إبراهيم برسي

إبراهيم برسي

عملية “الأسد الصاعد”: الضربة الإسرائيلية الكبرى

في جغرافيا الشرق التي تكتظّ بالرموز، لا تُشنُّ الحروب من غير عنوان، ولا يُختار للاسم إلا ما يُراد له أن يحكم التأويل. فحين تُسمِّي إسرائيل عدوانها على إيران بـ”عملية الأسد الصاعد”، فهي لا تُسمِّي فقط، بل تُؤطّر الحرب بوصفها صعودًا لا سقوطًا، قفزًا فوق الحدود لا تراجعًا أمام الأخطار. وكأنها تقول، بفائض من الرمز: هذا ليس هجومًا، بل ولادة جديدة …

أكمل القراءة »

صوتٌ بلا أثر… وعيٌ بلا أفق: المثقف وأزمة الفعل المؤجل

هناك لحظةٌ فارقة في مسيرة المثقف، لحظة لا تعلن عن قدومها، بل تتسلل عبر الهزائم الصغيرة والانتصارات المؤجلة، عبر الصمت الذي يتكاثف مثل غبارٍ على نوافذ اللغة، حتى يجد نفسه أمام سؤالٍ لا فكاك منه: هل أنا جزءٌ من الفعل، أم مجرد شاهدٍ على هزيمته؟ هل لا زلت أكتب لأُحدث أثرًا، أم لأتأكد فقط من أنني ما زلت حيًّا؟المثقف ليس …

أكمل القراءة »

نغوجي واثيونغو، الذي كَتَب كما يُكتب اللهب… وظلّ نبيًّا بلا نوبل

zoolsaay@yahoo.com في غيابٍ يشبه اكتمال القصيدة، رحل نغوجي واثيونغو. لم يغادرنا كجسد، بل كأسطورةٍ تقرأ علينا وصيتها الأخيرة، لا بالحزن، بل بالحروف التي لم تتعب يومًا من حمل المعنى على أكتافها.رحل من لا يليق به الرثاء الذي يُعفي اللغة من وجعها، رحل من يستحق أن يُكتب عنه كما تُكتب ملحمةُ مقاومةٍ خرجت من رحم اللغة الأم، وسكنت التاريخ حتى صارت …

أكمل القراءة »

حين ينعى الفقراء أحدهم، فإنهم يطرقون الأرض بأقدامهم، لا بأصواتهم

“مرثية لرئيسٍ لم يشترِ المجد: خوسيه، أفقر من حكم وأصدق من مضى” لأن الحناجر، في زمن القمع، تُستخدم للنجاة لا للرثاء. ولأن بعض الموتى لا يُرثون بالعبارات، بل يُعاد ترتيب وجدان العالم على غيابهم. مات خوسيه موخيكا… ولم تمت معه السلطة، بل تهاوى أحد احتمالاتها النبيلة. ذاك الاحتمال الذي كان يمشي على قدمين حافيتين، ويقرأ في الريح حال الشعوب، لا …

أكمل القراءة »

ما بين كيكل ودموع البعاتي: سردية تُفبركها البطانة وتُسوّقها القيادة

في بلدٍ أصبح فيه الكذب طقسًا سياديًا، والانشقاق مسلكًا لإعادة تدوير الولاء، لا يعود التصريح السياسي مجرد قول، بل بنية متكاملة لإنتاج الغفران من داخل الجريمة نفسها. هنا، لا تُستدعى الذاكرة إلا لتُعاد قولبتها، ولا يُستخرج المنشقّ إلا حين يصير لسانه صالحًا لتجميل وجه القاتل. من بين ركام هذا المشهد، خرج أبو عاقلة كيكل، لا كشاهدٍ على المرحلة، بل كرسول …

أكمل القراءة »

بلاغ رقم ما تحت الصفر: حينما استهدفت المسيّرة قلبي

لوحة سريالية إبراهيم برسي استيقظتُ هذا الصباح على بلاغ لم يُكتب بعد. كان يطرق على رأسي مثل نعشٍ من غبار الذاكرة. فتحت الباب، فدخل عليّ رئيس مجلس سيادة مدينة السواحل المعروضة للبيع. لم يدخل كضيف، دخل كفكرةٍ سيئة في كتاب فيلسوفٍ ندم على نشره. كان يرتدي بزته العسكرية التي زارني بها وقت بلاغه رقم صفر ضد اللساتك، لكن بزته هذه …

أكمل القراءة »

علي الهادي: حين تنفصل النقطة عن الجملة وتبدأ في الهمس وحدها، كدائرةٍ متلألئة

علي الهادي: حين تنفصل النقطة عن الجملة وتبدأ في الهمس وحدها، كدائرةٍ متلألئة نعي رمزي لفنانٍ لم يمت، بل تسرّب من الشكل اللون لا يختلط. النقطة لا تُزاحم. الهامش لا يجاور المعنى، بل يُربكه. ثم يمضي. حين تقترب من أعماله، لا ترى. أنت تُصغِي لما لا يُقال. الدوائر تتنفس، تدور حول نفسها ببطءٍ خفيفٍ لا يُقاس بالزمن، بل بالخسارات المتأخرة. …

أكمل القراءة »

بلاغ البرهان رقم صفر: ضد اللساتك وضد الذاكرة

رأيتُ في ما يرى النائم، أن عبد الفتاح البرهان زارني. جاءني كما يأتي البلاء: بصمتٍ عسكري، وملامح لا تحمل أي معنى خارج البلاغ رقم واحد، وكان معه فكي جبريل مختبئاً بالخارج، يحمل في جيب جلابيته فارق بارود الطلقة الأولى. كنت في المطبخ حينها، أقف على حافة الصباح، أعدّ قهوتي بهدوء المساكين الذين لم يتيقنوا بعد إن كانت هذه البلاد حيّة …

أكمل القراءة »

المدينة الآثمة بوصفها سردية العار المؤسس: الوليد مادبو وتفكيك الجنسانية السلطوية

(( المدينة الآثمة: “حديث الجنسانية” للدكتور الوليد مادبو نص يتجاوز التنظير إلى مساءلة الذات السودانية من خلال تشريح علاقتها بالجنسانية والجسد والسلطة )). ليست هذه المدينة التي يصفها الوليد مادبو مكانًا بعينه، بل وعيًا مكسورًا يمشي على قدمين. مدينة لا تُبنى من حجارة، بل من وجوه، من نفاقات صغيرة، من خيانات ناعمة، من تلك الجُمل التي نتلفّظ بها ونحن نُخفي …

أكمل القراءة »

الشتات بوصفه مَجازًا مضادًا: قراءة نقدية في أطروحة “الشتات قيد التشكل في أستراليا”

الشتات بوصفه مَجازًا مضادًا: قراءة نقدية في أطروحة “الشتات قيد التشكل في أستراليا” للباحث الدكتور عبد الخالق السر ثمّة نصوص لا تُقرأ فحسب، بل تُنصت، إذ تمتزج فيها التجربة بالتأمل، والسرد بالتحليل، والذات بالجمعي. وأطروحة “الشتات قيد التشكل في أستراليا” لنيل درجة الدكتوراه للباحث عبدالخالق الحسن تنتمي إلى هذا الضرب من الكتابة التي لا تقف عند وصف الظواهر، بل تتساءل …

أكمل القراءة »

ذاكرة الخيانة: حين يصير الحلم العسكري موتًا مؤجلاً

“قراءة في بنية الانقلابات في السودان من عبود إلى البرهان وحميدتي” إهداء إلى الذين لم يكفوا عن الإيمان بأن الحلم أكبر من البندقية، وأن الوطن لا يُؤخذ بيانًا، بل يُصنع صبرًا. ……………………………. مفتتح ثمة خيبات لا تسقط فجأة، بل تنمو، مثل داء خفي، في بطانة البزة العسكرية، قبل أن تنفجر بيانًا يبتلع ما تبقى من الحلم. …………………………. في أعماق كل …

أكمل القراءة »

