العَمَه في شِراك “من أشعل الحرب؟”

 


 

 

@ شوية مفاهيم @
هل تعرف هذا الشاب "غافريليو برينسيب"؟ في الغالب لا يعرفه معظم سكان العالم اليوم، ومن عرفه يوماً ما سوف ينساه، ويبقى مجرد كلمات في كتب التاريخ الصفراء. ومع ذلك فهو أول من رفع السلاح في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918). غافريليو برينسيب (Gavrilo Princip)، الطالب آنذاك، هو الذي بدأ حركة القطعة الأولى في منظومة الدينامو لتلك الحرب، عندما قام باغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند (Archduke Franz Ferdinand) الوريث المفترض لعرش النمسا والمجر، وزوجته صوفي (ٍSophie) دوقة هوهنبيرج (Duchess of Hohenberg)، في يوم 28 يونيو 1914م. وبعبارة أخرى بحسب كثير من المؤرخين، فإن غافريليو هو الذي (أشعل الحرب) العالمية الأولى.

في السودان، وعلى الرغم من وضوح هذا التاريخ القريب، بأن قوات الدعم السريع (سابقاً، قبل حلها) هي التي كانت تتجمّع من الأطراف نحو المركز، وإلى مروي في الشمال، من قبل يوم 15 أبريل 2023م، وعلى الرغم من قيامها باعتقال المعاشيين من القوات النظامية منذ يوم 13 أبريل وفقاً لفيديوهات توثيقية قامت بها هذه القوات وهي تستجوب بعض هؤلاء وهم في المعتقل بغرض إثبات حسن معاملتهم للمعتقلين - على الرغم من كل هذا، فإن السؤال (من أشعل الحرب؟) سؤال تحويلي انصرافي خالٍ من أي أهمية تُذكر.

الحرب، ونستخدم هذه الكلمة مجازاً، بها من المضامين المؤلمة والمميتة والدموية والمخزية ما من شأنه أن يشغل أي عاقل عن شكليات بداياتها، بل وحتى مسببات قيامها. إلا أن البعض يستفيد من (تحويل) التفكير (وصرف الانتباه) عن المذابح التي أريقت فيها دماء المواطنين المدنيين العزل من السلاح في جميع بقاع السودان. يستفيدون من كبح جماح الثورة على الظلم الفاحش والسافر في مهاجمة المواطن في داره واستباحة ماله ودمه وعرضه في رائعة النهار.

وهي (حرب) مجازاً فقط لخروج مضامينها الفاحشة من مصطلح (الحرب) في القانون الدولي (Bellum)، من حيث مبررات قيامها، وشروط إدارتها، بعيداً عن دائرة الجريمة. أما ما نراه في السودان فإن أكثر من 90% منه يقع تحت طائلة (جرائم الحرب) وليس أفعالاً حربية يقاتل فيها الجندي المسلح جندياً مسلحاً مثله. إنها حرابة إجرامية موجهة نحو أهداف (غير) عسكرية، بها مواطنون عزل، أبرياء حتى من مجرد الانتماء السياسي دعك من القتال المسلح. اختارت المليشيا هذه الأهداف عنوة وعمداً، بل قامت بالتوثيق لها بالصورة والصوت اعتزازاً بالإثم وإثباتاً لشناعة الفعل وفحش القول. فعلوا ذلك وهم يقتلون ويسحلون ويمثلون بجثمان الشهيد خميس أبكر والي غرب دارفور في الجنينة، وفعلوا ذلك في العاصمة المثلثة، وفعلوا ذلك وهم يستبيحون وسط الجزيرة وشرقها والجنوب، بأعلى درجات العمد والقصد القانوني، مع سبق الإصرار والترصد. ويأتيك بعد كل ذلك هؤلاء يتنادى الواحد منهم سادراً: من أشعل الحرب؟! وهم في غيهم يعمهون!

أحمد كمال الدين
البحرين – الأربعاء 27 نوفمبر 2024م

kingobeidah@gmail.com

 

آراء