مُذَكِّرَاتُ مُغتَرِبٍ في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٢١)

 


 

 

كانَ العامُ الدِّرَاسي ٢٠٠٢ - ٢٠٠٣م بِمُجمَلِه نُقطةَ تَحَوُّلٍ كبيرةً وحافلاً بأحداثٍ جِسام . بَدَأ كما العادَةُ بالانْشِغالِ بالحِصَص وجَداولِ الحِصَص . لمْ تكُنْ هُنالِك رَتابَةٌ ولا مَلل لأنّني كنتُ مُنهَمِكاً بالدِّراسةِ والعَمل . فقد كانَ فَراغي مَملُوءاً وَوقْتي ثَمِيناً أستَغِلُّ كلَّ ساعةٍ لأقطعَ شَوطاً بعيداً في مِشوارِ الماجستير . وقد كان مديرُ المدرسةِ الأُستاذُ فارس السُّبَيعي رَجُلاً مُتَفَّهِماً لمْ يُكلِّفني بِعملٍ إضَافي بل أعْفاني مِن شَغلِ حِصص الانتِظار التي يُكَلَّفُ بها المُدرِّسون الحاضِرون عن الغائِبين . حَلَّ علينا شهرُ رمضان الكَرِيم وكانتْ العَشرَةُ الأواخِرُ منه عطلةً تُضافُ إلى أيَّامِ العِيد فَتُصبِحَ أُسبُوعين . كُنّا نَستَغلُّ هذه الانفِراجةَ بالسَّفر - ومعي الأُسرَة - إلى مكةَ المُكرَّمة لأدَاءِ العُمرة والتَّمتُّع بالبَقاءِ في الحَرَم لبِضعةِ أيّامٍ نَكنِزُ فيها مِن الصَّلوات والحَسَناتِ ما نَسطِيع . ثُّم نَتَوجهُ تِلقاءَ المَدِينةِ المُنوَّرة في ليلةِ العيدِ لنَدخُلَها قبلَ أذانِ الفَجرِ فنَستَعِدَّ لصلاةِ العيد بالاغتِسالِ وتَبديلِ المَلابِس ثمَّ نصعدُ إلى الحَرم النَّبوي فنُصَلي الفجرَ مع إمامِ الحرمِ ثم نَظلُّ في تَسبِيحٍ وتَهلِيلٍ وتَكبِيرٍ حتى يَحِينُ مَوعدُ صلاةِ العيد وخُطبتُه .
ثم نذهبُ بعد انتهاءِ صلاةِ العيد لِنبحَثَ عن سكنٍ نَستأجِرُه قريباً من الحرمِ النَّبوي الشَّريف لنَحظَى بأداءِ كُلِّ الصَّلواتِ في الحرمِ فَنَكنِزَ كذلك من الصَّلواتِ والحَسَناتِ أضعافاً أخرَى فيما تَبّقّى لنا من أيام عطلة عيد الفطر المبارك . كان ذلك دَيدَنُنا مُنذُ سنينَ عَدِيدةٍ حَرِصْنا وَواظَبنا عليه سَنويّاً بِفضلِ الله ورحمتهِ وأعانَنا عليه جَودةُ الطُّرقِ السَّريعةِ التي تربِطُ بين المَنطِقة الشَّرقيةِ والغَربِية من المملكة العربية السعودية . وقد حَلَّتْ علينا والدةُ الأستاذة أسماء زين العابدين - حَرمُنا المَصُون - ضيفةً عند ابنِها الباشمهندس حسين في الرِّياض ، فالتأمَ شَملُنا جَميعاً في المدينة المنورة . في طريقِ العَودةِ قَضَينا معهم يوماً وليلةً في الرياض ثم غادَرْنا إلى الجُبيل على أملِ أنْ نَستَقبِلَ الحاجّة بَتول أم أسماء بعد أسبوعين تقضيهما مع ابنها في الرياض . وصلنا دارَنا في الجبيل بحمدِ الله وتَوفِيقهِ سالِمين غانِمين . لمْ نمكثْ أطولَ من يومٍ وليلةٍ - كذلك - حين شَدَدْنا الرِّحالَ إلى الخَفجِي لنُبارِك لأخِينا وصَدِيقنا الأستاذ عادل العمدة قُدُومَ مَولُودِه الجَدِيد أُسامَة وكُنّا قد أجَّلنَا هذه المَهمّة إلى حين العَودةِ من الأرَاضي المُقَدَّسة وقبلَ انطِلاقِ الفَصلِ الدِّرَاسي الثَّاني .
قَضَينا يَومَين كامِلين في ضِيافةِ ود العمدة وزَوجَتِه سَوسَن وأبْنائِه البَرَرة أحمد وأمجد وياسر وقد تَرعْرَع هؤلاء معاً وأبنائي أُسامة وعُمر في تحلية الجبيل أيامَ طُفُولتِهمُ الجَمِيلة .
تَحَرَّكنا - بعد أنْ مُنِحْنا الإذنَ بالمُغادَرةِ وقُلنا وَدَاعاً - عَقِبَ صلاةِ المغربِ مُباشَرةً . خَرَجْنا من الخفجي في جَوٍّ جَمِيلٍ ورَائِق . لمْ نَكَدْ نقطعُ ٤٠ كم من المَسَافةِ التي تَبلُغُ ٢٢٧ كم حتى وَقَعَ ما لمْ يَكُنْ في الحُسْبَان .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء