البرهان وصناعة العديد من الأقواس

 


 

 

عندما أطلق الزعيم الألماني أوتو بسمارك مقولته التي باتت معلم لتعريف السياسة بالقول " أن السياسة هي فن الممكن" هل كانت المقولة نتاج نجاحه في توحيد ألمانيا. و قد صاحب المقولة لغطا كثيرا، و هناك من يقول " أن السياسة فن المستحيل" و في كلا الحالتين أنها تعتمد على فن ممارسة السياسة. و كل يحاول أن يستخدم المقولة بما يخدم رؤيته. و عندما يكون الصراع على شدته يقال أنها فن اجتثاث الأخر لأنها تؤسس صراع المصالح. ماذا يقول آهل السودان عنها، و البلاد تتغير فيها الأحداث بصورة متلاحقة دون أن تصبح هناك مؤشرات يمكن البناء عليها. أصبح الحيش وحده هو الذي يصنع الحدث و يستفيد من التأييد الذي وجده من أغلبية الشعب. بينما القوى السياسية في حالة انتظار من الذي يكسب الحرب و يرسم معالم التغيير القادمة.
خرج الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة و القائد العام للقوات المسلحة من القيادة العامة إلي منطقة أمدرمان، و تجول في معسكرات الجيش المنتشرة فيها، إلي جانب الالتقاء بالمواطنين، ثم أنتقل إلي اتبره و أخيرا بورتسودان. أراد البرهان من جولته التأكيد على أن الجيش هو الذي يفرض سلطته على مجرى العمليات العسكرية، و هو الذي يمسك بزمام المبادرة و القيادة. و على منبر قاعدة فلامنغو قال البرهان " ليس هناك صفقة مع المتمردين و لم أخرج من الخرطوم عبر صفقة لكن خروجي تم بترتيب من الجيش السوداني" و أضاف قائلا " نكرس كل جهودنا القتالية لإنهاء التمرد و الخروج من هذه المحنة أقوياء. و أن كل الشعب السوداني يقف مع الجيش و سوف نهزم هذا التمرد و الخيانة" بالجولة و هذه الكلمات يفتح البرهان العديد من الأقواس لكي تخط داخلها رؤيتها لمجريات الأحداث و تبين رغباتها إذا كانت في الحل أو في السلطة.
في الرحلة الأخرى ( دولة مصر العربية) غير البرهان بزته العسكرية بالبدلة المدنية و هي إشارة تفهم أنه يقبض على السلطتين المدنية و العسكرية، و أن الزيارة تتطلب البدلة المدنية لأنه سوف يخوض في الشأن السياسي. و قد تم استقباله بأنه رمز الدولة، و يعد اعترافا من مصر أن البرهان هو السلطة المعترف بها و يجب التعامل معها، ظهر ذلك في استقباله امام سلم الطائرة و فرش السجاد الأحمر. و مصر تمثل منبر مهما في الإقليم ين العربي و الإفريقي و أيضا في العالم، و سوف يعكس الصورة الحقيقية للحرب الدائرة في السودان. أن البدلة المدنية تتطلب تخفيف حرارة اللغة و تخفيف نبراتها، لذلك استطاع أن يوصل ذات الكلماته التي قيلت في قاعدة فلامنغو بصورة مخففة و لكنها تحمل ذات المعنى و ذات الرسالة. عجزت القوى السياسية أن تضع الكلمات المناسبة بين الأقواس لحرارة كلمات منبر فلامنغو.
قال البرهان في منبر مصر "أننا نسعى إلي وضع حد للتمرد" و تعني كلمة وضع حد في الحديث السوداني تعني نهاية الشيء، على أن لا يمد رأسه مرة أخرى. و هذا يؤكد حديثة الأول في منبر فلامنغو. و قال البرهان "إقامت فترة أنتقالية حقيقية يستطيع بعدها الشعب السوداني أن يؤسس دولته من خلال انتخابات حرة نزيهة يختار فيها الشعب من يحكمه، أن القوات المسلحة قوات قومية ليس لديها أية نزعة للإستيلاء على السلطة، و ليس لها أي نزعة للإستمرار في أنها تحكم السودان" و أكد البرهان أن الجيش لا يريد الاستمرار في السلطة لكنه تحدث عن فترة إنتقالية حقيقة، هذا يعني أن البرهان ربما يتجه إلي تكوين حكومة تصريف أعباء و هي التي سوف تهيء البيئة للانتخابات العامة. خاصة أن البلاد تحتاج إلي حكومة تطلع بمهام المواطنين. الملاحظ أن بعض قيادات الحرية و التغيير وضعت عباراتها تعليقا على حديث البرهان في مصر، بأن البرهان أكد أن الجيش لا يريد الاستمرار في السلطة. إلا أنه أكد أن الجيش سوف ينسحب من السلطة بعد الانتخابات. أن حديث البرهان في قاعدة فلامنغو ببورتسودان، و أيضا في العلمين بمصر يحتاج من القوى السياسية أن تدرسها بوعي، و بعيدا عن تأثير الرغبات الخاصة في السلطة، و هي الرغبات التي كانت سببا في هذه الحرب الدائرة في البلاد، حتى تسهل عملية الانتقال من الفترة الانتقالية إلي الشرعية الدستورية. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء