الحرب السودانية: لماذا غابت عن الإعلام العالمي؟
زهير عثمان حمد
10 December, 2024
10 December, 2024
وسط زحمة الأنباء عن الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وأفريقيا، توارت الحرب السودانية عن المشهد الإعلامي العالمي والإقليمي، متراجعة إلى ذيل الأخبار. على الرغم من أن هذه الحرب تعد من أكثر النزاعات تأثيراً في المنطقة، فإن الاهتمام الإعلامي بها يبدو محدوداً وغير متناسب مع حجم الكارثة الإنسانية والتهديدات السياسية والأمنية التي تمثلها.
المشهد الإعلامي الراهن يعكس تجاهلاً معقد الأسباب. فمنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تراجع تسليط الضوء على معارك السودان لصالح أزمات أخرى مثل الحرب الإسرائيلية على غزة، والصراعات المسلحة في لبنان وسوريا. وعلى الرغم من التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية لإيجاد حلول، مثل اجتماع روما الأخير الذي جمع قوى دولية وإقليمية، لا تزال الحرب السودانية بعيدة عن دائرة الأولوية الإعلامية.
المعضلة الأولى التي تفسر هذا الغياب الإعلامي هي غياب العدو الواضح.
في الحروب الأخرى التي تستقطب الاهتمام العالمي، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يكون هناك طرف محدد يمكن تصويره كـ"عدو"، ما يسهل صياغة السرديات الإعلامية. في السودان، تتواجه أطراف كانت حليفة في وقت قريب، مما يجعل المشهد معقداً وغير قابل للاختزال في سرديات تقليدية. هذا الالتباس في تعريف أطراف النزاع يُضعف إمكانية تضامن الرأي العام العالمي مع قضية محددة.
عامل آخر مرتبط بهذا الغياب الإعلامي هو ضعف الطرح الإعلامي المحلي.
الإعلام السوداني، سواء التقليدي أو الرقمي، يعاني من غياب منصات قوية ومستقلة قادرة على التأثير في الرأي العام الدولي. الإعلام المحلي بات مسيساً إلى حد كبير، ويخضع للاستقطاب بين الأطراف المتنازعة. أما وسائل التواصل الاجتماعي، التي يفترض أن تشكل بديلاً، فتغلب عليها العشوائية والتركيز على "التريند" بدلاً من تقديم روايات موضوعية.
إلى جانب ذلك، يلعب الخوف من الاعتقال أو التصفية دوراً مهماً في صمت الكثير من الإعلاميين المحليين.
الحرب الحالية خلقت بيئة عدائية للصحافة، حيث يخشى الكثير من الصحفيين والإعلاميين السودانيين التعبير عن آرائهم أو تبني موقف داعم لأي طرف. هذا الصمت الإجباري يجعل من الصعب توفير تغطية إعلامية متوازنة وشفافة، ما يزيد من عزلة القضية السودانية. الخوف لا يقتصر على الصحفيين في الداخل، بل يمتد إلى الإعلاميين في الخارج الذين يعملون في بيئات تدعم أو تناصر أحد الأطراف المتحاربة.
أما على المستوى الدولي، فإن تعقيد الحرب السودانية يساهم أيضاً في إضعاف التغطية الإعلامية.
فالحرب ليست نزاعاً جديداً؛ بل هي امتداد لصراعات طويلة الأمد بين المركز والهامش، وبين المكونات القبلية والعرقية المختلفة. هذا التعقيد التاريخي يجعل من الصعب على وسائل الإعلام الغربية أو العربية تناول القضية بعمق ودقة. كما أن الدول الكبرى غالباً ما توجه تغطيتها الإعلامية بناءً على أولوياتها ومصالحها، وليس بالضرورة بناءً على حجم الكارثة الإنسانية.
الخوف من عودة النظام السابق يزيد الموقف ضبابية.
هذا السيناريو يثير قلقاً واسعاً، حيث يمكن أن يستغل النظام القديم حالة الفوضى وضعف الحكومة الحالية، ليعود إلى السلطة بقوة جديدة. هذا الاحتمال يعزز الصمت الإعلامي الداخلي، إذ يخشى الإعلاميون من أن يعاقبوا مستقبلاً على تغطيتهم الحالية، بغض النظر عن انتماءاتهم.
الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، على الرغم من جسامتها، لم تحظَ باهتمام كافٍ.
على الرغم من وصول المجاعة إلى مستويات حرجة تهدد حياة الملايين، وتفاقم أزمة اللاجئين والنازحين، إلا أن العالم الخارجي يبدو منشغلاً بأزمات أخرى. في السودان، باتت الكارثة الإنسانية مجرد رقم في تقارير إخبارية مقتضبة، دون أي حراك جدي لتحفيز المجتمع الدولي على التدخل.
ما العمل؟
لإعادة السودان إلى دائرة الضوء الإعلامي، لا بد من اتخاذ خطوات جريئة وفعالة. من الضروري تأسيس منصة إعلامية مستقلة تعمل بمهنية وحياد، تركز على إيصال صوت السودانيين للعالم. هذه المنصة يجب أن تُموَّل من جهات سودانية، مثل رجال الأعمال الكبار، وأن تمثل كافة المكونات السودانية لتعكس التنوع والتحديات الواقعية.
