إحدى تجليات أزمة اليسار السوداني
صديق الزيلعي
29 November, 2024
29 November, 2024
صديق الزيلعي
أثارت سلسلة المقالات مناقشات حية مع عدد من الأصدقاء، وكانت في غالبها إيجابية وتحمل مقترحات بناءة. ولكن في الوقت أخرجت المقالات، روح العداء للحوار وسط بعض الزملاء، وعدم استعدادهم للاستماع للرأي الآخر. حيث استنكر بعضهم النشر العلني، للمقالات، ووصفني أحدهم بالسلفية، بل مضي آخر، الي آخر الشوط حيث هدد بتسليط سيف اللائحة على رقبتي. وكان ردي عليهم بأن هذه إحدى تجليات أزمة اليسار السوداني. وافتح كمبيوتري ليفاجئني قوقل باسترجاع هذا المقال الذي نشرته يوم 28 نوفمبر 2023.
إحدى تجليات أزمة اليسار
مدخل أول: خلال ثورة الشباب في 1968، التي اجتاحت الغرب والشرق. وكانت اقواها في فرنسا. أعتصم الالاف الطلاب بجامعة السوربون. جاء سارتر ليخاطبهم، وتحدث طويلا، عن كل شيء. فبدأت الألوف تهتف: سارتر كن واضحا وتحدث في الموضوع باختصار.
مدخل ثاني: سأل صحفي الرئيس الأمريكي ترامب عن تورط ولي العهد السعودي في اغتيال خاشقجي. بدأ ترامب حديثه بالهجوم على إيران، وأنها سبب كل المآسي في الشرق الأوسط، وإنها تمول حزب الله الإرهابي الخ.
كتب الصديق السر بابو مقالا بعنوان " تعقيب على مقالات صديق الزيلعي بعنوان: "السر بابو ومآزق المنهج الانتقائي"، ولم يبتعد فيه عن أسلوبه المعروف في الكتابة. ولدي ملاحظات على ما كتبه:
ذكر السر انني علقت على مقالاته حول استقلالية الحزب الشيوعي. وهذا قول جانبه الصواب، فأنا لم أعلق على مقالات السر حول استقلالية الحزب وانما قمت بالرد على فقرة واحدة، ذكرني فيها شخصيا وتتعلق بما اكتب، جمع فيها عدة أشياء، من مقدمة كتابي " هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي؟" وما كتبه حرفيا هو:
" أشار د. صديق الزيلعي في مقال له بعنوان " ملاحظات حول قضية تجديد الحزب الشيوعي السوداني ، إلي أن المناقشة العامة لم تتناول نقديا تجربة الحزب الشيوعي والستالينية وسلبيات التجربة الاشتراكية ، وأن الحزب الشيوعي في رفضه لاتفاقية 1953 كان متأثرا بالتجربة الصينية ، ورفضه لنظام عبد الناصر بعد إعدام خميس والبقري، والمشاركة في انتخابات المجلس المركزي كانت نقلا حرفيا لمؤلف لينين " مرض اليسارية الطفولي " ، وأن الحزب الشيوعي السوداني فقد استقلاله بارتباطه بالحركة الشيوعية العالمية والمصرية، والنقل اللينيني للتحليل الطبقي لمزارعي الجزيرة ، وتأثر الحزب بمخطط المراحل الخمس التي أشار لها ستالين،. الخ."
قمت بالرد على تلك الفقرة فقط، التي انتقي السر ما يريد الكتابة عنه. وصححت السر بان ماورد كمدخل للكتاب هي عناوين لتساعد القارئ في تكوين رأيه الشخصي حول الحوار الذي سيعقبها. وهو حوار عقلاني جاد شارك فيه أكثر من عشرين من الكتاب من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية. ورحبت ان ينقد السر مساهمتي في الكتاب، وهي بعنوان" مقدمة في نقد للمركزية الديمقراطية". بل كررت ذلك الطلب، واعيده هنا مرة أخرى، حتى يكون حوارنا عقلانيا ومركزا حول قضية واحدة، لا عدة قضايا يتم المرور عليها سريعا. بمقتطفات منتقاة، وجاهزة، يتم إخراجها لإلصاقها بكل موضوع، وفي تكرار ممل.
