تخريمات وتبريمات حول الحل والبديل
فيصل بسمة
29 September, 2023
29 September, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
الحل شِنُو؟...
و البديل منو؟...
سؤالان تقليديان توارثتهما الشعوب السودانية عبر العقود ، و تكثر العودة إليهما و ترديدهما كلما أصبحت الأزمات و الفشل و العجز و الإحباط و ملاحقهم واقعاً يعشعش/يقيم/يستوطن البادية السودانية و الحضر ، و يزداد الإستخدام وتيرةً كلما إدلهمت الخطوب و تعقدت و سآءت الأمور السياسية/الإقتصادية/الإجتماعية في بلاد السودان و جَاطَت ، و يتحول الإستخدام إلى إستنكار و أقرب إلى السخرية من السآئل/السآئلين إذا ما تَخَرمَجَت الأمور و تَلَولَوَت و تَتَلتَلَت...
حاشية:
الفعل تَخَرمَجَ يعني عدم الإنتظام ، أما الفعلين تَلَولَوَ و تَتَلتَلَ فهما مشتقان من اللَّولَوَة و التَّلتَلَة و تفيدان التعقيد المركب و الصعب...
و السؤلان مرتبطان إرتباطاً وثيقاً و مكملان لبعضهما البعض و لا ينفصلان ، و الشاهد هو أن أصل/منبت السؤالين و جذورهما في بؤرة/تربة العجز و الفشل الحآد و المزمن الذي لازم الشعوب السودانية من النخب و الذين من دونهم منذ ميلاد الدولة السودانية المعاصرة ، و الحقيقة هي أن الشعوب السودانية قد عجزت تماماً عن إدارة الدولة السودانية بما يحقق العدالة و السلام و الإستقرار و يقود إلى البنآء و التنمية و من ثم مجتمعات الإنتاج و الكفاية و الرفاه ، و قد ذكرت المصادر العديدة و المؤرخون و المراقبون الكثر أن أمر العجز و الفشل السوداني قد سبق نيل بلاد السودان إستقلالها من المستعمر (الإحتلال) البريطاني ، و أنهما ، العجز و الفشل ، ما زالا يستوطان بلاد السودان إلى يومنا الماثل أمامنا هذا: حرباً و موتاً و دماراً و خراباً و نِقَةً في الفاضي و كمان محاصصات...
و يتجاهل/يجهل الكثير من السودانيين ، أو ربما أنهم لا يعلمون ، أن الحل و البديل لا يأتيان من فراغ ، و أن لا بدَ و لا مناصَ من أن يأتيا من قِبَلِهِم و بتدابيرهم/تدبيراتهم و مبادارتهم الذاتية أي بإيديهم و شديدهم ، و أن من الأفضل أن لا يأتيا بيد/بدبابة العسكري!!! ، فقد أثبتت التجارب أن العسكري و من قَبْلَهُ من الزملآء/الرفاق/الجماعة لا يأتي منهم فايدة أو خير أبداً!!!...
و يعتقد الكثير من السودانيون أن ما يجري و يحدث لهم و لبلادهم من فشل و إخفاقات هو قدرٌ مسطرٌ و مكتوبٌ ، و يستترون في إعتقادهم/عجزهم ذلك خلف ذريعة الإيمان بقضآء الله و قدره:
{ قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٥١]
و أن من كُتِبَت عليه خطىً ، في اللوح المحفوظ ، مشاها ، و هذا صحيح ، لكن يبدوا أن كثير من السودانيين لا يعلمون ، أو أنهم حقاً يجهلون بعمدٍ أو بغيرِ عمدٍ ، أن القضآء لا يتم إعتباطاً ، و أنه و كيما يتحقق القضآء و يكون فلابد من أن تكتمل عناصر و أسباب/شروط الأقدار التي خلقها و أوجدها الله الخالق العزيز الحكيم ، و أن إكتمال عناصر الأقدار و المسببات/الشروط لا تتم و تكون إلا في وجود ملكة العقل و ممارسة تمارين التفكر و التدبر و الإدراك و التي هي من الأليات الأساسية لتفعيل قدرات/هبات الإرادة و الإختيار فيما أوجد الله سبحانه و تعالى للإنسان من نعم لا تعد و لا تحصى...
و هكذا فإن للإنسان مطلق الحرية في إستخدام ما وهبه له الله الخالق العظيم من مساحات الإرادة و الإختيار و ما زوده به من العلم و المعرفة و ملكة العقل و الإدراك:
{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٣١]
{ وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ (٢٨) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ (٢٩) }
[سُورَةُ الحِجۡرِ: ٢٨-٢٩]
{ إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ (٧١) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ (٧٢) }
[سُورَةُ صٓ: ٧١-٧٢]
كما أنه يملك حق الإرادة و الإختيار في تعطيل تلك الهبات الإلهية و الملكات:
{ وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡیُنࣱ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانࣱ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡغَـٰفِلُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ١٧٩]
{ أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا }
[سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٤٤]
{ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبࣱ یَعۡقِلُونَ بِهَاۤ أَوۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِی فِی ٱلصُّدُورِ }
[سُورَةُ الحَجِّ: ٤٦]
و يظن/يعتقد كثيرون أن جذور المشكلة/الأزمة المفضية إلى السؤالين تكمن في حقيقة أن قطاعات مقدرة من الشعوب السودانية قد عَطَّلَت ملكات العقل و التفكير و التدبر و الإدراك بإرادتها و أرادت ثم اختارت الجلوس في خانة عدم الفعل و منصة المتفرج ، و لا أقول الأنعام ، و لعدة عقود من الزمان ، و أن غالبية لا يستهان بها من الشعوب السودانية ما زالت في إنتظار الحل و البديل يأتيان من جهة الأماني أو من الزملآء/الرفاق/الإخوة في القوات المسلحة!!! ، فقد وثقت المصادر و دلت الشواهد على أن الكثير من السودانيين ما زالوا ينتظرون و هم يحلمون صَحيَانِين بقدوم:
١- العسكري المنقذ الحازم العادل القادم آخر الليل و بعد دور السينما التاني من خور عمر أو إحدى الثكنات العسكرية في العاصمة المثلثة!!! ، و على ظهور دبابات و مدرعات و حاملات جنود القوات المسلحة السودانية ليقرأ البيان الأول من إذاعة أم درمان معلناً ثورة الخلاص/الإنقاذ
أو
٢- المعجزة السماوية و سيف سيدنا علي الكرار محمول على أكف و أجنحة الملآئكة ، و ذلك إستجابةً لدعوات المظلومين و المقهورين من الشعوب السودانية
أو
٣- التدخل الأجنبي يجلب العدل و الإستقرار للبلاد و المن و السلوى و كذلك الدولار
و إذا ما رغبنا في الإجابة على سؤالي الحل شنو؟ و البديل منو؟ ، فلا بد من العودة و إعادة النظر و التأمل في قآئمة أمنيات و أحلام الشعوب السودانية لنرى إمكانية ذلك...
١- العسكري المنقذ الحازم العادل:
تجارب الشعوب السودانية مع حكم العسكر لبلاد السودان الذي فاق الستة و خمسون (٥٦) سنة من عمر بلاد السودان المستقلة البالغ سبعة و ستون (٦٧) سنة و زيادة لا تسر و لا تفرح بل أنها تَسَوِّي الهم و الغم و الجلطات و السكتات ، فحكم الطغاة من العسكر القادمين من ”رحم“ مؤسسة القوات المسلحة السودانية لم يورث بلاد السودان و شعوبها سوى: الفشل الذريع و التخلف المريع و التشظي و الأذى و أطنان من المشاكل و البلاوي المِتَلتِلَة...
و يتسآءل كثيرون كيف لعقلآءٍ التطلع إلى تجريب العسكري المجرب (الطاغي/المتجبر/الفاشل/الفاسد/القاتل... إلخ... إلخ...) ، خصوصاً و هم يعلمون علم اليقين أن المؤسسة العسكرية التي يحلمون/ينتظرون أن تنتج/تخرج لهم منقذاً حازماً عادلاً قد تمت مصادرتها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان من قبل تنظيم جماعةٍ متأسلمةٍ (الكيزان) ذات فكرٍ سياسي ضآل ، جماعة لا تؤمن بالأعراف و القيم الإنسانية و تنقصها الأخلاق ، و أن المؤسسة العسكرية و منذ إستيلآء الجماعة على السلطة في إنقلاب الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ ميلادية قد تمت كَوزَنَتَها (إفسادها) بالكامل ، و أنه قد تم تجريدها تماماً من العقيدة القتالية و كل القيم و المهنية و الإحترافية ، و أنها قد أصبحت مجرد مليشيا باطشة تابعة لتنظيم مهووس بالقتل و الدمار و الخراب و الإفساد...
و بالإختصار المفيد و تقريباً للمعاني و تسهيلاً للفهم فإن فاقد الشيء (القيم) لا يعطيه ، و إذا ما كانت الشعوب السودانية و ما زالت حَارِيَة العسكري المنقذ الحازم العادل فإن وَاضَتَها قد أصبحت مِطَيِّنَة و أمست و بقت سودآء و ذِي السَّكَنْ...
٢- المظلومون المقهورون المنتظرون الإستجابة الإلهية و المعجزة السماوية:
و صحيحٌ أن اللهَ هو المجيبُ المغيثُ:
{ أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ }
[سُورَةُ النَّمۡلِ: ٦٢]
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ }
[سُورَةُ غَافِرٍ: ٦٠]
لكنه هو الله عز و جل الذي أمرنا بالعزم و التوكل:
{ فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٥٩]
و أرشدنا إلى الأخذ بالأسباب:
{ وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ سَبَبࣰا (٨٤) فَأَتۡبَعَ سَبَبًا (٨٥) }
[سُورَةُ الكَهۡفِ: ٨٣-٨٥]
و الأمثلة القرءانية على التوكل و الأخذ بالأسباب كثيرة...
و يبقى السؤال و ماذا فعلت الشعوب السودانية في مسألة الأخذ بالإسباب؟...
خصوصاً و أن التاريخ قد شهدَ و سطرَ و وثقَ أن الشعوب السودانية قد خنعت/سكتت/صمتت دهوراً على ما رأت بأم أعينها من أصناف و أشكال الطغيان و الإستبداد و الفساد و الفشل العسكري من لدن العقيد جعفر النميري إلى العميد عمر البشير ، بل أن قطاعات عريضة منها قد باركت و شاركت في تلك الأفعال المنكرة ، طلآئع خلاص و كتآئب جهاد ، رغم تردديهم و حفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، و ذلك أضعف الإيمان)
و يرى/يعتقد كثيرون أن الأجدر بالمؤمنين من الشعوب السودانية و الراغبين و أصحاب الإهتمام و عوضاً عن الإستغراق في أضعف الإيمان و الإنغماس في أحلام اليقظة و الأوهام أن يعيدوا قرآءات و تدبر بعض من الآيات القرءانية:
{ وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ }
[سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٣٠]
{ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ }
[سُورَةُ يُونُسَ: ٤٤]
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ }
[سُورَةُ هُودٍ: ١١٧]
{ وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ١٦]
٣- التدخل الأجنبي:
و لأن الإطالة في هذا الأمر سوف تؤدي إلى التكرار و الملل فالأفضل الإكتفآء بمقولة:
ما في دولة بتخدم و تساعد دولة أخرى عشان خاطر عيونها أو صدقةً جاريةً أو في سبيل الله أو من أجل الإنسانية...
و بعد كل هذا التخريم و التبريم فلا حل و لا مناص و لا بد من أن تجد الشعوب السودانية إجابة مقنعة للسؤالين و مخرجاً لأزماتها الحآدة و المزمنة بأنفسها و ضِرعَاتِها و إيدها و شديدها ، و أن تكف عن ممارسة أحلام اليقظة (المعجزة السماوية) ، و إستسهال الأمور (التدخل الأجنبي) ، و إختصار الطرق عن طريق قطع الزوايا و سلك الدروب الملتوية (العسكري المنقذ الحازم العادل) ، و أن تعلم أن المؤسسة العسكرية السودانية غآئبة تماماً في الوقت الحاضر ، و لكن يمكن إعادة مهنيتها و إحترافيتها (هيكلتها و إعادة صياغتها) إلا بعد إيقاف الحرب ، و أنها كمؤسسة قومية لم تهزم و لكنها أختطفت و أقعدت فعجزت عن الفعل ، أما مليشيات الجنجويد فإنهم لم و لن يفلحوا أبداً ، و لن يبنوا بلداً ، و ذلك لأنهم لا يعرفون أصلاً ما هو البنآء ، و ذلك لأنهم جبلوا على القتل و الحرق و الإغتصاب و النهب و السلب و الهدم و الدمار و الخراب...
و لقد تأكد و تيقن لكثيرين أن حل الأزمة السودانية الراهنة و إيجاد البديل ليس في البَلْ أو الجَغِمْ من قبل المتعطشين إلى القتل و سفك الدمآء و الخراب و الدمار من رَبَّاطَة مليشيات الجنجويد أو من مهووسي كتآئب البرآء/الجهاد/الظل/الدفاع الشعبي الذين إختطفوا القوات المسلحة ، و لا في الحرب الإلكترونية المستعرة بين غرف الجِدَاد (الدجاج) الإلكتروني الجنجويدية و الكيزانية ، فقد أزهقت أنفس كثيرة و بما فيه الكفاية و زيادة و ضاع من الجهد و الزمن الكثير ، مما جعلهم يتأكدون و يتيقنون أن الحل و إيجاد البديل يبدأ بإيقاف الحرب ، و أن الأمر ليس باليسير أو الساهل ، و أنه جد عسير و يستغرق الكثير من الزمن و يتطلب أطنان من الصبر و الجلد و طولة البال...
و قد مل صاحبنا من الإعادة و من دعواته المتكررة إلى أن الحل الدآئم (قصير و طويل المدى) في التغيير و في إعادة صياغة الإنسان السوداني عن طريق التربية و الفَرمَتَة ، كما أن صاحبنا قد خجل كثيراً و استحى من ترديد المثل الشعبي:
ما فيش حلاوة من غير نار...
و من تفسيراته للمثل القآئل:
ما حكَ جلداً مثل ظفرك...
و يعتقد صاحبنا بأن المثل الأخير و فيما يخص الثورة السودانية يعني أن الحل و البديل لا يأتيان إلا من قبل شباب الثورة أنفسهم الذين هم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ، و الذين مكتوبٌ عليهم أن يعيشوا المستقبل و أن يُشَكِّلُوه بما يريدون و يشآءون و حسب مزاجهم ، مستخدمين في ذلك ملكات العقول المتوفرة لديهم بكثرة ، خصوصاً و أنهم قد مارسوا من قبل ، و في خجلٍ ، تمارين: العقل و التفكر و التدبر حواراتٍ و مبادراتٍ و وثآئقَ و مواثيق و تحالفاتٍ و أرآء مشهودة و موثقة أبانت وعيً شبابياً عظيماً يسعد القلب كثيراً و يطمئن البال على مستقبل بلاد السودان ، و أنها في أيدي أمينة و فاهمة...
و قد أدرك شباب الثورة من وقتٍ مبكر أن السلام و السلمية قادران على هزيمة أعتى الديكتاتوريات و كل قوى الظلم و الطغيان و الجبروت و البطش ، مما يعني أن الحل و البديل قد يأتيان عن طريق الحوار و السعي في طريق السلم و إيقاف الحرب و التفاوض حول الطرق العملية التي تساعد على خلق الإستقرار و تفعيل القانون و تنفيذ العدالة ثم الإنصراف إلى العمل و الإنتاج ، أما إذا ما فشل مسعى و إستراتيجية:
{ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٦١]
فليس بدٌ و مناصٌ من البحث عن الحل و البديل في دروب القتال و خيارات الكفاح المسلح ضد جميع قوى الظلم و البغي و العدوان دون فرز ، و حديد يلاقي حديد...
و الشاهد هو إن كلا الأمرين الخيارين شآقٌ و شديدُ التعقيد ، خصوصاً و أن الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و الصراع الحالي قد إتخذتا منحىً شديد اللَّولَوَة (الإلتوآء) ، و سلكت مسلكاً كله تضاريس و ضِرِيسَّة و دِحدِيرَات و حفر مليانة عقارب و دَبَايب (ثعابين) ، و مما يفاقم الأمر كثيراً و يزيده سوءً أن المعيشة و الكِيمَان قد تم فرزهما على خطوط و هدي الجهة و القبيلة و العرق...
و رغم ذلك فإن الصبر مفتاح الفرج ، و أن ليس بعد الضيق إلا الفرج ، و أن الله غالب ، و هو نصير العازمين المتوكلين الآخذين بالأسباب...
و قد يأتي نفرٌ جليلٌ من جماعات الحلول الجاهزة المغرمين بكتيبات دليل الخطوات و سبل الإرشاد و مفتاح الخريطة التي تُفَصِّلُ كيفية الوصول إلى الكنز يقرأون الفقرات أعلاه يبحثون عن بنود الحل و إسم البديل و صفاته ، و ربما يجنح بعضٌ منهم إلى وصف الفقرات بأنها كلام ساكت و خارم بارم ، و أنها لم تقدم حلولاً و تفتقر إلى التفاصيل ، و لهم الحق في ذلك فالأمر عقلٌ و تدبرٌ و إرادة و إختيار ، و التفاصيل ، كما يرى/يعتقد صاحبنا ، هي من صميم مسئولية الثوار و من منطلق و مبدأ أن لا وصاية من أحد على أحد ، خصوصاً إذا كان هذا الأحد المُوَصِّي زمانو فات و غَنَّايُو مات ، كما أنه ليس من المطلوب أو بالضرورة التوافق التآم أو أن يوافق شنٌ طبقة ، فسنة الحياة في الإختلاف:
{ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ }
[سُورَةُ هُودٍ: ١١٨]
{ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٩٣]
و المغزى من هذا التمرين البسيط هو ممارسة حرية إبدآء الرأي و محاولة لإعادة قرآءة و فهم حكمة اللواري السفرية الخالدة:
العفش داخل البص على مسئولية صاحبه!!!...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
الحل شِنُو؟...
و البديل منو؟...
سؤالان تقليديان توارثتهما الشعوب السودانية عبر العقود ، و تكثر العودة إليهما و ترديدهما كلما أصبحت الأزمات و الفشل و العجز و الإحباط و ملاحقهم واقعاً يعشعش/يقيم/يستوطن البادية السودانية و الحضر ، و يزداد الإستخدام وتيرةً كلما إدلهمت الخطوب و تعقدت و سآءت الأمور السياسية/الإقتصادية/الإجتماعية في بلاد السودان و جَاطَت ، و يتحول الإستخدام إلى إستنكار و أقرب إلى السخرية من السآئل/السآئلين إذا ما تَخَرمَجَت الأمور و تَلَولَوَت و تَتَلتَلَت...
حاشية:
الفعل تَخَرمَجَ يعني عدم الإنتظام ، أما الفعلين تَلَولَوَ و تَتَلتَلَ فهما مشتقان من اللَّولَوَة و التَّلتَلَة و تفيدان التعقيد المركب و الصعب...
و السؤلان مرتبطان إرتباطاً وثيقاً و مكملان لبعضهما البعض و لا ينفصلان ، و الشاهد هو أن أصل/منبت السؤالين و جذورهما في بؤرة/تربة العجز و الفشل الحآد و المزمن الذي لازم الشعوب السودانية من النخب و الذين من دونهم منذ ميلاد الدولة السودانية المعاصرة ، و الحقيقة هي أن الشعوب السودانية قد عجزت تماماً عن إدارة الدولة السودانية بما يحقق العدالة و السلام و الإستقرار و يقود إلى البنآء و التنمية و من ثم مجتمعات الإنتاج و الكفاية و الرفاه ، و قد ذكرت المصادر العديدة و المؤرخون و المراقبون الكثر أن أمر العجز و الفشل السوداني قد سبق نيل بلاد السودان إستقلالها من المستعمر (الإحتلال) البريطاني ، و أنهما ، العجز و الفشل ، ما زالا يستوطان بلاد السودان إلى يومنا الماثل أمامنا هذا: حرباً و موتاً و دماراً و خراباً و نِقَةً في الفاضي و كمان محاصصات...
و يتجاهل/يجهل الكثير من السودانيين ، أو ربما أنهم لا يعلمون ، أن الحل و البديل لا يأتيان من فراغ ، و أن لا بدَ و لا مناصَ من أن يأتيا من قِبَلِهِم و بتدابيرهم/تدبيراتهم و مبادارتهم الذاتية أي بإيديهم و شديدهم ، و أن من الأفضل أن لا يأتيا بيد/بدبابة العسكري!!! ، فقد أثبتت التجارب أن العسكري و من قَبْلَهُ من الزملآء/الرفاق/الجماعة لا يأتي منهم فايدة أو خير أبداً!!!...
و يعتقد الكثير من السودانيون أن ما يجري و يحدث لهم و لبلادهم من فشل و إخفاقات هو قدرٌ مسطرٌ و مكتوبٌ ، و يستترون في إعتقادهم/عجزهم ذلك خلف ذريعة الإيمان بقضآء الله و قدره:
{ قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٥١]
و أن من كُتِبَت عليه خطىً ، في اللوح المحفوظ ، مشاها ، و هذا صحيح ، لكن يبدوا أن كثير من السودانيين لا يعلمون ، أو أنهم حقاً يجهلون بعمدٍ أو بغيرِ عمدٍ ، أن القضآء لا يتم إعتباطاً ، و أنه و كيما يتحقق القضآء و يكون فلابد من أن تكتمل عناصر و أسباب/شروط الأقدار التي خلقها و أوجدها الله الخالق العزيز الحكيم ، و أن إكتمال عناصر الأقدار و المسببات/الشروط لا تتم و تكون إلا في وجود ملكة العقل و ممارسة تمارين التفكر و التدبر و الإدراك و التي هي من الأليات الأساسية لتفعيل قدرات/هبات الإرادة و الإختيار فيما أوجد الله سبحانه و تعالى للإنسان من نعم لا تعد و لا تحصى...
و هكذا فإن للإنسان مطلق الحرية في إستخدام ما وهبه له الله الخالق العظيم من مساحات الإرادة و الإختيار و ما زوده به من العلم و المعرفة و ملكة العقل و الإدراك:
{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٣١]
{ وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ (٢٨) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ (٢٩) }
[سُورَةُ الحِجۡرِ: ٢٨-٢٩]
{ إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ (٧١) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ (٧٢) }
[سُورَةُ صٓ: ٧١-٧٢]
كما أنه يملك حق الإرادة و الإختيار في تعطيل تلك الهبات الإلهية و الملكات:
{ وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡیُنࣱ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانࣱ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡغَـٰفِلُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ١٧٩]
{ أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا }
[سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٤٤]
{ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبࣱ یَعۡقِلُونَ بِهَاۤ أَوۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِی فِی ٱلصُّدُورِ }
[سُورَةُ الحَجِّ: ٤٦]
و يظن/يعتقد كثيرون أن جذور المشكلة/الأزمة المفضية إلى السؤالين تكمن في حقيقة أن قطاعات مقدرة من الشعوب السودانية قد عَطَّلَت ملكات العقل و التفكير و التدبر و الإدراك بإرادتها و أرادت ثم اختارت الجلوس في خانة عدم الفعل و منصة المتفرج ، و لا أقول الأنعام ، و لعدة عقود من الزمان ، و أن غالبية لا يستهان بها من الشعوب السودانية ما زالت في إنتظار الحل و البديل يأتيان من جهة الأماني أو من الزملآء/الرفاق/الإخوة في القوات المسلحة!!! ، فقد وثقت المصادر و دلت الشواهد على أن الكثير من السودانيين ما زالوا ينتظرون و هم يحلمون صَحيَانِين بقدوم:
١- العسكري المنقذ الحازم العادل القادم آخر الليل و بعد دور السينما التاني من خور عمر أو إحدى الثكنات العسكرية في العاصمة المثلثة!!! ، و على ظهور دبابات و مدرعات و حاملات جنود القوات المسلحة السودانية ليقرأ البيان الأول من إذاعة أم درمان معلناً ثورة الخلاص/الإنقاذ
أو
٢- المعجزة السماوية و سيف سيدنا علي الكرار محمول على أكف و أجنحة الملآئكة ، و ذلك إستجابةً لدعوات المظلومين و المقهورين من الشعوب السودانية
أو
٣- التدخل الأجنبي يجلب العدل و الإستقرار للبلاد و المن و السلوى و كذلك الدولار
و إذا ما رغبنا في الإجابة على سؤالي الحل شنو؟ و البديل منو؟ ، فلا بد من العودة و إعادة النظر و التأمل في قآئمة أمنيات و أحلام الشعوب السودانية لنرى إمكانية ذلك...
١- العسكري المنقذ الحازم العادل:
تجارب الشعوب السودانية مع حكم العسكر لبلاد السودان الذي فاق الستة و خمسون (٥٦) سنة من عمر بلاد السودان المستقلة البالغ سبعة و ستون (٦٧) سنة و زيادة لا تسر و لا تفرح بل أنها تَسَوِّي الهم و الغم و الجلطات و السكتات ، فحكم الطغاة من العسكر القادمين من ”رحم“ مؤسسة القوات المسلحة السودانية لم يورث بلاد السودان و شعوبها سوى: الفشل الذريع و التخلف المريع و التشظي و الأذى و أطنان من المشاكل و البلاوي المِتَلتِلَة...
و يتسآءل كثيرون كيف لعقلآءٍ التطلع إلى تجريب العسكري المجرب (الطاغي/المتجبر/الفاشل/الفاسد/القاتل... إلخ... إلخ...) ، خصوصاً و هم يعلمون علم اليقين أن المؤسسة العسكرية التي يحلمون/ينتظرون أن تنتج/تخرج لهم منقذاً حازماً عادلاً قد تمت مصادرتها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان من قبل تنظيم جماعةٍ متأسلمةٍ (الكيزان) ذات فكرٍ سياسي ضآل ، جماعة لا تؤمن بالأعراف و القيم الإنسانية و تنقصها الأخلاق ، و أن المؤسسة العسكرية و منذ إستيلآء الجماعة على السلطة في إنقلاب الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ ميلادية قد تمت كَوزَنَتَها (إفسادها) بالكامل ، و أنه قد تم تجريدها تماماً من العقيدة القتالية و كل القيم و المهنية و الإحترافية ، و أنها قد أصبحت مجرد مليشيا باطشة تابعة لتنظيم مهووس بالقتل و الدمار و الخراب و الإفساد...
و بالإختصار المفيد و تقريباً للمعاني و تسهيلاً للفهم فإن فاقد الشيء (القيم) لا يعطيه ، و إذا ما كانت الشعوب السودانية و ما زالت حَارِيَة العسكري المنقذ الحازم العادل فإن وَاضَتَها قد أصبحت مِطَيِّنَة و أمست و بقت سودآء و ذِي السَّكَنْ...