بين نواح حسين خوجلي وعويل الأمهات: من الذي فقد الوطن؟

ذات نحيب، لا ناي فيه ولا وتر، كتب حسين خوجلي مرثية باذخة بمداد الدموع، لا بمداد الضمير الذي مات، يرثي فيها بيته الذي دمرته الحرب. كتب، كمن دخل عليه الشاعر العباسي بشار بن برد فقال له: قمْ فابكِ بيتكم يا فتى، فقد نُهبت حيطانه كما نُهبت أعصابك. غير أن الفارق أنّ بشار كان ضريرًا لا يرى الخراب، بينما حسين يراه …

أكمل القراءة »

في أثر فرانسيس دينق: سؤال الهوية بين النهر والمجلس

توطئة: حين يتحوّل الإرث إلى مقام للتأمل ثمة سِيَر لا تُقرأ كما تُقرأ التواريخ، بل تُلامَس كما تُلامِس آثار الأقدام القديمة ضفاف نهر الجور، حين يُبللها صباحٌ جنوبي جديد: رطبة بالحكاية، متجذّرة في الطين، وتحمل في رائحتها سلالة الذكرى. فرانسيس دينق ليس فقط صوتًا فكريًا نادرًا خرج من هشيم السودان، بل هو سردية مكتوبة بجمر الذاكرة وسؤال المعنى. ابن الزعيم …

أكمل القراءة »

العبودية الطوعية في الإسلام السياسي: قراءة في فلسفة الهيمنة

منذ أزل التاريخ، حين بدأ الإنسان يتجمع في مجتمعات أكبر من وحدته الفردية، نشأت الحاجة إلى قيادة توجه الجماهير، تضع لها نظامًا، وتخلق لها انتماءً يُشبع توقها إلى الأمن والهوية. وقد مثّل التاريخ الإسلامي، منذ لحظاته التأسيسية، نموذجًا بالغ التعبير عن هذا التشابك بين الحاجة إلى الانتماء، وآليات الهيمنة التي تغلّفت بالدين. فمع وفاة النبي محمد، بدأت الخلافات السياسية تطفو …

أكمل القراءة »

مَن البَعاتيُّ في هذهِ المُحاكمةِ؟ الدُّميةُ، أَمِ العَدالةُ، أَمِ المَنطِقُ؟

«مشاهد من محاكمة في جمهورية التأويل الزائد وزمن اللامعقول… حين يتأخر الموت وتُعجَّل المحاكمة: البُعاتي بوصفه دليلًا على فشل الرواية» عندما قررت عدالة حكومة بورتسودان أن تتأنّق بوقارها المزوّر، اختارت أن تبدأ بطيف يُحاكم نيابة عن غيابه، لا بجسدٍ يُحمل عبء ما اقترفت يداه. محاكمة غيابية لرجلٍ حاضر في كل المآسي، وغائب فقط عن منصة الاتهام. نُصبت الخيمة في بورتسودان، …

أكمل القراءة »

“تأملات في طمأنينة لا تُشبه الخرائط… عن العراق الذي يكتبه الغريب كما يُكتب الحنين”

توطئة: كتبتُ هذا النص لا من باب التوثيق، ولا لارتداء هوية ليست هويتي، بل لأنني اقتربت من العراق من خلال أهله، وفتحت بيتي لهم كما فتحوا بيوتهم لي. وكنت، وأنا أستمع لهم، أشعر أني أستعيد شيئًا من نفسي. هذا ليس مقالًا، ولا سيرة. إنه قطعة من ذاكرة مشتركة، كُتبت على مهل، في أحد مساءات الغربة. في المقهى العراقي الذي يديرُه …

أكمل القراءة »

الدولة النكرة: محاكم التفويض وخرافة السيادة

في بلدٍ مثقلٍ بالتشظي، حيث يُعاد اختراع الخراب يوميًا بوجوه مألوفة، وحيث تُدار الحروب بمنطق إعادة تدوير القتلة، لا تملك الكتابة ترف الحياد. ليست الغاية من هذا النص أن يُشرح المأساة، بل أن يظل مفتوحًا على قلقها. أن يقاوم سردية المُنقذ، ويتتبع ظلال الفاعل في زمن التشويش. في عالمٍ معطوب مثل السودان، لا يمكن التمييز بسهولة بين الفاعل والضحية، ولا …

أكمل القراءة »

