“دِيوَانِيبْ”! أو .. القَصِيدَةُ الجَّبَلِيَّةْ …. شعر: كمال الجزولي
3 February, 2009
(1)
هل قُدَّ من صخرٍ عزيفُكَ فى انتظارِ الغاشيةْ ؟!
أم أنتَ من صخرٍ ..
قُدِدتْ؟!
أم أن صوَّانَ النشيدِ سياجُ صدركَ
يا ابنَ هذا الرُّعبِ ،
والليلِ
الطويلْ ؟!
أم أن أسيافَ اليقينِ على اليقينِ ..
تثلمتْ ،
فإذا بصهباءِ الحنينِ ثُمالةٌ ،
وكثيرُ شجْوكَ ، فى الأسىْ ، شجنٌ قليلْ ؟!
أم أن من ندَبوكَ للموتِ الزؤامِ ، وللشهادةِ ،
قايضوا فيكَ القوافىْ ..
بالمنافىْ ،
والحدائقَ بالحرائق ِ،
والبنفسجَ بالردى ، والحُلمَ ..
بالشجرِ
القتيلْ ؟!
(2)
صخرٌ لوجهِكَ فى الممرَّاتِ القديمةْ ،
صخرٌ لعينيكَ
صخرٌ لقدميكَ
صخرٌ .. وكلُّ الموتِ مرصودٌ لأغنيةٍ يتيمةْ ،
هل ضاعَ هذا الرصدُ فى وجدانِنا .. عبثاً ،
وهل ذهبَتْ مراثينا ..
سُدى ؟!
...............
...............
صخرٌ
وأغنيةٌ
وموتْ
...............
...............
هأنتَ تخرجُ من ..
جلالِ الموتِ ،
متشِحاً
بأغنيةِ الصخورِ الشُّمِّ ، ترجعُ ..
للصدى ،
قالَ الذين نحبهم:
يا ليتنا كنا ، فما كنا ، إذنْ ، فى موضِعِ
السيفِ التجأنا ..
للندى ،
حتى
تبدَّدَ حُلمُنا فىْ ذائبِ الذكرى ،
وغرغرَ
بالنشيجِ المُرِّ ، منْ أعراقنا ، دمُنا الموزَّعُ
فى
المدى
...............
...............
صخرٌ
وأغنيةٌ
وموتْ
...............
...............
إن الجراحَ تخُصُّ وجهَكَ .. وحدَهُ ،
إن الجراحَ ،
الآنَ ،
تلفظُ ملحَها ،
إن الجراحَ تضئ أبوابَ ..
المتاجرْ ،
ونزيفُكَ اليومىُّ يصعدُ فى بخارِ الشاحِناتِ ،
نزيفكَ
اليومىُّ
يهبطُ فى ثغاءِ .. النائحاتِ ،
نزيفك اليومىُّ يختزلُ المسافةَ بينَ صدرك
والخناجِرْ ،
فعلامَ صمتُكَ ..
أمْحَكَتْ كلُّ الدروبِ ،
استأكمَ السهلُ الفسيحُ ،
وصَوَّحَتْ
فيكَ الجريمةْ ،
يا أيها المأسورُ فى جُلبابِ سقطتِه ..
العظيمةْ ،
صخرٌ لوجهِكَ فى الممرَّاتِ القديمةْ ،
صخرٌ لعينيكَ
صخرٌ لقدميكَ
(3)
صخرٌ
وصخرٌ ،
لم يعُدْ فى البالِ غيرُ الصخرِ ، هلْ تُجدى ..
الأظافرْ ؟!
...............
...............
صخرٌ
وصخرٌ ،
لم يعُدْ فى الصخرِ غيرُ الصمتِ ، هل يُغنى ..
السؤالْ ؟!
...............
...............
وأراكَ أمشاجاً تَفرَّقُ فىْ ..
الورى ،
يا واحِداً فى كلِّ حالْ ،
خُذنى بعِشقك ..َ تلتقينىَ ساجِداً ،
زدنى بعِلمِكَ ..