٢- المظلومون المقهورون المنتظرون الإستجابة الإلهية و المعجزة السماوية:
و صحيحٌ أن اللهَ هو المجيبُ المغيثُ:
{ أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ }
[سُورَةُ النَّمۡلِ: ٦٢]
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ }
[سُورَةُ غَافِرٍ: ٦٠]
لكنه هو الله عز و جل الذي أمرنا بالعزم و التوكل:
{ فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٥٩]
و أرشدنا إلى الأخذ بالأسباب:
{ وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ سَبَبࣰا (٨٤) فَأَتۡبَعَ سَبَبًا (٨٥) }
[سُورَةُ الكَهۡفِ: ٨٣-٨٥]
و الأمثلة القرءانية على التوكل و الأخذ بالأسباب كثيرة...
و يبقى السؤال و ماذا فعلت الشعوب السودانية في مسألة الأخذ بالإسباب؟...
خصوصاً و أن التاريخ قد شهدَ و سطرَ و وثقَ أن الشعوب السودانية قد خنعت/سكتت/صمتت دهوراً على ما رأت بأم أعينها من أصناف و أشكال الطغيان و الإستبداد و الفساد و الفشل العسكري من لدن العقيد جعفر النميري إلى العميد عمر البشير ، بل أن قطاعات عريضة منها قد باركت و شاركت في تلك الأفعال المنكرة ، طلآئع خلاص و كتآئب جهاد ، رغم تردديهم و حفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، و ذلك أضعف الإيمان)
و يرى/يعتقد كثيرون أن الأجدر بالمؤمنين من الشعوب السودانية و الراغبين و أصحاب الإهتمام و عوضاً عن الإستغراق في أضعف الإيمان و الإنغماس في أحلام اليقظة و الأوهام أن يعيدوا قرآءات و تدبر بعض من الآيات القرءانية:
{ وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ }
[سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٣٠]
{ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ }
[سُورَةُ يُونُسَ: ٤٤]
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ }
[سُورَةُ هُودٍ: ١١٧]
{ وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ١٦]
٣- التدخل الأجنبي:
و لأن الإطالة في هذا الأمر سوف تؤدي إلى التكرار و الملل فالأفضل الإكتفآء بمقولة:
ما في دولة بتخدم و تساعد دولة أخرى عشان خاطر عيونها أو صدقةً جاريةً أو في سبيل الله أو من أجل الإنسانية...
و بعد كل هذا التخريم و التبريم فلا حل و لا مناص و لا بد من أن تجد الشعوب السودانية إجابة مقنعة للسؤالين و مخرجاً لأزماتها الحآدة و المزمنة بأنفسها و ضِرعَاتِها و إيدها و شديدها ، و أن تكف عن ممارسة أحلام اليقظة (المعجزة السماوية) ، و إستسهال الأمور (التدخل الأجنبي) ، و إختصار الطرق عن طريق قطع الزوايا و سلك الدروب الملتوية (العسكري المنقذ الحازم العادل) ، و أن تعلم أن المؤسسة العسكرية السودانية غآئبة تماماً في الوقت الحاضر ، و لكن يمكن إعادة مهنيتها و إحترافيتها (هيكلتها و إعادة صياغتها) إلا بعد إيقاف الحرب ، و أنها كمؤسسة قومية لم تهزم و لكنها أختطفت و أقعدت فعجزت عن الفعل ، أما مليشيات الجنجويد فإنهم لم و لن يفلحوا أبداً ، و لن يبنوا بلداً ، و ذلك لأنهم لا يعرفون أصلاً ما هو البنآء ، و ذلك لأنهم جبلوا على القتل و الحرق و الإغتصاب و النهب و السلب و الهدم و الدمار و الخراب...
و لقد تأكد و تيقن لكثيرين أن حل الأزمة السودانية الراهنة و إيجاد البديل ليس في البَلْ أو الجَغِمْ من قبل المتعطشين إلى القتل و سفك الدمآء و الخراب و الدمار من رَبَّاطَة مليشيات الجنجويد أو من مهووسي كتآئب البرآء/الجهاد/الظل/الدفاع الشعبي الذين إختطفوا القوات المسلحة ، و لا في الحرب الإلكترونية المستعرة بين غرف الجِدَاد (الدجاج) الإلكتروني الجنجويدية و الكيزانية ، فقد أزهقت أنفس كثيرة و بما فيه الكفاية و زيادة و ضاع من الجهد و الزمن الكثير ، مما جعلهم يتأكدون و يتيقنون أن الحل و إيجاد البديل يبدأ بإيقاف الحرب ، و أن الأمر ليس باليسير أو الساهل ، و أنه جد عسير و يستغرق الكثير من الزمن و يتطلب أطنان من الصبر و الجلد و طولة البال...
