الصحافة تهدد الشراكة
15 June, 2009
جمال عنقرة
اتاحت لنا الفضائية السودانية متابعة اجتماع نواب جنوب السودان في البرلمان الذي قاد جانب المؤتمر الوطني مستشار رئيس الجمهورية السيد علي تميم فرتاك بينما قاد جانب الحركة نائب رئيس المجلس الوطني السيد أتيم قرنق. ولقد سعدت جداً بالحديث الموضوعي المسئول للرجلين ولبعض من نقلت الفضائية أحاديثهم. وكان أهم ما ركز عليه المتحدثون أن مسيرة السلام ماضية لا رجعة فيها ولا عودة للحرب مرة ثانية. وكان طبيعياً أن ينتقد أهل الحركة ما يرفضونه من ممارسات بعض أهل المؤتمر الوطني، وبالمقابل انتقد أهل المؤتمر الوطني المواقف التي لا تعجبهم عند بعض أهل الحركة الشعبية. وكل ما قيل في هذا الخصوص لم يخرج عن حدود المعقول. وهو من النقد الذي يمكن أن يحدث داخل الحزب الواحد، ناهيك عن حزبين كانا قبل بضع سنوات يتقاتلان بالسلاح.
وفي اليوم التالي لهذا اللقاء حرصت متابعة تفاصيله في الصحف لعلي أجد فيها ما فاتني ادراك متابعته في الحديث التلفزيوني لا سيما وأن مضامين الحديث كانت تحتاج إلي تأمل وتفكر، قد يسقطا بعض التفاصيل. ولكنني دهشت حين رأيت أكثر ما نشر يركز علي إبراز الجوانب الخلافية، ويتجاوز الوقوف عند الإشارات المضيئة. ومثل هذا النهج أراه لا يستقيم مع رسالة الصحافة لا سيما في السودان، وفي هذا العهد علي وجه التحديد. ولقد أجمع السياسيون السودانيون بمختلف إنتماءاتهم علي أن الصحافة السودانية لعبت دوراً مهماً في التبشير بالتوافق الوطني والتراضي والسلام والتحول الديمقراطي.
ويجدر في هذا المقام أن نذكر الناس ببعض تجربة هذه الصحيفة (أخبار اليوم) في هذا الشأن. فأول ندوة حاشدة لمناقشة قضايا السلام والتحول الديمقراطي في عهد الإنقاذ كانت تلك الندوة التي نظمتها هذه الصحيفة في ؤالعام 1996م بقاعة الشارقة في جامعة الخرطوم وتحدث فيها رموز الحكومة والمعارضة، وكانت أول نشاط سياسي يجمع بينهم. ولقد كان لي شرف إدارة تلك الندوة. وكان من أهم توصياتها دعم خط السلام وتكوين آلية شعبية لهذا الدعم فتكونت الهيئة الشعبية للحوار الوطني والسلام. وهذا ما لم يرض عنه الذين كانوا ضد التوجه من الحاكمين وظلوا يضايقون الذين يسيرون في هذا النهج. وعندما ضيق الخناق علي هذا التحرك، شرعنا في عقد ندوة اسبوعية استمرت لعام كامل بعنوان (كيف يحكم السودان) استضفنا فيها أشهر الحاكمين والمعارضين. واستمرت أخبار اليوم علي هذا النهج لم تحد عنه أبداً. وما منبر أخبار اليوم إلا واحداً من تلك المجهودات التي تتجاوز حدود العمل الصحفي التقليدى. فأن يتحول بعض الصحفيين لرصد المثير الذي يدور بين الشريكين مما يستهوي القراء يكون ذلك انتكاس في مسيرة الصحافة الوطنية ويهدد مسار شراكة السلام التي كانت الصحافة السودانية شريك أصيل في إتمامها.