السودان إلي أين يتجه ؟

 


 

 

عندما تطرح عليك أسئلة من بعض عامة الناس، الذين لم يقدموا انفسهم كسياسيين، و لا متابعين للشأن السياسي تحترم أسئلتهم، و تجتهد أن تقدم إجابات وفقا لرؤيتك الخاصة. و لكن لن تتلأكد إذا اقتنعوا بها أو لا, و بالضرورة هؤلاء سوف يحاولون طرح ذات الأسئلة على آخرين، بحثا عن الحقيقة. لكن تجد نفسك في غاية الاندهاش عندما يتصل بك قيادي في حزب سياسي، و يحاورك في مقال كتبته عن غياب الأحزاب السياسية في وقت تنشط فيه الدول الأخرى لإيجاد حل للحرب الدائرة. فالفقرة التي أثارة القيادي في المقال تقول " الآن الحرب دائرة و ليس هناك صوت يسمع غير صوت المدافع و البنادق، و لكن ظلت القوى السياسية في حالة من الإنزواء الكامل تاركة المجتمع الدولي وحده ينشط لكي يوقف الحرب ، و يخطط لإيجاد سلطة مدنية بعد وقف الحرب" قال القيادي الهمام ماذا نعمل الأحزاب في ظل هذه الحرب العينة؟ نقيم ندوات في ظل طرفين يستخدمان أكثر انواع الأسلحة فتكا بالعباد، أم نجرى وراء قيادات عسكرية فقدت رشدها و لم يجدا طريقا للبقاء في السلطة إلا عبر حرب تحصد المواطنين، و تخرب كل البنية التحتية للبلاد و تدمر الاقتصاد رغم تدهوره و ضعفه.
سألته؛ إذا كان اجتماع الإيغاد قرر أن تقوم اللجنة الرباعية بدعوة الجنرالين للقاء بينهما يهدف إلي وقف شامل لإطلاق النار، ثم ينخرطان في حوار حول الحل السياسي، ثم بعد ذلك دعوة القوى المدنية للمشاركة في الحوار السياسي، هل تنتظر الأحزاب السياسية هندسة هذا اللقاء ثم تذهب لكي تستمع للحوار، و تستلم رؤية الحل التي يجب ان تقدمها الإيغاد؟ قال هذا الذي سوف يحصل ماذا نفعل نحن حتى يحين ذلك الوقت؟ من الذي يتبرع بالإجابة...؟
أن الحروب و النزاعات و الأزمات السياسية إذا تركنا أن تحلها القيادات العسكرية أو المجتمع الدولي و الإقليمي و يقدموا فيها مبادرات و حسمها بالصورة التي تخدم مصالحهم. إذاً ما هي فائدة الأحزاب؟ اليس الأحزاب السياسية هي التي يقع عليها عبء لبحث عن حلول للأزمات في البلاد، و أن تكون مساهمتها هي المطلوبة لوقف النزاع و الحرب في المجتمع. هل يدرك هذا القيادي أن الأحزاب جاء تكوينها لكي تكون بديلا حضاريا للولاءات الأولية في المجتمع، و من خلالها تصبح الدولة هي التي توفر الأمن و الأمن الغذائي و الاستقرار الاجتماعي و كل الحريات المطلوبة و العدالة، و جميع الخدمات من صحة و تعليم و كهرباء و مياه و تنقل و غيرها، الوصول لهذه المرحلة تغيب تماما الولاءات الأولية و تصبح الدولة هي أكبر حاضن اجتماعي يلجأ له الجميع. الأحزاب ليست هي في حاجة لعوية تكون مهامها أن تصبح أبواق و حناجر يحتاجها الشيخ و القائد و الزعيم و رئيس الحزب، و رئيس الطائفة، بل يحتاج الحزب لعضوية ذات عقول متقدة و مدركة لدورها السياسي و الاجتماعي و التوعوي و الاستناري، و تعرف حقوقها و تدافع عنها، و تعرف أيضا الواجبات التي يجب أن تؤديها حتى لا يقع الانحراف.
السودان حقيقة في محنة....! سقطت الإنقاذ في 11إبريل 2019م و حتى اليوم البلاد تعاني من مخلفاتها.. لآن العقل السياسي معطوب يعاني من إشكالية خطيرة جدا، إذا كانت الإنقاذ نظاما شموليا مارس كل انتهاكات حقوق الإنسان و قيد حركة الأحزاب و يريدها أحزابا صورية، و أقام مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة ( الدولة العميقة) و عطل سير العدالة و قلص مساحة الحريات و كل ما يؤكد أنه نظام حزب واحد شمولي. و قامت الثورة من أجل التغيير، و رفعت شعارات التحول الديمقراطي، و تفكيك دولة الحزب لمصلحة الدولة التعددية. إذاً لماذا تريد القوى السياسية أن تسير بذات المنهج الذي سلكته الإنقاذ تحت غطاء شعارات ديمقراطية غير قادرة على تنزيلها على الأرض. أن حالة التناقض في الفكر و الممارسة التي تعيشها النخب السياسية و قطاع واسع من المثقفين إذا لم تتغيير لا يمكن أن يعبر السودان إلي مرحلة جديدة يتجاوز بها الثقافة الشمولية التراكمية الموجودة الآن.
أن العصبيات الحزبية الأيديولوجية التي شغلت الساحة السياسية منذ عام 1965م حتى الآن قد جمدت حركة الوعي في المجتمع،و تعتبر سبب رئيس في حالة الشح الفكري و ضعف الإنتاج الثقافي و المعرفي الذي يغذي الساحة السياسية. قبل الاستقلال و تكوين الأحزاب لعبت الصحافة دورا محوريا في الوعي المجتمعي خاصة مجلتي ( الفجر و النهضة) ثم مؤتمر الخريجين و في اواسط الاربعينيات كان دور الأحزاب كبيرا. أما في حقبة الستينيات و السبعينيات لعبت المدارس الأدبية و قطاع الأدب و الفنون دورا مهما في الثقافة العامة و السياسية. و في العقد الثالث لفترة الإنقاذ لعبت الصحافة أيضا دورا محوريا في عملية اتساع رقعة الحرية رغم المضايقات التي كانت تواجهها من قبل جهاز الأمن و المخابرات. الغريب بعد الثورة غاب نشاط الأحزاب و غاب الفكر و الثقافة، كيف يستطيع مجتمع أن يعبر للديمقراطية دون فكر و ثقافة ديمقراطية.... لعل صاحبنا القيادي السياسي يجيب علينا. نسأل الله حسن البصيرة

 

zainsalih@hotmail.com

 

آراء