كيف توحدت مجموعة كوبر مع تيار علي كرتي حول خيار الحرب
رشا عوض
5 June, 2023
5 June, 2023
صباح السبت الخامس عشر من شهر أبريل 2023 علامة مفصلية في تاريخ السودان السياسي المعاصر، إذ أن وقوع المواجهة المسلحة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليس مجرد تنافس تقليدي على السلطة بين جنرالين، بل هو المرحلة الأخيرة في مشروع “الثورة المضادة” الذي عكف عليه الإسلامويون منذ سقوط نظامهم بقيادة عمر البشير بالثورة الشعبية في 11 أبريل 2019. بالطبع هذا لا ينفي ان لكل من البرهان وحميدتي رغبة حقيقية في الانفراد بالحكم، ولكن حسب فرضية هذه المقالة فإن الحرب الدائرة حاليا صنعها ما يسمى “التيار الإسلامي العريض” الذي يضم القيادات الرئيسة في نظام البشير مضافا اليهم جماعات متطرفة حليفة.
الإسلامويون والرهان العسكري
منذ أن صوت مجلس شورى “الجبهة الاسلامية القومية” لصالح الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري ضد حكومة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي، وتنفيذه بقيادة عمر البشير في 30 يونيو 1989 أصبحت الأجهزة العسكرية والأمنية الخاصة هي النواة الصلبة للتنظيم الاسلاموي، والعقل المتحكم في مصيره، والمركز الذي يدير صراعاته وانقساماته، ومع بلوغ النفوذ الاسلاموي ذروته في الجيش والشرطة عبر سياسة التمكين، وتنامي التشكيلات العسكرية الموازية كالدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والامن الشعبي وكتائب الظل، وتطور جهاز الأمن الى دولة داخل الدولة، تحولت هذه الترسانة الامنية والعسكرية بعد ان أكملت قمع وإقصاء خصوم النظام الى آلية ترجيح وحسم في صراع السلطة حتى داخل التنظيم الاسلاموي نفسه! وتأسيسا على ذلك انتصر تيار البشير على تيار الدكتور حسن عبد الله الترابي، ثم انتصر البشير مجددا على المجموعة التي اصطفت معه ضد الترابي ممثلة في قيادات المؤتمر الوطني البارزة وعلى رأسها علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، وفي سياق تثبيت البشير لحكمه وردع اي تحرك ضده من الضباط الاسلامويين في الجيش أسس قوات الدعم السريع في اغسطس عام 2013 وأصبحت تابعة لجهاز الأمن والمخابرات.
وفي يناير 2017 صدر قرار بتتبيعها للجيش السوداني مما يقتضي خضوعها لقانون القوات المسلحة إلا أنها تمتعت باستقلال مالي وإداري وعسكري بسبب تبعيتها بشكل مباشر للقائد الأعلى للجيش(عمر البشير) حينها، الذي كان يردد في خطاباته العامة عبارة “حميدتي حمايتي” كتهديد لاي تحرك ضده من اسلاميي الجيش.
تيارات الإسلامويين بعد الثورة
بعد الثورة السلمية التي بدأت في ديسمبر 2018 وأطاحت بالبشير في 11 ابريل 2019 هل ظلت فكرة السيطرة على الحكم باستخدام القوة العسكرية مسيطرة على الاسلامويين؟
طرحت هذا السؤال على الكاتب الصحفي أبو ذر على الامين وهو جزء من التيار التجديدي في حركة الاسلام السياسي وكان مشاركا وشاهدا على جانب مهم من انقسام حزب المؤتمر الوطني في 1999 م فيما عرف بالمفاصلة “لا توجد الآن حركة اسلامية في السودان يوحدها فكر أو برنامج سياسي بل توجد تيارات متصارعة على السلطة تشترك في كونها مرتبطة بالجهاز الخاص(الأمني العسكري) الذي نجح في عسكرة الحركة تماما ويسعى للسلطة بالاعتماد على الوسائل العسكرية التي خبرها على مدى ثلاثين عاما”.
وفي هذا السياق يؤكد ابو ذر ان الجيش الذي يراهن عليه الاسلاميون الآن في إعادتهم الى السلطة ولهذا السبب يدعمونه الآن في حربه على الدعم السريع لن يحقق لهم هذا الهدف لان لديه – اي الجيش – طموحه الخاص في الانفراد بالحكم، وبالتالي لا بد ان يتوحد جميع المدنيين بما فيهم الاسلاميون لانتزاع الحكم المدني.
مجموعتان خلف الجيش وتيار على الرصيف!
بعد تشكيل المجلس العسكري الانتقالي في 13 ابريل 2019 برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، انقسم الاسلامويون إلى مجموعتين إزاء الوضع السياسي الجديد ممثلا في الفترة الانتقالية التي تم الاتفاق على استبعاد حزب المؤتمر الوطني والأحزاب التي ظلت مشاركة في حكومة البشير حتى تاريخ سقوطه من تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، الاولى مجموعة كوبر(نسبة الى سجن كوبر الشهير الذي يقبع فيه رموز النظام البائد)، تتبنى موقفا رادكاليا يهدف الى الإطاحة عسكريا بالنظام الذي تشكل بعد الثورة، تضم أهم قيادات حزب المؤتمر الوطني وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير ونائبه الاول علي عثمان محمد طه ومساعده نافع علي نافع، واحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وعوض احمد الجاز ، ومدير جهاز الامن السابق محمد عطا، تمكنت هذه المجموعة رغم وجودها في سجن كوبر من اجراء الاتصالات وتدبير اول انقلاب عسكري بعد الثورة في يوليو 2019 بقيادة الفريق اول هاشم عبد المطلب رئيس هيئة أركان الجيش وقد أفشلت المحاولة وحوكم منفذوها بالسجن بعد محاكمة عسكرية.
كما أعلنت القوات المسلحة عن احباط محاولة انقلابية في سبتمبر 2021 بقيادة اللواء عبد الباقي حسن بكراوي الذي شغل العديد من المناصب في صفوف الجيش السوداني خلال فترة حكم البشير.
مجموعة كوبر ذات أفق سياسي مسدود، إذ أنها تراهن على الانقلاب وعلى تحالف دولي مع روسيا والصين، وتحالف إقليمي مع إيران، وتتجاهل عدم صلاحية البشير المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية والذي كان يشكل عبئا سياسيا حتى على الاسلامويين قبل الثورة، إذ تعالت أصوات بعضهم بضرورة عدم ترشحه لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2015 وتكرر الامر في انتخابات 2020 .
المجموعة الثانية يقودها علي كرتي (الأمين العام المكلف للحركة الاسلامية، والقائد المؤسس لقوات الدفاع الشعبي) وابرز عناصرها مدير جهاز الامن والمخابرات السابق صلاح قوش، ووزير الدفاع في عهد البشير عوض ابن عوف والضابط عماد عدوي، وتتبنى فكرة التحالف مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ، وإضعاف الفترة الانتقالية بعمل منهجي في تقسيم قوى الثورة وعلى رأسها “تحالف الحرية والتغيير” و”لجان المقاومة”، ومحاربة “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو” وعرقلة اي اصلاحات للجهاز العدلي واستعادة النفوذ الاسلاموي في مفاصل الدولة والدفع باتجاه خيار الانتخابات المبكرة دون إصلاحات تضمن نزاهتها.
وقد ارتفعت أسهم هذه المجموعة واتسعت قاعدتها وسط الاسلامويين بعد الانقلاب العسكري على حكومة “الحرية والتغيير” برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك في 25 اكتوبر 2021، إذ ألغى هذا الانقلاب قرارات “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو” وأعاد عناصر نظام البشير الى مواقع مهمة في القضاء والخدمة المدنية وأعاد اليهم الأموال المصادرة منهم في إطار عملية إزالة التمكين. ومن ناحية العلاقات الخارجية ترتبط هذه المجموعة اقليميا بمصر.
خارج هاتين المجموعتين يوجد تيار من المثقفين والاكاديميين والقوى الشبابية والحزبية ذات التوجه الاسلامي، بعضهم يطلق عليه “تيار الرصيف” والبعض الاخر منخرط فيما يسمى “التيار الاسلامي العريض” الذي يضم الى جانب مجموعة كوبر ومجموعة كرتي حركة “الاصلاح الآن” وجماعات سلفية بعضها متطرف مثل حركة محمد علي الجزولي.
الاتفاق الاطاري يوحد المجموعتين
كلا المجموعتين تتبنى موقفا معاديا لقوى الثورة، وتعمل على تدمير الفترة الانتقالية، كما ترغب كل منهما في التخلص من الدعم السريع نهائيا، وكان الاختلاف الرئيس بينهما حول وسيلة تحقيق ذلك هل عبر انقلاب عسكري إسلاموي خالص أم عبر دعم انقلاب البرهان وتجييره لصالح الاجندة الإسلاموية.
بعد نجاح الاحتجاجات الشعبية والضعوط الدولية في إفشال انقلاب 25 اكتوبر وتدشين عملية سياسية جديدة أسفرت عن توقيع القوى السياسية الرئيسية وقيادتي الجيش والدعم السريع على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 الذي ينص على خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وكان من المفترض ان يتطور الى اتفاق نهائي يتضمن تفاصيل حول العدالة الانتقالية والاصلاح الامني والعسكري وازالة التمكين وقضايا السلام وشرق السودان ، توحدت المجموعتان في رفض الإطاري، والتعبئة ضده واستنفار العناصر الإسلاموية في الجيش ضد العملية السياسية ورجحت كفة خيار مجموعة كوبر في الانقلاب العسكري، وفي هذا الإطار ضغطت العناصر الاسلاموية في الجيش على البرهان في اتجاه اشتراط دمج الدعم السريع في الجيش في مدى زمني قصير للتوقيع على الاتفاق، وبرزت بقوة خلافات البرهان وحميدتي الذي انحاز للاطاري بقوة.
توحدت المجموعتان(مجموعة الانقلاب العسكري الخالص لصالح الاسلامويين ممثلة في جماعة كوبر بقيادة البشير وعلي عثمان واحمد هارون، ومجموعة الحكم الاسلاموي من خلف انقلاب البرهان بقيادة علي كرتي) اتفقتا حول ضرورة العمل العسكري لقطع الطريق على استئناف المسار الانتقالي، لان انقلاب البرهان فشل وما عاد خيارا مناسبا.
تصاعدت التعبئة الإسلاموية للحرب منذ التوقيع على الاتفاق الإطاري على لسان قادة بارزين مثل محمد طاهر ايلا وانس عمر الذي بشر رموز النظام البائد في سجن كوبر بقري موعد تحريرهم خلال وقفة احتجاجية لما يسمى بالتيار الاسلامي العريض، وتواترت خطابات الدعوة الى حمل السلاح في عدد من الافطارات الرمضانية التي نظمها ذات التيار قبيل اندلاع الحرب.
معطيات الواقع السوداني حتى الآن تؤكد ان التيار الغالب وسط الاسلامويين هو التيار الانقلابي العنيف الذي لعب دورا مفتاحيا في إشعال الحرب الدائرة حاليا، والآن يرزح الشعب السوداني تحت وطأة المواجهة العسكرية بين “التنظيم الأمني العسكري الخاص للحركة الإسلاموية” وقوامه لوبيات الفساد والمصالح المتراكمة على مدى ثلاثين عاما، وقوات “الدعم السريع” التي خرجت عن طوع الإسلامويين وأصبح لها مشروعها الخاص لاغتصاب السلطة السياسية وارتباطاتها الإقليمية والدولية.
الإسلامويون والرهان العسكري
منذ أن صوت مجلس شورى “الجبهة الاسلامية القومية” لصالح الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري ضد حكومة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي، وتنفيذه بقيادة عمر البشير في 30 يونيو 1989 أصبحت الأجهزة العسكرية والأمنية الخاصة هي النواة الصلبة للتنظيم الاسلاموي، والعقل المتحكم في مصيره، والمركز الذي يدير صراعاته وانقساماته، ومع بلوغ النفوذ الاسلاموي ذروته في الجيش والشرطة عبر سياسة التمكين، وتنامي التشكيلات العسكرية الموازية كالدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والامن الشعبي وكتائب الظل، وتطور جهاز الأمن الى دولة داخل الدولة، تحولت هذه الترسانة الامنية والعسكرية بعد ان أكملت قمع وإقصاء خصوم النظام الى آلية ترجيح وحسم في صراع السلطة حتى داخل التنظيم الاسلاموي نفسه! وتأسيسا على ذلك انتصر تيار البشير على تيار الدكتور حسن عبد الله الترابي، ثم انتصر البشير مجددا على المجموعة التي اصطفت معه ضد الترابي ممثلة في قيادات المؤتمر الوطني البارزة وعلى رأسها علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، وفي سياق تثبيت البشير لحكمه وردع اي تحرك ضده من الضباط الاسلامويين في الجيش أسس قوات الدعم السريع في اغسطس عام 2013 وأصبحت تابعة لجهاز الأمن والمخابرات.