ما كتبته عن المناقشة العامة، رغم ابتدارها، من قيادة الحزب، بصورة شجاعة تعلن الا مسلمات وان كل شيء قابل للنقد. ولكن حددت نقطة الضعف المركزية وهي المنهج الذي اتبع. وذكرت ان المركزية الديمقراطية تؤدي لقيود، لا فكاك منها، في قضايا الحوار الفكري. ويمكننا الان تحليل نتيجة ذلك الحوار الكبير، الذي لم يجريه حزب سوداني من قبل، ومعرفة الحصيلة النهائية له. وادعو القراء للرجوع للجهد الممتاز للصديق عبد القادر إسماعيل في كتابه عن الحزب الشيوعي عندما تتبع حصيلة المناقشة العامة.
أشار السر الي كتابه النقدي لتجربة الحزب الشيوعي. وأقول انني قرأت الكتاب وسأقدم عنه عرضا مفصلا في الفترة القادمة. والقضية الأساسية ان المقال الذي نشر ككتاب هو مساهمة السر في المناقشة العامة، التي دعت فيها قيادة الحزب، للتعرض بالنقد الشامل، بلا خوف، لكل تجربة الحزب ومرجعيته الفكرية. وكتبت خلالها عشرات المقالات الناقدة للحزب ولم يكن السر هو الوحيد الذي نقد التجربة، بل ان محمد إبراهيم نقد كتب مقالات ارتقي فيها بالفكر السياسي السوداني لمراحل متقدمة. وأقول للسر إذا أردنا معرفة وقياس شجاعتك في النقد الموضوعي، ان تكتب لنا مقالا أو كتابا حول وضع الحزب الحالي واتمني من أعماق قلبي، ان تكتب قراءة نقدية لواقع الحزب الحالي بعيدا عن النقل الانتقائي من المطبوعات القديمة، خاصة كتابات عبد الخالق، مما سيكون جهدا خالصا لك. حينها سأشيد علنا، وبكل قوة، بجهدك.
كتب السر، في المقال الأول، سطرا واحدا هو انني ادعيت ان مشاركة الحزب في انتخابات المجلس المركزي كانت نقلا عن كتاب لينين حول مرض اليسارية الطفولية. وكتبت ردا على ذلك مقالا كاملا، نقلت فيه حرفيا ما ذكره الحزب في بيانه من نقد عنيف لذلك المجلس المركزي في 1963، ورغم ذلك قرر المشاركة في الانتخابات، وارجعت ذلك لأطروحة لينين حول المشاركة في المجالس والنقابات الرجعية. ولم يرد على هذه النقطة، بل كتب عن الجمعية التشريعية وانتخابات نظام نميري وانتخابات الإنقاذ. أكرر بان النقاش حول لماذا شارك الحزب في انتخابات المجلس المركزي، وهو اتهام تكرر كثيرا، ولم يرد عليها السر. ولا أزال في انتظار رأيه حول تلك الانتخابات المحددة.
ذكر السر بابو انه وفر لعبد القادر اسماعيل وثائق حزبية، كأنما يريد ان يقنعنا بانه تفضل عليه بتوفير هذه الوثائق. وأقول بان هذا حق مشروع لعبد القادر كعضو حزب وكباحث جاد يسعي لتكريس معرفته لدراسة تاريخ الحزب وتطوره. والغريب ان ادراج السر مليئة بالوثائق الحزبية ويحتكرها لنفسه رغم ملاحقة العديد من الأعضاء للاطلاع عليها. والاغرب ان السر المنتشر في كل الصحف الاسفيرية والورقية، ينشر، كما قال، حديثه عن كتاب عبد القادر في صفحته في الفيسبوك، ويستكثر عليه مقال في تلك الصحف. والمدهش حقا، ان عبد القادر ذكر في صفحة 23 من كتابه " ما هو خاص بالحزب تطلبت أدوات الغوص فيه صبرا كثيرا وقدرات حوارية عالية لانتزاع الوثيقة من بين أيادي التأمين". وأكرر بان السر، يجب عليه، بحكم موقعه في المكتب الثقافي للحزب ان يوفر تلك الوثائق للأعضاء وللباحثين. وأقول للسر: هل قرأت ما كتبه محمد نوري حول صعوبة الحصول على وثائق الحزب الشيوعي رغم كثرتها؟ وهل تعلم ان الحزب الشيوعي الفرنسي وجه الدعوة لأكاديمي فرنسي، ليس بشيوعي، متخصص في دراسة الشيوعية لتقديم قراءته النقدية للحزب الفرنسي في أحد مؤتمراته في تسعينات القرن الماضي، وهل سيقبل السر بذلك وهو الذي يمنع حتى أعضاء الحزب من نشر آرائهم إذا خالفت رأيه، وما نشره الباشمهندس زكريا محمد أحمد الا رأس جبل الجليد.
