اعادة تعريف الطماطم
14 June, 2009
حسن بشير محمد نور - الخرطوم
اخيرا و بحمد الله تم إخراج الخضروات من صينية ملاح المواطن السوداني . تم ذلك بقدرة قادر، بعد موجة الغلاء التي ظلت تعصف بالسودان لفترات طويلة و التي طالت كل شيء و حولت الحياة الي شيء اخر لا يشبه الحياة بالنسبة الي الاغلبية الساحقة لشعب السودان، وصل الامر الآن الي الخضروات. كان البسطاء يمنون النفس بسلطة من الطماطم و الجرجير و العجور و الفلفل مخلوطة مع الدكوة – الفول السوداني المطحون – مع شرائح من البصل الاخضر و الفلفل الحار ، اصبحت تلك الوصفة الان تسيل لعاب الكثيرين و ليس البسطاء فقط . من الممكن الآن للموظفين و محدودي الدخل من أصحاب المهن الصغيرة ناهيك عن العمال و بسطاء الناس ، ان يحلموا بسلطة تشتمل علي " موية طماطم " ناهيك عن" بوخ الشواء" و لتغشي الرحمة قبر علي عبد القيوم و صديقه المرحوم البروفيسر علي المك و التي جاءات العبارة في مرثيته. حتي الطعمية " الفلافل "بغلاء الزيوت ستصبح من الاطباق العصية. ان ما يحدث في السودان يحتاج الي اعادة تعريف ، و من الاشياء التي تحتاج للتعريف الطماطم ، ما هي الطماطم حتي يصل سعر الكيلوجرام منها الي خمسة عشر جنيها ( حوالي سبعة دولارات )؟ كم يبلغ مستوي دخل الفرد في السودان؟ ما هو الحد الادني للاجور؟ و ما هو الحد الادني لمستوي المعيشة الذي يطعم اسرة مكونة من خمسة افراد؟ ما معني الفقر اذا كان المواطن في السودان يصرف علي الخبز و الخضار و قطعة من لحم و شيء من المواصلات و الكهرباء و الماء ما يكفي لمعيشة اسرة متوسطة بشكل محترم في البلدان مرتفعة الدخل؟
الأزمات في السودان لا تحدها حدود فمنها أزمات الكهرباء و الماء كما يحدث من قطوعات للكهرباء و شح في المياه في بلد تجري مياهه بلا انقطاع طول العام. حدث ذلك في القضارف لدرجة ادت الي ان يسخر فيها مواطنين أصابهم اليأس من افتتاح مشاريع تنموية في مناطق اخري من البلاد كإشارتهم المستنكرة لافتتاح جسري رفاعه و المتمة و هم يقولون" نحن مويه ماعندنا و افتحوا في الكباري " انها إشارة معبرة عن اليأس و شديدة السلبية و تحمل الكثير من الدلالات الخطرة. ربما يبرر ذلك التقارير الدولية عن بيع الاراضي السودانية لحكمة ما، اذ ربما سيكون الأجانب الذين سيشترون الأرض السودانية أكثر رحمة من أولياء الأمور من حملة الجنسية السودانية. الجنسية لوحدها لا تعني الانتماء للوطن و الغيرة عليه و إنما البيان بالعمل. طبعا التقارير حول بيع الأراضي السودانية تستثني الهبات و الإيجار و الإيجار من الباطن. لقد سبق أن اشرنا في مقال سابق لناب" الوسط الاقتصادي ، بعنوان أراضينا " ، اشرنا الي ايجار مساحة 400 الف فدان لدولة عربية قامت بتأجيرها من الباطن الي دولة عربية اخري لتستخدمها في انتاج محصول يشكل منافسة لمنتجات زراعية سودانية ، حارمة بذلك الشكل المستثمر الوطني من مزايا تنافسية و مرهقة المستهلك بعبء زائد في الأسعار.
ما يحدث الآن من غلاء لا يضر المستهلك فقط و انما يلحق ضرر ماحق بالمنتجين و التجار الذين يعيشون من بيع بعض المنتجات مثل بائعي الخضار و هذا ما سيخرب بيوت الكثيرين. كذلك يطال الضرر الحكومة في اعتمادها علي الضرائب من الدخل او الاستهلاك. لكن يبدو ان الحكومة لم تعد في حاجة الي الضرائب و ستستبدلها ان شاء الله بالرسوم و ممكن كمان تفرض ضرائب "دقنيه" كمان و كذلك بما سيعود عليها من بيع الأراضي للاجانب و لو الي حين.