رجل الفولة كما عرفتها في بداية السبعينات
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي
22 August, 2023
22 August, 2023
رجل الفولة كما عرفتها في بداية السبعينات توفر فيها الحليب واللحوم وفي الصيف شح الماء وسوقها عامر وكانت معبراً للمحاصيل خاصة الفول السوداني مابين مناطق الإنتاج والبورصة في الأبيض !!..
حللت برجل الفولة كمحطة رابعة بعد مبارحتي مدرسة الأبيض الأهلية الوسطي للبنين ومدرسة جميلة الوسطي للبنات وبعدهما إلي خارج المديرية إلي أبي زبد فيما كان يعرف بالكشف الخارجي الذي ينفذه المعلم بكل انضباط ومسؤولية يوم كان التعليم في أيد أمينة لم تدخله اصابع التخريب ولم تستفحل فيه المدارس الخاصة والدروس الخصوصية ... كنت حديث عهد بكردفان والسفر علي أسطح اللواري العابرة للرمال وياله من منظر يخلب الألباب جبال وهضاب واودية وأشجار ملتفة فيها الطير ( مقيل ) وفيها من كثافة الظلال مما يغري ب ( تعسيلة ) نهارية تعيد التوازن للجسم والتفكير وتنعش الإبداع والابتكار والتجديد !!..
كان ناظر المدرسة ( الوسطي ) في رجل الفولة إسمه صالح مكين ( تصوروا كان خريج كلية غردون ) يدرس الجغرافيا للصف الأخير النازل للشهادة الوسطي ويحدثهم عن المعادن والحديد وعن جبل ( ابوتولو ) الموجود في المنطقة الذي كانت تزوره البعثات العلمية من شتي كليات الجيولوجيا وخاصة من جامعة الخرطوم وطالما تغني بحب هذا الجبل الخصيب رئيس القسم في كلية علوم الأرض آنذاك البروفيسور محمد عبد السلام عايد الذي اذا زرت مكتبه في الجميلة ومستحيلة تجده يعج بالحجارة والصخور وكافة العينات علي الأرض والمنضدة تحاصر الملفات والتقارير الناطقة علمياً عن الاستكشافات ماء ، بترول ، حديد ومنجنيز ويومها كانت الدراسة عملية مع القليل من التنظير ... مش زي زماننا هذا دراسة نظرية مع التلقين ومافي معامل ولا ( فنيين ) وشيء طبيعي أن يكون الطلاب مسطحين وما فاهمين وكمان داقسين !!..
نعود للناظر صالح مكين خريج كلية غردون كما قلنا كان يدرس تلاميذه بالمرحلة الوسطي ويركز علي الناحية العملية مثلما يفعل البروفيسورات ايام زمان وكان يمتعهم بالرحلات العلمية لمواقع الخامات والمعادن علي الطبيعة ويعودوا ليكتبوا الملاحظات والمدير يتابع معهم الكبيرة والصغيرة مجهزا إياهم كباحثين في مقبل السنين !!..
إن كانت مدرسة وسطي ناظرها بهذا العلم والمعرفة والاستنارة اكيد إن هذا المايسترو يدير مملكته الصغيرة بحنكة وجدارة ... وكانت كل المدارس الوسطي الحكومية تنافس بعضها تنافسا شريفاً وكان اللعب نظيف ليس فيه فاولات ولا أيديولوجيات ... وقد وردت إلينا هذه الآفات مع ( ابو عاج ) مع بداياته حيث كان يحتفل بعيد ميلاد لينين وبدأ التلاعب بالمقررات واذكر أنهم سحبوا كتاب تاريخ السودان من الصف الثالث النازل لامتحان الشهادة الوسطي وابدلوه بكتاب كله إلحاد مؤلفه علي ما اذكر اسمه ( حتي ) ... وطلبوا منا نحن المستجدين أن ندرسه مع أنه ممنوع علينا دخول الفصل النهائي حتي نذهب بخت الرضا وننال التأهيل وقد هرب الكبار من المهمة لأنهم يعرفون أن التعليم قد وصل إلي الغمة والظلام !!..
في هذا الجو مع مدارس وسطي رائعة مستواها لايقل عن الجامعة ومعلمون في غاية الكفاءة ومرتبات مجزية وسكن مريح للطالب بالداخلية والأساتذة بالميزات وكنا نوفر الكثير من المال ونضعه في صندوق التوفير بالبوستة وتستطيع أن تسحب منه ما تشاء من أي مكتب بريد في أي مكان به مكتب بريد في سوداننا العريض وهذه ميزة في أن تسطحب معك الدفتر فقط وانت مطمئن من غارات النشالين طالما المال في الحفظ والصون !!..
كانت سنة قضيتها في رجل الفولة نهلنا من الحليب الطازج غير مغشوش مثلما يفعلون في حوانيت العاصمة التي تبيع الحليب ممزوجا بالبانسلين والفورمالين حتي لا ( يقطع ) وصحة المواطن آخر شيء يفكرون فيه !!..
كم اكلنا من اطيب اللحوم وملحقاتها بأسعار في متناول اليد وكان الخير وافرا من الخضر والفاكهة وفي الإجازة عند لحظة الوصول إلي الأهل في الجزيرة أو العاصمة يحسبوننا عائدين من سويسرا لما لما لما بنا من صحة وعافية !!..
ويوم أمس كان التلفزيون يعرض هجمة تترية جنجويدية علي كل بقعة في رجل الفولة لم يتركوا السوق العامر بالخيرات إلا وتركوه مثل حقل اغارت عليه جحافل الجراد ونهبوا البنوك ولم يتركوا مكاتب الحكومة في حالها وحرقوا كل الملفات وحطموا الاثاث وفي سويعات تحولت الفولة الي مدينة أشباح !!..
لابد أن الحزن قد لفنا جميعاً علي بلادنا الحبيبة من أقصاها إلى أقصاها من مجازر الجنجويد ومن الجنرالين والكيزان والعالم كله شارك بالإدانة والقلق والمطالبة الشفهية بوقف الحرب وبس ونحن وحدنا نحترق وكان يكفينا جردل ماء نروي به الظما ونطفيء به الحريق الذي شب بين الضلوع !!.
تري اين انت يا حضرة الناظر صالح مكين واين هذه السيدة المحترمة بائعة الحليب التي كانت لاتغش بضاعتها وكانت تكرمنا بالحليب المجان عندما نزورها في المكان .
الثورة لن يخبو اوارها في صدور الشباب ونحن إن شاء الله تعالى في قمة التفاؤل بأن النصر قادم ...
( آمين يارب العالمين ) .
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
لاجيء بمصر .
ghamedalneil@gmail.com
حللت برجل الفولة كمحطة رابعة بعد مبارحتي مدرسة الأبيض الأهلية الوسطي للبنين ومدرسة جميلة الوسطي للبنات وبعدهما إلي خارج المديرية إلي أبي زبد فيما كان يعرف بالكشف الخارجي الذي ينفذه المعلم بكل انضباط ومسؤولية يوم كان التعليم في أيد أمينة لم تدخله اصابع التخريب ولم تستفحل فيه المدارس الخاصة والدروس الخصوصية ... كنت حديث عهد بكردفان والسفر علي أسطح اللواري العابرة للرمال وياله من منظر يخلب الألباب جبال وهضاب واودية وأشجار ملتفة فيها الطير ( مقيل ) وفيها من كثافة الظلال مما يغري ب ( تعسيلة ) نهارية تعيد التوازن للجسم والتفكير وتنعش الإبداع والابتكار والتجديد !!..
كان ناظر المدرسة ( الوسطي ) في رجل الفولة إسمه صالح مكين ( تصوروا كان خريج كلية غردون ) يدرس الجغرافيا للصف الأخير النازل للشهادة الوسطي ويحدثهم عن المعادن والحديد وعن جبل ( ابوتولو ) الموجود في المنطقة الذي كانت تزوره البعثات العلمية من شتي كليات الجيولوجيا وخاصة من جامعة الخرطوم وطالما تغني بحب هذا الجبل الخصيب رئيس القسم في كلية علوم الأرض آنذاك البروفيسور محمد عبد السلام عايد الذي اذا زرت مكتبه في الجميلة ومستحيلة تجده يعج بالحجارة والصخور وكافة العينات علي الأرض والمنضدة تحاصر الملفات والتقارير الناطقة علمياً عن الاستكشافات ماء ، بترول ، حديد ومنجنيز ويومها كانت الدراسة عملية مع القليل من التنظير ... مش زي زماننا هذا دراسة نظرية مع التلقين ومافي معامل ولا ( فنيين ) وشيء طبيعي أن يكون الطلاب مسطحين وما فاهمين وكمان داقسين !!..
نعود للناظر صالح مكين خريج كلية غردون كما قلنا كان يدرس تلاميذه بالمرحلة الوسطي ويركز علي الناحية العملية مثلما يفعل البروفيسورات ايام زمان وكان يمتعهم بالرحلات العلمية لمواقع الخامات والمعادن علي الطبيعة ويعودوا ليكتبوا الملاحظات والمدير يتابع معهم الكبيرة والصغيرة مجهزا إياهم كباحثين في مقبل السنين !!..
إن كانت مدرسة وسطي ناظرها بهذا العلم والمعرفة والاستنارة اكيد إن هذا المايسترو يدير مملكته الصغيرة بحنكة وجدارة ... وكانت كل المدارس الوسطي الحكومية تنافس بعضها تنافسا شريفاً وكان اللعب نظيف ليس فيه فاولات ولا أيديولوجيات ... وقد وردت إلينا هذه الآفات مع ( ابو عاج ) مع بداياته حيث كان يحتفل بعيد ميلاد لينين وبدأ التلاعب بالمقررات واذكر أنهم سحبوا كتاب تاريخ السودان من الصف الثالث النازل لامتحان الشهادة الوسطي وابدلوه بكتاب كله إلحاد مؤلفه علي ما اذكر اسمه ( حتي ) ... وطلبوا منا نحن المستجدين أن ندرسه مع أنه ممنوع علينا دخول الفصل النهائي حتي نذهب بخت الرضا وننال التأهيل وقد هرب الكبار من المهمة لأنهم يعرفون أن التعليم قد وصل إلي الغمة والظلام !!..
في هذا الجو مع مدارس وسطي رائعة مستواها لايقل عن الجامعة ومعلمون في غاية الكفاءة ومرتبات مجزية وسكن مريح للطالب بالداخلية والأساتذة بالميزات وكنا نوفر الكثير من المال ونضعه في صندوق التوفير بالبوستة وتستطيع أن تسحب منه ما تشاء من أي مكتب بريد في أي مكان به مكتب بريد في سوداننا العريض وهذه ميزة في أن تسطحب معك الدفتر فقط وانت مطمئن من غارات النشالين طالما المال في الحفظ والصون !!..
كانت سنة قضيتها في رجل الفولة نهلنا من الحليب الطازج غير مغشوش مثلما يفعلون في حوانيت العاصمة التي تبيع الحليب ممزوجا بالبانسلين والفورمالين حتي لا ( يقطع ) وصحة المواطن آخر شيء يفكرون فيه !!..
كم اكلنا من اطيب اللحوم وملحقاتها بأسعار في متناول اليد وكان الخير وافرا من الخضر والفاكهة وفي الإجازة عند لحظة الوصول إلي الأهل في الجزيرة أو العاصمة يحسبوننا عائدين من سويسرا لما لما لما بنا من صحة وعافية !!..
ويوم أمس كان التلفزيون يعرض هجمة تترية جنجويدية علي كل بقعة في رجل الفولة لم يتركوا السوق العامر بالخيرات إلا وتركوه مثل حقل اغارت عليه جحافل الجراد ونهبوا البنوك ولم يتركوا مكاتب الحكومة في حالها وحرقوا كل الملفات وحطموا الاثاث وفي سويعات تحولت الفولة الي مدينة أشباح !!..
لابد أن الحزن قد لفنا جميعاً علي بلادنا الحبيبة من أقصاها إلى أقصاها من مجازر الجنجويد ومن الجنرالين والكيزان والعالم كله شارك بالإدانة والقلق والمطالبة الشفهية بوقف الحرب وبس ونحن وحدنا نحترق وكان يكفينا جردل ماء نروي به الظما ونطفيء به الحريق الذي شب بين الضلوع !!.
تري اين انت يا حضرة الناظر صالح مكين واين هذه السيدة المحترمة بائعة الحليب التي كانت لاتغش بضاعتها وكانت تكرمنا بالحليب المجان عندما نزورها في المكان .
الثورة لن يخبو اوارها في صدور الشباب ونحن إن شاء الله تعالى في قمة التفاؤل بأن النصر قادم ...
( آمين يارب العالمين ) .
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
لاجيء بمصر .
ghamedalneil@gmail.com