أصطفيكَ ،
إنى وأنتَ البعضُ ، والبعضُ المُكَمِّلُ ،
كيفَ
جازَ ،
إذنْ ،
ضياعُ
الكلِّ
فيكَ ؟!
إنى وأنتَ النهرُ ..
والغرقىَ ،
فهل خفَّتْ ،
لنجدتِنا ،
مراثيكَ .. الطوالْ ؟!
أدمنتَ شهوتكَ الأثيرةَ ، لم تَنَلْ ..
غيرَ المخالِبِ
فى الظلامِ ،
ولم ..
تَنلْ
غيرَ
الحبالْ ،
وتأرجُحِ
الأجسادِ ..
بين الصخرِ والصخرِ ، هنا ،
وهناكَ أعقابُ التراتيلِ .. العقيمَةْ ،
فلأىِّ موتٍ ننتمى ؟!
...............
...............
قالَ الذين نحبهم:
يا بئسَ برق لا يليهِ الغيثُ ،
يا بئسَ الرعود المُستغيثة ، كالولايا ..
النادباتِ ،
لأىِّ
موتٍ
ننتمىْ ؟!
...............
...............
وبأىِّ شجوٍ نحتمى ؟!
...............
...............
قالَ الذين نحبهم:
كثرَتْ تواريخُ المراثىْ ،
ظِلها يمتدُّ
لا يمتدُّ أبعد منْ مدى البصرِ ..
الكليلِ ،
بأىِّ
شجوٍ
نحتمى ؟!
...............
...............
أهىَ البصيرةُ ،
أم هىَ الأبصارُ
قد
عَمِيَتْ ،
سواءٌ عندها الورقاءُ والعنقاءُ ، والصِّدِّيقُ
والزنديقُ ،
والمسخُ الدَّعىْ
ما كلُّ وضَّاحِ السَّنا ذهبٌ ، ولكن ..
من
يعِىْ ؟!
فاطوِ السُرادقَ بالمُعزِّينَ ..
الكسالى ،
مَصْمَصوا شفةً بثُفلِ القهوةِ الأولى ،
وأغفوا ..
فى سراديبِ الهزيمةْ ،
صخرٌ لوجهِكَ فى الممرَّاتِ القديمةْ ،
صخرٌ لعينيكَ
صخرٌ لقدميكَ
(4)
صخرٌ
وصخرٌ ،
لم يعُدْ إلاَّكَ فيكَ ، الآنَ ،
فانهضْ ،
من رمادِ الصمتِ .. إنهضْ ،
من خواءِ الموتِ ..
إنهضْ ،
من ضياعِ العُمْرِ
هدراً ،
من كسادِ الطيْلساناتِ ، البذاءاتِ ،
الشعاراتِ
الرَّجيمةْ ،
وانبعثْ ،
يا طائرَ الفينيقِ ،
إعصاراً يهُبُّ على القلانِسِ
شائهاتٍ ،
واللحى ..
مخضوبةً بدمىْ ،
وهرطقةِ الأكاذيبِ الدَّميمةْ ،
أنتَ
العليمُ ،
وصمتُكَ العِلمُ ..
القديمُ ،
وإننى ..
مزَّقتُ صدرىَ فى النشيجِ المُرِّ ..
بينَ
يديكَ ،
فانهضْ !
...............
...............
هذا المساءَ تشابهَ البَقَرُ
قد صَدَّ عصفكَ عن آذانِها الوقرُ
فاشدُدْ إليكَ صباحَكَ ، لا يُعتِّمُهُ
.. شبهُ الرجالِ بآلاءٍ لهُ كفروا
وإذا أصابَكَ ممَّا أنتَ فيهِ أذى فاصبرْ
جميلاً وقلْ: طوبى لِمن صَبَروا !
سواكن ـ سنكات ـ أركويت ـ الخرطوم بحري
1984 – 1985م