مقدم الشرطة والظاظا: ليأخذ الإسلاميون الحكمة من ود الحسين الذي قال لهم لو نزل الترابي تاني في دائرة الصحافة بسقطو (1-2)

 


 

 

عبد الله علي إبراهيم

(من أطرف ما يروى عن الإسلاميين في السودان حكايتهم مع ود الحسين القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي في ما يتعلق بانتخاب العميد عمر حسن أحمد البشير رئيساً للجمهورية في انتخابات انعقدت بعد عقد من انقلابه في 1989).
لم تمنع الحرب الشعواء من أن تحتل لجنة تفكيك نظام الـ30 من يونيو 1989، التي أمرت الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019 بتوافق الأطراف السودانية على أن تدار بها الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر 2018، واجهة الأخبار في الأسبوع الماضي.
وعادت اللجنة خبراً شغل الناس بعد حلها أو تجميدها وإلغاء كافة قراراتها بعد انقلاب العسكريين على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر2021. فخرج مقدم الشرطة عبدالله سليمان، العضو السابق باللجنة، في بث مباشر ليقول، شهادة للتاريخ بفساد اللجنة واستئثار أعضائها وأحزابهم بالأموال والأصول التي استردتها اللجنة ممن اتهمتهم بالفساد من أعضاء حكومة الإنقاذ وحزبها (المؤتمر الوطني). ووقع خبر فساد اللجنة للإنقاذيين والفلول على جرح. فها قد شهد شاهد من أهلها بأن الثورة كانت عكارة سياسية قام بها نصابون بلا وازع. وساء خبر العقيد أنصار الثورة واتهموا دوافعه للخروج بـ"افتراءاته" عليهم، ورتبوا لندوة لدحضها تحدث فيها وجدي ميرغني من قوى الحرية والتغيير وحزب البعث العربي الاشتراكي، الوجه المقدم فيها.
والمقدم قصة شقية في عاصفات السودان منذ الثورة. وكان تعرض إلى ظلم كثير نتيجة عمله باللجنة. فكانت تقدمت وداد بابكر، زوجة الرئيس المخلوع عمر البشير، ببلاغ ضده لتصويرها لدى مثولها للتحقيق أمام لجنة التفكيك ونشر صورها على الملأ. وأوقفته رئاسة الشرطة عن العمل. ولكن سحب البلاغ لعدم كفاية الأدلة ولم ترفع الشرطة مع ذلك عنه الإيقاف عن العمل. وجرى اعتقاله بعد انقلاب أكتوبر 2021 ولم يطلق سراحه في 27 نوفمبر من العام نفسه كغيره من معتقلي تلك الفترة. وأحيل إلى التقاعد في التاسع من ديسمبر 2021 ضمن كشف صادر عن الفريق الركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة. ولم يطلق سراحه حتى ولا بالضمان لتهمة جديدة في مواجهته في بلاغ تحت المادة 177 (2) خيانة الأمانة.
واتهم المقدم عبد الله مدير إدارة الموارد المعدنية السابق مبارك أردول بأنه من كان وراء البلاغ بخيانة الأمانة لأنه كان من كشف انتفاعه الشخصي من معاملات مالية في وزارته. وأشار بإصبع الاتهام إلى البرهان بأنه كان من حرض على اعتقاله وإيقافه. وكان البرهان في البادئ مستاء من أداء العقيد في لجنة التمكين حتى إنه قال للشرطة، في رواية المقدم، "عندكم مقدم ما قادرين عليه ولا شنو؟". وأرجع غلظة الشرطة معه إلى أنه لاحق مدير الجمارك، وشركة "كوشاي" الشرطية، وقيادات أخرى بالشرطة بتهم الفساد. وظل في الحبس حتى يوليو 2022.
وجاء وجدي في مباراة الرد على المقدم بعرض لتكوين اللجنة لينفي عنها التصرف في أي من الأموال والأصول التي تستردها للدولة. فاللجنة التي نشأت وفق المادة الثامنة من الوثيقة الدستورية، تشكلت من 18 عضواً خمسة منهم من قوى الحرية والتغيير التي قادت الثورة، و18 عضواً مثلوا مجلس السيادة والقوات المسلحة و"الدعم السريع" والاستخبارات والشرطة ووزارة المالية وبنك السودان ووزارة العدل والمراجع العام ووزارة العمل. وقال إنه لم يمر فيها قرار بحق متهم بالفساد إلا بالإجماع. وترفع لجانها الولائية والفرعية بمؤسسات الدولة، التي التزمت نفس تمثيل الكيانات ونسبها في اللجنة المركزية، توصياتها بما اتفق لها من تفكيك في ميدان عملها إلى "مقررية" تكونت من المدنيين من (قحت) في اللجنة المركزية لمناقشته. فإذا اتفقت المقررية مع رأي اللجنة الفرعية أو المصلحية رفعته توصية للجنة المركزية بكامل عضويتها. ومتى أجازتها صارت قراراً للتنفيذ. وما حجز القرار الصادر عن اللجنة المركزية مالاً أو عقاراً أودع في وزارة المالية في حساب فتحته الوزارة في بنك السودان باسم "الأموال المستردة". ويذهب العقار لمسجل الشركات بنفس الوزارة. ثم قامت في وزارة المالية لجنة لإيداع الموارد المستردة هي "لجنة الأموال والأصول المستردة". وقد تسترد اللجنة أموالاً وأصولاً تودعها الوزارة ذات الاختصاص. فقد استردت اللجنة أموالاً وأصولاً من جمعية دينية تصرفت في أراضي الوقف من دون حق فردتها إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
وقال وجدي، إنه حتى مال تسيير اللجنة المركزية للتفكيك ولجانها مودع في حساب فتحته وزارة المالية في بنك السودان يوقع المراجع العام وديوان الحسابات بالمالية على أذون الإيداع والصرف. وعليه فلم يكن بين يدي اللجنة مؤسسياً مالاً ليختلسه أعضاؤها.
لا يعرف المرء إن كان دفاع وجدي هذا سيغني شيئاً بعد صمت اللجنة المحير طوال الأربعة أعوام منذ حلها، و"شطب قراراتها بالأستيكة"، في قول أحدهم، بأحكام لمولانا محمد علي بابكر أبوسبيحة من فوق منصة القضائية. وحتى وجدي اعترف بأن شغلهم في لجنة التمكين ظل في براثن حملة للإسلاميين أنفقوا عليه أموالاً وصفها، تفكها، بـ"المستردة"، أي تلك التي حجزوها هم عن الفلول ليستعيدوها بعد انقلاب 2021. فصارت جراء كل ذلك سردية لجنة التفكيك من وضع خصمهم السياسي وبتوقيعه. وجاءتهم شهادة المقدم ربما بغير حاجة شديدة لها منهم. واعترف وجدي بأنهم قصروا في الإعلام عن أداء لجنتهم للجمهور وهو ما لم يعترف به في الورش التي انعقدت لتقييم أداء لجنة التمكين بعد القضاء على الحكومة الانتقالية في 2021. فقال، "ما كنا بنوري الناس. عملنا لجنة إعلامية للغرض وفشلنا. كنا نعتقد أن الإعلام عن اللجنة والمعلومة عن شغلها هو شغل قوى الحرية والتعبير. لم تنعقد أي ندوات للتوعية بعملنا. فشلنا في التواصل مع القاعدة والجماهير".
ونواصل

ibrahima@missouri.edu

 

 

آراء