البشير .. الرجل والتحدي
جمال عنقرة
31 March, 2009
31 March, 2009
أعيد هذه الأيام قراءة كتابي (أيام مع جعفر نميري ــ أسرار ومواقف) الذي نشرت طبعته الأولي في مصر عام 1991م، وذلك بغرض إصدار الطبعة الثانية منه التي أضفت لها باباً مهما لم يدرك الطبعة الأولي يحمل اسم (هكذا تكلم جعفر نميري) وهو يشتمل علي أحاديث للرئيس الأسبق لم تنشر من قبل. فأعيش هذا الأيام في أجواء أيام نميري، ويبدو أن هذا هو السبب وراء الخاطرة التي استوقفتني وجعلتني أختار هذا العنوان (البشير .. الرجل والتحدى) ولعله يعيد لأذهان الناس قصة كتاب الكاتب المصري عادل رضا (جعفر نميري .. الرجل والتحدي). وبالتأمل وجدت التحدي أقرب لأن يكون حالة سودانية، تظهر بجلاء في مسيرة الرؤساء والزعماء. ولأن الرئيس نميري هو وحي العنوان نبدأ بذكر حالة تحديه التي شخصت أمامى وأنا أتابع رحلات الرئيس البشير الخارجية بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية لكل من أرتريا ومصر وليبيا. وهي قصة تعود إلي يوليو 1970م المعروف باسم (أيلول الأسود) عندما كانت النيران تحاصر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والرؤساء العرب مجتمعون في القاهرة يسوءهم الوضع ويفكرون في إنقاذ الموقف، فقبل الرئيس نميري التحدي واقتحم النيران المشتعلة وعاد ومعه رئيس حركة فتح وقائد المقاومة الفلسطينية علي ذاك العهد أبو عمار. محطات التحدي في حياة الرؤساء والزعماء السودانيين كثيرة ولكل واحدة منها قصة. حياة الإمام المهدي كلها تحديات وكذلك خليفته عبد الله التعايشي، وأصحابه الغر الميامين. وكذا سيرة اللاحقين عبد القادر ود حبوبة وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ، والفكي علي الميراوي والزعيم الأزهري، وهذه نماذج للمثال لا الحصر. الرئيس البشير قصته كلها تحد منذ أن تقاسم الدور مع الدكتور الترابي حينما اختار الشيخ أن يذهب إلي كوبر حبسياً وارتضي البشير ان يختار طريق القصر رئيساً. ولعل القراء يعلمون حجم المخاطرة والتحدي في ذاك الوقت الذي كان فيه الشعب منتشياً بالديمقراطية التي عادت بعد ستة عشر عاماً من الحكم الشمولي، ولعلهم يعلمون حجم التحدي وكان في ذاك اليوم نحو خمس محاولات للانقلاب علي الحكم تتسابق. فارتضي البشير أن يحمل العبء وحده وراعي الانقلاب ومدبره قد اختار الاحتماء بسجن كوبر لحماية الحركة الاسلامية التي كانت تقف وراء الانقلاب. ولعل الناس يدركون أيضاً حجم التحدي لانقلاب يقوده عميد في الجيش باسم القوات المسلحة ومن ورائه تنظيم اسلامي في ذاك الوقت الذي كانت تقوم فيه حملة شرسة علي الحركات الاسلامية تحت مسمى محاربة الارهاب. وكانت كل الحركات الاسلامية تخوض معارك مع حكومات بلدانها. ومع ذلك قبل الرجل التحدي وقاد الانقاذ وعبر بها إلي بر الأمان. تحديات البناء في عهد البشير كانت أكبر وأعظم من تحديات الحرب. فالحرب أصلاً أشعلت في السودان لوقف مسيرة البناء والتنمية ولتعطيل أكبر مشروعيين اقتصاديين في ذاك الوقت ــ البترول والمياه في جونقلي ــ ومع ذلك قبل البشير التحدي واستخرج البترول وأنجز مشروع المياه العظيم بسد مروي، وحقق السلام،وانفتحت آفاق التنمية بلا حدود. وما قام به الرئيس البشير من زيارات خارجية الأيام الماضية استجابة لدعوات أشقاء ومشاركته في قمة العرب الحادية والعشرين في دوحة العرب القطرية رغم قرار المحكمة الجنائية الدولية هو بعض محطات التحدي في حياة الرجل. وهو تحد لن تتوقف مسيرته حتي يلقي الرجل ربه منصوراً باذن الله.