هل أورثنا الغزو التركي المصري داء العنصرية؟

 


 

 

إذا اكتفى الإنسان بالنظر إلى ظاهر الأشياء لن يجد سبباً مُقنِعاً لتفسير ما ظلَّ يحدث في السودان منذ استقلاله. فهذا بلد، بِحُكم مساحته الواسعة وموارده الطبيعية الغنيّة وعدد سكانه المحدود نسبياً لا يجب أن يكون مطلب العيش فيه لمواطنيه بتلك الصعوبة التي تقودهم إلى التقاتُل. وهو أيضاً بلد يعتقد معظم من احتكّ بأهله من خارجه، أنَّ غالبهم يتّسِمون بالسماحة والشهامة والطيبة، يأنسون بالناس ويأنس الناس بهم. ومع ذلك، استمرّت النزاعات المُسلّحة مُستعرة فيه منذ استقلاله، ما خلا فترة السنوات العشر التي تلت إبرام اتفاقية أديس أبابا للسلام في جنوب السودان في أوائل السبعينات من القرن المنصرم. واكتست طابعاً عدمياً في الحرب الحالية التي أوغل المشاركون فيها في سفك الدماء وتدمير المرافق المدنية بما فيها الجسور والمستشفيات ومحطات الكهرباء والأسواق ونهب بيوت وسيارات وأموال المدنيين. وصاحب كُلَّ ذلك، تصاعد في خطاب العنف والكراهية وتنامي المُمارسات العنصرية وارتكاب فظائع من الجانبين المتقاتلين بحقِّ الأسرى لديهما وتوثيقها في فيديوهات بصرية مُتاحة في وسائط التواصل الاجتماعي.
لقد انصبَّ تركيز المُهتمّين بالشأن العام من السودانيين، في تحليلهم للتطوّر المأساوي للأوضاع في الدولة السودانية المُستقلّة على عناصر الإخفاق المُتعارف عليها تقليدياً المُتمثِّلة في: الدور السالب للحُكم العسكري المُتطاوِل بقمعه للحُرِّيّات واستشراء الفساد تحت ظله، والطائفية التي أعاقت تطوّر الحزبين السياسيين الكبيرين، والتكلفة الباهظة لنموذج الحُكم الديني بعد انقلاب يونيو 1989 الذي لم يجد أربابه فيه مكاناً للديمقراطية والحُرِّيّات ليتحوّل المؤمن القوي في نظرهم إلى المؤمن المُستبدّ. ويضاف إلى هذه العناصر، الصراع الذي استجدَّ على موارد البلد الطبيعية في غياب رؤية وخطط تنموية وطنية راشدة وفتح السُلطات الباب للتدخُّلات والأطراف الخارجية للاستحواذ عليها.
وبالطبع، لا ينبغي لأحد التقليل من الدور المُهمّ الذي تلعبه العوامل والعلاقات الاقتصادية والاختلافات السياسية والفكرية في الصراع على السلطة والثروة في أيِّ بلد. ولكِنَّ الاقتتال المُستمرّ لعقود طويلة بين أبناء البلد الواحد في ربوع ذلك البلد، وتحوّله إلى صراع وحشي يُدمِّر المرافق المدنية والبنية الأساسية، ويستهدف المدنيين على أُسُس جهوية، ويتسبّب في نزوح الملايين من مناطق عيشهم، يتجاوز ما ينتج عادة عن الصراع التقليدي على الموارد والنفوذ حتى في أكثر الدول همجيّة. ولقد لاحظ الجميع أنّ هناك للأسف درجة قصوى من عدم الاكتراث عند حملة السلاح بما يجري للمواطنين العاديين، خاصة إذا كانوا محسوبين حقيقة أو توهُّماً كمناصرين للطرف العدو، واِقتِران ذلك بخطاب كراهية يخاطب أكثر مناطق النفس البشرية ظلاماً.
هل تُفسِّر العنصرية إذاً بشاعة ما يحدُث في السودان، وقبل ذلك، ما هي العنصرية؟ لنبدأ بالإجابة على الشِّقِّ الثاني من السؤال، فالعنصرية مُفردة ملغومة ومشحونة بالمعاني ولذلك يجب على من يكتب أو يتحدّث عنها أن يوضح ما يقصده بها. كذلك فإنّ التفسيرات والأحكام المبنيّة عليها لا يُمكن لأحد أن يدّعي لها الدِقّة والشمول، فنحن نتحدّث هنا عن غوامض النفس البشرية التي لا يُمكن الوصول إلى استنتاجات بشأنها في سياق له انتظام المُعادلات الرياضية، فالإنسان به جانب عقلاني وآخر غير عقلاني تزداد سطوته في أوقات الخطر والتحشيد والحروب.
بالنسبة إلى ما أنا بصدَده، فإنّ التعريف التالي للعنصرية الذي أورده قاموس كامبريدج هو الأكثر دلالة من غيره على ما أعنيه بها:" العنصرية هي الأشياء المؤذِّية أو غير المُنصفة التي يقولها أو يفعلها أو يفكر فيها الناس استناداً إلى أنّ جذورهم العرقية تجعلهم أكثر ذكاءً وفضلاً واستقامة أخلاقية من الناس الذين ينتمون إلى أعراق أخرى."
وفي هذا السياق، بينما قد تقتصر شرور العنصرية في وقت السلم على جانب التحقير والإذلال الشخصي لفرد أو لمجموعة من الأفراد من مُنطلقات الازدراء بجذورهم، إلا أنّها في الأزمنة المُظلمة تتحوّل إلى خطاب الكراهية كثيف الانتشار الذي ينتقص من إنسانية الضحايا تمهيداً للتنكيل بهم وتشريدهم وقتلهم وفي الحالات القصوى إبادتهم. وكما قال الكاتب الإيطالي الناجي من الهولوكوست، بريمو لفي:" من الأسهل بكثير ارتكاب الفظائع ضد الذين تمّ تجريدهم من إنسانيتهم". ألم يشاهد العالم أجمع كيف تبارى كبار مسؤولي الحكومة الإسرائيلية في وصف الفلسطينيين بالحيوانات، قبل انخراط الجيش الإسرائيلي في المقتلة التي ما زالت جارية في غزة؟
بالعودة لدور العنصرية فيما ظلّ يحدث في السودان، أبدأ بالاعتراف بأنّي لست مؤرِّخا ولا باحثاً مُختصّاً في هذه المسألة الشائكة، أو بالأحرى حقل الألغام هذا الذي يتحاشى الكثيرون الاقتراب منه عملاً بالحكمة القائلة: أترك الكلاب النائمة مُستلقية. كلُّ ما لديّ هو قراءة أو قُلْ فرضيّة لست واثقاً أنا نفسي من تمام صِحًّتها، أطرحها هُنا على أمل أن يتناولها من هو أقدر مني ليصنع منها حواراً يُسهم في جهود تجنيب بلدنا شرور تمزُّق النسيج الاجتماعي التي تكتنفها الآن.
تقوم فرضيّتي من ناحية، على أنّ الغزو التركي المصري في القرن التاسع عشر هو الذي حقن سمّ العنصرية في أوردة المجتمع السوداني، عندما أعلن دون مُواربة أنّ هدفه من احتلال البلد الذي سيُعرف بعد ذلك باسم السودان هو الحصول على العبيد والذهب. ومن ناحية أخرى، على أنّ أنظمة الحكم الوطنية المُتعاقبة وقوى حراكنا السياسي والاجتماعي وجامعاتنا ومعاهدنا أغفلت الدراسة الجادّة ووضع المعالجات الكفيلة برتق الشروخ الاثنية والجهوية التي ترتبت على ذلك الغزو. وبذلك، أخفقت في تحقيق مصالحة سياسية واجتماعية وفوق ذلك وجدانية بين الشعوب السودانية تُساهم في غرس محبة هذا البلد الكبير وكافة أهله في نفوس جميع أبنائه.
لا يعني ما تقدمّ، أنّ ممالك البلد القديمة انتهاء بالسلطنة الزرقاء التي أطاح بها الغزو التركي المصري لم تعرف الاسترقاق. ولكِنّ تحوّل الرِقّ إلى نشاط تجاري ضخم قائم، في اتِّساع نطاقه وإلغائه لآدمية المسترقين، على نمط تجارة الرقيق في غرب افريقيا الى القارتين الأمريكيتين، تمّ في عهد الغزو التركي المصري.
في البداية كما هو معلوم، حاول أهل شمال وأواسط السودان مُقاومة الغزاة، ولكِنَّ التفوّق النوعي في السلاح لدى الأخيرين حسم الأمر لصالحهم. وأعقب ذلك انخراط بعض أهل الشمال والوسط في حملات الاسترقاق التركية المصرية التي مثّلت أحد الهدفين الرئيسيين للغزو. ولقد تركّزت تلك الحملات على السكان في مناطق الجنوب وبعض المناطق الغربية بسبب عامل ضعف أو غياب المعرفة باللغة العربية لديهم، وانعزال مناطقهم، وأنّهم الأكثر سواد بشرة من باقي سكان البلد لقلة اختلاطهم بالأجانب. وتنبغي الإشارة هُنا، إلى أنّ كلمة الأسود ما زالت تُستخدم بطريقة غير رسمية حتى اليوم كمُرادِف لكلمة العبد في بعض البلاد العربية. وبالإضافة الى ذلك، فقد استند غزو تلك المناطق على الافتراض صدقاً أو تحايلاً بأنّ أهلها هُم من غير المسلمين، إذ من المُفترض دينياً أن يحجم الغزاة عن استرقاق المسلمين.
مُجمل القول إنّه جرى تحت نير الغزو التركي المصري، تجريد ضحايا حملات الاسترقاق في السودان من إنسانيتهم، وتحويلهم إلى سلع ومعاملتهم كما تعامل الحيوانات والسلع الأخرى كالعاج والأبنوس تماماً كما جرى في إطار تجارة الرقيق المُرعبة عبر المحيط الأطلنطي. وبطبيعة الحال، وكما هو متوقع في مثل هذه الظروف، نتج عن هذه التطورات نشوء حالة من التفاوت في التراتُب المجتمعي في السودان وحدوث قدر ملحوظ من التباعد الوجداني والاستقطاب بين كُتلتي أبناء الشمال والوسط وأبناء القبائل التي وقعت عليها جرائم الاسترقاق.
وكما هو معلوم، ضاق أهل السودان ذرعاً بالحكم التركي المصري المُمعِن في جوره واستبداده وفساده، وتوحّدوا تحت راية المهدي لاقتلاعه من أرض السودان في تحالف عريض أهمّ قوامه القبائل العربية في كردفان ودارفور من جهة، ومعظم أهل شمال وأواسط وشرق السودان من جهة أخرى. ولكِنّ ذلك التحالف تصدّع بعد تولِي الخليفة عبد الله التعايشي الحكم، أو تولِي إساءة الحكم في الحقيقة، ثم أخذ في الانهيار مع تصاعد الاستقطاب الاثني بين قبائل الغرب العربية الداعمة للخليفة عبد الله، وأهل الشمال والوسط والشرق، ولعبت مقتلة المتمة دوراً رئيسياً في زيادة الاحتقان. وبذلك أضيف إلى ضلعي التباعد الوجداني والاستقطاب السابقين، ضلع جديد تمثله القبائل العربية في كردفان ودارفور ليكتمل مُثلّث التنافر الذميم.
منذ ذلك الوقت، وطوال سنوات الاستعمار الإنجليزي وأنظمة الحكم الوطني المتعاقبة بعد الاستقلال لم تتمّ محاولة جدِّية تذكر، سياسية أو اجتماعية أو أكاديمية، لاستجلاء ورتق الفتق الذي أحدثه الغزو التركي المصري في النسيج المجتمعي السوداني، لتبقى تيارات الاستقطاب بين المجموعات الثلاث المذكورة كامنة تحت السطح. ولا يُعدُّ تحاشِي السياسيين والأكاديميين الخوض في مستنقع هذا النوع من القضايا الشائكة المُثيرة للجدل التي قد تجر لهم المتاعب أمراً مُستغرباً في الحقيقة. وربما شفع لهم قليلاً أنّ بعضهم كان يعتقد أّنّ الزمن والتعليم والتطوّر المجتمعي والحكم الراشد كلّها كفيل بطيّ صفحة الماضي الأسيف.
وفي الحقيقة، ولسنوات طويلة، وباستثناء النزاع المُسلّح في الجنوب، بدا ظاهرياً أنّ ذلك هو ما قد يحدث، حتى غشِي البلاد ليل الإنقاذ الحالك الذي حوّل حرب الجنوب إلى حرب جهادية انتهت بالانفصال. ولقد استمرّ في عهد الإنقاذ مُسلسل حروب التدمير الذاتّي في غير الجنوب، بل واكتسى طابعاً خطيراً باستخدام المقاتلين من القبائل العربية في كردفان ودارفور لدعم الجيش النظامي في حروب دامية ضد الحركات المُسلّحة التي تنتمي عناصرها لما يعرف بالقبائل غير العربية، أو الضلع الثالث في المثلث المذكور، وذلك قبل أن ينفجر كامل البلد في وجه أهله في الحرب المُدمِّرة الحالية.

لا شكّ أنّ الحرب الحالية اندلعت كصراع حول السُلطة، ولكِنّها سرعان ما استصحبت معها كلَّ علل الاستقطاب الاثني والجهوي المُزمنة، وسرعان ما تسيّد مجالها أصحاب النظرة العنصرية ومروجو خطاب الكراهية. وسعى هؤلاء الأشخاص، وهم قِلّة ولكِنّها قِلّة شريرة، لجرَّ الناس الذين تجمعهم بهم الرابطة الجهوية والاثنية لمناصرتهم، مستخدمين في ذلك الآليات التقليدية المُجرّبة لمروجي الكراهية في كلِّ مكان وزمان، كإثارة المخاوف من الآخر الغريب وتحميله مسؤولية ما يجري وتقديمه ككبش فداء، دون أن يتورعوا في سبيل ذلك من اختلاق الوقائع لتشويه صورته وخلط الحقائق بالأكاذيب.
ولحُسن الحظِّ، فإنّ هذه القِلّة الشريرة لم تتمكّن حتى اللحظة من تحقيق هدفها بتحويل الحرب إلى مواجهة عنصرية مكشوفة بين الشعوب السودانية، التي لا علاقة لمعظم المدنيين في أوساطها بالحرب الجارية ولم يستشرهم أحد بشأنها، ولكِن لا ينبغي الاطمئنان إلى استمرار ذلك من تلقائه. فالحرب الداخلية في أيّ بلد، ناهيك عن بلد مازالت به مُستويات مُرتفعة من الأمّيّة وعوامل التخلف، كفيلة بإبراز أسوأ ما في الانسان.
إنّ المطلب الأوّل للمدنيين الذين اكتووا بنيران الحرب هو إيقافها، ولكِنّ تحقيق ذلك ليس بيدهم. الذي بيدهم هو أن يرفضوا خطاب العنصرية والجهوية الذي يروج له دون وازع أطراف من الجانبين المتقاتلين. وفي هذا السياق، لا ُبد لكلّ من له ضمير إنساني وحب للسودان وأهله من كشف ومُناهضة الخطاب العنصري الذميم الذي يستخدم التعابير النازية الروح مثل الزُرقة وعرب الشتات والحواضن الاجتماعية والوُجُوه الغريبة وعيال الجلابة وبقايا المستعمر، وما هو أسوأ من ذلك مما يعفّ القلم عن ذكره. ولرُبما تجدر الإشارة هنا إلى أنّ أمريكا، التي تعرّض فيها السُود لأهوال العبودية والتمييز العنصري لعقود طويلة، شملت مساعي التعافي من لعنة العنصرية لديها الاهتمام بلغة الخطاب العنصري، حيث أصبح استخدام كلمة "نيقرز" التحقيرية لوصف السُود، المُرادفة لكلمة "عبد" عندنا، كفيلاً بالقضاء على مستقبل أيّ سياسي أو مشتغل بالعمل العامّ. وصار يرمز إليها في أيّ حديث أو كتابة بكلمة "النون" دلالة على الحرف الأوّل منها إذ لا يُقبل التفوّه بها في أيّ مجال محترم.
هل تتحمّل أضلاع مُثلّث الاستقطاب المذكورة مسؤولية متساوية في مناهضة سمّ العنصرية الذي تسرب الى الجسد السوداني؟ بالطبع من المُرتجى أن ينبُذ كلُّ عاقل شرور العنصرية في نفسه قبل الآخرين. ومع ذلك، وفي اعتقادي الشخصي، فإنّ العنصرية المُضادة التي تنشأ عند من مُورس ضده التمييز في البداية ليست بنفس الدرجة من الخطر لأنّها جاءت أساساً كردّ فعل وليست أصلية. لذلك أرى أنّه من واجب أبناء الشمال والوسط، وأبناء القبائل العربية في كردفان ودارفور، الاعتراف بالمظالم التاريخية التي حاقت بالشعوب السودانية التي وقع عليها الاسترقاق والتي يرمز اليها بكلمة "الزُرقة" النابية، والاعتذار عنها. كما أنّ على عُقلاء أبناء الشمال والوسط من جهة، وأبناء القبال العربية في كردفان ودارفور من جهة أخرى، بذل ما في وسعهم لإفشال محاولات استثمار الغبائن التاريخية والآنية لتفتيت السودان، خاصة وأن صُناع الكراهية في الجانبين قد كثّفوا، منذ اندلاع الحرب، من جهودهم لدقّ إسفين غليظ بين المجموعتين.
بعد ذلك، وبعد أن تضع هذه الحرب الملعونة أوزارها، لا بُدّ للسياسيين وقادة المجتمع والأكاديميين أهل الاختصاص من النظر بشجاعة وتبصر للشروخ الاثنية التي تعمّقت في الجسد السوداني منذ قدوم الغرو التركي المصري المشؤوم، مروراً بحكم الخليفة عبد الله التعايشي، وانتهاء بعهد الإنقاذ الجهنمي. ولو كُنّا نُحسن وضع وإدارة الأولويات لكان في جامعاتنا كليات أو شُعب لدراسة التنوّع والنزاعات التاريخية في السودان، ولربما كُنّا قد خرجنا بتوصيات رشيدة ومُنصِفة ومقبولة تُبنى عليها سياسات الحكم والإدارة الكفيلة بتفادينا للصراعات المُدمِّرة التي حدثـت. وغنيّ عن القول إنّ نضوج الأمم يقاس بعدم تهيبها لدراسة عللها التاريخية وأخطائها، فذلك وحده هو المفتاح لعلاجها والحيلولة دون تكرارها.
في يقيني الراسخ، إنّنا نملك الإمكانات لإيجاد الحلول للوصول إلى مجتمع مُعافى، مُتصالِحة مكوناته. ونحن لا نحتاج، كما يُقال، إلى إعادة اختراع العجلة، فالصيغ العملية الكفيلة بتحقيق التعايش الذي يحفظ كرامة وحقوق الفرد في مجتمع متنوِّع الأعراق والثقافات معلومة، ولا نحتاج في ذلك إلى مفكرين عظماء لاستنباطها لنا وايجادها من العدم.
ختاماً، من حقّ من سُلِبت أمواله ومقتنياته المشروعة، ومن تعرض إلى مظالم وانتهاكات، الحصول على التعويض وأن يشهد محاسبة المُعتدين. ولكِن يجب ألا تدفعنا الرغبة في الثأر والانتقام إلى الاستعداد لقبول تقسيم البلد، وهو أصلا أمر غير مُمكن لكلِّ من يعرف السودان وتداخل اقوامه بخلفياتهم الاثنية في ارجائه المختلفة معرفة كافية. سنجد في أنفسنا إن أردنا من الشهامة والتسامح والقبول ما يساعدنا على السمو فوق الجراحات والضغائن، وصنع مستقبل أفضل لهذا الوطن العظيم.

محمد حامد الحاج

melhaj@gmail.com

 

آراء