مصطفى سعيد لعنة الله عليك «الحلقة الأخيرة»
يبدو أن موضوع مطاردة مصطفى سعيد لي قد استهوت بعض أصدقائي. لقد انبسطوا من إفساده لأيامي في لندن، وطربوا لذلك أيّما طرب . اللهم قني شر حسادة أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم .
أيامي في لندن باتت معدودة، سألت الله أن تمر بسلام فلست بحاجة لأي مفاجأة . في آخر ثلاثة أيام استفسرتني إدارة الجامعة إذا ما كنت أرغب في قضاء بعض الأيام في لندن بعد انتهاء الكورس حتى يقوموا باللازم. شكرتهم وقلت لهم بعد نهاية الكورس بساعة سأكون في مطار هيثرو عائدا لوطني. أغلب الذين كانوا معنا في الكورس مددوا فترة إقامتهم ثلاثة أو أربعة أسابيع، ولكني كنت مسرعا الى حلب ومنغصات العيش كلها في حلب .
اتصل بي المحبوب باكرا قائلا إن البي بي سي، تُحضر ليوم عن السودان، وأن عمر الطيب يرغب في استضافتي في البرنامج الذي يعده لذلك اليوم. المهم حددنا مواعيد للقاء مع عمر في البي بي سي . في الاستقبال وجدت الاستاذ حاتم السر، الناطق الرسمي باسم التجمع الديمقراطي، قلت له ياحاتم ياخي، إنت مشعللها اليومين دي مالك هي البلد ناقصة نيران؟. قال مشعللها أنا ولاجماعتكم.. اتفقنا على لقاء، للأسف لم يتم .
أخذني عمر لداخل الاستوديوهات وقمت بتسجيل المادة المطلوبة، وبعدها كان عليّ أن أغادر مبنى الإذاعة الى مباني جامعة لندن التي تبعد مائة متر فقط عن مباني البي بي سي. ولكن الأخ عمر بودّه المعهود رغم زحمة عمله، استبقاني معه. فجرى الحديث عن جامعة لندن، سألته عن السودانيين الذين درسوا فيها، فقال لي إنه لايذكر أحدا غير الطيب صالح. قلت ياساتر؟ فقال لي: مالك؟ قلت: لاشيئ، لقد تذكرت أمرا وعليّ أن أغادر، وبالفعل نهضت من الكرسي بسرعة، وتقدم معي عمر مودعا لخارج المبنى، وفي الدهليز قال لي عمر: بمناسبة الطيب صالح، يقال إن الطيب كتب موسم الهجرة الى الشمال في هذه الغرفة.!!!! لم تكُ لي أدنى رغبة في الالتفات ناحية الغرفة التي أشار اليها، بل أسرعت في السير وكدتُ أعدو، ولكنني لم أكن أستطيع ذلك.. إذن هذا المكان شهد أيضا مولد هذا اللعين. كيف تسنّى لهذه الشخصية أن تولد في أكثر من مكان في آن واحد. مصطفى سعيد ولد في ضواحي الخرطوم على حسب إفادات الراوي، وإن كان المؤلف يشكك في ذلك. مصطفى سعيد، ولد في الرواية في ذلك المطعم التركي كما علمت، وها هو الآن يقال لي إنه قد ولد في مباني البي بي سي حيث كان يعمل الطيب صالح في الستينيات. رجل كهذا لايعرف له تاريخ ولامكان لميلاده، رجل اشتهر بالدعارة والإفك والكذب، رجل لم يعرف استقرارا في حياته، رجل كلما وصل الى قمة غرز بيرقاً ومضى الى أخرى، رجل لايعرف له نسب ولا أصل، قاتل محترف باعترافه، رجل لا يعرف أحد أهو حي أم ميت، ولاحتى المؤلف، رجل بكل هذه الصفات، هل يستحق أن يخلد في تاريخ الأدب؟ سأترك الإجابة لكم .. لاشك أنه الآن يستمتع بهذا الخلود، خاصة أنه يعتقد انه هو من أسهم في إعلاء شأن أدب الطيب صالح، وجعله من ضمن المائة كتاب الأولى في تاريخ الرواية في العالم، مصطفى سعيد الممتلئ بالغرور، سيظن أنه فعل ذلك للمؤلف وللسودان. لقد فشل مصطفى سعيد أن يقدم في حياته أي شئ نافع لوطنه أو لنفسه، وهاهو بعد اختفائه يفعل كل شئ لنفسه ولوطنه كما يعتقد .
أخذت سماعة التليفون، في آخر يوم لبقائي في لندن، بعد أن رنّ الجرس أكثر من مرة قمت متثاقلا: نعم من معي؟ أنا أحمد محمد البدوي، أهلاً يادكتور، أخبرني المحبوب أنك سألت عني بالأمس، أنا سعيد بسماع صوتك، ولكن هذا لاينفع دعنا نلتقي .. هكذا قررنا أن نلتقي، وقد كان.. دعوت الاستاذ أحمد للكتابة في الصحافة .. وعدني خيراً، وعرفت أنه الآن يشتغل على آثار التجاني يوسف بشير، وسعدت جداً لخبر عودته قريبا الى السودان.. مضى بنا الحوار لآفاق شتى، عرفت أن له كتابا صدر في القاهرة عن محمود شاكر، فسألته، إن كان هذا الكتاب هو نفس الدكتوراة . قال لي، أبداً.. أنا حضّرت الدكتوراة في أدب الطيب صالح... ياساتر!!! قلت.. ومضى دكتور البدوي قائلا، إن رواية موسم الهجرة الى الشمال حذف منها الطيب صالح كثيرا بعد أن اكتملت، خوفا من مقص الرقيب، لقد تم حذف كثير من أحاديث وحكايات بت المجذوب، كما تم حذف كثير من فحش وغراميات مصطفى سعيد في لندن .. قلت في نفسي أين المفر؟ الى متى سيظل هذا المتعوس يطاردني؟. لقد تبقت لي في لندن أقل من 48 ساعة وهو لم يتعب من مطاردتي.. قال لي دكتور البدوي: أين سرحت قلت: لا شئ، جاءتني رغبة أن أقول له، إنه كناقد والطيب صالح كمؤلف، قد ارتكبا حماقة لن يغفرها التاريخ لهما بنقد وتأليف شخصية ملعونة كمصطفى سعيد .
أخيراً، عدتُ ياسادتي لوطني بعد سبعة أسابيع قضيتها في لندن، كما عاد الراوي بعد سبع سنوات الى أهله، ووجد القرية كما هي لم تتغير، وأنا كذلك لم أجد شيئا تغير.. شيئ واحد جديد وجده راوي موسم الهجرة، هو مصطفى سعيد، رجل لا تعرف القرية من أين جاء، ولا من هو، أما أنا، فوجدت السودان هو السودان في انتظار المجهول.