نعم لحكومة منفى سودانية ناجحة بقيادة تقدُّم واشراف عبد الله حمدوك
د. أحمد جمعة صديق
11 December, 2024
11 December, 2024
د. أحمد جمعة صديق
أوتاوا – كندا
******************
لقد كنا اول من نادى بإقامة حكومة منفى سودانية منذ فبراير 2024 تحت إشراف (قحت –تقدُّم) وقيادة عبد الله حمدوك بل واقترحت مواصلة الCabinet القديم برجاله ونسائه في مواصلة المشوار. وكنا نعلم ان اقامة حكومة منفى ناجحة دونها خرط القتاد- وهي قضية معقدة ومتعددة الأبعاد تتطلب تحليل مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين الداخلي السوداني والدولي.
يتطلب هذا الجهد توازنًا دقيقًا بين القيادة، والأهداف الاستراتيجية، والانخراط الدبلوماسي، ودعم مختلف أصحاب المصلحة المحليين والدوليين. وقد ثبت من توالي الاحداث وزيادة الفواجع - وليس آخرها أحداث نيالا والثورة الحارة 17 حيث تحضد آلة القتل من الدعم السريع والجيش ارواح الابرياء من المدنيين. لقد اتضح تماما ان هذه الحرب اللعينة ليس فيها منتصر ولكن تأكد تماما ان فيها خاسر وحيد هم المدنيون - وهم القطاع الضعيف الذي لا يملك لامر نفسه حولا ولا قوة. وهذا الامر يقتضي ان تتولى (جهة) ما مخاطبة العالم (بقوة) بالشأن السوداني وما آل اليه المآل، وليس في نظري من هو أكثر تأهيلا لذلك مثل (تقدم) وهي في رأي افضل برلمان مثل قطاعات الشعب السوداني منذ استقلاله. وايضاً ليس هنالك – ولا نقول أفضل - شخص لقيادة هذه الجوقة مثل الدكتور عبد الله حمدوك- ولكنه الانسب – والذي كاد أن يعبر بنا تماما لبر الامان لولا ذلك الانقلاب المشئوم. فما هي فرص النجاح امام الشعب السوداني ان يرى هيئة تمثله وتخرج به الى بر الامان؟
• المقدمة
شهدت الساحة السياسية في السودان حالة من عدم الاستقرار والانقلابات العسكرية والنزاعات الطويلة. بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019، بدأ السودان انتقالًا صعبًا نحو الديمقراطية. ومع ذلك، فإن هذا الانتقال واجه العديد من الانتكاسات، بما في ذلك الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. كان حمدوك، الذي يعتبر اقتصاديًا بارعًا ومسؤولًا أمميًا سابقًا، يُنظر إليه كقوة استقرار خلال الحكومة الانتقالية وكان يُعتبر رمزًا لتطلعات السودان للإصلاحات الديمقراطية. أوقف الانقلاب هذه التطلعات فجأة، مما أدى إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي في السودان بشكل كبير.
في ظل الاضطرابات السياسية المستمرة، قد تشكل إقامة حكومة منفى بقيادة حمدوك وإشراف تقدُّم بديلاً سياسيًا موحدًا يعكس آمال السودانيين في التغيير الديمقراطي. تهدف هذه الحكومة إلى توفير بديل سياسي موحد، وتعزيز الإصلاحات الديمقراطية، والعمل على تأمين الدعم الدولي للانتقال إلى الحكم المدني.
سيستكشف هذا المقال إمكانية إقامة مثل هذه الحكومة، ويحلل العوامل التي قد تساهم في نجاحها، والتحديات التي ستواجهها، والتوقعات التي يمكن أن تحققها.
• السياق: المشهد السياسي في السودان وضرورة وجود حكومة منفى
واجه السودان عقودًا من الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية والحكم العسكري. أدى الإطاحة بالبشير في عام 2019 إلى إشعال آمال في انتقال ديمقراطي، لكن الانقلاب العسكري في 2021 دمر هذه الآمال. يعاني السودان الآن من حالة من عدم الاستقرار والعنف والأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت بفعل النزاعات الداخلية، خاصة في منطقة دارفور والمنطقة الشرقية من البلاد.
