حميدتي: فيلم ودخلناه

 


 

 

(24 مايو 2019)
لم أنزعج مثل كثيرين لتربص حميدتي للعصيان المدني اللائح بتهديد المضرب Hلا يعود للعمل بعده. فهذا التربص فاش في نظمنا المستبدة. فقد كانت لنميري كتيبة استراتيجية من الجند الفنيين مقرها عطبرة وظيفتها تسيير القاطرات لكسر إضراب عمال السكة الحديد متى أضربوا. وكانت لنظام مايو "لائحة البنيان النقابي" في 1972 صارت بها وظيفة النقابة رفع وتيرة الإنتاج لا الدفاع عن حقوق العاملين. ومتى فعلت وقعت تحت طائلة القانون لأن الإضراب جريمة. ولا أعرف يوماً أنذل من أيام نميري مثل يوم كسر إضراب عمال السكة الحديد في سبتمبر 1981. فبلغ الرجل في ذلك اليوم من ضعة النفس أن أمر كل عامل مضرب يسكن في منزل حكومي أن يخليه للساعة والحين. ولم يتورع أن ينزل العقوبة بالأسر بعد أربابها. وكتبت يوماً عن كسرة ذلك الإضراب:
إذا كنت قد أقسمت ألا اغفر لخصومي (أو حتى حلفائي) الفكريين شيئاً فهو "كسرة" إضراب "عمال السكة الحديد في يوم 18 سبتمبر1981. فما زلت اتبلغ غصصاً كثيرة من تلك المحنة. لن أغفر لنميري كيف وسوس له إبليسه بالحيلة التي توعد بها العمال المضربين بإخلاء منازل الحكومة متى ما لم يقبلوا بفك الإضراب والعودة للعمل".
واستدعي نميري في نفس الوقت لجنة من المهنيين لتجتمع وتنظر في حل السكة الحديد في عدة أقاليم لنزع المركزية من عطبرة "أدابة" الحكومات. وقال بعظمة لسانه أنه سيحولها إلى "سندة" سكة حديد. واجتمعت اللجنة ووصت بما أراد نميري. بل أسَفّ الرجل أكثر بتحويل نقل البضائع إلى الطريق البري بورتسودان، كسلا، مدني الخرطوم الكيدي. وأبطل بذلك السكة حديد الناقل الأرخص المعروف. وموت طريق بورتسودان-الخرطوم المشاهد بعد قيام طريق بورتسودان-عطبرة-الخرطوم، المطابق للسكة الحديدية التقليدية، دليل على ما ظللنا ندفعه من تكلفة باهظة لبقاء نظم المستبدين. واتبعت الإنقاذ سنة نميري. فقرأت في بيان ختامي لمجلس شورى المؤتمر الوطني مرة توجيهه عضويته للاهتمام بنشاط النقابات، والسيطرة عليها بتفعيل كتائب الإسناد المدني تحسباً لأي أمر يؤدي إلى الانفلات الأمني والاجتماعي.
فلا جديد في تربص حميدتي بالإضرابات اللائحة. بل ولا جديد في اجتماعه بالنقابات فهي ما يتذكره المستبد وقت الزنقة كما فعل البشير في لقائه بها في قاعة الصداقة في أوائل ثورة ديسمبر. ولم يجد في لقائه بها حتى ما يغريها به بعد طول إهمال. ما انزعجت له حقاً أن نقابات النظام المباد ما يزال بوسعها تلبية الدعوة لاجتماع مع حاكم بأمره ويحضره اتحاد النقابات الدلدول. وكان توقعي أن مواكب العاملين التي تتقاطر على ساحة العصيان قد نظفت مؤسساتها من النقابات الخرعة لتكون منبراً ينضم إلى تجمع المهنيين. وقد طمأنني مقال للدكتور مجدي الجزولي بقيام تجمع لتصحيح النقابات العمالية واستعادتها. وطمعني في هذا التنظيف خبراً جاء به مجدي عن انتزاع ثوريي ديسمبر قيادة نقابة شركة كنانة بعد انعقاد جمعية عمومية.
ليس الخبر عندي هو تربص حميدتي بالإضراب المزمع. فهو طارئ على مثل هذا الأمر متبعاً لا مبتدعاً. وكان الرجل قال إن الدعم السريع سيرينا في المدينة أنه أفضل مما نظن. ونقول له بلغة شفاتة المدن خصومتك للإضراب الأخيرة "فيلم ودخلناه" مراراً. وليس الخبر عندي هو اجتماع حميدتي بنقابات النظام المباد. الخبر عندي هو أنها ما تزال قائمة بعد نصف عام من اندلاع الثورة.
(ومن كرامات نميري الرئاسية بين الصفوة قبل العامة أنه حين توفي غادرنا من بيت أهله في ود نوباوي)


IbrahimA@missouri.edu

 

آراء