عبير الامكنة المهندس محمد موسي ادم (6/8)

 


 

 

محمد صالح عبدالله يس

اتصل بي احد الاخوة الاعزاء وهو احد زملاء الدراسة مادحا وشاكرا علي تلك الذكريات وكنا قد عشنا معا طفولةً باذخة فتجاذبنا اطراف الحديث وكنت اعلم ان احوال واوضاع البلاد قد سرقت منه كل احلامه وطاحت بها والقتها الي مهوي سحيق رغم عبارات التاسي والحزن الظاهر علي نبرات صوته كان يقول لي نحن بخير الحمد لله
كنت متيقنا ان عباراته ليست بصدقيته المعهوده التي عرفتها به منذ اكثر من خمسون عاما ربما كانت مجاملة لي ونحن اهل السودان لنا المقدرة في اخفاء معاناتنا ونعتقد ان التحدث عن واقعنا واحوالنا بتجرد له تبعاته وكلفته
فنحن نخفي حزننا واوجاعنا وآلامنا احيانا خلف عبارة (أنا بخير) عبارة نحن بخير هي لازمة المجاملة في قاموس السودانيون تجد السوداني محاصر ورقبته بين السيف والنطع ويرمقه الموت من حيث يلتفت فاذا سالته يقول لك انا بخير تبا لعزة النفس وسحقا لواقع لا‌ يوجد به احتواء صادق نقول نحن بخير والشرور والمحن تحاصرنا من كل الاتجاهات
اتصل بي بعض ابناء الدفعة واذكوا بداخلي جذوة ذكريات تستحق التوثيق والكتابة عنها وما دمت بصدد ذلك الحكي اعود للاخ ابكر خاطر وقصة حلاوة الحربة التي كان احيانا يحتفظ بها في شنطته لالتهامها في فترة خروجنا للفسحة { نظام الشوفوني والهندكة } في ذلك العهد كانت شنط الحديد هي عبارة عن مخازن لتخزين الوجبات الخفيفة وبالطبع ليس من بينها سندوتشات بيرقر اوهوت دوك ففي تلك الايام لم نعرف هذه الوجبات والوحيد الذي يحضر الي الفصل بسندوتش محشي بالمربع او الطحينة او الجبنة كان اخي اوجاري الفاضل محمد الزاكي فقدكان دكان جده حاج الزاكي من اجمل دكاكين السيوبرماركت فرفوفه مليئة بالمعلبات المتنوعة والتي لاتوجد الا بالخرطوم حتي المايونيز متوفر عنده وهنا في فرنسا كنت اتحدث مع اولادي اثناء تناولهم لوجبة باحدي المطاعم وسالوني ماذا تحب المايونيز ام الكتشاب فقلت لهم احب الماينوز وقلت لهم انني اكلت هذا المايونيز في اواخر ستينات القرن الماضي في مدينتنا امكدادة فاندهشت والدتهم ولم تصدق ادعائي عموما الاخ الفاضل كان يخصني بقطعة من السندوتش برا بجيرتنا وصداقتنا
بقية الطلاب بعضهم يحمل اويخزن في شنطته التبش او العجور وبعضهم لديهم قراصة النبق وقطع السمسمية او الفولية واحيانا يكرمنا زملائنا ابناء الداخلية باكل البطيخ الذي يخفونه تحت اسرتهم اما الخميس طويرة التي اشتهر بها الاخ عبود خليل واخوه عبد العزيز والطيب فقد كانوا ثلاثتهم في عنبر واحد وأسِرتهم متجاورة ولكنهم كانوا كرماء يسبغون نعمهم علي الجميع فعبود كانت لديه صفيحة مكتظة بتلك النعم واذكر مرة قد فقد الطبلة واحتار في فتح الصفيحة حتي هداه الاخ ضوالبيت عبد اللطيف( رحمه الله ) لاستخدام سلك لفتح الطبلة وبالفعل احضر سلكا ثم ضربه حتي تمدد طرفه واصبح مثل المفك ثم شكله كما المنفلة ثم ادخله في فتحة الطبلة وحرك السلك يمنة ويسري حتي فتح الطبلة وتم حل المشكلة ولكن بعد تلك الحادثة اشتكي الكثير من تلاميذ الداخلية انهم وجدو صفائحهم قد فقدوا منها بعض مدخراتهم ويبدو ان هناك بعض ضعاف النفوس راقت لهم تلك الفكرة فبحثو عن السلوك وصنعوا منها مفاتيح واعتدوا بها علي بعض صفائح زملائهم اثناء غيابهم ولكن هناك بعض الصفائح ظلت في مأمن لا طبلها يصعب فتحها بالسلك العادي فقد كانت طلبًا قويا يصعب فتحا بالسلك وكنا نسمي ذلك النوع من الطبل بالطبلة ( المسوكرة ) وكان عادة مايتم هذا الاعتداء يوم الجمعة هو اليوم الذي يغادر فيه تلاميذ الداخلية الي قراهم القريبة وماتبقي منهم يذهبون الي زيارة زملائهم عموما نعود الي قصة الاخ ابكر خاطر وقصة حلاوة الحربة التي يحتفظ بها في شنطته فيخرجها بطريقة مستفزة للجميع واثناء تواجدنا بالقرب من المزيرة يراه زملاؤه ويخرج لسانه مستمتعا بمص حلاوته وجميعنا ننظر اليه بشوق فقد كانت لونها اخضر واحيانا يطلب منه احد زملائه ان يمنحه منها مصه حتي يشفي غليله فكان يوافق شريطة الا تتعدي المصة ثواني ولكم ان تتخيلوا هذه الحنية والحميمية فكان يمسك الحلوي من عودها ويعطيك منها مصه ويسحبها بسرعة مجنونة حتي لا يستمرأ صاحب المصة في الاستمرار والتمادي لانه من الصعوبة مقاومة طعمها واذكر انه في احدي المرات طلب منه الاخ ( شمو عمر سعد ) مصة فناوله ولكن شمو قبض قطعة الحلوي بسنونة ورفض ان يطلقها فماكان من ابكر الا وانتزع منه القطعة بقوة ولكنه استخرج العود وترك بقية القطعة في فم الاخ شمو فما كان من ابكر إلا وان قبض شمو من رقبته وطرحه ارضا في محاولة يائسة ان يخرج حطامها من فمه ويريد ان ينتاشها منه واني له التناوش من عمق سحيق حاولنا فك الاشتباك الا ان شمو استمر في مضغها حتي ابتلع ريقه وسافرت لذتها الي حلقه وعبرت المريئ الي داخل جوفه وابكر مازال مستمرا في خنقه عسي ولعل ان يعيد جزء منها ولكنه فشل فشلا ذريعا ويأس منه كما يأس الكفار من اهل القبور فتركه وتوجه مسرعا الي مكتب المدرسين ورفع مظلمته مباشرة لاستاذ حيدر الذي كان هو مشرف الفصل وكنا قد احتشدنا جميعنا داخل المكتب وتحولنا جميعا كشهود وإن كان الامر لايحتاج الي شهود فحيثيات الجريمة مكتملة فباقي عود الحلوي بيد ابكر وجزء من صبغة الحلوي الخضراء في قميص شمو ومازال يبتلع ريقه ولكن شمو نكر وقال ان قطعة الحلوي قد انتهت وتبقي منها العود فقط وهو اخذ من مصه وتركه ولكن الاستاذ طلب منه استخراج لسانه فاخرجة فاذا به قد انطلي باللون الاخضر لون قطعة الحلوي وقد اجتهد وحاول اخفاء الجريمة الا ان الادلة كانت كافية وشمو كان معروفا بحبه للشغب وكان اسمه لايخلو من كشف المهرجلين في الفصل فعاقبه الاستاذ وطلب منه ان يعتذر لابكر واستمرت علاقاتهما متوترة حتي نهاية العام الدراسي والذي كان اوشك او قارب نهايته
ونواصل
Ms.yaseen5@gmail.com

 

آراء