غالبًا ما تُعتبر حكومة المنفى الحل الأخير في الحالات التي يكون فيها الحكومة المحلية غير فعّالة أو قمعية. تهدف الحكومات منفى السودانية إلى تقديم القيادة لحركات المقاومة وجذب الدعم الدولي. السؤال المطروح هو: هل يمكن لهذه الحكومة منفى، تحت إشراف تقدُّم وقيادة حمدوك، أن توجه السودان نحو مستقبل ديمقراطي وآمن ومزدهر؟
• العوامل الرئيسية لإنشاء حكومة منفى سودانية ناجحة
• . قيادة عبد الله حمدوك
تلعب قيادة حمدوك دورًا حاسمًا في نجاح حكومة المنفى. جعلته سمعته كخبير اقتصادي ودبلوماسي ومصلح شخصية محورية في الداخل والخارج. كانت فترة رئاسته للحكومة الانتقالية مليئة بخطوات إصلاحية هامة، مثل إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الأمريكية، ومحاولات معالجة عبء الدين السوداني. ومع ذلك، كانت جهوده محدودة بالتدخلات العسكرية والمجتمع السوداني المنقسم.
لكي تنجح حكومة المنفى، يجب أن تستمر قيادة حمدوك في بث الاستقرار والالتزام بأهداف السودان الطويلة الأجل في التحول الديمقراطي. تظل مصداقية حمدوك مع الفاعلين الدوليين (مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) ومع المواطنين السودانيين مرتفعة. إذا قاد حمدوك حكومة منفى، فإنه سيساهم في الحصول على الاعتراف من الهيئات الدولية والمؤسسات المالية والمنظمات الإنسانية.
• دور تقدُّم و الجماعات المعارضة الأخرى
يمكن أن توفر تقدُّم، كائتلاف للجماعات المعارضة، الدعم السياسي الواسع الذي تحتاجه حكومة المنفى. لتقدُّم جذور في الحركات الثورية السودانية وعملت على إنشاء جبهة موحدة لمعارضة الحكومة العسكرية الحالية. إذا أصبحت تقدُّم الهيئة التنظيمية الرئيسية في حكومة المنفى، فسيعزز ذلك شرعية المبادرة بين السودانيين والفصائل الخارجية.
سيتعين على الائتلاف ضمان بقاءه شاملاً لجميع الجماعات السياسية الرئيسية، بما في ذلك الأحزاب السياسية السودانية ومنظمات المجتمع المدني، وحتى حركات المعارضة المسلحة. سيعزز هذا الشمولية من مصداقية حكومة المنفى ويمكّنها من تعبئة الموارد المالية والسياسية.
• الدعم الدولي والاعتراف
لا يمكن لحكومة منفى أن تعمل بنجاح دون اعتراف ودعم من المجتمع الدولي. سيتعين على الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الاعتراف بهذه الحكومة ودعمها، سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو من خلال تقديم المساعدات وفرض العقوبات على النظام العسكري.
يمكن أن يكون الاعتراف الدولي أحد التحديات الرئيسية التي تواجه حكومة المنفى. رغم أن عبد الله حمدوك وتقدُّم يتمتعان بمصداقية دولية، إلا أن نجاح حكومة المنفى يعتمد على الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة واهتمامات القوى العالمية. إذا كان المجتمع الدولي منقسمًا، كما هو الحال غالبًا في حالات الاضطرابات السياسية في إفريقيا، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض فعالية الحكومة.
ومع ذلك، يمكن لموقع السودان الاستراتيجي، خاصة في منطقة القرن الأفريقي وإمكاناته في استقرار النزاعات الإقليمية، أن يمنح حكومة المنفى نفوذًا للحصول على دعم القوى المؤثرة.
