مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٤٢)

 


 

 

عُدنا مِن الجَزيرةِ المَرْوِيَّة بماءِ تُرعِها الرئيسية وطيبةِ أهلِها وخُضرةِ أراضيها بعد أنْ نَهَلنا مِن الوَصلِ والمَودَّة ما استطعنا إليه سبيلا . ثُمّ ما فَتِئنا أنْ دخلنا في زحمةِ العاصمةِ وفوضى المواصلات وضَجِيجِ الأسواق .
عدتُ إلى إجراءاتِ التَّأشيرةِ فبدأتُ بالجوازاتِ وحصلتُ على الموافقةِ أو عدمِ المُمانَعة كما يُسمُونها وقمتُ بتسليمها للوكالة . بعد ذلك بيومين استلمتُ تأشيرةَ الدخول إلى السعودية. ثم ذهبتُ إلى مُجمّع الجوازات ببحري حيثُ أنهيتُ الإجراءَ الأخير وهو تأشيرة الخروج .
ثم ماذا بعد ؟ ليس من عملٍ سوى جولةٍ من الزيارات للأهل والأقارب والأصدقاء بين المدن والقرى في العاصمة المثلثة والجزيرة ود مدني وضواحيها ، خاصةً وأنَّ الإقامةَ في السعودية تختلفُ هذه المَرَّة ولا ترتبطُ بدوامٍ مدرسيٍ وهي مفتوحةٌ على احتمالاتٍ شتَّى . فالمهنةُ فيها " عامِل " بدلاً عن مُعلِّم والكفيلُ فيها مؤسسة صغيرة يملِكُها فرد ، فالرحمةُ والدعواتُ لوزارة التربية والتعليم السعودية على تبَنِيها لنا رَدْحاً من الزَّمانِ والتَّكفُّل بِكُلِّ النفقاتِ تعليماً وصحةً وسفراً وعودةً فرداً وأسرةً لعِقدَين من الزمان . وهكذا اضْطُرِرنا للدُّخولِ في"مَعمَعة" الكفيلِ الفَرد ومؤسساتِه الظالمِ أصحَابُها كما سمِعنا وشهِدنا على مَن دخلوا التَّجرِبةَ إيَّاها وعانَوا مِنها الأمَرَّين .
ظلَلنا نُصولُ ونجولُ - أبنائي وأنا - في ربوعِ السُّودان الأوسَط حتى الأسبوعِ الثاني من سبتمبر ٢٠١٧م . ثم رجَعنا لنَستَقِرَّ في دارِنا المُستأجَرة بالجريف شرق لبعضِ الوقت حتى موعِد سفري - وحيداً - هذه المَرّة في ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧ حسبَ الحجز الذي حصلتُ عليه من الخطوط السعودية من الخرطوم إلى جدة .
ودَّعتُ أسرتي الصغيرة واثنتين من أخواتي كُنَّ في ضِيافتِنا جاءوا إلى المطار ليقولوا وداعاً تصحَبُك السَّلامة.
كانَ في استقبالي بمطارِ جدة ( مطار الملك عبد العزيز الدَّولي ) ابن خالتي أبو عبيدة عثمان الحوري . قضيتُ بِدارِه بضعةَ أيامٍ ثم سافرتُ إلى المدينةِ المُنَّورة لأنعُمَ بالصَّلاة في الحَرَم النَّبوي بِصحبة أخي الحبيب عادل العمدة أياماً أُخَر . تواصلتُ بالهاتف مع المؤسسةِ التي تَكفُلني واسمُها " فرع شركة هندسة الحرم المحدودة " ومقرُها منطقة القَصِيم ، وردَّ عليّ أخٌ سوداني كانَ على رأسِها . ثم بعد التَّرحِيب طلبِ مِني تحويلَ مبلغ ٤٢٠٠ ريال لتَكمِلة إجراءاتِ الإقامة وتصريح العمل . فقلتُ له سوف أوفِّرُها بعد أنْ أصِلَ الرَّياض. غادرتُ المدينة المُنورة بعد أسبوعين تقريباً وحللتُ بالرِّياض مع بنت أختي الدكتورة نسيبة وزوجها الباشمهندس أشرف محمد يوسف. أثناء تواجُدي بالرِّياض تمكَّنتُ من جمعِ المبلغِ المطلوب وقمتُ بتحويله إلى المُدير السوداني وحسابِ فرعِ شركته الذي أرسَله إليَّ . انتظرتُ أياماً مُتلَهِفاً لاستلامِ إقامتي فتَلقَيتُ الصدمةَ الأولى من كفالة الأفراد . أخبرني المدير السوداني أنه قد تمَّ استخراجُ إقامةٍ لي لِمُدة ثلاثة شهور . ولما سألتُه عن السَّبب في أنَّها لم تكُن لمُدة عامٍ كامل ، قال إنَّ المؤسسة عليها"خطأحمر" ! - وماذا يعني ذلك؟
- يعني أنّ عليها مخالفاتٍ ولا يُسمَحُ لها بِمُمارسةِ أي نشاطٍ حسب لوائح مكتب العمل .
ولِمَ طلبتَ مِنّي كلَّ ذلك المبلغ وأنتَ تعلمُ بذلك الأمْر .
سكتَ الرَّجلُ ولمْ يَحِر جواباً . ومع إلحاحي عليه حول كيفية الخروج من هذا المأزق، قال إنه سيحاول السعودي صاحبَ المؤسسة لاسترداد المبلغ ! ونصحَني بالبحثِ عن جٍهةٍ أُخرى أنقُل كفالتي إليها !!! تَخيَّلوا بهذه البَساطة ومِن واحد ...... ! ( يا له من ناصح أمين !!! ) . وأقْسِمُ بالله أنني لم أستلمْ منه ولا من كفيله ريالاً واحداً حتى يومنا هذا بالرَّغم من اتصالاتي المُتَكرِّرة واللامحدودة عليه .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء