البزعي يفتح ملف التنوع الثقافي في السودان
زين العابدين صالح عبد الرحمن
22 June, 2024
22 June, 2024
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن إثارة قضية توجيه المدير العام للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون إبراهيم البزعي إلي إحدى المذيعات بسبب إرتدائها زي الإثنية و استخدام العامية في الرسالة الإعلامية من خلال تلفزيون السودان القومي، تتحول من توجيه إداري حسب نصوص و لوائح الهيئة إلي إثارة حفيظة أثنية، كأن القصد الهدف منه هو التقليل من شأن الأثنية و عدم إبراز ثقافتها.. و مرجعية الخلاف ليس هو إبراهيم البزعي المناط به أن يطبق و يقف إلي جانب القانون و اللوائح التي تحكم سير العمل في المؤسسة التي يديرها، أنما الإشكالية تقع على القيادات السياسية و خاصة الدكتور جون قرنق الذي قذف من خلال منفستو الحركة الشعبية عام 1983م بمصطلح " التنوع الثقافي في السودان" دون أن يوضح ماهيته، و كيف أن يطبق و يتم التعامل مع هذا المصطلح، في بيئة تعودت أن تقبض على الشعار دون أن تحاول أن تفهمه و ترسم خطط لتنزيله فى الواقع.. ثم أصبح الشعار يحجز مكانته في كل الخطابات لقيادات القوى السياسية على مختلف تياراتها و مدارسها الفكرية، و أيضا المثقفين الذين ينشدون التقرب و التملق للسياسيين..
إذا كانت القضية مرتبطة باحترام ثقافة الإثنيات في السودان، و التنوع الثقافي يصبح إبراهيم البزعي رائدا لهذه التوجه ليس لأنه مديرا للهيئة و لكن من خلال البرامج الثقافية التي قدمها سنين طويلة في الإذاعة السودانية " بليلة مباشر – و كيف قيلتو" التي كانت مدخلا حواريا لكل باحث و دراس للثقافة السودانية الشعبية بكل تمظهراتها.. أن كل الذين يتظاهرون ضده حبا لإثنيتهم لم يقدموا لهذه الإثنية كما قدم لها البزعي، و كل القيادات السياسية التي حاولت أن تستغل الحادثة قد خاب فألها.. أتذكر عندما تم تعين البزعي مديرا للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م خرجت بعض الأبواق تتهم البزعي بأنه صنيعة الإنقاذ، رغم أن البزعي تم تعينه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.. عندما جئت منقولا 1980م من قسم الدراسات و البحوث في وزارة الثقافة و الإعلام للإذاعة، كان البزعي موجودا في الإذاعة.. و أتذكر أنني كتبت مقالا نشر في السودان قلت فيه أن الذين يتهمون البزعي بأنه صنيعة الإنقاذ.! لا يعرفون الرجل الذي يعد أحد إبرز الرموز الثقافية في السودان، لما قدمه لهذه الثقافات المتنوعة. و لكن هؤلاء كانت عيونهم على الوظيفة فقط، و يحاولون شيطنة تعين البزعي في الوظيفة..
أتذكرأيضا في النصف الثاني من عقد ثمانينيات القرن الماضي كان إبراهيم البزعي مديرا لإذاعة كسلا، و كان بحكم وظيفته قد طلب أن يرسل إليه أحد المحررين في إدارة الأخبار لتدريب عدد من العاملين في اقسام العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية في الولاية، و تم اختياري و ذهبت و مكثت شهرا في إذاعة كسلا.. كان بالقرب من الإذاعة في ذلك الوقت جدول كبير و عريض بني لكي يصريف مياه الخريف، و بعد الخريف يستغل من قبل الباعة خاصة الذين يبيعون " الشاي و القهوة" و كان هؤلاء يبدأون عملهم في الخامسة صباحا، و ذهبت هناك عدة مرات، كان الباعة من اثنيات مختلفة، و لفت نظري كيف يضع آهل البجا و المكونات الأخرى الخلال في الرأس، و في نقاش مع البزعي قال إلي أنت بتحكي إلي لماذا؟ أحضر هؤلاء و سجل معاهم.. ثم استدرك و قال اليوم أريد أ، اعرفك بأهم مثقفي هذه المنطقة و اكان أبرزهم لأستاذ الراحل " محمد عثمان كجراي" الذي كان يعمل في وزارة الإعلام بالولاية و أصبح مكتب كجراي طوال اليوم جلسات للحوار المتواصل، و كنت قد أثرت معه قضية التنوع الثقافي، و تسجيل حلقات عن الخلال للإذاعة باعتبار أن هناك قصص و حكايات تروى عن الخلال. و بالفعل سجلنا خمس حلقات و تمت إذاعتها في إذاعة "كسلا" و أيضا في إذاعة "صوت الأمة" لأنني بعد ما اعطيتها للسر محمد عوض رئيس قسم المنواعات في الإذاعة جاء سيف الدين السوقي و أخذها ل"صوت الإمة" لا اعرف شخص مثل البزعي بهذه الأريحية و الانفتاح الثقافي أن يعادي أو يكون متهما بأنه لا يقبل إشارات و رموز لثقافة أثنية، و اعتقد لولاء هذه الوائح و القوانين كان قلب البزعي مباني التلفزيون القومي لمبنى فلكلوري لحبه و عشقه للثقافة الشعبية، لذلك لا يمكن أن يسيء البزعي لثقافة إثنية أو حتى يتجاهلها..