• الوصول إلى الموارد
ستحتاج حكومة المنفى الناجحة إلى الوصول إلى الموارد، سواء المالية أو اللوجستية، للحفاظ على عملياتها وتوفير احتياجات الأشخاص الذين تدعي تمثيلهم. يشمل ذلك الأموال الخاصة بالتواصل الدبلوماسي، والمساعدات الإنسانية، وحملات الإعلام، ودعم اللاجئين السودانيين. يمكن للجالية السودانية في الخارج، خاصة في دول مثل مصر والسعودية والولايات المتحدة وأوروبا، أن توفر الموارد اللازمة وتحشد المجتمع الدولي.
غالبًا ما تجد حكومات المنفى صعوبة في الوصول إلى الموارد بسبب غياب جهاز الدولة الرسمي. ومع ذلك، من خلال بناء تحالفات مع دول ومنظمات دولية أخرى، يمكن لحكومة منفى سودانية تأمين التمويل والدعم اللوجستي اللازم.
• رؤية موحدة لمستقبل السودان
يجب أن تقدم حكومة المنفى رؤية موحدة لمستقبل السودان، تعتمد على المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون. بدون منصة متماسكة، قد تظهر الانقسامات الداخلية بسرعة، مما يقوض شرعية الحكومة. تشمل الجوانب الرئيسية لهذه الرؤية:
• الالتزام بالتحول الديمقراطي: خارطة طريق للانتخابات، وإنشاء المؤسسات الديمقراطية، واستعادة الحكم المدني.
• المصالحة وبناء السلام: معالجة الانقسامات العرقية والإقليمية العميقة في البلاد، خاصة النزاعات في دارفور وجنوب كردفان.
• الإصلاح الاقتصادي: بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحرج في السودان، يجب على الحكومة أن تضع استراتيجيات لمكافحة التضخم، واستعادة الخدمات الأساسية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ستساعد الرؤية الواضحة والواقعية في الحفاظ على الوحدة بين فصائل المعارضة المختلفة وجذب كل من الشعب السوداني والمجتمع الدولي.
• التحديات التي قد تواجه إقامة حكومة منفى سودانية
1. مقاومة الجيش والانقسام السياسي
أكبر تحدٍ لحكومة المنفى هو التأثير المستمر للجيش في السودان. لا تزال القوات المسلحة السودانية، وبخاصة قوات الدعم السريع، قوة هامة، ومن المحتمل أن تقاوم أي بدائل سياسية، بما في ذلك حكومة منفى. إن قدرتهم على السيطرة على المؤسسات الرئيسية وقيامهم بالقمع العنيف يجعلهم خصمًا صعبًا.
علاوة على ذلك، فإن المشهد السياسي السوداني يعاني من تفتت عالٍ، مع وجود فصائل معارضة وحركات مسلحة تتبنى رؤى مختلفة لمستقبل السودان. سيتعين على حكومة المنفى التغلب على هذه الانقسامات الداخلية وتقديم جبهة موحدة، وهو أمر قد يكون صعبًا.
2. الديناميكيات الجيوسياسية
للدول المجاورة للسودان مثل مصر وإثيوبيا والسعودية مصالحها الخاصة في الوضع السياسي السوداني. قد تدعم هذه الدول أو تعارض حكومة المنفى بناءً على أولوياتها الاستراتيجية وتحالفاتها مع الحكومة العسكرية في الخرطوم. إن ديناميكيات حوض النيل، والنزاعات الحدودية مع إثيوبيا، والاستقرار الإقليمي في القرن الأفريقي تجعل مستقبل السودان قضية مثيرة للجدل بالنسبة لجيرانه.
سيتعين على حكومة منفى سودانية التنقل بحذر بين هذه العلاقات المعقدة لتجنب استعداء الفاعلين الإقليميين الرئيسيين.
.3 الانقسام الداخلي والفصائلية
بينما قد تمثل تقدُّم وغيرها من الجماعات المعارضة مجموعة واسعة من القوى السياسية، فإن الانقسامات الداخلية داخل هذه الجماعات قد تعيق تشكيل حكومة موحدة. كانت السياسة السودانية تاريخيًا مليئة بالفصائلية، مع وجود انقسامات عرقية ودينية وأيديولوجية. إذا لم تتمكن هذه الفصائل من التوفيق بين اختلافاتها، فقد تواجه حكومة المنفى اضطرابات داخلية تقوض قدرتها على الحكم بفعالية.
5 . التوقعات من حكومة المنفى السودانية
5. التحول الديمقراطي
أحد التوقعات الرئيسية من حكومة المنفى سيكون استعادة الحكم الديمقراطي في السودان. من المرجح أن تدفع الحكومة من أجل انتقال يقوده المدنيون، وإنشاء دستور انتقالي، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. يتماشى هذا الهدف مع تطلعات العديد من السودانيين الذين خرجوا إلى الشوارع في عام 2019 مطالبين بإنهاء الحكم الاستبدادي وإقامة دولة ديمقراطية.
6. بناء السلام والمصالحة الوطنية
من المتوقع أن تبدأ حكومة المنفى مفاوضات السلام مع مختلف الجماعات المعارضة المسلحة، بما في ذلك تلك الموجودة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. ستكون المصالحة الوطنية، التي تعالج الأسباب الجذرية للنزاع وتؤسس العدالة للجرائم الحربية، أيضًا هدفًا مهمًا. ستسعى الحكومة إلى إنشاء عملية سلام تجمع جميع الأطراف السودانية على الطاولة، بما في ذلك المجموعات العرقية المهمشة.
7.. التعافي الاقتصادي
في ضوء الأزمة الاقتصادية في السودان، ستكون إحدى التوقعات الرئيسية قدرة حكومة المنفى على معالجة التحديات الاقتصادية. يواجه السودان تضخمًا مرتفعًا، وديونًا ضخمة، وانهارًا في الخدمات الأساسية. يمكن للمؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن تلعب دورًا رئيسيًا في توفير الموارد اللازمة لإعادة بناء الاقتصاد، بشرط أن تتمكن حكومة المنفى من إثبات شرعيتها واستقرارها السياسي.
8. المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين
من المحتمل أن تركز حكومة المنفى على تنسيق المساعدات الإنسانية لمواجهة احتياجات اللاجئين والنازحين السودانيين. سيكون توفير الغذاء، والمأوى، والمساعدات الطبية، والتعليم للاجئين السودانيين داخل وخارج البلاد جزءًا مركزيًا من عملياتها.
إن إمكانية إقامة حكومة منفى سودانية ناجحة تحت قيادة عبد الله حمدوك وإشراف تقدُّم تعتمد على عدة عوامل: وحدة فصائل المعارضة، ودعم المجتمع الدولي، والقدرة على معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية في السودان. على الرغم من أن التحديات كبيرة، خصوصًا في ظل هيمنة الجيش والديناميكيات السياسية الإقليمية، إلا أن مصداقية حمدوك وتقدُّم، إلى جانب رؤية واضحة وشاملة لمستقبل السودان، توفر أساسًا يمكن من بناء حكومة منفى فعّالة.
تشمل التوقعات من هذه الحكومة توجيه السودان نحو التحول الديمقراطي، والمصالحة الوطنية، والتعافي الاقتصادي. ومع ذلك، يجب أن تتجاوز حكومة المنفى العديد من العقبات لتحقيق هذه الأهداف. يعتمد النجاح على الوحدة الداخلية بين جماعات المعارضة والقدرة على تأمين الدعم الدولي الفعال، وكذلك على استعداد الجيش للسماح بالحكم المدني.
وبينما يحمل إنشاء حكومة منفى سودانية وعدًا، فإن نجاحها يعتمد على القيادة الاستراتيجية، والانخراط الدبلوماسي، والقدرة على إلهام الأمل بين الشعب السوداني.
aahmedgumaa@yahoo.com
أوتاوا – كندا
******************
لقد كنا اول من نادى بإقامة حكومة منفى سودانية منذ فبراير 2024 تحت إشراف (قحت –تقدُّم) وقيادة عبد الله حمدوك بل واقترحت مواصلة الCabinet القديم برجاله ونسائه في مواصلة المشوار. وكنا نعلم ان اقامة حكومة منفى ناجحة دونها خرط القتاد- وهي قضية معقدة ومتعددة الأبعاد تتطلب تحليل مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين الداخلي السوداني والدولي.
يتطلب هذا الجهد توازنًا دقيقًا بين القيادة، والأهداف الاستراتيجية، والانخراط الدبلوماسي، ودعم مختلف أصحاب المصلحة المحليين والدوليين. وقد ثبت من توالي الاحداث وزيادة الفواجع - وليس آخرها أحداث نيالا والثورة الحارة 17 حيث تحضد آلة القتل من الدعم السريع والجيش ارواح الابرياء من المدنيين. لقد اتضح تماما ان هذه الحرب اللعينة ليس فيها منتصر ولكن تأكد تماما ان فيها خاسر وحيد هم المدنيون - وهم القطاع الضعيف الذي لا يملك لامر نفسه حولا ولا قوة. وهذا الامر يقتضي ان تتولى (جهة) ما مخاطبة العالم (بقوة) بالشأن السوداني وما آل اليه المآل، وليس في نظري من هو أكثر تأهيلا لذلك مثل (تقدم) وهي في رأي افضل برلمان مثل قطاعات الشعب السوداني منذ استقلاله. وايضاً ليس هنالك – ولا نقول أفضل - شخص لقيادة هذه الجوقة مثل الدكتور عبد الله حمدوك- ولكنه الانسب – والذي كاد أن يعبر بنا تماما لبر الامان لولا ذلك الانقلاب المشئوم. فما هي فرص النجاح امام الشعب السوداني ان يرى هيئة تمثله وتخرج به الى بر الامان؟
• المقدمة
شهدت الساحة السياسية في السودان حالة من عدم الاستقرار والانقلابات العسكرية والنزاعات الطويلة. بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019، بدأ السودان انتقالًا صعبًا نحو الديمقراطية. ومع ذلك، فإن هذا الانتقال واجه العديد من الانتكاسات، بما في ذلك الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. كان حمدوك، الذي يعتبر اقتصاديًا بارعًا ومسؤولًا أمميًا سابقًا، يُنظر إليه كقوة استقرار خلال الحكومة الانتقالية وكان يُعتبر رمزًا لتطلعات السودان للإصلاحات الديمقراطية. أوقف الانقلاب هذه التطلعات فجأة، مما أدى إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي في السودان بشكل كبير.
في ظل الاضطرابات السياسية المستمرة، قد تشكل إقامة حكومة منفى بقيادة حمدوك وإشراف تقدُّم بديلاً سياسيًا موحدًا يعكس آمال السودانيين في التغيير الديمقراطي. تهدف هذه الحكومة إلى توفير بديل سياسي موحد، وتعزيز الإصلاحات الديمقراطية، والعمل على تأمين الدعم الدولي للانتقال إلى الحكم المدني.
سيستكشف هذا المقال إمكانية إقامة مثل هذه الحكومة، ويحلل العوامل التي قد تساهم في نجاحها، والتحديات التي ستواجهها، والتوقعات التي يمكن أن تحققها.
• السياق: المشهد السياسي في السودان وضرورة وجود حكومة منفى
واجه السودان عقودًا من الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية والحكم العسكري. أدى الإطاحة بالبشير في عام 2019 إلى إشعال آمال في انتقال ديمقراطي، لكن الانقلاب العسكري في 2021 دمر هذه الآمال. يعاني السودان الآن من حالة من عدم الاستقرار والعنف والأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت بفعل النزاعات الداخلية، خاصة في منطقة دارفور والمنطقة الشرقية من البلاد.
غالبًا ما تُعتبر حكومة المنفى الحل الأخير في الحالات التي يكون فيها الحكومة المحلية غير فعّالة أو قمعية. تهدف الحكومات منفى السودانية إلى تقديم القيادة لحركات المقاومة وجذب الدعم الدولي. السؤال المطروح هو: هل يمكن لهذه الحكومة منفى، تحت إشراف تقدُّم وقيادة حمدوك، أن توجه السودان نحو مستقبل ديمقراطي وآمن ومزدهر؟
• العوامل الرئيسية لإنشاء حكومة منفى سودانية ناجحة
• . قيادة عبد الله حمدوك
تلعب قيادة حمدوك دورًا حاسمًا في نجاح حكومة المنفى. جعلته سمعته كخبير اقتصادي ودبلوماسي ومصلح شخصية محورية في الداخل والخارج. كانت فترة رئاسته للحكومة الانتقالية مليئة بخطوات إصلاحية هامة، مثل إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الأمريكية، ومحاولات معالجة عبء الدين السوداني. ومع ذلك، كانت جهوده محدودة بالتدخلات العسكرية والمجتمع السوداني المنقسم.
لكي تنجح حكومة المنفى، يجب أن تستمر قيادة حمدوك في بث الاستقرار والالتزام بأهداف السودان الطويلة الأجل في التحول الديمقراطي. تظل مصداقية حمدوك مع الفاعلين الدوليين (مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) ومع المواطنين السودانيين مرتفعة. إذا قاد حمدوك حكومة منفى، فإنه سيساهم في الحصول على الاعتراف من الهيئات الدولية والمؤسسات المالية والمنظمات الإنسانية.
• دور تقدُّم و الجماعات المعارضة الأخرى
يمكن أن توفر تقدُّم، كائتلاف للجماعات المعارضة، الدعم السياسي الواسع الذي تحتاجه حكومة المنفى. لتقدُّم جذور في الحركات الثورية السودانية وعملت على إنشاء جبهة موحدة لمعارضة الحكومة العسكرية الحالية. إذا أصبحت تقدُّم الهيئة التنظيمية الرئيسية في حكومة المنفى، فسيعزز ذلك شرعية المبادرة بين السودانيين والفصائل الخارجية.
سيتعين على الائتلاف ضمان بقاءه شاملاً لجميع الجماعات السياسية الرئيسية، بما في ذلك الأحزاب السياسية السودانية ومنظمات المجتمع المدني، وحتى حركات المعارضة المسلحة. سيعزز هذا الشمولية من مصداقية حكومة المنفى ويمكّنها من تعبئة الموارد المالية والسياسية.
• الدعم الدولي والاعتراف
لا يمكن لحكومة منفى أن تعمل بنجاح دون اعتراف ودعم من المجتمع الدولي. سيتعين على الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الاعتراف بهذه الحكومة ودعمها، سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو من خلال تقديم المساعدات وفرض العقوبات على النظام العسكري.
يمكن أن يكون الاعتراف الدولي أحد التحديات الرئيسية التي تواجه حكومة المنفى. رغم أن عبد الله حمدوك وتقدُّم يتمتعان بمصداقية دولية، إلا أن نجاح حكومة المنفى يعتمد على الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة واهتمامات القوى العالمية. إذا كان المجتمع الدولي منقسمًا، كما هو الحال غالبًا في حالات الاضطرابات السياسية في إفريقيا، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض فعالية الحكومة.
ومع ذلك، يمكن لموقع السودان الاستراتيجي، خاصة في منطقة القرن الأفريقي وإمكاناته في استقرار النزاعات الإقليمية، أن يمنح حكومة المنفى نفوذًا للحصول على دعم القوى المؤثرة.
• الوصول إلى الموارد
ستحتاج حكومة المنفى الناجحة إلى الوصول إلى الموارد، سواء المالية أو اللوجستية، للحفاظ على عملياتها وتوفير احتياجات الأشخاص الذين تدعي تمثيلهم. يشمل ذلك الأموال الخاصة بالتواصل الدبلوماسي، والمساعدات الإنسانية، وحملات الإعلام، ودعم اللاجئين السودانيين. يمكن للجالية السودانية في الخارج، خاصة في دول مثل مصر والسعودية والولايات المتحدة وأوروبا، أن توفر الموارد اللازمة وتحشد المجتمع الدولي.
غالبًا ما تجد حكومات المنفى صعوبة في الوصول إلى الموارد بسبب غياب جهاز الدولة الرسمي. ومع ذلك، من خلال بناء تحالفات مع دول ومنظمات دولية أخرى، يمكن لحكومة منفى سودانية تأمين التمويل والدعم اللوجستي اللازم.
• رؤية موحدة لمستقبل السودان
يجب أن تقدم حكومة المنفى رؤية موحدة لمستقبل السودان، تعتمد على المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون. بدون منصة متماسكة، قد تظهر الانقسامات الداخلية بسرعة، مما يقوض شرعية الحكومة. تشمل الجوانب الرئيسية لهذه الرؤية:
• الالتزام بالتحول الديمقراطي: خارطة طريق للانتخابات، وإنشاء المؤسسات الديمقراطية، واستعادة الحكم المدني.
• المصالحة وبناء السلام: معالجة الانقسامات العرقية والإقليمية العميقة في البلاد، خاصة النزاعات في دارفور وجنوب كردفان.
• الإصلاح الاقتصادي: بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحرج في السودان، يجب على الحكومة أن تضع استراتيجيات لمكافحة التضخم، واستعادة الخدمات الأساسية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ستساعد الرؤية الواضحة والواقعية في الحفاظ على الوحدة بين فصائل المعارضة المختلفة وجذب كل من الشعب السوداني والمجتمع الدولي.
• التحديات التي قد تواجه إقامة حكومة منفى سودانية
1. مقاومة الجيش والانقسام السياسي
أكبر تحدٍ لحكومة المنفى هو التأثير المستمر للجيش في السودان. لا تزال القوات المسلحة السودانية، وبخاصة قوات الدعم السريع، قوة هامة، ومن المحتمل أن تقاوم أي بدائل سياسية، بما في ذلك حكومة منفى. إن قدرتهم على السيطرة على المؤسسات الرئيسية وقيامهم بالقمع العنيف يجعلهم خصمًا صعبًا.
علاوة على ذلك، فإن المشهد السياسي السوداني يعاني من تفتت عالٍ، مع وجود فصائل معارضة وحركات مسلحة تتبنى رؤى مختلفة لمستقبل السودان. سيتعين على حكومة المنفى التغلب على هذه الانقسامات الداخلية وتقديم جبهة موحدة، وهو أمر قد يكون صعبًا.
2. الديناميكيات الجيوسياسية
للدول المجاورة للسودان مثل مصر وإثيوبيا والسعودية مصالحها الخاصة في الوضع السياسي السوداني. قد تدعم هذه الدول أو تعارض حكومة المنفى بناءً على أولوياتها الاستراتيجية وتحالفاتها مع الحكومة العسكرية في الخرطوم. إن ديناميكيات حوض النيل، والنزاعات الحدودية مع إثيوبيا، والاستقرار الإقليمي في القرن الأفريقي تجعل مستقبل السودان قضية مثيرة للجدل بالنسبة لجيرانه.
سيتعين على حكومة منفى سودانية التنقل بحذر بين هذه العلاقات المعقدة لتجنب استعداء الفاعلين الإقليميين الرئيسيين.
.3 الانقسام الداخلي والفصائلية
بينما قد تمثل تقدُّم وغيرها من الجماعات المعارضة مجموعة واسعة من القوى السياسية، فإن الانقسامات الداخلية داخل هذه الجماعات قد تعيق تشكيل حكومة موحدة. كانت السياسة السودانية تاريخيًا مليئة بالفصائلية، مع وجود انقسامات عرقية ودينية وأيديولوجية. إذا لم تتمكن هذه الفصائل من التوفيق بين اختلافاتها، فقد تواجه حكومة المنفى اضطرابات داخلية تقوض قدرتها على الحكم بفعالية.
5 . التوقعات من حكومة المنفى السودانية
5. التحول الديمقراطي
أحد التوقعات الرئيسية من حكومة المنفى سيكون استعادة الحكم الديمقراطي في السودان. من المرجح أن تدفع الحكومة من أجل انتقال يقوده المدنيون، وإنشاء دستور انتقالي، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. يتماشى هذا الهدف مع تطلعات العديد من السودانيين الذين خرجوا إلى الشوارع في عام 2019 مطالبين بإنهاء الحكم الاستبدادي وإقامة دولة ديمقراطية.
6. بناء السلام والمصالحة الوطنية
من المتوقع أن تبدأ حكومة المنفى مفاوضات السلام مع مختلف الجماعات المعارضة المسلحة، بما في ذلك تلك الموجودة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. ستكون المصالحة الوطنية، التي تعالج الأسباب الجذرية للنزاع وتؤسس العدالة للجرائم الحربية، أيضًا هدفًا مهمًا. ستسعى الحكومة إلى إنشاء عملية سلام تجمع جميع الأطراف السودانية على الطاولة، بما في ذلك المجموعات العرقية المهمشة.
7.. التعافي الاقتصادي
في ضوء الأزمة الاقتصادية في السودان، ستكون إحدى التوقعات الرئيسية قدرة حكومة المنفى على معالجة التحديات الاقتصادية. يواجه السودان تضخمًا مرتفعًا، وديونًا ضخمة، وانهارًا في الخدمات الأساسية. يمكن للمؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن تلعب دورًا رئيسيًا في توفير الموارد اللازمة لإعادة بناء الاقتصاد، بشرط أن تتمكن حكومة المنفى من إثبات شرعيتها واستقرارها السياسي.
8. المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين
من المحتمل أن تركز حكومة المنفى على تنسيق المساعدات الإنسانية لمواجهة احتياجات اللاجئين والنازحين السودانيين. سيكون توفير الغذاء، والمأوى، والمساعدات الطبية، والتعليم للاجئين السودانيين داخل وخارج البلاد جزءًا مركزيًا من عملياتها.
إن إمكانية إقامة حكومة منفى سودانية ناجحة تحت قيادة عبد الله حمدوك وإشراف تقدُّم تعتمد على عدة عوامل: وحدة فصائل المعارضة، ودعم المجتمع الدولي، والقدرة على معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية في السودان. على الرغم من أن التحديات كبيرة، خصوصًا في ظل هيمنة الجيش والديناميكيات السياسية الإقليمية، إلا أن مصداقية حمدوك وتقدُّم، إلى جانب رؤية واضحة وشاملة لمستقبل السودان، توفر أساسًا يمكن من بناء حكومة منفى فعّالة.
تشمل التوقعات من هذه الحكومة توجيه السودان نحو التحول الديمقراطي، والمصالحة الوطنية، والتعافي الاقتصادي. ومع ذلك، يجب أن تتجاوز حكومة المنفى العديد من العقبات لتحقيق هذه الأهداف. يعتمد النجاح على الوحدة الداخلية بين جماعات المعارضة والقدرة على تأمين الدعم الدولي الفعال، وكذلك على استعداد الجيش للسماح بالحكم المدني.
وبينما يحمل إنشاء حكومة منفى سودانية وعدًا، فإن نجاحها يعتمد على القيادة الاستراتيجية، والانخراط الدبلوماسي، والقدرة على إلهام الأمل بين الشعب السوداني.
aahmedgumaa@yahoo.com