الكفاح المسلح والسداد المؤجل

 


 

فيصل بسمة
11 July, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

سأل أحدهم:
لماذا و في الكثير من الأحيان تتناقض المواقف السياسية و سلوك و تحالفات قادة الحركات المتمردة المسلحة ”حركات الكفاح المسلح“ و لا تتسق مع أهداف الحركات في ”تحرير“ بلاد السودان و شعوبها و إقامة دولة العدل و المساواة على أنقاض دولة ستة و خمسين (٥٦)؟
و الإسم (دولة ستة و خمسين) هو المسمى الجديد للدولة السودانية القديمة ، أو لما كان يعرف بدولة: المركز/النخب/الجلابة/الشماليين/الوسط/الشريط النيلي
تبرع أحدهم بإجابة على السؤال قآئلاً:
المواقف السياسية لا يحددها قادة الحركات ، بل يحددها و يقررها الكفيل/الممول...
فصاح السآئل مستغرباً:
الكفيل!!!...
فرد المجيب في ثقة:
نعم الكفيل الأجنبي... الذي ربما يكون إقليمي أو عالمي... و حتى نستوعب مسألة الكفيل الأجنبي فعلينا أن نلم أولاً ببعض من الحقآئق حول مسآئل تكوين و تمويل الحركات المتمردة المسلحة ، خصوصاً و قد تكاثرت و تناسلت حركات ”الكفاح المسلح“ حتى إختلطت و تشابهت الأسمآء و تَضَبضَبَت الأهداف...
حاشية:
المفردة تَضَبضَبَت من ضباب و ليست من ضب...
من الناحية التأسيسية النظرية ، فقد إرتكز أغلب/جميع المؤسسين للحركات المتمردة المسلحة على إستنتاجات و فرضيات تغطي/تشمل جميع الأفكار و الأرآء و النظريات في علوم الإجتماع و السياسة و نظم الحكم و الكفاح المسلح و الإقتصاد و الفلسفة و المعتقد ، أما عملياً ، و على الرغم من كل الخلفيات و المسميات الثورية و التحريرية و الشعوبية التي ألحقت بأسمآء الحركات المتمردة المسلحة ، إلا أن التكوين و تجنيد الضباط و الأفراد لجيوش الحركات المتمردة المسلحة يتم على نسق و خطوط: العرق و الجنس و العنصر و الجهة و القبيلة و العشيرة و الأسرة التي ينتمي إليها المؤسسون...
و في العادة يلجأ بعض/كثير من ”المناضلين“ إلى الكفاح المسلح متذرعين بدعاوى أن: السلطة الحاكمة لا تأبه لمطالبهم المشروعة ، و لا تقيم لها وزناً ، و أنها تحابي و تميز بعض من الجهات و المجموعات العرقية على حساب أخريات ، و تمارس الإضطهاد و القمع و الإعتقال و القتل ضد القبآئل و الجماعات و الجهات التي ينتمون إليها ، و أن أفق الوصول إلى حلول عبر الحوارات و التفاهمات و التوافق السياسي أصبحت غير مجدية/ممكنة أو مستحيلة ، و يعتقدون أن السلطة لا تحترم المعارضة المدنية و لا تفهم سوى منطق القوة و لحس الكِيعَان!!! ، و أن نصرة قضايا المهمشين و إسترداد/نزع الحقوق المسلوبة و حسم مشاكل الحكم و إقتسام السلطة و الثروات لن تتأتى إلا عبر قوة السلاح و القتال...
و معلوم أن الكفاح المسلح يحتاج إلى التمويل الذي يشري/يشتري: الذمم و السلاح و الذخيرة و ناقلات الجنود و الوقود و يطعم الجنود ، و يغطي البند الأول و الحوافز و مصروفات القادة و تنقلاتهم بين العواصم الإقليمية و العالمية و إقاماتهم في الفنادق ذات النجوم المتعددة ، و غالباً/حقيقةً ما تعجز الموارد المحلية عن تمويل مصروفات/حملات الكفاح المسلح مما يضطر ”المناضلون“ إلى البحث عن تحالفات/كفالات لدى الدول و الدوآئر الأجنبية في الجوار و الإقليم و العالم ، و هي جهات متخصصة في شرآء الذمم و مساندة و كفالة النضال المسلح في المحيطين الإقليمي و العالمي ، و التي تملك الإستعداد و الإمكانيات لتقديم السند و قروض التمويل المؤجلة السداد!!!...
و معلوم أن الحلفآء و الكفلآء ، الإقليميين و العالميين ، و على خلاف المؤمنين المتصدقين يريدون/يحبون الجزآء و الشكور ، و يحبذون أن تعلم يسراهم و جميع العالم ما فعلت يمناهم ، هذا بالإضافة إلى أنهم يطلبون/يشترطون الضمانات الآنية و المستقبلية مقابل القروض التمويلية ، و أنهم أيضاً يشترطون ، في حالة السداد المؤجل ، أسعار الفآئدة العالية و القيم المضافة هذا إلى جانب المعاملات التفضيلية في الإستثمارات المستقبلية و خدمات و تسهيلات أخرى تتم كتابتها في العقود بأحرف بالغة الدقة يصعب قرآءتها و يتعسر فهم مضامين و مدلولات نقاطها القانونية!!!...
و سأل سآئل آخر:
و هل يمكن أن يكون النضال غير مسلح؟
فقيل نعم... و قد ثبت أنه يوجد نضال غير مسلح ، و أن زعمآء و نقابيين و ناشطين و جهات سياسية متعددة في أنحآء مختلفة من العالم قد جَرِّبَت خيارات سلمية و وسآئل مدنية في الكفاح و النضال السياسي ، و أن التجارب العملية قد أثبتت جدواها ، و قد قُدِّمَت/أُبرِزَت الأدلة و البراهين على نجاحها من حيث أنها قد أدت إلى: إستقلال دول من الإستعمار (الإحتلال) الأجنبي و تثبيت حقوق و نيل مطالب و إطلاق سراح معتقلين و تحقيق إنجازات أخرى عديدة...
و أضاف السآئل مستفسراً:
و هل يمانع الحلفآء/الكفلآء في تمويل الكفاح الغير مسلح؟
و أضاف موضحاً:
هذا إذا ما قُدِّمَت الضمانات الكافية بأن جميع التكاليف و الفوآئد و القيم المضافة و بنود العقود المكتوبة بالأحرف الدقيقة التي يصعب قرآءتها و فهم مضامينها و معانيها سوف يتم الإلتزام بها و (بِضُبَانَتِهَا) كما في حالات الكفاح المسلح...
أم أن الحلفآء الكفلآء يفضلون الخيار المسلح؟
و قبل أن تأتيه الإجابات على الأسئلة المتلاحقة علق السآئل و تسآءل و استفسر و أضاف:
و هل هذا يعني أن بإمكان المناضلين من أجل تحرير شعوبهم و الذين يهدفون إلى تحرير البلاد و الشعوب و إقامة دول ”العدالة و المساواة“ عن طريق المقاومة السلمية أن يطلبوا من الكفلآء ما يساعدهم على تقديم السند و الدعم و ضمانات الإعتمادات و الإمداد بأدوات البنآء و كل ما يساعد على تقديم الخدمات لبلادهم و شعوبهم في مجالات التعليم و الصحة و بقية الخدمات و ضروريات الإنتاج و التنمية عوضاً عن السلاح و القتل؟
هذا إذا علمنا أن السداد مع الفوآئد و الأرباح و القيم المضافة و بقية البنود السرية أقل تكلفةً من قيمة شرآء الأسلحة و الذخآئر و المتفجرات و حاملات الجنود و بقية المعدات ، و هي حتماً أقل تكلفةً من إصلاح ما سوف تدمره تلك الأسلحة...
و أعتقد أنه و إذا ما حدث ذلك فإن الشعوب المهمشة و المقهورة هي الرابحة ، و سوف تتجنب ويلات القتل و الدمار و النزوح...
إحتار المجيب و صمت برهة و تَلَكلَكَ كثيراً في الإجابة و تلعثم قبل أن يخاطب السآئل/المستفسر:
يا خي لقد أربكتني و جَهجَهتَنِي كثيراً...
الظاهر أنك ملم بالتفاصيل و عارف كل شيء... و لديك إجابات و المزيد... و يبدوا أنك فاهم لكن عامل مِدَكِن... و إذا كان الأمر كذلك فلم هذا السيل من الأسئلة؟... و لكن حديثك عن تمويل الكفاح الغير مسلح لا يخلو من شيء من المثالية و الكثير من الأماني الطيبة و حسن النية ، و أنا لم و لا و لن أشر أو ألمح في حديثي هذا إلى البساطة و السذاجة لا من قريب أو بعيد... و أرجو أن لا تتعقد!!!...
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال/الإستفسار فالقول هو أنه جآئز!!!... أما الحقيقة... أو الإجابة على الشق الثاني فهي أن الممولين يفضلون الخيار المسلح لإرتباطه بتجارة الأسلحة المربحة... و معلوم أن هذه التجارة تدار بواسطة الدول العظمى ذات المقاعد الدآئمة في مجلس الأمن التي تكفل الكفلآء الإقليميين ، و التي تمتلك الأساطيل التي تجوب البحار و الغواصات التي تسبر الأعماق و الأسراب الطآئرة التي تسد عنان السمآء و الأقمار الصناعية التي تملأ الفضآء و أدوات التجسس و التصنت ، هذا إلى جانب القنابل العنقودية و المخصبة و تلك ذات الرؤوس النووية و الهيدروجينية و الفرق المتخصصة في الإغتيالات الجسدية و المعنوية!!!...
أما حديثك عن مسار الكفاح الغير مسلح أو المدني السلمي و البنآء و التعمير فهو أيضاً يقع في دآئرة الجآئز طالما أن العميل مستعد لتقديم الضمانات و دفع الفوآئد العالية و التوقيع على العقود ذات الأحرف الدقيقة و العبارات القانونية التي يصعب قرآءتها و فهم مدلولاتها...
و لكن يبقى خيار الكفاح المسلح المدفوع القيمة هو المفضل ، و ذلك لأنه يكسب الأرباح العالية مرتين ، الأولى المردودات العالية من مبيوعات السلاح و الذخآئر و الثانية العوآئد و الفوآئد الهآئلة من عمليات تشييد و إعادة تعمير أطلال الدمار و الخراب الذي سببته الأسلحة ، مما يعني أنه و عقب توقف القتال تأتي الشركات ذات الأفضلية القادمة من الدول المانحة لتشيد و تبني ما دمرته الأسلحة القادمة من ذات الجهات بحسبان أنهم هم الخبرآء الأوحدون الذين يلمون بأضرار الأسلحة و كيفية معالجة آثارها بطرق فنية خآصة تعتمد على آخر ما توصلت إليه الأبحاث و التكنولوجيا في العالم المتقدم!!!...
حاشية:
المفردة عميل حَمَّالَةُ أوجهٍ ، فهي مشتقة من العمالة و الإرتزاق و تعني الذمم التي تم شرآؤها بالمال و الإمتيازات لغرض خدمة المصالح الأجنبية ، و هي تعني أيضاً الزبون الذي يشتري البضاعة و الخدمات ، و نسبة للتداخلات ما بين العمالة و الإرتزاق و الكسب المالي فقد أطلق مراقبون على الكفاح المسلح مصطلح الكفاح المُصَلَّح...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

FAISAL M S BASAMA

fbasama@gmail.com

 

آراء