رَحيْـلٌ مفاجيء .. لو تصــدَّق
جمال محمد ابراهيم
8 May, 2023
8 May, 2023
أقرب إلى القلب :
(1)
وفيما نحنُ في أيّـام العـنـاء جـرّاء القتال الدائـر في حـرب ضروس ، لا أنا ولا أنـت عزيزي القاريء، لـك أدنَى علاقةٍ بحيثياتها ، فاجأني صديقي الأديب الأريب د.محمد الأميـــن شريف، مستفسراً: هل يصدّق حقيقة النبأ الذي بلغه ولم يتأكد من صحته، عن رحيل الشــــاعر المبدع الحييِّ صديقنا عبد العزيز جمال الدين. لم أصدق النبأ أول وهلة، إذ "لـم أصــدق" هي العبارة التي يفضلها الصديق الحبيب جمال الدين ، ولكن في اتصالي مع صديقي العزيزالشاعر التجاني حاج موسى، أكد لي- معزياً- نبأ الرحيل ، وأنه ليس شائعة مثلما درج المتعجّـلــون دائما في في إشاعة الفواجع، إذ أسمعونا كثيـر َ أنبـاءٍ عن رحيل عـددٍ من الشعـراء أو المطربيــن أو سواهم من مبدعين ، كلّ حينٍ وآخر، لكن سرعان م تنطفيء الشائعات. . هذه المرة لم تنطفيء الشائعة ، ولكم تمنيتها أن تكون شائعة في شهر الكذاب هذا، لكنــها كانت خبـراً أكـيداً عن رحيلِ شـاعرٍ من أرقِّ الناس شـعراً، ومن أكثرهم حضوراً في قلوب محبيه وأصدقائه، ومن أطيبهم خلقاً وأقدرهم على كسب صداقات من يعرف ومن يلاقي. تصــوّرتُ- والاشتباكات تحتدم في مدينة الخرطوم بحري – خلـتُ الشاعر ، خرج كعادته راجلاً لمشوارٍ قريبٍ، فصادف من الطائشين ما أصابه. قال لي صـديقي التيجاني ناقيا ذلك ، فقـد رحلت شقيقته التي يعزّها قبل أيامٍ ثلاثة ، لكأنّها دعـته لمرفقـتها إلى الرحلة السرمدية ، فما تأخر . رحل الشـاعر الرقيــق في إثرها يرحمه الله. .. .
(2)
عبد العزيز جمال الدين . . الرقـيـق مثل نسمة صباحية. .
كنتُ أسمع عـنهُ من بعض أصدقائه وزملائه في جامعـة القاهــرة الفـرع ، في أوائــل ســـنوات السبعينات من القرن الماضي، ونحن الجيل الذي تفتحتْ عيونه والوطن في أفراح الإســتقلال. . يا طالما حـدّثـني عنه صـــديقي وابــن عــمّـي كمـال الديــن صــالح، ممّــن زاملـوا عبد العزيز جمال الدين في كلية الآداب في تلك الجامعــة، اوائـل سـنوات السبعينات تلك . خرجتْ أغنـية "لـو تصـدّق" من دفاتر جمال الدين في تلكم الســنوات ، وهــو طالــب حييّ الطبــع، يكاد يذوب رقــة إنْ حـدثك ، ولا تملــك إلا أن تألـفـه ويأســرك، ثــمّ يُدهــشـك تواضعـه الجَـم . تسلم القصيدة المطرب الرّاحل عبد الكريم عبدالعــزيز الكــابلــي مِــن يَــد جمال الدين ، ولا يكاد يصدق الفنان الكبير، أنَّ كاتبها هو ذلك الطالب الجامعــي الخـجــول، رقيق الحاشية الذي صادفه في حفلٍ لطلاب تلك الجامعـــة . ولأنّ الرَّاحل الكابلي شاعر لمّاح وعبقري في اختيار ما يلحن من الشـعـر ويتغنّى به، فـقـد أدهشته القصيدة ، فكانت قمراً في سماء أغنياته الجميلة . برع جمال الدين في انتقاء الرّقيــق الفصيح من العربـية، ومازجــه بالعاميـة الدّارجة، فنسج لوحته لشـباب عمري المفـتق . . وما تفـتقـتْ بتلات الورد، إلا عــن صورة قـلّ أن تجـد لها مثيلاً في الشعر العامّي عندنأ . ثم تكون بعد ذلـك ، للحنان تعريشة نديانة خصيبة. هذا الترميـز البعيد، جاء من جمال الدين سـلساً يغازل أسماعك برفـقٍ يعجب.
ما أقسى الاغتراب الذي حجب حسّـك الشاعريّ عنا زمانا طويلا . .
(3)
كانت لنا جلسات في تلكـم السنوات البهيّة ، في حيٍّ من أحياء أم درمان العريقة التي عـبقـت حـواريها بالابداع من شِـعر وغـناءٍ وطربٍ حقيقيّ، ذلك هو حَي "المســالمة" القريـب والتوأم لـ"حيّ العـرب" . من تلك الزواريب والحواري الأمدرمانية الضيقة، سمع الناس عـن عبدالرحمن الرّيح وســـيد عبدالعزيز وأبي صلاح، وســيف الدسـوقي وإبراهـيم عوض وأحمــد الجابـــري وأضرابهم ، ثمّ القامة الشعرية، نجم الكتياب الأبهى : التجــاني يوســف بشــيـر.
إن كان للغناء الذي شاع منذ عشرينات القرن العشرين وحتى الخمسينات منه، وأطلـق عـلـيه الدبلوماسي والإعلامي والشاعرالرّاحل صلاح أحمد محمد صالج "غناء الحقيبة"، هو الأساس الأوّل لفن الغناء في السودان ، يظلّ حيّان رئيسيان من أحياء أم درمان، هُما الموئل الجغرافي لذلـك الضرب من الإبداع الشعري والغنائي، وهُـما "حيّ المسالمة" و"حيّ العرب". من ذينــك الحيـيـن الأمدرمانيين العريقين، تشـرَّب صديقنا الرّاحل عبد العــزيز جمال الديــن ممّــا عـبـق وفـاح من عـطــر إبداعــي فوّاحٍ هناك.
(4)
كُـنـّا جماعة من أصدقاء جمعتنا علائق المودة ومحبّة الشِّـعر والغـنــاء، وكانت دنيـانا وقـتها بألـف خيـر،ٍ وبما لا يعدّ من تواددٍ، ولا يُحصى من محبـة. لم تزعــج جلســاتنا تلــك مكـابــدات السـياســـة ولا غلــواء صـراعـاتهـا، و"نظام مايو" كان في أول سـنوات توطيـد أركانه وعـزائمه. دارت محـور جلساتنا تلك، عند صــديقيـن عــزيزين ، أولهــما الصديق الـبعـيـــد الضــابط الإداري الحصيف المتــقــاعــد عوض عبدالغــفــار، أمّـــا الـثاني فــهــو مُــحمّــد "أبو رمـى" الباســم المضياف. لم يكن يفارق قـعـــداتنا شــابٌ ألمعـيّ مُطرب هوى من الغناء أجوده وأرقه ولهُ صـــوتٌ شــــجيٌّ، هو "كمال شـــرحبيل"، رحمه الـله. وبكيــنا فـراقه قبل نحو عامين ، فـقـد غادر الفانية شـهيداً أيّـام مليونيات ثورة ديسمبرالمجيـدة. كان المطرب الشـــاب شـــرحبيل، هو أوّل مَـن تغـنّى بـ"عـزيزة" الرّاحل سعدالدين ابراهيم ومن لحـــن الصديق العزيزالموسيقار عـمرالشاعر.
يجيء إلى جلساتنا في حيّ "المسالمة" بين الفينة والأخــرى، صـــديقنا الشــاعر الحيــيّ عبد العـزيز جمال الديـن، فتكون جلســاتنا نديانة وخصيبة . لم يبـقَ طويلا بعد تخـرّجـه مــن الجامعة في السودان، إذ هاجر مغترباً إلى دولة الإمارات، وبقي فيها لسنوات طوال. .
(5)
تمضي بنا السنوات من محطة إلى أخرى ، فاجتمعـنا من جديد في الخرطوم، وقد وَخط الشيب الرؤوس، وتقاعدنا وابتعدنا عن العمل العام . أما جمال الدين، فقد باعد غيابه الطـويل عن أجـواء الإبداع في السودان، فبقي على "فـرمالـته": قصيدته الفـريدة التي أبدع في تلحـينها المطرب الرّاحل عبد الكريم الكابلي رحمه الله . كان صديقنا المشترك الصيرفي الكبير صديقي محجوب شـبو ، ينادي على جمال الدين دائماً في هزره المُحبّب، بصاحب "الفرمالة"، ويعني قصيدته "لـو تصـدّق". . وإنها لقصيدة "فرمالة" فريـدة. . !
حين رتبتْ شركة دال برنامجـاً إحتفائيا بإبداع المطرب عبدالكريم الكابلي، واستقدمته لذلك من مقامه في الولايات المتحدة، كان عبد العزيز جمال الدين من أوائل من استعان بهـم الراحل القـدّال والأستاذ فتحي محمد عثمان ، ليشارك في إعداد وإخراج ذلك الاحتفال الكبير الذي رعاه "منتدى دال الثقافي" في الخرطوم، عام 2018، وفتحي والرّاحل القدال هما من أشرفا عليه. يعرف فتحي عثمان مثلما عرف الرّاحل القدّال ، معــزة وتقدير المطرب الكبير لشاعرأغـنيته الفـريدة "لـو تصــدّق". .
(6)
بحثت عن وسـيلة أعزّي عـبــرها أســرة الرّاحل جمال الدين، وأصدقاءه وأحبابه في رحيله الفـاجـع، فما يسَّـرتْ ظـروف الـقـتال المُـرّ، ســـانحة للتواصل المرجـوِّ بيــن الـناس . أرســـلتُ رســـالة باكـيـة إلى صديقي الشاعر الكبيركامـــل عبد الماجد رئيـس اتحـاد شـعراء الأغنية، وأعرف أنه في نيودلهي مع أســـرته، وقلتُ لنفسي لربّما سأنتظر طويلاً رســالته معزياً في رحيل جمال الديـن، إذ لن تصلني من الهند، ونحن في عزلة وحبسٍ قسـري فرضه علينا صراع الديكة من حولنا . لـك أن تصــدّق أيّها الرّاحل العـزيـز، وأنت في علـيـائـك، أنّ من فواجــع الحـرب والاقـتتال المجاني ، مـنـعـها دموعـنا من الانهمار على رحيلك . مع جحافل الشهداء رحلـت، تقبلهم الله براءة من هذه الأيام الكالحات، عزيزنا جمال الدين ، ودعوانا أن تكون بينـهـم أحسـن رفـيقـا . .
أم درمان – 30/4/2023
(1)
وفيما نحنُ في أيّـام العـنـاء جـرّاء القتال الدائـر في حـرب ضروس ، لا أنا ولا أنـت عزيزي القاريء، لـك أدنَى علاقةٍ بحيثياتها ، فاجأني صديقي الأديب الأريب د.محمد الأميـــن شريف، مستفسراً: هل يصدّق حقيقة النبأ الذي بلغه ولم يتأكد من صحته، عن رحيل الشــــاعر المبدع الحييِّ صديقنا عبد العزيز جمال الدين. لم أصدق النبأ أول وهلة، إذ "لـم أصــدق" هي العبارة التي يفضلها الصديق الحبيب جمال الدين ، ولكن في اتصالي مع صديقي العزيزالشاعر التجاني حاج موسى، أكد لي- معزياً- نبأ الرحيل ، وأنه ليس شائعة مثلما درج المتعجّـلــون دائما في في إشاعة الفواجع، إذ أسمعونا كثيـر َ أنبـاءٍ عن رحيل عـددٍ من الشعـراء أو المطربيــن أو سواهم من مبدعين ، كلّ حينٍ وآخر، لكن سرعان م تنطفيء الشائعات. . هذه المرة لم تنطفيء الشائعة ، ولكم تمنيتها أن تكون شائعة في شهر الكذاب هذا، لكنــها كانت خبـراً أكـيداً عن رحيلِ شـاعرٍ من أرقِّ الناس شـعراً، ومن أكثرهم حضوراً في قلوب محبيه وأصدقائه، ومن أطيبهم خلقاً وأقدرهم على كسب صداقات من يعرف ومن يلاقي. تصــوّرتُ- والاشتباكات تحتدم في مدينة الخرطوم بحري – خلـتُ الشاعر ، خرج كعادته راجلاً لمشوارٍ قريبٍ، فصادف من الطائشين ما أصابه. قال لي صـديقي التيجاني ناقيا ذلك ، فقـد رحلت شقيقته التي يعزّها قبل أيامٍ ثلاثة ، لكأنّها دعـته لمرفقـتها إلى الرحلة السرمدية ، فما تأخر . رحل الشـاعر الرقيــق في إثرها يرحمه الله. .. .
(2)
عبد العزيز جمال الدين . . الرقـيـق مثل نسمة صباحية. .
كنتُ أسمع عـنهُ من بعض أصدقائه وزملائه في جامعـة القاهــرة الفـرع ، في أوائــل ســـنوات السبعينات من القرن الماضي، ونحن الجيل الذي تفتحتْ عيونه والوطن في أفراح الإســتقلال. . يا طالما حـدّثـني عنه صـــديقي وابــن عــمّـي كمـال الديــن صــالح، ممّــن زاملـوا عبد العزيز جمال الدين في كلية الآداب في تلك الجامعــة، اوائـل سـنوات السبعينات تلك . خرجتْ أغنـية "لـو تصـدّق" من دفاتر جمال الدين في تلكم الســنوات ، وهــو طالــب حييّ الطبــع، يكاد يذوب رقــة إنْ حـدثك ، ولا تملــك إلا أن تألـفـه ويأســرك، ثــمّ يُدهــشـك تواضعـه الجَـم . تسلم القصيدة المطرب الرّاحل عبد الكريم عبدالعــزيز الكــابلــي مِــن يَــد جمال الدين ، ولا يكاد يصدق الفنان الكبير، أنَّ كاتبها هو ذلك الطالب الجامعــي الخـجــول، رقيق الحاشية الذي صادفه في حفلٍ لطلاب تلك الجامعـــة . ولأنّ الرَّاحل الكابلي شاعر لمّاح وعبقري في اختيار ما يلحن من الشـعـر ويتغنّى به، فـقـد أدهشته القصيدة ، فكانت قمراً في سماء أغنياته الجميلة . برع جمال الدين في انتقاء الرّقيــق الفصيح من العربـية، ومازجــه بالعاميـة الدّارجة، فنسج لوحته لشـباب عمري المفـتق . . وما تفـتقـتْ بتلات الورد، إلا عــن صورة قـلّ أن تجـد لها مثيلاً في الشعر العامّي عندنأ . ثم تكون بعد ذلـك ، للحنان تعريشة نديانة خصيبة. هذا الترميـز البعيد، جاء من جمال الدين سـلساً يغازل أسماعك برفـقٍ يعجب.
ما أقسى الاغتراب الذي حجب حسّـك الشاعريّ عنا زمانا طويلا . .
(3)
كانت لنا جلسات في تلكـم السنوات البهيّة ، في حيٍّ من أحياء أم درمان العريقة التي عـبقـت حـواريها بالابداع من شِـعر وغـناءٍ وطربٍ حقيقيّ، ذلك هو حَي "المســالمة" القريـب والتوأم لـ"حيّ العـرب" . من تلك الزواريب والحواري الأمدرمانية الضيقة، سمع الناس عـن عبدالرحمن الرّيح وســـيد عبدالعزيز وأبي صلاح، وســيف الدسـوقي وإبراهـيم عوض وأحمــد الجابـــري وأضرابهم ، ثمّ القامة الشعرية، نجم الكتياب الأبهى : التجــاني يوســف بشــيـر.
إن كان للغناء الذي شاع منذ عشرينات القرن العشرين وحتى الخمسينات منه، وأطلـق عـلـيه الدبلوماسي والإعلامي والشاعرالرّاحل صلاح أحمد محمد صالج "غناء الحقيبة"، هو الأساس الأوّل لفن الغناء في السودان ، يظلّ حيّان رئيسيان من أحياء أم درمان، هُما الموئل الجغرافي لذلـك الضرب من الإبداع الشعري والغنائي، وهُـما "حيّ المسالمة" و"حيّ العرب". من ذينــك الحيـيـن الأمدرمانيين العريقين، تشـرَّب صديقنا الرّاحل عبد العــزيز جمال الديــن ممّــا عـبـق وفـاح من عـطــر إبداعــي فوّاحٍ هناك.
(4)
كُـنـّا جماعة من أصدقاء جمعتنا علائق المودة ومحبّة الشِّـعر والغـنــاء، وكانت دنيـانا وقـتها بألـف خيـر،ٍ وبما لا يعدّ من تواددٍ، ولا يُحصى من محبـة. لم تزعــج جلســاتنا تلــك مكـابــدات السـياســـة ولا غلــواء صـراعـاتهـا، و"نظام مايو" كان في أول سـنوات توطيـد أركانه وعـزائمه. دارت محـور جلساتنا تلك، عند صــديقيـن عــزيزين ، أولهــما الصديق الـبعـيـــد الضــابط الإداري الحصيف المتــقــاعــد عوض عبدالغــفــار، أمّـــا الـثاني فــهــو مُــحمّــد "أبو رمـى" الباســم المضياف. لم يكن يفارق قـعـــداتنا شــابٌ ألمعـيّ مُطرب هوى من الغناء أجوده وأرقه ولهُ صـــوتٌ شــــجيٌّ، هو "كمال شـــرحبيل"، رحمه الـله. وبكيــنا فـراقه قبل نحو عامين ، فـقـد غادر الفانية شـهيداً أيّـام مليونيات ثورة ديسمبرالمجيـدة. كان المطرب الشـــاب شـــرحبيل، هو أوّل مَـن تغـنّى بـ"عـزيزة" الرّاحل سعدالدين ابراهيم ومن لحـــن الصديق العزيزالموسيقار عـمرالشاعر.
يجيء إلى جلساتنا في حيّ "المسالمة" بين الفينة والأخــرى، صـــديقنا الشــاعر الحيــيّ عبد العـزيز جمال الديـن، فتكون جلســاتنا نديانة وخصيبة . لم يبـقَ طويلا بعد تخـرّجـه مــن الجامعة في السودان، إذ هاجر مغترباً إلى دولة الإمارات، وبقي فيها لسنوات طوال. .
(5)
تمضي بنا السنوات من محطة إلى أخرى ، فاجتمعـنا من جديد في الخرطوم، وقد وَخط الشيب الرؤوس، وتقاعدنا وابتعدنا عن العمل العام . أما جمال الدين، فقد باعد غيابه الطـويل عن أجـواء الإبداع في السودان، فبقي على "فـرمالـته": قصيدته الفـريدة التي أبدع في تلحـينها المطرب الرّاحل عبد الكريم الكابلي رحمه الله . كان صديقنا المشترك الصيرفي الكبير صديقي محجوب شـبو ، ينادي على جمال الدين دائماً في هزره المُحبّب، بصاحب "الفرمالة"، ويعني قصيدته "لـو تصـدّق". . وإنها لقصيدة "فرمالة" فريـدة. . !
حين رتبتْ شركة دال برنامجـاً إحتفائيا بإبداع المطرب عبدالكريم الكابلي، واستقدمته لذلك من مقامه في الولايات المتحدة، كان عبد العزيز جمال الدين من أوائل من استعان بهـم الراحل القـدّال والأستاذ فتحي محمد عثمان ، ليشارك في إعداد وإخراج ذلك الاحتفال الكبير الذي رعاه "منتدى دال الثقافي" في الخرطوم، عام 2018، وفتحي والرّاحل القدال هما من أشرفا عليه. يعرف فتحي عثمان مثلما عرف الرّاحل القدّال ، معــزة وتقدير المطرب الكبير لشاعرأغـنيته الفـريدة "لـو تصــدّق". .
(6)
بحثت عن وسـيلة أعزّي عـبــرها أســرة الرّاحل جمال الدين، وأصدقاءه وأحبابه في رحيله الفـاجـع، فما يسَّـرتْ ظـروف الـقـتال المُـرّ، ســـانحة للتواصل المرجـوِّ بيــن الـناس . أرســـلتُ رســـالة باكـيـة إلى صديقي الشاعر الكبيركامـــل عبد الماجد رئيـس اتحـاد شـعراء الأغنية، وأعرف أنه في نيودلهي مع أســـرته، وقلتُ لنفسي لربّما سأنتظر طويلاً رســالته معزياً في رحيل جمال الديـن، إذ لن تصلني من الهند، ونحن في عزلة وحبسٍ قسـري فرضه علينا صراع الديكة من حولنا . لـك أن تصــدّق أيّها الرّاحل العـزيـز، وأنت في علـيـائـك، أنّ من فواجــع الحـرب والاقـتتال المجاني ، مـنـعـها دموعـنا من الانهمار على رحيلك . مع جحافل الشهداء رحلـت، تقبلهم الله براءة من هذه الأيام الكالحات، عزيزنا جمال الدين ، ودعوانا أن تكون بينـهـم أحسـن رفـيقـا . .
أم درمان – 30/4/2023