أن إشكالية السودان في الحقيقة تقع على عاتق قلة المفكرين في الوسط السياسي الذين يحولون الشعار كفكرة إلي مشروع مفصل قابل للتنزيل على الأرض، حيث أصبحت البلد مليئة بالناشطين السياسيين ذوي القدرات المتواضعة، و هؤلاء لا يملكون أي رؤية لكيفية تقديم مصطلح مع خطة لتطبيقه، مثل شعار " التنوع الثقافي في البلاد" هذه حقيقة مؤكدة أن البلاد تنعم بتعدد و تنوع ثقافي يتجاوز الخمسين ثقافة، و المسألة ليست الاعتراف بها فقط، و لكن كيف تجد هذه الثقافات الرعاية و الاهتمام من قبل الدولة لكي تتفتح زهورها في البستان الوطني مع بقيت الزهور الأخرى؟ و الآن البزعي يفتح ملف مصطلح " التنوع الثقافي في السودان" ليس على مائدة سياسية و لكن كحوار ثقافي تشارك فيه مجموعات المثقفين السودانيين للإجابة على سؤال: كيف يمكن أن يتم التعامل مع المصطلح و تنزيله على الأرض بالصورة التي ترضي آهل كل الثقافات؟ و أيضا هذه الثقافات يجب أن تخلق وجدانا وطنيا واحدا.. و اعتقد من أهم المساهمين في ذلك هو الأخ إبراهيم البزعي بصفته أحد ركائز الثقافة الشعبية و الوطنية في البلاد. و نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
أن إثارة قضية توجيه المدير العام للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون إبراهيم البزعي إلي إحدى المذيعات بسبب إرتدائها زي الإثنية و استخدام العامية في الرسالة الإعلامية من خلال تلفزيون السودان القومي، تتحول من توجيه إداري حسب نصوص و لوائح الهيئة إلي إثارة حفيظة أثنية، كأن القصد الهدف منه هو التقليل من شأن الأثنية و عدم إبراز ثقافتها.. و مرجعية الخلاف ليس هو إبراهيم البزعي المناط به أن يطبق و يقف إلي جانب القانون و اللوائح التي تحكم سير العمل في المؤسسة التي يديرها، أنما الإشكالية تقع على القيادات السياسية و خاصة الدكتور جون قرنق الذي قذف من خلال منفستو الحركة الشعبية عام 1983م بمصطلح " التنوع الثقافي في السودان" دون أن يوضح ماهيته، و كيف أن يطبق و يتم التعامل مع هذا المصطلح، في بيئة تعودت أن تقبض على الشعار دون أن تحاول أن تفهمه و ترسم خطط لتنزيله فى الواقع.. ثم أصبح الشعار يحجز مكانته في كل الخطابات لقيادات القوى السياسية على مختلف تياراتها و مدارسها الفكرية، و أيضا المثقفين الذين ينشدون التقرب و التملق للسياسيين..
إذا كانت القضية مرتبطة باحترام ثقافة الإثنيات في السودان، و التنوع الثقافي يصبح إبراهيم البزعي رائدا لهذه التوجه ليس لأنه مديرا للهيئة و لكن من خلال البرامج الثقافية التي قدمها سنين طويلة في الإذاعة السودانية " بليلة مباشر – و كيف قيلتو" التي كانت مدخلا حواريا لكل باحث و دراس للثقافة السودانية الشعبية بكل تمظهراتها.. أن كل الذين يتظاهرون ضده حبا لإثنيتهم لم يقدموا لهذه الإثنية كما قدم لها البزعي، و كل القيادات السياسية التي حاولت أن تستغل الحادثة قد خاب فألها.. أتذكر عندما تم تعين البزعي مديرا للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م خرجت بعض الأبواق تتهم البزعي بأنه صنيعة الإنقاذ، رغم أن البزعي تم تعينه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.. عندما جئت منقولا 1980م من قسم الدراسات و البحوث في وزارة الثقافة و الإعلام للإذاعة، كان البزعي موجودا في الإذاعة.. و أتذكر أنني كتبت مقالا نشر في السودان قلت فيه أن الذين يتهمون البزعي بأنه صنيعة الإنقاذ.! لا يعرفون الرجل الذي يعد أحد إبرز الرموز الثقافية في السودان، لما قدمه لهذه الثقافات المتنوعة. و لكن هؤلاء كانت عيونهم على الوظيفة فقط، و يحاولون شيطنة تعين البزعي في الوظيفة..
أتذكرأيضا في النصف الثاني من عقد ثمانينيات القرن الماضي كان إبراهيم البزعي مديرا لإذاعة كسلا، و كان بحكم وظيفته قد طلب أن يرسل إليه أحد المحررين في إدارة الأخبار لتدريب عدد من العاملين في اقسام العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية في الولاية، و تم اختياري و ذهبت و مكثت شهرا في إذاعة كسلا.. كان بالقرب من الإذاعة في ذلك الوقت جدول كبير و عريض بني لكي يصريف مياه الخريف، و بعد الخريف يستغل من قبل الباعة خاصة الذين يبيعون " الشاي و القهوة" و كان هؤلاء يبدأون عملهم في الخامسة صباحا، و ذهبت هناك عدة مرات، كان الباعة من اثنيات مختلفة، و لفت نظري كيف يضع آهل البجا و المكونات الأخرى الخلال في الرأس، و في نقاش مع البزعي قال إلي أنت بتحكي إلي لماذا؟ أحضر هؤلاء و سجل معاهم.. ثم استدرك و قال اليوم أريد أ، اعرفك بأهم مثقفي هذه المنطقة و اكان أبرزهم لأستاذ الراحل " محمد عثمان كجراي" الذي كان يعمل في وزارة الإعلام بالولاية و أصبح مكتب كجراي طوال اليوم جلسات للحوار المتواصل، و كنت قد أثرت معه قضية التنوع الثقافي، و تسجيل حلقات عن الخلال للإذاعة باعتبار أن هناك قصص و حكايات تروى عن الخلال. و بالفعل سجلنا خمس حلقات و تمت إذاعتها في إذاعة "كسلا" و أيضا في إذاعة "صوت الأمة" لأنني بعد ما اعطيتها للسر محمد عوض رئيس قسم المنواعات في الإذاعة جاء سيف الدين السوقي و أخذها ل"صوت الإمة" لا اعرف شخص مثل البزعي بهذه الأريحية و الانفتاح الثقافي أن يعادي أو يكون متهما بأنه لا يقبل إشارات و رموز لثقافة أثنية، و اعتقد لولاء هذه الوائح و القوانين كان قلب البزعي مباني التلفزيون القومي لمبنى فلكلوري لحبه و عشقه للثقافة الشعبية، لذلك لا يمكن أن يسيء البزعي لثقافة إثنية أو حتى يتجاهلها..
أن إشكالية السودان في الحقيقة تقع على عاتق قلة المفكرين في الوسط السياسي الذين يحولون الشعار كفكرة إلي مشروع مفصل قابل للتنزيل على الأرض، حيث أصبحت البلد مليئة بالناشطين السياسيين ذوي القدرات المتواضعة، و هؤلاء لا يملكون أي رؤية لكيفية تقديم مصطلح مع خطة لتطبيقه، مثل شعار " التنوع الثقافي في البلاد" هذه حقيقة مؤكدة أن البلاد تنعم بتعدد و تنوع ثقافي يتجاوز الخمسين ثقافة، و المسألة ليست الاعتراف بها فقط، و لكن كيف تجد هذه الثقافات الرعاية و الاهتمام من قبل الدولة لكي تتفتح زهورها في البستان الوطني مع بقيت الزهور الأخرى؟ و الآن البزعي يفتح ملف مصطلح " التنوع الثقافي في السودان" ليس على مائدة سياسية و لكن كحوار ثقافي تشارك فيه مجموعات المثقفين السودانيين للإجابة على سؤال: كيف يمكن أن يتم التعامل مع المصطلح و تنزيله على الأرض بالصورة التي ترضي آهل كل الثقافات؟ و أيضا هذه الثقافات يجب أن تخلق وجدانا وطنيا واحدا.. و اعتقد من أهم المساهمين في ذلك هو الأخ إبراهيم البزعي بصفته أحد ركائز الثقافة الشعبية و الوطنية في البلاد. و نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com