غسان كنفاني: هشاشة الاسم والمنفى المؤجّل

في زمنٍ لا يتذكّر إلا ما يمكن أرشفته، يغدو غسان كنفاني احتمالًا معطّلًا في ذاكرة تتذكّر اسمه أكثر مما تقرأه، وتردّد صورته أكثر مما تصغي إلى رجفته الأولى. لا أحد يعرف يقينًا من أين بدأ الحريق، لكن الدخان الذي لا يزال يعلو من جثّة الفكرة، يشير إلى أن شيئًا ما احترق في مكانٍ ما بين اللغة والرصاصة، بين الكتابة والمقصلة، …

أكمل القراءة »

سردية لندن: مؤتمر لم يُصفّق له الكيزان ولم يحضره القتلة

حين انعقد مؤتمر لندن لم يكن ذلك فعلًا بروتوكوليًا آخر في روزنامة البيانات الدبلوماسية، بل لحظة استثنائية في زمنٍ تتراكم فيه المآسي حتى تفقد الأرقام معناها. السؤال لم يكن: لماذا تأخر العالم؟ بل كيف أُتيح للخراب أن يتسلل من فجوة في الضمير الإنساني، ويتمدد بهذا الاطمئنان، كما لو أن الموت قد أصبح مشهدًا مألوفًا لا يستحق الإيقاف. في قاعة تاريخية …

أكمل القراءة »

عندما يصير الجسد ساحة معركة: تراجيديا الإنسان السوداني بين القنص والاغتصاب

الجسد، ذاك الهامش الذي ظنّوه هشًّا، أصبح ساحةً يتبارى فيها الرماة الجدد؛ لا في معركة نظيفة النوايا، بل في مجزرة تُدار ببرودة الحذاء العسكري حين يخطو على ملامح الحياة. كل ما في الأمر أن سودانًا قديمًا قد مات، أو قُتِل عن عمدٍ مع سبق التواطؤ بين العساكر والخطاب الديني المستنقعي، بين الرصاصة والفتوى، بين المتحدث باسم الجيش ومنشد كتائب البراء. …

أكمل القراءة »

ما بين الدال والمدلول في حكم المعلول: شكوى الجلاد إلى لاهاي

ما الذي يعنيه أن تقول الدولة شيئًا، وتقصد غيره؟ أن تحمل المحاكم اسم العدالة، بينما تبرّر الظلم؟ ما الذي يبقى من المعنى عندما ينفصل الدال عن مدلوله، ويُختزل الوجود كله في قشرة رمزية فارغة؟ في السودان، لم تعد الكلمات تعني ما تقول، ولا المؤسسات تمثل وظائفها، بل صار الخطاب الرسمي كله محكومًا بـ”المعلول”، أي بما نتج عن علّة قديمة: علّة …

أكمل القراءة »

“ارجم دميتك وامضِ: أُمّة تُساق بالتكبير في مآلات بلا معنى”

في انتظار سقوط الدمية الأخيرة، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل المهووسون منا، وامنحنا القدرة والبصيرة على أن نفرّق بين الفعل الرمزي والمسرح العبثي. في زاوية من هذا الخراب، يقف وزير إعلام بورتسودان، لا ليفتتح مؤتمرًا للصحفيين أو منصة للحقيقة، بل ليفتتح مهرجانًا لرجم الشيطان. لا تسألني عن الشيطان، فقد أصبح له هيئة واسم ورتبة وبدلة شبه عسكرية، يجرّها أحدهم في …

أكمل القراءة »

“من هشاشة القيادة إلى حائط المبكى: البرهان يسجد غربًا”

ولأن الأحلام السيئة لا تموت، تحوّلت نبوءة الأب إلى فكرة ملحّة في ذهن الجنرال. وهكذا خطرت الفكرة في رأسه… لا كقرار استراتيجي، بل كانت لحظة انخطاف رمزي، تتويجًا لوهم داخلي دفين: أن يكون لابن البرهان، أخيرًا، شيء يُذكر… ولو كان رسالة انبطاح مختومة بختم الرضا الإسرائيلي. أرسل البرهان مبعوثه الشخصي إلى تل أبيب، لا ممثلًا لحكومة بورتسودان، بل كمقاول قلق …

أكمل القراءة »

النظام ساقط… ولكن الظل قائم: في طقوس الإنكار وانفجارات الكذب الوجودي عند إبراهيم محمود

هل يمكن للظل أن يُلقي بنفسه في النهر ظانًّا أنه سينجو؟ هذا ما يفعله إبراهيم محمود، الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني، حين يقف على شاشة الجزيرة ليحاور الأستاذ أحمد طه، ليس بصفته مسؤولًا سياسيًا سابقًا، بل كممثل بارع لمدرسة “الإنكار العالي”، حيث الحقيقة ليست إلا مؤامرة، والوقائع ترف ذهني، والثورات… تجلٍ هوسي، و هلوسة جماعية لشعب مخدوع. لقد جلس الرجل، …

أكمل القراءة »

مقاطعة الإعلام الحربي كأداة مقاومة ضد آلة الدعاية العسكرية

مع كل نشرة أخبار — أصبحت مقاومة الحرب تبدأ بزرّ “كتم الصوت”. لم نعد بحاجة إلى جيوشٍ ولا خنادق، فالمعارك الآن تُخاض على الريموت كنترول، والهزيمة تُقاس بعدد مرات المشاهدة. نحن جيلٌ يتصفّح الجحيم بين الإعلانات، ويستلهم ضميره من فواصل درامية مدفوعة. لم نعد بحاجة إلى السلاح أو الجنود لنخوض الحروب، بل أصبحت المعركة تُخاض اليوم عبر شاشات التلفزيون، حيث …

أكمل القراءة »

مازق المثقف في المنفى: بين التماهي والهويات المنقسمة

ليس من السهل أن تستقر الذات في مكان لم يُصغَ لها فيه خطاب أول. لا لأن العالم الجديد معادٍ بالضرورة، بل لأن الداخل نفسه بات هشًّا من فرط التحولات المستمرة، مقطوعًا عن جذره الأول، ومنساقًا في الوقت ذاته نحو فضاء لا يرى فيه سوى انعكاس متشظٍ لصورته. فالهوية لا تُختبر في صدام الحضارات، كما يُروَّج، بل في التفاصيل اليومية: نبرة …

أكمل القراءة »

البحر والمدينة: ثنائية القسوة والخلاص عند حنا مينا

في أدب حنا مينا، البحر ليس مجرد خلفية مكانية، بل كائنٌ حي، قوةٌ طاغية، وخصمٌ أبديّ يتحدّى الإنسان بلا هوادة. ليس زرقةً هادئةً، بل امتدادٌ لقدَرٍ لا يرحم، ولمصائر تتلاطم كما الأمواج العاتية. البحر عنده ليس مجرد طبيعة، بل اختبارٌ للإنسان، ساحةٌ للصراع بين الإرادة البشرية والوجود القاسي. في كل موجةٍ متكسّرة، في كل ريحٍ تعصف بسفينةٍ منهكة، يعيد القدر …

أكمل القراءة »

الجيش السوداني وولادة المليشيات: رحمٌ لا يكفّ عن الإنجاب

لو كانت المؤسسة العسكرية السودانية امرأة معطاءة، لاستحقت أن تُحال إلى طبيب مختصّ في علاج الإدمان على الإنجاب الفوضوي. رحمٌ منفلت، لا يعبأ بالعواقب، ولا يتعلم من دروس الولادات السابقة، بل يواصل إنتاج الكوارث كأنه في سباقٍ محموم مع الخراب. آخر ما خرج من هذا الرحم هو خالد ثالث أبكر، الابن المدلل الجديد الذي انضم إلى عائلة مترامية الأطراف: الدعم …

أكمل القراءة »

من المتحف القومي إلى مكتبة الترابي: كيف يُعاد تشكيل السودان بممحاة الإسلاميين؟

التاريخ ليس ما حدث، بل ما يُقال إنه حدث. هو ذلك النص الذي يُعاد كتابته في كل مرة تستولي فيها سلطة جديدة على مكامن القوة. وحين يخشى الطغاة ماضي الأمة، لا يواجهونه بالنقاش، بل بالمحو، بالحرق، بالطمس، بالسرقة. فالأمم التي يُراد لها أن تكون قطيعًا لا تحتاج إلى ذاكرة، لا تحتاج إلى شواهد على أنها وُجدت قبل أن يُعاد تعريفها …