اعتقد انه حان الوقت ان يعمل حزب متفرد، ذو تاريخ عظيم واسهامات متميزة كالحزب الشيوعي، بكل جدية ليجعل كل وثائقه متاحة للباحثين وللقراء العاديين، ليعرفوا دور الحزب في دراسة المجتمع السوداني والحلول التي قدمها لمشكلاته، والنت سهلت مسألة توفير الوثائق للجميع، في إطار ديمقراطية المعرفة. هل يعرف السر ان الأحزاب الديمقراطية في كل العالم تسعى وتجتهد لتوفير الوثائق للباحثين أكاديميين وغير أكاديميين، وتشجيع الصحفيين لإجراء المقابلات مع قادتها، ولا تجعل الحصول عليها منة من القادة.
التعرض لقضية علاقة الحزب بالسوفييت يحتاج لشجاعة لا تتوفر للكثيرين. انه ليس بسبة أو منقصة ان نقرأ حقائق التاريخ كما هي، وان نعترف بإخطائنا ونعمل لتصحيحها. وسبب الحديث عن الاستقلالية، بمناسبة وبدون مناسبة، هي استهداف مكشوف للهروب من مآلات الانهيار الكبير والعاصف للشيوعية السوفيتية، وضرورة المراجعة الناقدة والشاملة لأسسها النظرية والعملية، والانطلاق من ذلك لتجديد نظريات التغيير الاجتماعي. ومن أوضح امثلة الهروب ما كتبه السر في كتابة " تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني في ص 7”: (أما عن تجاربهم في بلدان شرق أوربا والاتحاد السوفيتي وغيرها فلنتركها لهم، فأهل مكة أدرى بشعابها). فهل يا صديقي بعد ان نقلنا منهم النظرية، بكل جوانبها، نهرب، الآن، من مواجهة النفس وتصحيح ما نقلناه منهم، على المستوى النظري والعملي.
أقدم حول قضية تدوير المقالات والمقتطفات، مثالا واحدا. وضعت خارطة فكرية، عندما خططت بمناسبة سبعينية الحزب الشيوعي، لكتابي حول تجديد الحزب ضمت تلك الخارطة كل التيارات والمدارس الفكرية السودانية داخل وخارج الحزب، لعرض رأيها حول القضية المطروحة. واخترت السر كممثل للتيار التقليدي (إذا صحت العبارة) في الحزب. أرسل لي مقالة بعنوان (الحزب الشيوعي 70 عاما من النضال). ولدهشتي كنت قد قرأت قبل عام مقالا للسر بعنوان الذكرى 69 لتأسيس الحزب الشيوعي. وعندما قارنت المقالين وجدت انه غير العنوان فقط. الكتاب موجود ومقالات السر في النت موجودة لمن يود المقارنة. بل ازيد وأقول ان من يريد معرفة تدوير المقالات والمقتطفات فليرجع لمقالات السر. فمثلا حول انقلاب مايو يرجع القاري لكل ما كتبه السر، خلال السنوات الماضية عن انقلاب مايو. ونفس المراجعة لمقالات السر الأخرى ليقارن ما يكتبه خلال السنوات، وكيف يقوم بتدويره، لأنه يهتم بالكم، أي عدد المقالات المنشورة.
نشر السر فقرة ادعى انها كتبت من قبل عوض عبد الرازق. ورغم توفر وثيقة عوض عبد الرازق المكتوبة بخط اليد في النت، الا انها تخلو من الفقرة المنسوبة اليه. وطالبت السر بنشر النسخة التي قال انها صحيحة، لكنه لم ينشرها. الآن أكرر النداء مرة أخرى.
تكرر وصف السر لعوض عبد الرازق بالمرتد الانتهازي، تحت حجة انه أراد ذوبان الحزب في الأحزاب الاتحادية. ثم عندما تحاصر لجأ لمقالات عباس علي وفاروق محمد إبراهيم. ولنفرض جدلا ان عوض كان يجمل ذلك الراي. ولكنه تخطاه وها هو التقرير الذي كتبه بخط يده يوضح انه ضد الذوبان. كتب عوض: (على هذا الطريق علينا الاهتمام بالقضايا التالية: (أ): إبعاد كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لاستقلالية الحركة. أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى. فالطريق هو تأكيد شخصية الحركة المستقلة. من خلال المعارك اليومية التي تستطيع أن تثبت من خلالها طليعيتها وقدرتها القيادية للحركة الوطنية في سبيل إجلاء الاستعمار والتحرير. لذلك نؤكد أهمية وجود جبهة شعبية واسعة معادية للاستعمار، حتى تؤدي تلك المهمة في طريق الكفاح المشترك بين شعبي وادي النيل ضد الاستعمار). وإذا تمسك عوض برأيه الأول هل هذا مبرر معقول لوصفه بالانتهازية والارتداد؟
مثال آخر، حول تعامل السر مع الرأي الآخر، انقله عن مقال الباشمهندس زكريا محمد أحمد المعنون (بعض مالات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي، الذي نشر بالراكوبة يوم 27/11/2018) وھو تعليق الأستاذ السر بابو على مقال الأستاذ الصحفي فيصل محمد صالح بعنوان (ويسألونك عن الشفيع)، الذي نشر في الراكوبة بتاريخ 14/7/2016م. لم يناقش الأستاذ السر بابو ما ذكره الصحفي فيصل محمد صالح في مقاله عن فصل دكتور الشفيع خضر من الحزب. ودونكم بعض ما جاء في تعليق السكرتير الثقافي لحزبنا:( تحشر نفسك في قضية حزبية داخلية، وتدلي بمعلومات غير صحيحة، إما أنك تريد تزييف الحقائق أو جاھل بحجم القضايا الداخلية. أين المھنية والمصداقية؟؟ وبئس الموقف).
في مقاله عن ذكري حل الحزب الحقني السر بسلسلة طويلة من المرتدين والانتهازيين والتصفويين. وزاد على ذلك بدعوتي لترك الحزب وتأسيس حزبي الاشتراكي. أقول باختصار ان السر ليس بأكثر اخلاصا للحزب مني. وان كل لوائح الحزب، منذ تأسيسه وحتى المؤتمر السادس تنص على حق الأقلية في الاحتفاظ برأيها، ولم تطالب بطردها من الحزب؟ فهل هذا هو نوع الصراع الفكري الذي يكرره السر بمناسبة وبدون مناسبة في مقالاته؟
أقول، بوضوح تام، ان اليسار يعاني من عدة أزمات. وواحدة من أزماته هو وجود كوادر، وصديقي أحدهم، تعتبر ما كتبه ماركس ولينين نصوصا مقدسة، وما عليك الا الرجوع اليها لتجد الحلول لاي قضية تواجهك. ورغم التغييرات العاصفة التي اجتاحت العالم ‘في القرن الماضي، لم يتزعزع ايمان تلك المجموعات بصحة النصوص التي كتبت قبل قرابة القرنين من الزمان. ولان التقدم لا يمكن كبحه من قبل السلفيين، فقد تطور المنهج الماركسي كثيرا، وظهرت اسهامات متقدمة تخطت العديد من كلاسيكيات الماركسية، ولا يزال باب الاجتهاد مفتوحا، ولا يمكن اغلاقه بالقرارات الإدارية.
اختتم بان امامنا كيسار ماركسي تحديات كبيرة ومهام ضخمة، وهي تستدعي ان نفتح اشرعتنا وعقولنا للجديد، وان ننظر للوراء لتشكيل المستقبل، فشعبنا ينتظرنا لنقدم له رؤانا المتقدمة واسهاماتنا المتفردة، ولن يفيدنا الانكفاء على النصوص، فالنظرية رمادية وشجرة الحياة في اخضرار دائم.
siddigelzailaee@gmail.com
أثارت سلسلة المقالات مناقشات حية مع عدد من الأصدقاء، وكانت في غالبها إيجابية وتحمل مقترحات بناءة. ولكن في الوقت أخرجت المقالات، روح العداء للحوار وسط بعض الزملاء، وعدم استعدادهم للاستماع للرأي الآخر. حيث استنكر بعضهم النشر العلني، للمقالات، ووصفني أحدهم بالسلفية، بل مضي آخر، الي آخر الشوط حيث هدد بتسليط سيف اللائحة على رقبتي. وكان ردي عليهم بأن هذه إحدى تجليات أزمة اليسار السوداني. وافتح كمبيوتري ليفاجئني قوقل باسترجاع هذا المقال الذي نشرته يوم 28 نوفمبر 2023.
إحدى تجليات أزمة اليسار
مدخل أول: خلال ثورة الشباب في 1968، التي اجتاحت الغرب والشرق. وكانت اقواها في فرنسا. أعتصم الالاف الطلاب بجامعة السوربون. جاء سارتر ليخاطبهم، وتحدث طويلا، عن كل شيء. فبدأت الألوف تهتف: سارتر كن واضحا وتحدث في الموضوع باختصار.
مدخل ثاني: سأل صحفي الرئيس الأمريكي ترامب عن تورط ولي العهد السعودي في اغتيال خاشقجي. بدأ ترامب حديثه بالهجوم على إيران، وأنها سبب كل المآسي في الشرق الأوسط، وإنها تمول حزب الله الإرهابي الخ.
كتب الصديق السر بابو مقالا بعنوان " تعقيب على مقالات صديق الزيلعي بعنوان: "السر بابو ومآزق المنهج الانتقائي"، ولم يبتعد فيه عن أسلوبه المعروف في الكتابة. ولدي ملاحظات على ما كتبه:
ذكر السر انني علقت على مقالاته حول استقلالية الحزب الشيوعي. وهذا قول جانبه الصواب، فأنا لم أعلق على مقالات السر حول استقلالية الحزب وانما قمت بالرد على فقرة واحدة، ذكرني فيها شخصيا وتتعلق بما اكتب، جمع فيها عدة أشياء، من مقدمة كتابي " هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي؟" وما كتبه حرفيا هو:
" أشار د. صديق الزيلعي في مقال له بعنوان " ملاحظات حول قضية تجديد الحزب الشيوعي السوداني ، إلي أن المناقشة العامة لم تتناول نقديا تجربة الحزب الشيوعي والستالينية وسلبيات التجربة الاشتراكية ، وأن الحزب الشيوعي في رفضه لاتفاقية 1953 كان متأثرا بالتجربة الصينية ، ورفضه لنظام عبد الناصر بعد إعدام خميس والبقري، والمشاركة في انتخابات المجلس المركزي كانت نقلا حرفيا لمؤلف لينين " مرض اليسارية الطفولي " ، وأن الحزب الشيوعي السوداني فقد استقلاله بارتباطه بالحركة الشيوعية العالمية والمصرية، والنقل اللينيني للتحليل الطبقي لمزارعي الجزيرة ، وتأثر الحزب بمخطط المراحل الخمس التي أشار لها ستالين،. الخ."
قمت بالرد على تلك الفقرة فقط، التي انتقي السر ما يريد الكتابة عنه. وصححت السر بان ماورد كمدخل للكتاب هي عناوين لتساعد القارئ في تكوين رأيه الشخصي حول الحوار الذي سيعقبها. وهو حوار عقلاني جاد شارك فيه أكثر من عشرين من الكتاب من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية. ورحبت ان ينقد السر مساهمتي في الكتاب، وهي بعنوان" مقدمة في نقد للمركزية الديمقراطية". بل كررت ذلك الطلب، واعيده هنا مرة أخرى، حتى يكون حوارنا عقلانيا ومركزا حول قضية واحدة، لا عدة قضايا يتم المرور عليها سريعا. بمقتطفات منتقاة، وجاهزة، يتم إخراجها لإلصاقها بكل موضوع، وفي تكرار ممل.
ما كتبته عن المناقشة العامة، رغم ابتدارها، من قيادة الحزب، بصورة شجاعة تعلن الا مسلمات وان كل شيء قابل للنقد. ولكن حددت نقطة الضعف المركزية وهي المنهج الذي اتبع. وذكرت ان المركزية الديمقراطية تؤدي لقيود، لا فكاك منها، في قضايا الحوار الفكري. ويمكننا الان تحليل نتيجة ذلك الحوار الكبير، الذي لم يجريه حزب سوداني من قبل، ومعرفة الحصيلة النهائية له. وادعو القراء للرجوع للجهد الممتاز للصديق عبد القادر إسماعيل في كتابه عن الحزب الشيوعي عندما تتبع حصيلة المناقشة العامة.
أشار السر الي كتابه النقدي لتجربة الحزب الشيوعي. وأقول انني قرأت الكتاب وسأقدم عنه عرضا مفصلا في الفترة القادمة. والقضية الأساسية ان المقال الذي نشر ككتاب هو مساهمة السر في المناقشة العامة، التي دعت فيها قيادة الحزب، للتعرض بالنقد الشامل، بلا خوف، لكل تجربة الحزب ومرجعيته الفكرية. وكتبت خلالها عشرات المقالات الناقدة للحزب ولم يكن السر هو الوحيد الذي نقد التجربة، بل ان محمد إبراهيم نقد كتب مقالات ارتقي فيها بالفكر السياسي السوداني لمراحل متقدمة. وأقول للسر إذا أردنا معرفة وقياس شجاعتك في النقد الموضوعي، ان تكتب لنا مقالا أو كتابا حول وضع الحزب الحالي واتمني من أعماق قلبي، ان تكتب قراءة نقدية لواقع الحزب الحالي بعيدا عن النقل الانتقائي من المطبوعات القديمة، خاصة كتابات عبد الخالق، مما سيكون جهدا خالصا لك. حينها سأشيد علنا، وبكل قوة، بجهدك.
كتب السر، في المقال الأول، سطرا واحدا هو انني ادعيت ان مشاركة الحزب في انتخابات المجلس المركزي كانت نقلا عن كتاب لينين حول مرض اليسارية الطفولية. وكتبت ردا على ذلك مقالا كاملا، نقلت فيه حرفيا ما ذكره الحزب في بيانه من نقد عنيف لذلك المجلس المركزي في 1963، ورغم ذلك قرر المشاركة في الانتخابات، وارجعت ذلك لأطروحة لينين حول المشاركة في المجالس والنقابات الرجعية. ولم يرد على هذه النقطة، بل كتب عن الجمعية التشريعية وانتخابات نظام نميري وانتخابات الإنقاذ. أكرر بان النقاش حول لماذا شارك الحزب في انتخابات المجلس المركزي، وهو اتهام تكرر كثيرا، ولم يرد عليها السر. ولا أزال في انتظار رأيه حول تلك الانتخابات المحددة.
ذكر السر بابو انه وفر لعبد القادر اسماعيل وثائق حزبية، كأنما يريد ان يقنعنا بانه تفضل عليه بتوفير هذه الوثائق. وأقول بان هذا حق مشروع لعبد القادر كعضو حزب وكباحث جاد يسعي لتكريس معرفته لدراسة تاريخ الحزب وتطوره. والغريب ان ادراج السر مليئة بالوثائق الحزبية ويحتكرها لنفسه رغم ملاحقة العديد من الأعضاء للاطلاع عليها. والاغرب ان السر المنتشر في كل الصحف الاسفيرية والورقية، ينشر، كما قال، حديثه عن كتاب عبد القادر في صفحته في الفيسبوك، ويستكثر عليه مقال في تلك الصحف. والمدهش حقا، ان عبد القادر ذكر في صفحة 23 من كتابه " ما هو خاص بالحزب تطلبت أدوات الغوص فيه صبرا كثيرا وقدرات حوارية عالية لانتزاع الوثيقة من بين أيادي التأمين". وأكرر بان السر، يجب عليه، بحكم موقعه في المكتب الثقافي للحزب ان يوفر تلك الوثائق للأعضاء وللباحثين. وأقول للسر: هل قرأت ما كتبه محمد نوري حول صعوبة الحصول على وثائق الحزب الشيوعي رغم كثرتها؟ وهل تعلم ان الحزب الشيوعي الفرنسي وجه الدعوة لأكاديمي فرنسي، ليس بشيوعي، متخصص في دراسة الشيوعية لتقديم قراءته النقدية للحزب الفرنسي في أحد مؤتمراته في تسعينات القرن الماضي، وهل سيقبل السر بذلك وهو الذي يمنع حتى أعضاء الحزب من نشر آرائهم إذا خالفت رأيه، وما نشره الباشمهندس زكريا محمد أحمد الا رأس جبل الجليد.
اعتقد انه حان الوقت ان يعمل حزب متفرد، ذو تاريخ عظيم واسهامات متميزة كالحزب الشيوعي، بكل جدية ليجعل كل وثائقه متاحة للباحثين وللقراء العاديين، ليعرفوا دور الحزب في دراسة المجتمع السوداني والحلول التي قدمها لمشكلاته، والنت سهلت مسألة توفير الوثائق للجميع، في إطار ديمقراطية المعرفة. هل يعرف السر ان الأحزاب الديمقراطية في كل العالم تسعى وتجتهد لتوفير الوثائق للباحثين أكاديميين وغير أكاديميين، وتشجيع الصحفيين لإجراء المقابلات مع قادتها، ولا تجعل الحصول عليها منة من القادة.
التعرض لقضية علاقة الحزب بالسوفييت يحتاج لشجاعة لا تتوفر للكثيرين. انه ليس بسبة أو منقصة ان نقرأ حقائق التاريخ كما هي، وان نعترف بإخطائنا ونعمل لتصحيحها. وسبب الحديث عن الاستقلالية، بمناسبة وبدون مناسبة، هي استهداف مكشوف للهروب من مآلات الانهيار الكبير والعاصف للشيوعية السوفيتية، وضرورة المراجعة الناقدة والشاملة لأسسها النظرية والعملية، والانطلاق من ذلك لتجديد نظريات التغيير الاجتماعي. ومن أوضح امثلة الهروب ما كتبه السر في كتابة " تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني في ص 7”: (أما عن تجاربهم في بلدان شرق أوربا والاتحاد السوفيتي وغيرها فلنتركها لهم، فأهل مكة أدرى بشعابها). فهل يا صديقي بعد ان نقلنا منهم النظرية، بكل جوانبها، نهرب، الآن، من مواجهة النفس وتصحيح ما نقلناه منهم، على المستوى النظري والعملي.
أقدم حول قضية تدوير المقالات والمقتطفات، مثالا واحدا. وضعت خارطة فكرية، عندما خططت بمناسبة سبعينية الحزب الشيوعي، لكتابي حول تجديد الحزب ضمت تلك الخارطة كل التيارات والمدارس الفكرية السودانية داخل وخارج الحزب، لعرض رأيها حول القضية المطروحة. واخترت السر كممثل للتيار التقليدي (إذا صحت العبارة) في الحزب. أرسل لي مقالة بعنوان (الحزب الشيوعي 70 عاما من النضال). ولدهشتي كنت قد قرأت قبل عام مقالا للسر بعنوان الذكرى 69 لتأسيس الحزب الشيوعي. وعندما قارنت المقالين وجدت انه غير العنوان فقط. الكتاب موجود ومقالات السر في النت موجودة لمن يود المقارنة. بل ازيد وأقول ان من يريد معرفة تدوير المقالات والمقتطفات فليرجع لمقالات السر. فمثلا حول انقلاب مايو يرجع القاري لكل ما كتبه السر، خلال السنوات الماضية عن انقلاب مايو. ونفس المراجعة لمقالات السر الأخرى ليقارن ما يكتبه خلال السنوات، وكيف يقوم بتدويره، لأنه يهتم بالكم، أي عدد المقالات المنشورة.
نشر السر فقرة ادعى انها كتبت من قبل عوض عبد الرازق. ورغم توفر وثيقة عوض عبد الرازق المكتوبة بخط اليد في النت، الا انها تخلو من الفقرة المنسوبة اليه. وطالبت السر بنشر النسخة التي قال انها صحيحة، لكنه لم ينشرها. الآن أكرر النداء مرة أخرى.
تكرر وصف السر لعوض عبد الرازق بالمرتد الانتهازي، تحت حجة انه أراد ذوبان الحزب في الأحزاب الاتحادية. ثم عندما تحاصر لجأ لمقالات عباس علي وفاروق محمد إبراهيم. ولنفرض جدلا ان عوض كان يجمل ذلك الراي. ولكنه تخطاه وها هو التقرير الذي كتبه بخط يده يوضح انه ضد الذوبان. كتب عوض: (على هذا الطريق علينا الاهتمام بالقضايا التالية: (أ): إبعاد كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لاستقلالية الحركة. أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى. فالطريق هو تأكيد شخصية الحركة المستقلة. من خلال المعارك اليومية التي تستطيع أن تثبت من خلالها طليعيتها وقدرتها القيادية للحركة الوطنية في سبيل إجلاء الاستعمار والتحرير. لذلك نؤكد أهمية وجود جبهة شعبية واسعة معادية للاستعمار، حتى تؤدي تلك المهمة في طريق الكفاح المشترك بين شعبي وادي النيل ضد الاستعمار). وإذا تمسك عوض برأيه الأول هل هذا مبرر معقول لوصفه بالانتهازية والارتداد؟
مثال آخر، حول تعامل السر مع الرأي الآخر، انقله عن مقال الباشمهندس زكريا محمد أحمد المعنون (بعض مالات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي، الذي نشر بالراكوبة يوم 27/11/2018) وھو تعليق الأستاذ السر بابو على مقال الأستاذ الصحفي فيصل محمد صالح بعنوان (ويسألونك عن الشفيع)، الذي نشر في الراكوبة بتاريخ 14/7/2016م. لم يناقش الأستاذ السر بابو ما ذكره الصحفي فيصل محمد صالح في مقاله عن فصل دكتور الشفيع خضر من الحزب. ودونكم بعض ما جاء في تعليق السكرتير الثقافي لحزبنا:( تحشر نفسك في قضية حزبية داخلية، وتدلي بمعلومات غير صحيحة، إما أنك تريد تزييف الحقائق أو جاھل بحجم القضايا الداخلية. أين المھنية والمصداقية؟؟ وبئس الموقف).
في مقاله عن ذكري حل الحزب الحقني السر بسلسلة طويلة من المرتدين والانتهازيين والتصفويين. وزاد على ذلك بدعوتي لترك الحزب وتأسيس حزبي الاشتراكي. أقول باختصار ان السر ليس بأكثر اخلاصا للحزب مني. وان كل لوائح الحزب، منذ تأسيسه وحتى المؤتمر السادس تنص على حق الأقلية في الاحتفاظ برأيها، ولم تطالب بطردها من الحزب؟ فهل هذا هو نوع الصراع الفكري الذي يكرره السر بمناسبة وبدون مناسبة في مقالاته؟
أقول، بوضوح تام، ان اليسار يعاني من عدة أزمات. وواحدة من أزماته هو وجود كوادر، وصديقي أحدهم، تعتبر ما كتبه ماركس ولينين نصوصا مقدسة، وما عليك الا الرجوع اليها لتجد الحلول لاي قضية تواجهك. ورغم التغييرات العاصفة التي اجتاحت العالم ‘في القرن الماضي، لم يتزعزع ايمان تلك المجموعات بصحة النصوص التي كتبت قبل قرابة القرنين من الزمان. ولان التقدم لا يمكن كبحه من قبل السلفيين، فقد تطور المنهج الماركسي كثيرا، وظهرت اسهامات متقدمة تخطت العديد من كلاسيكيات الماركسية، ولا يزال باب الاجتهاد مفتوحا، ولا يمكن اغلاقه بالقرارات الإدارية.
اختتم بان امامنا كيسار ماركسي تحديات كبيرة ومهام ضخمة، وهي تستدعي ان نفتح اشرعتنا وعقولنا للجديد، وان ننظر للوراء لتشكيل المستقبل، فشعبنا ينتظرنا لنقدم له رؤانا المتقدمة واسهاماتنا المتفردة، ولن يفيدنا الانكفاء على النصوص، فالنظرية رمادية وشجرة الحياة في اخضرار دائم.
siddigelzailaee@gmail.com