وفي يناير 2017 صدر قرار بتتبيعها للجيش السوداني مما يقتضي خضوعها لقانون القوات المسلحة إلا أنها تمتعت باستقلال مالي وإداري وعسكري بسبب تبعيتها بشكل مباشر للقائد الأعلى للجيش(عمر البشير) حينها، الذي كان يردد في خطاباته العامة عبارة “حميدتي حمايتي” كتهديد لاي تحرك ضده من اسلاميي الجيش.
تيارات الإسلامويين بعد الثورة
بعد الثورة السلمية التي بدأت في ديسمبر 2018 وأطاحت بالبشير في 11 ابريل 2019 هل ظلت فكرة السيطرة على الحكم باستخدام القوة العسكرية مسيطرة على الاسلامويين؟
طرحت هذا السؤال على الكاتب الصحفي أبو ذر على الامين وهو جزء من التيار التجديدي في حركة الاسلام السياسي وكان مشاركا وشاهدا على جانب مهم من انقسام حزب المؤتمر الوطني في 1999 م فيما عرف بالمفاصلة “لا توجد الآن حركة اسلامية في السودان يوحدها فكر أو برنامج سياسي بل توجد تيارات متصارعة على السلطة تشترك في كونها مرتبطة بالجهاز الخاص(الأمني العسكري) الذي نجح في عسكرة الحركة تماما ويسعى للسلطة بالاعتماد على الوسائل العسكرية التي خبرها على مدى ثلاثين عاما”.
وفي هذا السياق يؤكد ابو ذر ان الجيش الذي يراهن عليه الاسلاميون الآن في إعادتهم الى السلطة ولهذا السبب يدعمونه الآن في حربه على الدعم السريع لن يحقق لهم هذا الهدف لان لديه – اي الجيش – طموحه الخاص في الانفراد بالحكم، وبالتالي لا بد ان يتوحد جميع المدنيين بما فيهم الاسلاميون لانتزاع الحكم المدني.
مجموعتان خلف الجيش وتيار على الرصيف!
بعد تشكيل المجلس العسكري الانتقالي في 13 ابريل 2019 برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، انقسم الاسلامويون إلى مجموعتين إزاء الوضع السياسي الجديد ممثلا في الفترة الانتقالية التي تم الاتفاق على استبعاد حزب المؤتمر الوطني والأحزاب التي ظلت مشاركة في حكومة البشير حتى تاريخ سقوطه من تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، الاولى مجموعة كوبر(نسبة الى سجن كوبر الشهير الذي يقبع فيه رموز النظام البائد)، تتبنى موقفا رادكاليا يهدف الى الإطاحة عسكريا بالنظام الذي تشكل بعد الثورة، تضم أهم قيادات حزب المؤتمر الوطني وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير ونائبه الاول علي عثمان محمد طه ومساعده نافع علي نافع، واحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وعوض احمد الجاز ، ومدير جهاز الامن السابق محمد عطا، تمكنت هذه المجموعة رغم وجودها في سجن كوبر من اجراء الاتصالات وتدبير اول انقلاب عسكري بعد الثورة في يوليو 2019 بقيادة الفريق اول هاشم عبد المطلب رئيس هيئة أركان الجيش وقد أفشلت المحاولة وحوكم منفذوها بالسجن بعد محاكمة عسكرية.
كما أعلنت القوات المسلحة عن احباط محاولة انقلابية في سبتمبر 2021 بقيادة اللواء عبد الباقي حسن بكراوي الذي شغل العديد من المناصب في صفوف الجيش السوداني خلال فترة حكم البشير.
مجموعة كوبر ذات أفق سياسي مسدود، إذ أنها تراهن على الانقلاب وعلى تحالف دولي مع روسيا والصين، وتحالف إقليمي مع إيران، وتتجاهل عدم صلاحية البشير المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية والذي كان يشكل عبئا سياسيا حتى على الاسلامويين قبل الثورة، إذ تعالت أصوات بعضهم بضرورة عدم ترشحه لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2015 وتكرر الامر في انتخابات 2020 .
المجموعة الثانية يقودها علي كرتي (الأمين العام المكلف للحركة الاسلامية، والقائد المؤسس لقوات الدفاع الشعبي) وابرز عناصرها مدير جهاز الامن والمخابرات السابق صلاح قوش، ووزير الدفاع في عهد البشير عوض ابن عوف والضابط عماد عدوي، وتتبنى فكرة التحالف مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ، وإضعاف الفترة الانتقالية بعمل منهجي في تقسيم قوى الثورة وعلى رأسها “تحالف الحرية والتغيير” و”لجان المقاومة”، ومحاربة “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو” وعرقلة اي اصلاحات للجهاز العدلي واستعادة النفوذ الاسلاموي في مفاصل الدولة والدفع باتجاه خيار الانتخابات المبكرة دون إصلاحات تضمن نزاهتها.
وقد ارتفعت أسهم هذه المجموعة واتسعت قاعدتها وسط الاسلامويين بعد الانقلاب العسكري على حكومة “الحرية والتغيير” برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك في 25 اكتوبر 2021، إذ ألغى هذا الانقلاب قرارات “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو” وأعاد عناصر نظام البشير الى مواقع مهمة في القضاء والخدمة المدنية وأعاد اليهم الأموال المصادرة منهم في إطار عملية إزالة التمكين. ومن ناحية العلاقات الخارجية ترتبط هذه المجموعة اقليميا بمصر.
خارج هاتين المجموعتين يوجد تيار من المثقفين والاكاديميين والقوى الشبابية والحزبية ذات التوجه الاسلامي، بعضهم يطلق عليه “تيار الرصيف” والبعض الاخر منخرط فيما يسمى “التيار الاسلامي العريض” الذي يضم الى جانب مجموعة كوبر ومجموعة كرتي حركة “الاصلاح الآن” وجماعات سلفية بعضها متطرف مثل حركة محمد علي الجزولي.
الاتفاق الاطاري يوحد المجموعتين
كلا المجموعتين تتبنى موقفا معاديا لقوى الثورة، وتعمل على تدمير الفترة الانتقالية، كما ترغب كل منهما في التخلص من الدعم السريع نهائيا، وكان الاختلاف الرئيس بينهما حول وسيلة تحقيق ذلك هل عبر انقلاب عسكري إسلاموي خالص أم عبر دعم انقلاب البرهان وتجييره لصالح الاجندة الإسلاموية.
بعد نجاح الاحتجاجات الشعبية والضعوط الدولية في إفشال انقلاب 25 اكتوبر وتدشين عملية سياسية جديدة أسفرت عن توقيع القوى السياسية الرئيسية وقيادتي الجيش والدعم السريع على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 الذي ينص على خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وكان من المفترض ان يتطور الى اتفاق نهائي يتضمن تفاصيل حول العدالة الانتقالية والاصلاح الامني والعسكري وازالة التمكين وقضايا السلام وشرق السودان ، توحدت المجموعتان في رفض الإطاري، والتعبئة ضده واستنفار العناصر الإسلاموية في الجيش ضد العملية السياسية ورجحت كفة خيار مجموعة كوبر في الانقلاب العسكري، وفي هذا الإطار ضغطت العناصر الاسلاموية في الجيش على البرهان في اتجاه اشتراط دمج الدعم السريع في الجيش في مدى زمني قصير للتوقيع على الاتفاق، وبرزت بقوة خلافات البرهان وحميدتي الذي انحاز للاطاري بقوة.
توحدت المجموعتان(مجموعة الانقلاب العسكري الخالص لصالح الاسلامويين ممثلة في جماعة كوبر بقيادة البشير وعلي عثمان واحمد هارون، ومجموعة الحكم الاسلاموي من خلف انقلاب البرهان بقيادة علي كرتي) اتفقتا حول ضرورة العمل العسكري لقطع الطريق على استئناف المسار الانتقالي، لان انقلاب البرهان فشل وما عاد خيارا مناسبا.
تصاعدت التعبئة الإسلاموية للحرب منذ التوقيع على الاتفاق الإطاري على لسان قادة بارزين مثل محمد طاهر ايلا وانس عمر الذي بشر رموز النظام البائد في سجن كوبر بقري موعد تحريرهم خلال وقفة احتجاجية لما يسمى بالتيار الاسلامي العريض، وتواترت خطابات الدعوة الى حمل السلاح في عدد من الافطارات الرمضانية التي نظمها ذات التيار قبيل اندلاع الحرب.
معطيات الواقع السوداني حتى الآن تؤكد ان التيار الغالب وسط الاسلامويين هو التيار الانقلابي العنيف الذي لعب دورا مفتاحيا في إشعال الحرب الدائرة حاليا، والآن يرزح الشعب السوداني تحت وطأة المواجهة العسكرية بين “التنظيم الأمني العسكري الخاص للحركة الإسلاموية” وقوامه لوبيات الفساد والمصالح المتراكمة على مدى ثلاثين عاما، وقوات “الدعم السريع” التي خرجت عن طوع الإسلامويين وأصبح لها مشروعها الخاص لاغتصاب السلطة السياسية وارتباطاتها الإقليمية والدولية.