أكمل القراءة »

حين يصبح الجسد عقيدة: وشوم وزير الدفاع الأمريكي وسؤال الأيديولوجيا

في قلب المؤسسة العسكرية الأقوى في العالم، يقف رجل لا يكتفي بفرض رؤيته عبر الخطابات والتصريحات، بل يكتبها على جلده، كأن جسده صار بيانًا عقائديًا مفتوحًا على التأويل. بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأمريكي، ظهر في صور حديثة وهو يؤدي تمارين رياضية، لكن الجدل لم يكن حول لياقته، بل حول الرموز التي اختار أن ينقشها على جسده: كلمة “كافر”، الصليب القدسي، …

أكمل القراءة »

من الطاعة إلى الهيمنة: كيف تُستخدم المصطلحات السياسية والدينية لإخضاع الشعوب

لم يكن الاستبداد يومًا مجرد سلطة خشنة تُمارَس بالحديد والنار، بل هو هندسة متقنة للوعي، معماريّة للذهن تُشيَّد بالمفاهيم قبل السجون، وباللغة قبل البنادق. فالكلمات ليست محايدة، إنها دواليب الزمن، وقاطرات التاريخ، وأحيانًا، قيود لا تُرى. ومنذ أن أدرك الطغاة أن العنف العاري يخلق المقاومة، لجأوا إلى ما هو أكثر مضاءً: تفخيخ المصطلحات، وإعادة تعريفها بحيث تبدو كما هي، لكنها …

أكمل القراءة »

نهاية وهم السلطان: تركيا بين إرادة الشعب ومأزق الطاغية

في زمنٍ تتكاثف فيه مظاهر التشظي والهشاشة تحت وطأة أنظمةٍ تتقن فنون السيطرة، يبرز رجب طيب أردوغان ليس كحاكمٍ مستبدٍّ فحسب، بل كظاهرةٍ تُجسد انزياحات السلطة الحديثة، التي لم تعد ترتكز على القمع المباشر، بل على هندسة الطاعة وإنتاج الولاء عبر آلياتٍ مُركّبة. هذا الواقع المأزوم الذي تعيشه تركيا اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو امتدادٌ لعقودٍ من التحولات البنيوية …

أكمل القراءة »

هل تحكم العالم اليوم أسوأ نخبة سياسية في تاريخه الحديث؟

في البدء، لا بد من الإقرار بأن التاريخ ليس خطًّا مستقيمًا، بل هو موجات متكسرة، تتلاطم فيها القوى، وتتصارع فيها الأوهام والحقائق. لقد ظن العالم، بعد سقوط جدار برلين عام 1989، أن عجلة التاريخ قد توقفت، وأن “نهاية التاريخ” التي بشّر بها فوكوياما قد حلت، حيث لم يعد هناك صراع، بل سيادة مطلقة لقيم الليبرالية الغربية. لكن السنوات التي تلت …

أكمل القراءة »

“من الثورية إلى المعارضة: هل لا يزال الحزب الشيوعي السوداني عضوياً في الحراك السياسي؟”

حين يتأمل المرء مسار الحزب الشيوعي السوداني، تتبدى أمامه ثنائية مثقلة بالاحتمالات: بين لحظة التكوين ولحظة التيه، بين عضوية متخيلة وتاريخ متراكم من العزلة، بين الارتباط المزعوم بالطبقة العاملة والتكلس في أبراج النظرية، بين الإرث الثوري والجمود العقائدي. السؤال، إذن، ليس ما إذا كان الحزب قد فقد عضويته العضوية، بل ما إذا كان قد امتلكها أصلًا. وإن امتلكها، فهل كانت …

أكمل القراءة »

