفقود !!

 


 

 

musahak@icloud.com

musahak@hotmail.com

(لو ربنا حيانا ،نطمئنكم نوديكم أم درمان ،كل ساعة حمام دوش، تدوس المكيف إسبليت ...هتافات الله أكبر ...وحمام ساونا ،لما تمشوا البقعة أسألوني أنا قولو لي يا الجنرال الماظ إنت وعدتنا بحمام ساونا ...)
تلك مقاطع من فيديو راج مؤخراً للجنرال إبراهيم الماظ القيادي بحركة العدل والمساواة وهو يخاطب إحدي كتائب العدل والمساواة بمنطقة هبيلة بولاية غرب دارفور .
إبراهيم الماظ كان أحد قادة عملية الذراع الطويل التي شنتها حركة العدل والمساواة في مايو 2008 وإستطاعت الوصول إلي أم درمان في تلك العملية العسكرية المباغتة بهدف الاستيلاء علي السلطة، ولكنها أجهضت بعد ساعات من تغلغلها في ام درمان ومشارف العاصمة الخرطوم .بعد الهزيمة قتل العديد من منفذيها وفرّ آخرون وأُسر بعض قادتها ومن أبرزهم عُشر وإبراهيم الماظ . ظل الماظ في الأسر لفترات طويلة ولعلها الأطول في سجون الانقاذ التي طالت قادة الحركة.
كانت المطالبة بإطلاق سراح الماظ متواترة من قبل المؤتمر الشعبي تحديداً وشهدت الخرطوم وقفات إحتجاجية عدة مرات ، ولعلو صوت تلك الاحتجاجات أصبح الماظ في ذهنية البعض كقائد (ملحمي) لا يقل إثارة عن قادة الملاحم الإغريقية خاصة في ذلك التاريخ الملتبس والأسطورة التي تكتنف الذاكرة الشعبية الظاعنة في ليل السرد والشفاهية في واقعنا الماثل .مخاطبة الماظ كأحد قادة حركة العدل والمساواة تثير تساؤلات عدة عن ذهنية تلك الحركة ومنطلقاتها وعن الروافد الفكرية التي تغذي هذا (المشروع) وهو الآن يتسنم السلطة التي نالها ليس ببندقية الذراع الطويل ، ولكن بتضحيات شعب السودان في مقاومته الجسورة والتي استطاعت ثورة ديسمبر أن تجعل من إتفاقية جوبا معبراً لتلك الحركات باتجاه السلطة ونعيمها المُتخيل .
لا مغالطة البتة إ ن مؤتمر برلين 2000م أعتمد الكتاب الأسود كمنصة فكرية في تحليل الواقع السوداني لدي المنشقين من الحركة الاسلامية عقب المفاصلة الشهيرة والتي قادت الي تأسيس حركة العدل والمساواة كجناح عسكري للمؤتمر الشعبي ويمثل ذلك الكتاب (المنافستو) الذي يشكل الذهنية السياسية لتلك الحركة ذلك الكتاب في مجمله هو كتاب إحصائي يركز علي تبادل دورات الحكم جهوياً وقبلياً وهو جرعة تعبوية وتجييش قد تصلح في مجتمعات تئن تحت سياط الفقر والأمية أطروحة ذلك الكتاب إتسمت بالسطحية وتقزيم مراحل تطور الدولة السودانية وعلاقات الانتاج والتنمية غير المتوازنة في متنٍ يحاول نقل الصراع الطبقي إلي ما يمكن تسميته ب (الصراع الجهوي) في اختزال مخل للمشكل السوداني وقضايا السلطة والثروة بأنها محض اتجاهات جغرافية ودار صباح وأن أمدرمان التي سقطت في العام 1898 في يد كتشنر باشا ، لم تكن حاضنتها السياسية وحتي تاريخ اليوم سوي قاطني تلك المدينة وإن تباينت الفترات التاريخية في ذلك التداول العنيف أو المسالم للسلطة بين دكتاتوريات عسكرية تطاولت علي ديمقراطيات أشبه بومضة في ليل تاريخنا المعاصر .
خطاب الجنرال الماظ يمثل أهمية بالغة في في رصد وقراءة ماهية توجهات هذه الحركة والتي سقطت عملياً من الناحية العسكرية عقب معارك قوز دنقو 2015 ، ثم عادت لتجعل من ذاتها لاعباً سياسياً علي بساط إتفاقية جوبا عام 2020.
ليت أدبيات الحركة تدرك أن (دار صباح) وأم درمان بصورة خاصة أن أهم ما يميزها هو بيوت الطين، والمعدمين ، والحراك الثقافي ، والشعراء (الصعاليك) الذين أنفقوا حياتهم في سبيل إنسان السودان، والمغنين الحياري الهائمين بلا أطيان أو نفوذ ، والمُثقافة السياسية وهي أولئك التروس الذين يقدمون حياتهم مطلع كل صباح من أجل وطن الحرية والسلام والرفاهية التي لا تجعل مجرد أجهزة التكييف تستحق أن تشد لها الرحال وتُعمر لها البنادق .
في عام 2018 وفي ندوة سياسية بمدينة جينت (Gent) البلجيكية كان زعيم الحركة د. جبريل إبراهيم وقتها يعاني مرارة التهجير القسري والهزيمة العسكرية ومراحله النضالية المختلفة ،طرحت عليه سؤالاً هاجساً ظل يؤرقني وحتي هذه اللحظة ،عن ما ستؤول إليه هذه الحركة بعد سقوط نظام الانقاذ والتي كان وقتها يترنح بفعل النضال اليومي والدؤوب للجماهير ...كان سؤالاً قلقاً.
(ما هو مصير حركتكم بعد سقوط نظام البشير )؟
أجاب د.جبريل بلا تردد سنتحول إلي حزب سياسي كسائر الأحزاب السودانية.
الأن وعند كل منعرج سياسي يهدد د.جبريل بالرجوع إلي مربع الحرب ، وهو يدري تماما ً أن الذي حمله لحراسة خزائن السودان ليس فوهة البندقية ولكنها تضحيات شعب السوداني بشكلها التراكمي ،كم كنت اتمني أن العدل والمساواة تمتلك مدرسة كادر تثقيفية أسوة بكل حركات الثورة الافريقية، تتيح لقادتها وأفرادها رؤية سياسية أن الأوطان ليست منتجعات ، وحمامات ساونا ، وأن الثورة برنامج من أجل أن تصبح العدالة والمساواة عملية سياسية عميقة الجذور والأهداف وإنها ليست زعيق وأهازيج تداعب أخيلة المعدمين ......كل القوة الخرطوم جوة .
/////////////////////////

 

آراء