البرلمان…جدل التزوير والمكايدات

 


 

 

 الجنائي على الخط

 

البرلمان...جدل التزوير والمكايدات

 

تقرير: خالد البلوله ازيرق

 

dolib33@hotmail.com

 

قبل أن ينتهي الجدل الذي أثارته الملاحظه التى قدمها رئيس الكتلة النيابيه للحركة الشعبية بالبرلمان حول مراعاة حقوق غير المسلمين في مواد القانون الجنائي، والتى أثارت حفيظة البعض واقتنصها آخرون لتصفيه حسابات سياسيه، فإذا بالنواب يكتشفون بعد كل تلك الضجة ان هناك مسودة مختلفه للقانون الجنائي الذي يتجادلون حوله بحسب ما أشار نواب الحركة الشعبية بالمجلس الوطنى.

 

الحركة الشعبية التى دأبت على إثارت النقاش حول القوانين من داخل قبة البرلمان، قال العضو البرلمانى بها ديفيد كوكو ان اللجنة الفنية لا تزال تناقش في القانون، وان المسودة التى عرضت على البرلمان تحوى اضافة جرائم الحرب، واضاف ان هناك نسخة أخرى تتحدث عنها الحركة الشعبيه تتضمن اضافة عدد من التعديلات غير موجوده في النسخة التى أمام البرلمان، وان اللجنة الفنية لم ترفع تقريرها بعد مطالباُ بإعادة القانون لمجلس الورزاء من جديد. وكان جدلاً قد احتدم في البرلمان بعد ان تضاربت التصريحات حول القانون المقدم فبينما اشار وزير العدل عبد الباسط سبدرات، بعد احتدام الجدل الى ان النواب يخلطون بين القانون الجنائي وقانون الاجراءات الجنائية وان القانون المقدم هو قانون الاجراءات الجنائية، ذهب رئيس الكتلة النيابيه للحركة الشعبية ياسر عرمان الى ان القانون الذي عرض على البرلمان هو القانون الجنائي، وقد أثبتت مداولات الايام داخل قبة البرلمان ان القانون المقدم هو القانون الجنائي وليس قانون الاجراءات الجنائية كما اشار وزير العدل عبد الباسط سبدرات.

 

ومازال جدل يدور حول القانون الجنائي الذي يقبع في اضابير قبة البرلمان، ومازالت مراحل العرض فيه على النواب ترواح مكانها ريثما ترسو على بر في اجازته. ولكن ما اثاره القانون الجنائي من جدل داخل قبة البرلمان لم تكن الحادثة الأولى في الحياة التشريعيه داخل البرلمان التى شهدت العديد من حالات السجال الممتد حول تعديلات وتزوير لحق ببعض مسودات القوانين في مسيرة الحياة التشريعية في البلاد، وظاهرة الحديث عن تزوير مشروعات القوانين حالة ظلت تتكرر مشاهدها بإستمرار في المسرح السياسي السودانى، خاصة في العقد الأخير، والتى غالباً ما ترتبط بقوانين مؤثرة في الحياة العامة، غالباً ما يكون مختلف عليها بين القوي السياسيه.

 

ويقلل قانونيون من الحديث حول التزوير الذي يلحق بمسودات مشاريع القوانين، ويشيرون الى ان هذه مشاريع اعدادية للقوانين، لا يوجد فيها تزوير إلا اذا كان هناك خطأ في الإعتماد، لأن اللجان الحزبية تقدم تصوراتها وأعمالها لترفع في النهاية لوزارة العدل، وأى صياغة للقانون تعتبر مشروعات قانون الى ان تعتمد في البرلمان، وأى عمل قبل ذلك يعتبر عمل إعدادى وبالتالي لا يمكن الحديث فيه عن تزوير للقوانين. وكان الدكتور شيخ الدين شدو أستاذ القانون بجامعة الخرطوم قال لـ"الصحافة" في حديث سابق، "إن ما يجري لهذه القوانين وغيرها من قبل المؤتمر الوطنى ليس تزويراً، لأن التزوير لابد من أن يتوفر فيه الركن المادي والمعنوى للجريمة، وإنما هو تعديل على مشروعات القوانين يتم فيها إدخال بعض المواد، وقال إن هذه القوانين يقوم بها فنين ويقدمون مشروعات قوانين متقنة ولكن ينتهى دورهم عند تسليمها للمؤسسة المعنية، ليتم بعد ذلك تعديلها ما بين وزارة العدل ومجلس الوزراء قبل أن تودع منضدة البرلمان، مشيراً الى أن هذا يعد عدم أمانة ونقض للعهود والإتفاق، لأن التعديلات يجب أن تناقش بواسطة كل الأطراف وهى المرحلة التى تتم فيها المساومات".

 

وقد ازدات ظاهرة الحديث عن تزوير للقوانين خلال العشر سنوات الماضية بكثرة، ففي نهاية ديسمبر الماضي ووسط ترقب لصدور وثيقة توافقية بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية على تعديل القوانين المتبقية والدفع بها منضدة البرلمان لإجازتها قبل انتهاء دورته تلك، فإذا بوزير الشئون القانونية بحكومة الجنوب مايكل مكواى يفاجأ الجميع عبر مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم بأن تزوير لحق بقانونى مفوضية الأراضي وحقوق الإنسان، وذلك عندما إتهم شريكه المؤتمر الوطنى بتزوير قانونى مفوضية الأراضي وحقوق الإنسان، وأعلن نفض الحركة الشعبية يدها عن القانونين اللذين تمت إجازتهم من قبل مجلس الوزراء سابقاً، إتهام سرعان ما كذبته حينها عضوة اللجنة القانونية المشتركة من جانب المؤتمر الوطني، بدرية سليمان، في تصريح لـ "الصحافة" بقولها " أنها إتهامات غير صحيحه، ولأن إجتماعات اللجنة القانونية المشتركة لم تناقش اطلاقا قانوني مفوضية الاراضي وحقوق الانسان، باعتبار ان النقاش حولهما تم في مفوضية الدستور. واوضحت "سبق وان قدمت الحركة المشروعين الا اننا رفضنا نقاشهما، لان المفوضية الدستورية فرغت منهما". وكان جدلاً قد حدث مشابهاً لما يجري في البرلمان اليوم حول القانون الجنائي، هو ذلك الذي إرتبط بمسودة قانون الشرطه المقدمه للبرلمان لإجازتها حيث اشير وقتها الى أن عدد ثلاث مسودات وصلت البرلمان بإعتبارها المسودة المجازة من مجلس الوزراء، وظل ذلك الجدل مستمراً الى أن حُسم بإجازة قانون الشرطة، الذي كان الإختلاف فيه حول قومية الشرطة وولائيتها بحسب ما نص عليه الدستور وإتفاقية السلام، وهو الجدل الذي قاد دعوة ولائية الشرطة فيه د.عبد الحليم المتعافي والى الخرطوم السابق من جهة، ووزارة الداخلية وإدارة الشرطة التى تذهب بقوميتها من جهة أخري. وقبل حسم قانون الشرطة داخل قبة البرلمان بإجازته، كان المجلس الوطنى قد شهد قبله بقليل جدلاً آخر لا يقل ضراوة عن الذي احدثه قانون الشرطة، وذلك عندما أقدم البرلمان على اجازة قانون الاحزاب لسنه 2007م، حيث اطلت الظاهرة من جديد على المسرح التشريعي، فبعد إجازت القانون أثارت كتلة التجمع الوطنى الديمقراطي بالبرلمان كثيراُ من الجدل حول تزوير لحق بالماده الرابعه "4" التى تطالب الاحزاب الغير مسجلة بتوفيق أوضاعها وفقاً للقانون، والمادة "19" ، وقالت كتلة التجمع أن تزويراً حدث للماده "4" من القانون بعد إجازة القانون في البرلمان، وهو الأمر الذي نفته كتلتي المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بتفنيد تلك الإتهامات عبر مؤتمر صحفي عقد بمنبر "سونا" شارك فيه د.غازى صلاح الدين رئيس الكتلة النيابيه للحركة الشعبية، وغازي سليمان عن الحركة الشعبية وعدد من نواب البرلمان من الكتل الأخري.

 

وبعد أن إختفت ظاهرة الحديث حول تزوير القوانين لحوالى السته سنوات منذ حادثة دستور 1998م، عادت وبشكل أكبر من خلال قانون الصحافة للعام 2004م الذي قدمه مجلس الصحافة والمطبوعات، ولكن عند بدء طرحه على طاولة البرلمان والتداول حوله لإجازته فإذا بمن شارك في وضع المسودة يشير الى أنها ليست بالمسودة التى قدمها مجلس الصحافة، وقد اثار حينها القانون موجة من السخط في الوسط الصحفي إنتهت في البرلمان بإجراء تعديلات عليه أسفرت عن القانون المطبق حالياً.

 ومن أكثر حالات التزوير التى أثير حولها دوياً، ما صاحب مشروع دستور 1998م قبل إجازته، فبمجرد أن طرح الدستور للمجلس الوطنى وقتها برئاسة د.حسن الترابي لإجازته، فإذا بالساحة السياسية تفاجأ ببيان من لجنة إعداد الدستور برئاسة خلف الله الرشيد تشير فيه الى أن الدستور الذي يٌناقش ليس من صُنعها، وقد حمل ذلك الدستور في طياته ما عرف وقتها بقانون التوالى السياسي الذي اثار غير القليل من الجدل حوله من القوي السياسيه، حيث لم تذهب الجهات التنفيذيه للبرلمان بمشروع اللجنة الفنية، بل أن د.حسن الترابي دفع الى البرلمان بدستور جديد إعده منذ الستينات بحسب متابعين لمسيرته ما عد تزويرا لمسودة الدستور التى اعدتها اللجنة الفنية وقتها.         

 

آراء