ما بعد قرار الجنائية و تنقية الأجواء … بقلم: د. حسن بشير محمد نور

 


 

د. حسن بشير
7 March, 2009

 


    (..لقد المت بوادي النيل نازلة..) و دخل السودان الي اروقة مجلس الامن ، لكنه استطاع ان يمتص الصدمة الاولية لقرار المحكمة الجنائية الدولية بسلام بعد ان اتهمت رئيسه و رمز سيادته الاولي بما ذهبت اليه من تهم. قرار المحكمة الان في الوراء اما في الامام فتبرز ضرورة مواجهة القرار باللغة التي يفهمها العالم و ان ُتستخدم ادوات تلك اللغة السياسية و الدبلوماسية و المصالح الاقتصادية باتقان و حرفية. من الممكن جدا ابطال مفعول القرار نسبة لانقسام العالم حوله رغم قناعة الجميع بان هنالك ازمة في دارفور و يجب حلها. يجب الحل اذن و ليس التأزيم  و الحل بالطبع يحمل في صفحاته جميع الملفات بشكل متوازن و متناغم و ان يؤدي الي نتائج ترضي جميع الأطراف. اذا استطاع السودان ان يكسب جانب دول مهمة معارضة للقرار يمكنه تحقيق اهدافه و علي رأس تلك الدول روسيا التي تستطيع اكثر من غيرها مناطحة الامريكان لكثرة الاوراق التي تملكها بما فيها الردع النووي و المصالح الأوربية و أفغانستان و الطاقة و غيرها ، اضافة للصين بالطبع.
        بعد ان تجاوز السودان الصدمة الاولي بما صاحبها من توجس و شائعات فاننا نحن معشر السودانيين و آلاف الاجانب البسطاء الذين يعملون في السودان لدينا مطالب بسيطة. نريد ان يذهب التلاميذ الي المدارس و الطلاب الي الجامعات و ان يجدوا المواصلات. نريد ان تقام الامتحانات في مواعيدها و ان تستخرج النتائج و ان نفرح بالنجاح و الترقي الي صفوف او مراحل اعلي و ان يتم القبول في الجامعات بشكل عادي و بتقويمه الأساسي. نريد كهرباء و ماء و ان نسير في الشوارع دون خوف و ان يقود الناس مركباتهم في الشوارع دون ارتفاع في ضغط الدم. نريد ان نعالج مرضانا و ان ندفن موتانا و ان ننصب سرادق العزاء و نترحم بأطمئنان. نريد ان يتزوج الابناء و البنات و ان نقيم صيوانات الفرح و ان يصدح الفنان بالغناء و ان يعرض الرجال و ترقص النساء فرحا و يطلقن الزغاريد و الشبال. نريد ان تنتج مصانع الثلج ثلجا لنبرد من غيظ طقسنا و ان تتوفر انابيب الغاز. نريد للموسم الزراعي ان ينجح و ان نشتري اللحوم و الخضار و الفواكه وان نشرب شاي الصباح و نجد الفول و نحضر المسلسل و نشاهد نشرة الاخبار. نريد ان ننام بشكل طبيعي و ان نستيقظ بشكل طبيعي و ان نفرح او نحزن بشكل طبيعي. ببساطة نريد ان نعيش حياة طبيعية مثل الناس الطبيعيين في سائر دول العالم المستقرة. هل كل ذلك كثير علينا؟ فليحل عنا اوكامبو و الجنائية و مجلس الأمن و اليوناميد و اليوناميس و ان تبطل الفضائيات لوك حالنا . و لكنهم لن يتركونا ما لم نتدارك حالنا و نحل مشاكلنا بانفسنا. صحيح ان ما ذكرت من مطالب لا يتوفر للكثيرين في دارفور و لكنه لا يتوفر ايضا في العديد من أماكن السودان الاخري مع اختلاف الحال طبعا. لكننا نريد ان تتحقق تلك المطالب البسيطة لجميع افراد الشعب السوداني في كل بقاع الوطن.
       الحال إذن بعد القرار يتطلب تنقية الاجواء العامة ليروق المزاج العام و لتعود الحياة الي طبيعتها و ليذهب كل الي عمله و لنعمل بمنتهي الكفاءة بما فينا من سياسيين و دبلوماسيين و المشتغلين في الشأن العام، و لتبحث الصحافة و اجهزة الاعلام عن المعلومات و الأخبار في هدوء و موضوعية. اننا لن نفقد الامل في حياة عادية و طبيعية و ان تحل اعقد مشاكلنا و حتي ذلك الوقت علينا التعامل برباطة جأش و صمود أكثر من أي وقت مضي و ان تتوفر لدينا الإرادة و العزيمة لتجاوز المحن و العبور بالسودان الي بر الأمان. كل من يريد الحفاظ علي السودان عليه العمل الجاد فقد بلغت التحديات درجة تحتاج فيها الي حكمة تقترب من حكمة الأنبياء.
mnhassanb@yahoo.com

 

آراء