عودة ميرغي للميرغني

 


 

 

جمال عنقرة

 

 

          ام روابة مدينة خاصة لم أجد لها مثيلاً لا في السودان ولا في غيره. ونستثني من ذلك ام درمان طبعاً فهي السودان في أبهي صوره. ولا أقول ذلك لأن المدينتين يسكنان وجداني ولكنها حقيقة عشتها وعاشها كل من عاش في هاتين المدينتين الخاصتين. وأذكر عندما أسسنا منتدي الأصدقاء الفكري في بداية الثمانينات قال منتقدوه أنه تحالف بين أبناء ام درمان وأبناء ام روابة. وكانت الأكثرية من أبناء ام درمان وكان من أبناء ام روابة التجاني عبد القادر ومحمد محجوب هارون ومزمل عبد الله، وكنت أجمع بين الإثنين. ونصيب عروس كردفان ـالأبيض ـ في تكويني وتاريخي كبير.

 

           وام روابة هي التي جمعت بيني وبين ميرغني عبد الرحمن سليمان. ولدليل قوة الرابط (الامروابي) فإن أوثق ما كان يجمعني بميرغني هو الحركة الإسلامية التي كان ميرغني عبد الرحمن أشهر قياداتها في المدينة حتي بعيد قيام إنتفاضة رجب أبريل 1985م. وبعدما فارق ميرغني الحركة الإسلامية وانضم للحزب الإتحادي الديمقراطي لم أجد نقصاناً في شيء يذكر مما كان يجمع بيني وبين ميرغني، رغم أني كنت من أفعل الذين ينشطون في انتخابات الجبهة الإسلامية القومية في تلك الدائرة وكان خروج ميرغني من الجبهة وانضمامه للحزب الاتحادي الديمقراطي قد غير الموازين ورجح كفتهم وكان عاملاً حاسماً في فوز مرشح الاتحاديين الشيخ يوسف التهامي علي مرشحنا إبراهيم محمد خير. ولكنها (الامروابية) التي تعلو علي الكثير. ثم  أني اكتفيت بأن أخسره في الحزب دون أن نخسره في ميادين أخري عطاء ميرغني فيها لا يداني.

  

 

        وعندما اختلف ميرغني عبد الرحمن مع تيار الحزب الذي يقوده مولانا السيد محمد عثمان الميرغني حزنت لذلك حزناً شديداً ليس لعاطفة إتحادية رغم ما يجمع بين وبين اتحاديين كثر، ولكني كنت علي يقين أن خسارة الحزب لميرغني هي خسارة وطنية قبل أن تكون خسارة حزبية. وقد يستغرب البعض هذا القول وأنا كنت علي علاقة حميمة مع الاتحادي المبتعد الأكبر عن مولانا الميرغني، وهو الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي. ولكن الناس يعلمون أن الهندي مدرسة خاصة وحزب خاص، وكان لتميزه دور كبير في رسم خارطة السودان الجديدة عبر مبادرة الحوار الشعبي الشامل التي لولاه من بعد فضل الله تعالي لما كانت رغم أنه يعطيني فيها أكثر مما استحق. وهى المبادرة التي فتحت الطريق أمام التحول السلمي الديمقراطي والسلام والتراضي الوطني وهلم جرا.

 

 

          وبرغم أن عودة مونا السيد محمد عثمان لأرض الوطن جاءت بترتيب سماوي، وأحسب أن الله سبحانه وتعالي أراد لها أن ترتبط بمولانا السيد أحمد الميرغني الذي كان أنشط الداعين بصدق وتجرد لوحدة الصف الوطني. وتشاء أقدار الله أن تأتي هذه العودة وصف حزب الحركة الوطنية مشتت شمله. فشاماته وعلاماته البارزة اختارهم الله إلي جواره ويكفي ان نشير إلي أن العامين الأخيرين شهدا رحيل السادة الشريف زين العابدين الهندي ومحمد إسماعيل الأزهري ومحمد الحسن عبد الله يس وبشر أرتولي  وأخيراً السيد أحمد الميرغني. ولا أود أن أشير إلي الذين رحلوا وهم ما زالوا أحياء يرزقون. ففي مثل هذا الظرف تكون عودة الأخ ميرغني عبد الرحمن لمولانا السيد محمد عثمان عودة للوطن قبل ان تكون عودة للحزب.

 

 gamalangara@hotmail.com

 

آراء