هل البرهان وحده يصنع رهانات السياسة؟

 


 

 

النظار للسياسة إذا كان في السودان أو أي دولة أخرى في العالم، يبدأ برصد الأحداث التي تفرض ذاتها على الساحة لمعرفة القوى الصانعة للأحداث، و كيف يجري التفاعل معها، خاصة القوى التي تملك مكنزمات الحركة السياسية. بعد الحرب التي بدأت في 15 إبريل 2023م صعد الجيش و ميليشيا الدعم السريع المتحاربين في صناعة الأحداث، و تراجع دور الأحزاب السياسية، باعتبار أن قرار استمرار الحرب و إقافها يتركز في المتحاربين، و ظلت الأحزب تراقب أو تقدم بعض الرؤى لوقف الحرب و لكنها اجتهادات على هامش الحدث. بعد خروج الفريق أول البرهان القائد العام للجيش أصبح هو الذي يصنع الحدث من خلال تصريحاته في جولته على معسكرات الجيش المختلفة، و في خطابه في كل من ( ثنكات و كسلا) أكد على " أن الحرب في السودان سوف تنتهي بنهاية التمرد و إنهم لا يقبلون الأماءات" و في ذات الوقت قال البرهان لجنوده " نحن و انتم و الشعب السوداني سوف نقاتل هذا الداء حتى النهاية" و أضاف قائلا " أننا خرجنا بخطط القوات المسلحة، و ليس بصفقة أو تفاوض أو أي مساعدة من دولة، و الذي يريد مساعدتنا لإعمار البلد نرحب به و لكن لا نقبل أي إملاءات و وصايا" هذا الحديث الحماسي وسط الجنود أراد به البرهان أن يرسم به طريق السياسة القادمة.
أن خطابات البرهان الأخيرة تعتبر المادة التي تحاول القوى السياسية قرأتها بتحليلها و كيفية التعامل معها، خاصة أن القوى السياسية منقسمة على نفسها. هناك البعض يقول أن خطابات البرهان وسط الجنود تهدف لرفع الروح المعنوية للمقاتلين، و لكن السياسة لها حسابات أخرى. صحيح فقط إذا كان الشعب واقفا ضد الجيش، و لكن أغلبية الشارع الآن يقف صفا واحدا مع القوات المسلحة، فهذه تشكل صعوبة في التعامل إذا كانت فكرة التفاوض هي خلق تسوية سياسية تعيد الميليشيا مرة أخرى للساحة السياسية و العسكرية، أما إذا كانت هناك قوى سياسية قادرة على إقناع الميليشيا بالخروج من منازل المواطنين و الأماكن العامة للخدمات والقبول على تسليم سلاحها، تستطيع أن تغير مجرى الخطاب، لكن دون ذلك عليها أن تقنع الشعب بأن موقفه مع الجيش يعد موقفا خطأ. أن حديث البرهان في الحاميات العسكرية يهدف منه رسم طريق يجب التفكيرفيه. أو طرحه للحوار بكل محمولاته، و الحوار حوله يعني التفكير فيما يفكر فيه الجيش، فهي معادلة لا تصعب مع الذين يؤيدون الجيش، و لكنها نقطة فارقة للذين لا يقفون معه، أو يجعلونه في مصاف واحد مع الميليشيا. تجاوز هذا الخطاب أن يكون هناك حدثا ذو فاعلية أكبر. هل قوى الحرية و التغيير تملك صناعة هذا الحدث؟
في مقابلات تلفزيونية مع كل من عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني و نائبه خالد عمر يوسف و الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة القومي، أكدوا أن جولتهم للخارج و الي بدأوها بزيارة دولة قطر للبحث عن إيجاد حل للحرب الدائرة في السودان، و أيضا لتقديم مساعدات إنسانية للشعب و خاصة النازحين. و لكنهم لم يقدموا مبادرة مفصلة لوقف الحرب، و يعتقدون أن منبر جدة هو المنبر المؤهل للحل. رغم أن منبر جدة وصل في لقاءات الجانبين وفد الجيش السوداني و وفد ميليشيا الدعم السريع إلي وثيقة تفاهم بموجبها تخرج الميليشيا من منازل المواطنين و المؤسسات الخدمية. و لتنشيط هذا المنبر بعيدا عن المجادلة كان من المفترض على قوى الحرية و التغيير ( المركزي) إقناع الميليشيا التي حضرت معها اجتماع القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري أن تنفذ ما وقعت عليه في وثيقة جده. و بحكم العلاقة التي جعلتها تحضر اجتماع أديس أبابا كان من المفترض إثارة القضية معها.
لكن قوى الحرية و التغيير مؤملة أن يشكل المجتمع الدولي رافعة لها للسلطة، لذلك كان أفضل لها أن تخوض في حوار مع الشعب، و أيضا تفتح حوارا مع القوى السياسية التي تخالفها الرآيأن كان ذلك داخل السودان أو خارجه. رغم أن المتحدثين الثلاثة للقنوات أكدوا أن الأحداث قد تجاوزت ما كان مطروحا قبل 15 إبريل 2023م. و مادام الأحداث تجاوزت ذلك التاريخ يتطلب التفكير بصورة جديدة و منهج جديد. لكن المسألة تنقلنا إلي قول أنشتاين " لا يمكننا حل أي مشكلة بمستوى الوعي نفسه الذي أوجدها" أن قيادة قحت يستخدمون ذات الطريقة التي كانت قد تسببت في عدم نجاح الاتفاق الإطاري، و لابد من تغيير طريقة التفكير السابقة، و محالة تصغير شأن الآخرين، كما الاحتفاظ ببعض الوجوه التي فقدت ثقة الشباب سوف تسبب لهم تحديا و حرجا مع الشارع. مادام عدم العودة لما قبل15 إبريل يتطلب رؤية جديدة و قيادات جديدة تستطيع أن تتصالح و تتحاور مع الشارع. إلي جانب تقديم مشروع سياسي تظهر فيه رؤيته لمعالجة الحرب و أثارها و سودان ما بعد الحرب يفتح حوارا سياسيا و مجتمعيا، و أيضا تتم محاسبتها عليه.
قال الواثق البرير أنهم أدانوا انتهاكات الحقوق و التعدي على ممتلكات المواطنين و المؤسسات الخدمية من قبل ميليشيا الدعم، و متى كان ذلك؟ خرجت أول إدانة من الحرية و التغيير لميليشيا الدعم في بيان اجتماعهم يوم 25 يوليو 2023م، أي بعد أربعة شهور من اندلاع الحرب. ثم تحدثت عن توسيع قاعدة المشاركة دون أن تتصل بالقوى السياسية الأخرى حتى الآن و كتفت بالحوار مع القوى التي كانت قد وقعت معها الاتفاق الإطاري. أن استخدام الشعارات دون المحاولة إنزالها للواقع هو أسلوب لا يؤدي للنجاح، و لا يعتبر سيرا على طريق الفعل الإيجابي. الأمر الذي يؤكد عدم القناعة بما تطرح. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء