مقدمة الطبعة الثالثة لكتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي

 


 

 

1
منذ صدور الطبعة الأولى لكتاب " تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي " للمؤلف تاج السر عثمان الحاج ، عن دار عزة للنشر 2001 ، وصدور طبعة ثانية له عن مكتبة الشريف الأكاديمية 2005 ، جرت مياه كثيرة تحت الجسر ، وحدثت متغيرات كثير ة وحرب أهلية وضعت دار فور في مركز الاهتمام الدولي وتصدرت وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ، حتى أصبح العالم الذي أصبح قرية صغيرة متابعا وملما بما يجرى في دار فور من مأساة إنسانية ، لقد أكدت تلك الأحداث ضرورة هذا الكتاب ، وضرورة الاهتمام بعمق أكثر بالتاريخ الاجتماعي لسلطنة دار فور ، وبهدف الحفاظ على النسيج الاجتماعي وموروثا ته القابلة للاستمرار والحياة مثل :التسامح وحل المشاكل سلميا طريق الأعراف و واتساع الصدور واحتمال الآخر، لا سيما أن الحرب تجددت مرة أخرى بعد الحرب في الخرطوم ، واخذت الطابع العرقي والابادة الجماعية كما حدث في الجنينة بغرب دارفور، مع الدعوات للحرب الأهلية كما في الدعوة لتسليح الشباب من الفريق البرهان ، ودعوات بعض المنسوبين لقبائل جنوب دارفور للوقوف في الحرب مع الدعم السريع، مما يتطلب الاسراع في وقف الحرب ، وحل مليشيات الجنجويد و"الكيزان" وجيوش الحركات ، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وعودة النازحين لمنازلهم وقراهموالتعويض العادل لهم ، والتنمية المتوازنة ، وقيام المؤتمر الدستوري للتوافق على شكل الحكم في البلاد في ظل دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع . .
2
كما أن دراسة الخلفية الاجتماعية التاريخية للمنطقة مهمة وضرورية ، ولابد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ننشدها للإقليم ، أن تأخذ في الاعتبار خصوصية الإقليم وتاريخه وواقعه في الاعتبار ، ولابد من الاستناد إلى الأعراف والتقاليد الإيجابية المتوارثة من عهود سلاطين دار فور في حل النزاعات القبلية وتنظيم حركة الرعي والمراحيل وفقا للأعراف التي ترسخت في الإقليم وتطويرها واحترام حق الجميع في الاستفادة من ألحوا كير باعتبار ذلك هو الضمان للاستقرار وحل النزاعات التي هزت استقرار الإقليم ، وضرورة التعايش السلمي لكل القبائل في الإقليم ، ونبذ محاولات الإقصاء العرقي الضارة بوحدة الإقليم ونسيجه الاجتماعي.
كما انه لابد من أحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذا الإقليم ذو التاريخ التلبد ، وتوفير خدمات التعليم والصحة والعناية البيطرية للحيوانات ، وتحقيق التعايش السلمي بين قبائل الإقليم المختلفة وإزالة آثار الجفاف والتصحر بإحياء عملية الغطاء النباتي . هذا فضلا عن إن بالإقليم إمكانات هائلة كامنة للفائض الاقتصادي في القطاع الزراعي والحيواني ، وإذا ماتم الاهتمام بها يمكن أن تكون مصدرا مهما لنهضة وتطور الإقليم والبلاد ، حيث لاتقل الثروة الزراعية والحيوانية أهمية عن البترول ، إضافة لثروات الإقليم الأخرى من معادن وغيرها .
3
معلوم انه قبل الاحتلال التركي _ المصري للسودان عام ( 1821 _ 1885 ) ، كانت هناك سلطنة سنار في شمال ووسط السودان ، وسلطنة دار فور في غرب السودان ، ولاشك إن هاتين السلطنتين تركتا بصماتهما على التركيبة الحالية للمجتمع السوداني وبالتالي ، فان دراسة هاتين السلطنتين تساعدنا على فهم حاضرنا وتحديد آفاق المستقبل .
على إن الاحتلال التركي _ المصري قطع التطور الطبيعي للمجتمع السوداني ، وتم فرض تشكيلة اجتماعية متوجهة خارجيا أو تابعة ، بمعنى إن النظام الحاكم كان يستنزف كل قدرات السودان الاقتصادية والبشرية لمصلحة دولة محمد على باشا في مصر ، وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث ، رغم دخول بعض ثمرات الثورة الصناعية الأولى مثل بواخر النقل النهري والزراعة الحديثة ، وإدخال بعض المحاصيل النقدية والتعليم المدني الحديث والقضاء المدني. الخ .
اتسمت فترة الحكم التركي في دار فور بعدم الاستقرار من جراء النهب والسلب ( أم كواكية ) *مما تركت أثرا سلبيا على منطقة دار فور .
وجاءت فترة المهدية التي اتسمت بعدم الاستقرار من جراء الصراعات والنزاعات القبلية في الإقليم في عهد الخليفة عبد الله التعايشى حتى زالت دولة المهدية على يد الاحتلال الإنجليزي المصري ، ولم يتم ضم إقليم دار فور للسودان تحت الإدارة البريطانية إلا في عام 1916 . ولم يشهد الإقليم تنمية تذكر تحت الاستعمار البريطاني بل خضع الإقليم لقانون المناطق المقفولة .
بعد الاستقلال استمر التخلف وإعادة إنتاج ا لتخلف في الإقليم في ظل الحكومات الوطنية المتعاقبة حتى وصل الحال إلى الوضع المأساوي الحالي الذي نعيشه الذي سوف يعيد السودان مرة أخري إلي مربع الوصاية الدولية . ويعيد التاريخ نفسه في شكل مأساة .
تلك هي جذور التخلف في الإقليم ، والتي تحتاج إلى استقصاء وتوسيع ، لأنها تساعدنا على إضاءة الطريق نحو النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة للإقليم .
4
حاولت في هذا الكتاب استصحاب بعض المصادر التاريخية لإلقاء الأضواء الكاشفة على التاريخ الاجتماعي أو التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية لسلطنة دار فور التي غطت الفترة ( 1445 _ 1874 ) والمقصود بالتشكيلة الاجتماعية هو تطور المجتمع السوداني في تلك الفترة وفى تلك المنطقة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والعائلية ...الخ .
وإذا كان مقياس الحضارة هو بروز السلالات الحاكمة وظهور المجتمع الزراعي الرعوي ، والتجارة والصناعة وقيام المدن والأسواق واللغة المكتوبة ، فان سلطنة دار فور قد دخلت الحضارة من أوسع أبوابها في تلك الفترة من العصور الوسطى .
ولكن مفهوم التشكيلة الاجتماعية مفهوم أوسع واشمل من الحضارة لأنه يمتد ليدرس العلائق الاجتماعية وأنماط الإنتاج والتركيب الطبقي الناتج من علائق الإنتاج ( علائق الملكية والتوزيع ) وفى اعتقاد كاتب هذه السطور إن هذا الجانب يحتاج لمزيد من تسليط الأضواء عليه لأنه يرتبط بدراسة البنية الاقتصادية ومكوناتها من : نشاط زراعي ورعوي وصناعي وشكل ملكية الأرض والتركيب الطبقي ، وبدراسة البنية الثقافية بمكوناتها من نظام سياسي وادارى وديني وعائلي وتعليمي ... الخ ولأن هذا يلقى الأضواء على حياة إنسان دارفور المادية والروحية ، وهو يركز على المحكومين أكثر من الحكام .
5
لفت نظرنا اوفاهى بملاحظته التي جاءت في كتابه ( الدولة والمجتمع في دار فور ، 1980 ) ،إن تاريخ دارفور ضارب في القدم وانه يعود إلى العهد المروى والنوبي ، وهذا يحتاج إلي تأسيس من علماء الآثار .
بعد صدور الطبعة الأولى واصلت اطلاعي في تاريخ دارفور وأثناء ذلك تمكنت من الاطلاع على نصوص وترجمات 50 وثيقة ونسخ مخطوطات قضائية بعنوان ( الأرض في دار فور ) أصدرها د اوفاهى ود محمد إبراهيم أبو سليم، وصدرت عن دار كامبردج باللغة الإنجليزية عام 1983 ، والكتاب امتداد وتوسيع للوثائق التي أصدرها د .أبو سليم في كتابه ( الفور والأرض ، 1975 ).
كما حدث اهتمام بتاريخ دار فور ونلحظ ذلك في ترجمة كتاب اوفاهى ( الدولة والمجتمع في دار فور ) التي قام بها الأستاذ عبد الحفيظ سليمان عمر ، وصدرت عن مركز الدراسات السودانية القاهرة 2000 م ، وهو مؤلف مفيد في تاريخ دار فور الاجتماعي ( 1750 _ 1916 ) .
كما صدرت ترجمة سائغة فيها لذة للقارئين لكتاب الرحالة الألماني جوستاف ناختقال ( سلطنة دار فور : أقاليمها و أهلها وتاريخها ) والتي نقلها عن الألمانية الشاعر النور عثمان أبكر وراجع النص العربي و قدم لها الشاعر عالم عباس محمد نور وصدرت عن دار عزة للنشر 2004 ، وكل هذا وجيد ويلقى الأضواء على تاريخ دار فور .
وأخيرا اشكر كل الذين اهتموا بهذا الكتاب عن التاريخ الاجتماعي لسلطنة دار فور وكتبوا تعليقاتهم حوله في الصحف والتي استفدت منها كثيرا وكذلك لسلبيات الطبعة الأولى والتي كان بها أخطاء مطبعية ، كما اشكر الصديق د .محمد المهدي بشرى والذي أمدني بملاحظات مكتوبة كان قد نشرها في صحيفة البيان الإماراتية والتي استفدت منها كثيرا .

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء