ابن المقفع والعلاقة التكافلية بين البرهان وحميدتي التي أشعلت حرباً أهلية في السودان

 


 

 

د. عبد المنعم مختار
أستاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

"ومن كان إنما يصول على الناس بقوم لا يعرف منهم الموافقة في الرأي والقول والسيرة، فهو كراكب الأسد الذي يوجل من رآه، والراكب أشد وجلاً." – ابن المقفع في "رسالة الصحابة"

إن تمدد قوات الدعم السريع تحت قيادة البرهان لم يكن مجرد نتاج لزمالة السلاح بينه وبين حميدتي في ساحات القتال بدارفور واليمن، بل كان الأمر أعمق وأكثر تعقيدًا. إن قادة الجيوش في بلادنا، مثلهم مثل القادة المدنيين، غالبًا ما يميلون إلى التحالفات المؤقتة التي تخدم مصالحهم الآنية. أدرك البرهان، على غرار سلفه البشير، إمكانية تسخير قوة الدعم السريع بقيادة حميدتي لتعزيز موقعه وتحصين نفسه من أي محاولة انقلاب من داخل الجيش. لذلك، كان شعاره الضمني: "لست قائدًا عامًا عاديًا يمكن التخلص منه بسهولة بانقلاب داخل الجيش، بل حليف لقوة عسكرية مستقلة خارج إطار الجيش النظامي."

لكن حميدتي، الذي أظهر تمردًا مبكرًا على الجيش في عام 2007 إثر تهميشه بعد توقيع اتفاق أبوجا للسلام، لم يكن أداة طيعة في يد أي سلطة. فقد تمرد على البشير ثم ابن عوف خلال يومين متلاحقين في 2019، مما أدى إلى إقصائهما، وهو ما يعكس حقيقة أن ولاءه لم يكن سوى لمصالحه الخاصة ومصالح من يدينون له بالولاء القبلي والريعي، مما جعله يتحرك وفق منطق القوة والفرص المتاحة له.

هذا الواقع يعكس تمامًا ما وصفه ابن المقفع، إذ إن الاعتماد على قوة خارجية قد يمنح الحاكم شعورًا بالقوة المؤقتة، لكنه في الحقيقة يزيد من هشاشته. اعتقد البرهان أن قوات الدعم السريع ستكون سنده في مواجهة خصومه داخل الجيش من الإخوان المسلمين ومن غيرهم من المنافسين، إلا أن هذه العلاقة كانت دائمًا قابلة للانفجار، كونها قائمة على تحالفات مؤقتة ومصالح متغيرة.

اعتماد البرهان على قوات الدعم السريع لم يكن مجرد استغلال لزمالة سابقة في ميادين القتال، بل كان نتيجة لإدراكه أن حميدتي يمتلك قوات مدربة ذات خبرة ميدانية، خاصة من خلال صراعات دارفور واليمن، وهي قوات أثبتت كفاءتها في العمليات القتالية. هذا جعل البرهان يرى في حميدتي شريكًا استراتيجيًا يمكن الاعتماد عليه في تعزيز نفوذه. بالمقابل، قام البرهان بتوسيع مهام قوات الدعم السريع وتركيز سلطات إدارتها في يد حميدتي من خلال تعديل قانون قوات الدعم السريع بعد حوالي شهر من فض اعتصام القيادة العامة، وهو ما اعتبره البعض مكافأة لحميدتي على تعاونه. وتبع هذا التعديل تعديل آخر أكثر خطورة، حيث ألغى البرهان المادة 5 من القانون، مما ألغى الحالات التي تخضع فيها قوات الدعم السريع لقانون القوات المسلحة، وسحب من رئيس الجمهورية صلاحيات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية حتى دون موافقتها. بهذا التعديل، وغيره من الإجراءات، أطلق البرهان عنان قوات الدعم السريع ونقل لجامها من رأس الدولة إلى رأس المليشيا.

ومع ذلك، كانت هذه العلاقة محكومة بالمصالح المؤقتة والمخاطر المتأصلة. فعندما شعر حميدتي بأن مصالحه الشخصية والقبلية والدارفورية قد تتعرض للخطر، لم يتردد في التمرد على القيادة المركزية، مما يؤكد أن الاعتماد على قوة خارجية وغير موالية تمامًا للجيش النظامي كان مغامرة خطيرة.

تمرد حميدتي في 2007 و2019 يظهر بوضوح استعداده للتخلي عن أي ولاء للنظام المركزي إذا ما شعر بأن ذلك يهدد مصالحه الشخصية أو القبلية أو الجهوية. هذا التمرد يعكس طموحه الذي يتجاوز كونه مجرد قائد تقليدي لمليشيا حكومية، بل يسعى لتعزيز نفوذه العسكري والسياسي على حساب السلطة المركزية.

قدم د. سلمان محمد أحمد سلمان في 20 سبتمبر 2024 عرضًا مفصلًا بعنوان "دور ومسؤولية البرهان في بروز وتمدّد حميدتي وقوات الدعم السريع"، ولا مزيد عليه. لكننا في مقالنا هذا رصدنا الدوافع الرئيسية والمسهلات الفرعية التي دفعت البرهان لإقامة علاقة تكافلية مؤقتة مع حميدتي، وهي الاستقواء بأسد حميدتي، رفيق الميدان في دارفور واليمن، ضد رفقاء السلاح في الجيش.

التاريخ لن ينسى كيف فرط البرهان في الأمن القومي السوداني، متمسكًا بسلطته على حساب سلامة أربعة عشر ولاية سودانية وأهلها الطيبين، بينما تستمر ألسنة الحرب في الاشتعال، مهددة بتوسيع رقعة الدمار.

 

 

آراء