كما يجب استثمار الجهود الدبلوماسية لخلق زخم دولي، وتوجيه الأنظار إلى الكارثة الإنسانية والسياسية التي يعيشها السودان. لكن الأهم من ذلك كله هو بناء خطاب إعلامي يوحد السودانيين حول هدف مشترك: إنهاء الحرب وبناء مستقبل مستقر. بدون هذه الخطوات، ستظل الحرب السودانية حرباً منسية، على الرغم من كونها واحدة من أعقد وأشد الحروب تأثيراً في المنطقة.
zuhair.osman@aol.com
المشهد الإعلامي الراهن يعكس تجاهلاً معقد الأسباب. فمنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تراجع تسليط الضوء على معارك السودان لصالح أزمات أخرى مثل الحرب الإسرائيلية على غزة، والصراعات المسلحة في لبنان وسوريا. وعلى الرغم من التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية لإيجاد حلول، مثل اجتماع روما الأخير الذي جمع قوى دولية وإقليمية، لا تزال الحرب السودانية بعيدة عن دائرة الأولوية الإعلامية.
المعضلة الأولى التي تفسر هذا الغياب الإعلامي هي غياب العدو الواضح.
في الحروب الأخرى التي تستقطب الاهتمام العالمي، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يكون هناك طرف محدد يمكن تصويره كـ"عدو"، ما يسهل صياغة السرديات الإعلامية. في السودان، تتواجه أطراف كانت حليفة في وقت قريب، مما يجعل المشهد معقداً وغير قابل للاختزال في سرديات تقليدية. هذا الالتباس في تعريف أطراف النزاع يُضعف إمكانية تضامن الرأي العام العالمي مع قضية محددة.
عامل آخر مرتبط بهذا الغياب الإعلامي هو ضعف الطرح الإعلامي المحلي.
الإعلام السوداني، سواء التقليدي أو الرقمي، يعاني من غياب منصات قوية ومستقلة قادرة على التأثير في الرأي العام الدولي. الإعلام المحلي بات مسيساً إلى حد كبير، ويخضع للاستقطاب بين الأطراف المتنازعة. أما وسائل التواصل الاجتماعي، التي يفترض أن تشكل بديلاً، فتغلب عليها العشوائية والتركيز على "التريند" بدلاً من تقديم روايات موضوعية.
إلى جانب ذلك، يلعب الخوف من الاعتقال أو التصفية دوراً مهماً في صمت الكثير من الإعلاميين المحليين.
الحرب الحالية خلقت بيئة عدائية للصحافة، حيث يخشى الكثير من الصحفيين والإعلاميين السودانيين التعبير عن آرائهم أو تبني موقف داعم لأي طرف. هذا الصمت الإجباري يجعل من الصعب توفير تغطية إعلامية متوازنة وشفافة، ما يزيد من عزلة القضية السودانية. الخوف لا يقتصر على الصحفيين في الداخل، بل يمتد إلى الإعلاميين في الخارج الذين يعملون في بيئات تدعم أو تناصر أحد الأطراف المتحاربة.
أما على المستوى الدولي، فإن تعقيد الحرب السودانية يساهم أيضاً في إضعاف التغطية الإعلامية.
فالحرب ليست نزاعاً جديداً؛ بل هي امتداد لصراعات طويلة الأمد بين المركز والهامش، وبين المكونات القبلية والعرقية المختلفة. هذا التعقيد التاريخي يجعل من الصعب على وسائل الإعلام الغربية أو العربية تناول القضية بعمق ودقة. كما أن الدول الكبرى غالباً ما توجه تغطيتها الإعلامية بناءً على أولوياتها ومصالحها، وليس بالضرورة بناءً على حجم الكارثة الإنسانية.
الخوف من عودة النظام السابق يزيد الموقف ضبابية.
هذا السيناريو يثير قلقاً واسعاً، حيث يمكن أن يستغل النظام القديم حالة الفوضى وضعف الحكومة الحالية، ليعود إلى السلطة بقوة جديدة. هذا الاحتمال يعزز الصمت الإعلامي الداخلي، إذ يخشى الإعلاميون من أن يعاقبوا مستقبلاً على تغطيتهم الحالية، بغض النظر عن انتماءاتهم.
الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، على الرغم من جسامتها، لم تحظَ باهتمام كافٍ.
على الرغم من وصول المجاعة إلى مستويات حرجة تهدد حياة الملايين، وتفاقم أزمة اللاجئين والنازحين، إلا أن العالم الخارجي يبدو منشغلاً بأزمات أخرى. في السودان، باتت الكارثة الإنسانية مجرد رقم في تقارير إخبارية مقتضبة، دون أي حراك جدي لتحفيز المجتمع الدولي على التدخل.
ما العمل؟
لإعادة السودان إلى دائرة الضوء الإعلامي، لا بد من اتخاذ خطوات جريئة وفعالة. من الضروري تأسيس منصة إعلامية مستقلة تعمل بمهنية وحياد، تركز على إيصال صوت السودانيين للعالم. هذه المنصة يجب أن تُموَّل من جهات سودانية، مثل رجال الأعمال الكبار، وأن تمثل كافة المكونات السودانية لتعكس التنوع والتحديات الواقعية.
كما يجب استثمار الجهود الدبلوماسية لخلق زخم دولي، وتوجيه الأنظار إلى الكارثة الإنسانية والسياسية التي يعيشها السودان. لكن الأهم من ذلك كله هو بناء خطاب إعلامي يوحد السودانيين حول هدف مشترك: إنهاء الحرب وبناء مستقبل مستقر. بدون هذه الخطوات، ستظل الحرب السودانية حرباً منسية، على الرغم من كونها واحدة من أعقد وأشد الحروب تأثيراً في المنطقة.
zuhair.osman@aol.com