و قد مل صاحبنا من الإعادة و من دعواته المتكررة إلى أن الحل الدآئم (قصير و طويل المدى) في التغيير و في إعادة صياغة الإنسان السوداني عن طريق التربية و الفَرمَتَة ، كما أن صاحبنا قد خجل كثيراً و استحى من ترديد المثل الشعبي:
ما فيش حلاوة من غير نار...
و من تفسيراته للمثل القآئل:
ما حكَ جلداً مثل ظفرك...
و يعتقد صاحبنا بأن المثل الأخير و فيما يخص الثورة السودانية يعني أن الحل و البديل لا يأتيان إلا من قبل شباب الثورة أنفسهم الذين هم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ، و الذين مكتوبٌ عليهم أن يعيشوا المستقبل و أن يُشَكِّلُوه بما يريدون و يشآءون و حسب مزاجهم ، مستخدمين في ذلك ملكات العقول المتوفرة لديهم بكثرة ، خصوصاً و أنهم قد مارسوا من قبل ، و في خجلٍ ، تمارين: العقل و التفكر و التدبر حواراتٍ و مبادراتٍ و وثآئقَ و مواثيق و تحالفاتٍ و أرآء مشهودة و موثقة أبانت وعيً شبابياً عظيماً يسعد القلب كثيراً و يطمئن البال على مستقبل بلاد السودان ، و أنها في أيدي أمينة و فاهمة...
و قد أدرك شباب الثورة من وقتٍ مبكر أن السلام و السلمية قادران على هزيمة أعتى الديكتاتوريات و كل قوى الظلم و الطغيان و الجبروت و البطش ، مما يعني أن الحل و البديل قد يأتيان عن طريق الحوار و السعي في طريق السلم و إيقاف الحرب و التفاوض حول الطرق العملية التي تساعد على خلق الإستقرار و تفعيل القانون و تنفيذ العدالة ثم الإنصراف إلى العمل و الإنتاج ، أما إذا ما فشل مسعى و إستراتيجية:
{ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٦١]
فليس بدٌ و مناصٌ من البحث عن الحل و البديل في دروب القتال و خيارات الكفاح المسلح ضد جميع قوى الظلم و البغي و العدوان دون فرز ، و حديد يلاقي حديد...
و الشاهد هو إن كلا الأمرين الخيارين شآقٌ و شديدُ التعقيد ، خصوصاً و أن الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و الصراع الحالي قد إتخذتا منحىً شديد اللَّولَوَة (الإلتوآء) ، و سلكت مسلكاً كله تضاريس و ضِرِيسَّة و دِحدِيرَات و حفر مليانة عقارب و دَبَايب (ثعابين) ، و مما يفاقم الأمر كثيراً و يزيده سوءً أن المعيشة و الكِيمَان قد تم فرزهما على خطوط و هدي الجهة و القبيلة و العرق...
و رغم ذلك فإن الصبر مفتاح الفرج ، و أن ليس بعد الضيق إلا الفرج ، و أن الله غالب ، و هو نصير العازمين المتوكلين الآخذين بالأسباب...
و قد يأتي نفرٌ جليلٌ من جماعات الحلول الجاهزة المغرمين بكتيبات دليل الخطوات و سبل الإرشاد و مفتاح الخريطة التي تُفَصِّلُ كيفية الوصول إلى الكنز يقرأون الفقرات أعلاه يبحثون عن بنود الحل و إسم البديل و صفاته ، و ربما يجنح بعضٌ منهم إلى وصف الفقرات بأنها كلام ساكت و خارم بارم ، و أنها لم تقدم حلولاً و تفتقر إلى التفاصيل ، و لهم الحق في ذلك فالأمر عقلٌ و تدبرٌ و إرادة و إختيار ، و التفاصيل ، كما يرى/يعتقد صاحبنا ، هي من صميم مسئولية الثوار و من منطلق و مبدأ أن لا وصاية من أحد على أحد ، خصوصاً إذا كان هذا الأحد المُوَصِّي زمانو فات و غَنَّايُو مات ، كما أنه ليس من المطلوب أو بالضرورة التوافق التآم أو أن يوافق شنٌ طبقة ، فسنة الحياة في الإختلاف:
{ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ }
[سُورَةُ هُودٍ: ١١٨]
{ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٩٣]
و المغزى من هذا التمرين البسيط هو ممارسة حرية إبدآء الرأي و محاولة لإعادة قرآءة و فهم حكمة اللواري السفرية الخالدة:
العفش داخل البص على مسئولية صاحبه!!!...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com