اشتباكات السودان تحوّل مستشفيات الخرطوم إلى مدافن

 


 

 

العربي الجديد:
فوجئ الشاب إبراهيم محمد عندما أدرك أن الشخص الذي يتلقى العلاج إلى جانبه في أحد مستشفيات الخرطوم بات جثة هامدة. لكن ضراوة المعارك في العاصمة السودانية الخرطوم حالت لأيام دون نقل جثمانه. كان ذلك في 15 إبريل/ نيسان الجاري، يوم أفاق السودانيون على أصوات اشتباكات عنيفة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

حوّلت هذه المعارك التي لم تفلح معها محاولات التهدئة، الخرطوم ومدناً أخرى إلى ميادين حرب مفتوحة، وعرقلت تقديم الرعاية الصحية وعمل الأطباء، ووضعتهم تحت ضغوط إضافية في بلد عانى من النزاعات والعقوبات على مدى عقود.

في العاصمة التي يقطنها زهاء خمسة ملايين نسمة، يروي أطباء ومرضى قصصاً مروّعة عن أوضاع مستشفيات باتت عاجزة عن إنجاز أحد أبسط المبادئ الإنسانية والدينية، وهي إكرام الميت دفنه. كان محمد (25 عاماً) يتلقى علاج سرطان الدم في مستشفى الخرطوم التعليمي، كما يقول والده إبراهيم (62 عاماً). ويقول: "بسبب القتال العنيف، لم يُنقَل الشخص المتوفى لدفنه" بعد وفاته في 15 إبريل.

بين رائحة الموت والرصاص
بقي محمد في الغرفة حيث تنبعث رائحة الموت شيئاً فشيئاً في مدينة تُعرف بحرارة مناخها حتى في هذه الفترة من العام. بعد ثلاثة أيام، ترك الأب وابنه المستشفى والجثة في مكانها. وبحسب مصادر طبية، بات هذا المشهد مألوفاً في السودان منذ بدء المعارك. ويقول الأمين العام لنقابة أطباء السودان عطية عبد الله، إن في مستشفيات عدة "تبقى الجثث المتحللة في العنابر". ويشير إلى أن المعارك سبّبت "انهيار كامل وشامل لنظام الرعاية الصحية في البلاد، وأدت إلى امتلاء المشارح والشوارع بالجثث".

قبل مغادرة المستشفى، كان إبراهيم ونجله أمام خيارين أحلاهما مرّ. ويوضح الأب: "ملأت الرائحة الكريهة الغرفة"، وفاقمها انقطاع التيار الكهربائي لثلاثة أيام وارتفاع درجة حرارة الطقس. كان الخيار "إما أن نبقى في غرفة ذات رائحة عفنة، أو نخرج ونواجه طلقات الرصاص".

ويؤكد إبراهيم محمد أن "المستشفى كان يتعرض للقصف"، وتبادل الأعيرة النارية كان يجري "خارج المستشفى مباشرة"، مشيراً إلى أن بعض المرضى الذين غادروا آنذاك أصيبوا بالرصاص.

 

مستشفيات تحت القصف
أعلنت منظمة الصحة العالمية أمس الأحد سقوط ثمانية قتلى وجريحين من الأطقم الطبية المعالِجة. وبحسب نقابة الأطباء، تعرّض 13 مستشفى للقصف، وأخليت 19 منشأة طبية أخرى خلال ثمانية أيام من القتال. بالنسبة إلى الطواقم الطبية، كان السماح لنزلاء المستشفيات بالمغادرة عوضاً عن البقاء للعلاج خياراً صعباً للغاية، وخصوصاً مع استمرار الاشتباكات.

ويوضح عبد الله: "وجدنا أنفسنا مضطرين إلى السماح للمرضى بالمغادرة. إذا بقوا فسيقتلون". بالإضافة إلى خطر الإصابة من جراء المعارك، تضع مغادرة المستشفى المرضى أمام مخاطر صحية أخرى. اضطر محمد إلى السير ونجله خارج المستشفى، وتطلّب وصولهما إلى المنزل زهاء خمس ساعات. ويقول: "صحة ابني تدهورت منذ ذلك الحين"، ولا سيما أنه لم يتمكن من نقله إلى مركز طبي آخر لاستكمال العلاج. "أريد فقط أن يتوقف كل هذا حتى أتمكن من معالجة ابني".

تآزر بين السودانيين لتوفير الدواء والمياه وسط الاشتباكات
ويشير عبد الله إلى أن حوالى ثلاثة أرباع المستشفيات أغلقت أبوابها، والمنشآت الطبية باتت تكتفي بتقديم خدمات الطوارئ وعلاج المصابين من جراء المعارك.

طواقم منهكة
وسببت الاشتباكات مقتل أكثر من 420 شخصاً وإصابة 3700 بجروح، ودفعت عشرات الآلاف إلى النزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى، أو في اتجاه تشاد ومصر. إلا أن التقديرات ترجّح أن يكون العدد الفعلي للقتلى أعلى بكثير، مع عدم تمكّن الأطباء والعاملين في المجال الإنساني من الوصول إلى المحتاجين. حتى المنشآت التي أبقت أبوابها مفتوحة "معرّضة لخطر الإغلاق في أي لحظة" من جراء الوضع، وفق عبد الله الذي يؤكد أنها تعاني أيضاً نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية، ولا سيما أكياس الدم والمعدات الجراحية الكافية، وكذلك الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية وحتى سيارات الإسعاف. أما الطواقم، فباتت عرضة للإنهاك، لأن الفريق الطبي نفسه يعمل في بعض المستشفيات لمدة ثمانية أيام متواصلة.

صحة
72 % من مستشفيات السودان في مناطق الاشتباك متوقفة عن الخدمة
ويقول إن "البعض لديه جرّاح واحد فقط"، مضيفاً بأسى: "الجميع منهك للغاية". ووجه المسعفون نداءات يومية لوقف إطلاق النار للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، ونقل الجرحى ودفن الموتى، ولكن أي هدنة فعلية وثابتة لم تتحقق بعد حوالى عشرة أيام من المعارك.

وفيما يسعى سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتوفير أدوية للذين يعانون من الأمراض المزمنة، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من أن انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود يعرّضان مخزوناً من اللقاحات وجرعات الإنسولين بقيمة أكثر من 40 مليون دولار لخطر التلف. ودفع الوضع الحالي نقابة الأطباء إلى تقديم نصائح للمدنيين حول كيفية التعامل مع الجثث المتحللة وطرق تكفينها ودفنها.

وكانت نقابة أطباء السودان قد أعلنت في تقرير نشرته على "فيسبوك"، أن 69 في المائة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات المحصورة لديها متوقفة عن الخدمة، لافتة إلى أنه من أصل 79 مستشفى أساسياً في العاصمة والولايات، هناك 55 مستشفى متوقفاً عن الخدمة، في وقت يعمل 24 مستشفى بشكل كامل أو جزئي. وباتت المستشفيات مهددة بالإغلاق نتيجة لنقص الكوادر الطبية، والإمدادات الطبية، وانقطاع التيارين، المائي والكهربائي.

(فرانس برس، العربي الجديد)
///////////////////////

 

آراء