من الذكورة السامة إلى التحرش: تأملات في فلسفة السلطة والجسد

في عالم ما بعد الحداثة، حيث تتفكك الهويات الثابتة وتنسف الرؤى التقليدية للمعرفة، يصبح التحرش ليس مجرد فعل مادي يحدث في الشارع أو مكان عام، بل هو أيضًا بنية معرفية تخلق التفرقة بين “الذات” و”الآخر”. هو ثمرة لحقب تاريخية حملت في طياتها اختلالات فكرية جعلت من الجسد الأنثوي ساحة للصراع الرمزي، بين ما هو مقدس وما هو مدنس، وبين ما …

أكمل القراءة »

المنابر السودانية الإسفيرية: بين ضرورة التطوير ومعضلة الإعلانات المزعجة

إنَّ الفضاءات الإسفيرية السودانية، على محدوديتها، قد شكلت عبر العقود الأخيرة ملاذًا معرفيًا ووطنيًا، ومساحة نادرة لتمثُّل التنوع الفكري والثقافي والسياسي بعيدًا عن قبضة السلطة. فهذه المنابر كانت، ولا تزال، تعبِّر عن ديناميكية المجتمع السوداني في مقاومته المستمرة لمحاولات تدجينه، وتقدّم بديلًا للمؤسسات الإعلامية التقليدية التي طالما فُرِضت عليها الوصاية السياسية والإيديولوجية. لكن، بالرغم من هذا الدور الجليل، فإنها تعاني …

أكمل القراءة »

الوقوف مع أحد طرفي الحرب: مساهمة في الحل أم إطالة لعمر الصراع؟

حين تتشظى الحقيقة بين ركام الخطابات المتضاربة، يصبح اتخاذ موقف في الحرب أشبه بالمشي على حافة الهاوية، حيث كل خطوة تحمل احتمالية السقوط في هاوية أخلاقية أو سياسية. في النزاعات، لا يُطلب منك فقط أن تختار بين قاتل وآخر، بل يُفرض عليك أن تصبح جزءًا من ماكينة الحرب نفسها، متورطًا في إعادة إنتاج سرديتها، مساهماً في ترسيخ منطقها. لكن، ماذا …

أكمل القراءة »

مليشيا الدعم السريع ومليشيا جيش الكيزان: وجهان لعملة واحدة لا رصيد لها في قلوبنا

في السودان، حيث يتهاوى الحلم كل صباح تحت ثقل البارود، وحيث تنقلب المفاهيم رأسًا على عقب بين جلاد يرتدي ثياب الضحية، وضحية تتورط في صناعة جلادها، نشهد تجليًا مأساويًا لسردية العنف كأفق وحيد للسلطة. الحرب الدائرة الآن بين مليشيا الدعم السريع ومليشيا الحركة الإسلامية، متمثلة في المؤسسة العسكرية، ليست صراعًا بين نقيضين، بل هو انشطار داخلي لمفهوم السلطة القمعية ذاتها، …

أكمل القراءة »

المثقف السوداني وأسئلة الوعي: بين نقد السلطة وإعادة تفكيك الأساطير السياسية والثقافية

في خضم الصراع السوداني المستمر منذ 15 أبريل 2023، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني المستلب من الجبهة الإسلامية، يجد المثقف السوداني نفسه في مأزق تاريخي يكشف عن عمق أزمته، لا بوصفها أزمة موقف فحسب، بل بوصفها جزءًا من البنية الكلية التي أنتجت هذا الصراع. لقد أصبح المثقف، الذي كان يُنتظر منه أن يكون مرشدًا للوعي، جزءًا من معارك فكرية …

أكمل القراءة »

ماركيز ونفي المطلق: هل يعيد السرد إنتاج المقدس؟

في كل عمل أدبي عظيم، تتقاطع الفلسفة مع السرد، والميتافيزيقا مع اليومي، والحياة مع الأسطورة. وفي عوالم غابرييل غارثيا ماركيز، كان الدين حاضرًا دائمًا، لكنه لم يكن إيمانًا خالصًا ولا إلحادًا مطلقًا، بل كان جزءًا من نسيج الحكاية الكبرى التي ينسجها الكاتب، حيث تتداخل المعتقدات والخرافات مع السلطة والقمع، واللاهوت مع المجاز، والطقوس مع السحر. لكن يبقى السؤال الفلسفي مفتوحًا: …

أكمل القراءة »