حين أراد الفصل الرابع وسطى في الأحفاد أن يودي العميد بابكر بدري الضل

 


 

 

آن للشيخ للشيخ بابكر بدري أن يرتاح
عبد الله علي إبراهيم
جريدة الصراحة 14 نوفمبر 1950 (سنة صدورها الأولى). الصفحة الأولى

في موالاة لمقالي الأخير "شايب العرب يرعوه البهم" أنشر كلمة من جريدة الصراحة (1950) فيها استرذال كبير للعمر. بعبارة، سعى تلاميذ في مدرسة الأحفاد الوسطى أن "يودو" بابكر بدري، عميد المدرسة، "الضل". وهي ما يحدث للرجل الطاعن في السن المستطيع بغيره. فقد اتفق لهم أن بابكر قد بلغ سن المعاش ولا يريدونه معلماً للغة العربية فيهم. وتعرضوا للعقاب من المدرسة فحملوا شكواهم إلى جريدة الصراحة لصاحبها عبد الله رجب.
لو صح ربطي لكان احتجاج الطلاب من جهة أخرى على أنه كان يقرأ عليه نصوصاً من كتاب "طبقات ود ضيف الله" الحاوي لسير أولياء الله الصالحين وكراماتهم الخارقة. وحدثني ابن عمي عبد الله الشيخ البشير، الذي كان معلماً بالمدرسة، أن سمع الطلاب ربما في وقت لاحق من هذه الحادثة يشكون من بث أستاذهم تلك "الخزعبلات" عليهم. ومؤكد أن الطلاب ضاقوا ذرعاً بالحداثة التي هيأتهم المدرسة لها بتلك الخوارق المجازفة. وقال عبد الله الشيخ إن تلك كانت أول معرفته بالكتاب. ووجدته في ديوانه في قريتنا أم درق القلعة في يوم في 1961 يطالع في كتاب الطبقات. فأخذني مني. وما عدت من البلد إلى عطبرة حتى استلفت الكتاب من مكتبة السكة حديد وسهرت على الاطلاع عليه واقتفاء أثره في كتاباتي الباكرة. ثم عملت مع أستاذنا يوسف فضل حسن في شعبة أبحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم. وكان بدأ تحقيق الكتاب فدربنا على هذا الفن من خلال شغلنا معه. وإذا وجدت هامشاً عن "القيمان" في كتابه فهو من وضعي. وكان عبد الله الشيخ من الانفعال بالكتاب حتى أنه قدم محاضرة عنه لطلابه في مدرسة خور طقت الثانوية في منتصف الستينات. وقالوا إن اسم داخلية "ود ضيف الله" في المدرسة راجع إلى يوم عرفتهم محاضرة عبد الله الشيخ به. واذكر أنني طلبتها منه حين سمعت عنها وقدمتها لأستاذنا يوسف ليستعين بها. وشوف البركة دي التي تناسلت من بابكر بدري الذي أرادت الحداثة أن توديهو الضل.

إلى مقال الصراحة

زارنا أمس فوج من طلاب السنة الرابعة وسطى بمدارس الأحفاد بأمدرمان (وعدد زوارنا 24) وقالوا إنهم كانوا (الفصل كله ويحتوي على 39) قد كتبوا إلى حضرة ناظر المدرسة الأستاذ يوسف بدري يقولون أن أستاذهم الجليل الشيخ بابكر بدري (يوليهم منة ؟؟) تلقين دروس اللغة العربية. ويودون لو أن الشيخ الوقور قد وفر جهوده من أجل مهام الأمور والسياسة العليا للمدرسة التي هي أحوج إليه وتكليف مدرس آخر بأداء هذه المهمة عنه. وهي شاقة على الأستاذ الجليل بعد جهاده المرير الذي قارب القرن.
وكان رد إدارة المدرسة أنه ليس للطلاب التدخل في إدارة المدرسة. وقد رُفعت هذه القضية من قبل إلى "الصراحة" فأحست بالحرج فيها. ولكن شيخنا وهيئة التدريس بمؤسسة الأحفاد العظيمة لابد أن يوافقونا على أن لهؤلاء الطلاب قضية. فإن المدرس، كأي موظف في كل مكان بالعالم وفي جميع أطوار التاريخ، يجد الفرصة للتقاعد. ومن الواضح أن هذا ما يجري فعلاً في مدارس الحكومة بالسودان. ولكن ما لا نشك فيه أن المدارس الأهلية أيضاً تخضع لرقابة المعارف لاسيما إذا كانت تتلقى الإعانات ومن درجة العشرين ألف.
إن الأستاذ الجليل الشيخ بابكر بدري يستحق الراحة التامة في شيخوخته العظيمة. ويستحق منا جميعاً أن نحج إليه ونتبرك بلثم يديه ونستلهم القدوة منه. ولكنه رجل مجاهد ينكر على نفسه حياة التراخي والجمود. إن في هذه نفسه قدوة. ولكن ألا يوافقنا إلى أن بمؤسسته العظيمة أعمال كثيرة أخرى تناسب سنه ومقامه؟
إن الأستاذ يوسف بدري معذور في التضحية بطلاب السنة الرابعة وسطى (وقد فصلهم أمس جميعاً) فهو لابد أن يحترم مشيئة والده الوقور ولابد أن يساير سياسة المعارف المثقلة بالإعانات. ولكن هناك عدالة وهناك حقوقاً حتى للأطفال يجب أن ترعي ويعنى بها.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء