المنبوذون في المدارس … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
25 June, 2009

 

 

mnhassanb@yahoo.com

 

 

حمي القبول في المدارس هذه الأيام أكثر حرارة بكثير من حمي القبول بالجامعات ، بالرغم من عدم منطقية القبول الجامعي باعتماده علي النسب المئوية التي لا تعطي مؤشرا جيدا للنجاح و القدرات في التخصص المطلوب الا ان الفرز واضح حسب المنهجية المتبعة في القبول الجامعي. عدم منطقية النسب المئوية يرجع للعديد من الاسباب و من اهمها " نفخ " الكثير من الطلاب " النجباء " لنسبهم بالتحايل علي النظام و ذلك بتركيزهم علي مواد لا علاقة لها بتخصصهم و يحصلون بذلك علي النسبة التي تلبي طموحهم في الالتحاق بالكليات " العلمية " . هنالك علوم كثيرة لا تعتبر علوما في السودان و منها علم الاقتصاد و الاجتماع و العلوم السياسية و ادارة الاعمال و" هلمجرا" ، بالرغم ان العالم يصنفها من اهم العلوم ان لم تكن اهمها علي الاطلاق. الاهمية ناتجة من ارتباطها بمعاش الناس في الاداء العام للدولة او علي مستوي منشآت القطاع الخاص او بين افراد المجتمع ، و بالتالي علي مستواها يقاس مستوي التقدم الاجتماعي و الاقتصادي و الحضاري للأمم و حتي نجاح العلوم الاخري يعتمد عليها. علي اية حال و وفقا لتوصيات الخبراء تجري الان محاولات لمراجعة نظام القبول الجامعي و آلياته و مرجعياته إضافة لمراجعة المناهج . لكن الطريق نحو إصلاح التعليم طويل مع انهيار مقوماته من مدارس و معلمين بتخصصات مختلفة و عالية الكفاءة و بالكتاب و المكتبات و جميع عناصر البنية التحتية للتعليم .

 

  اما موضوع القبول بالمدارس الثانوية فله قصص و حكايات و روايات منها الدرامي و الكوميدي و المأساة و الملهاة. هناك فرية التفوق و إحراز النسب العالية التي تستغل في الكسب المادي . انظروا الي الصحف كيف تنشر الإعلانات عن الطلاب المتفوقين لتروج بها للقبول و تجني الملايين من وراء ذلك. بعض المدارس التي استطاعت ان تحقق نجاحا باهرا في النتائج لعام او عامين توسعت في الفصول و الانتشار الجغرافي ‘ و اصبحت تبني الطابق فوق الطابق و ترفع الرسوم العام بعد الآخر الي ان أصبحت اكثر انتشارا من مطاعم ماكدونالدز. لكنها لا تقدم طعاما بنفس الجودة في كل فروعها و فصولها و انما يتم التركيز علي عناصر محسنة يتم انتقائها بعناية من الذين يحرزون درجات عالية في مرحلة الأساس. لكن ذلك ليس كل الشيء فحتي تلك الدرجات لا تشفع للكثيرين الذين يملون الحفظ و التلقين و تميل نحو التلاميذ الأكثر صبرا و من لديهم التركيز و الذاكرة القوية ، و تتم إعادة الفرز و الترفيع و التخفيض حسب تصنيف متعمد في المدارس. ببساطة المدارس الخاصة و النموذجية أصبحت تشبه المزارع النموذجية التي تستخدم البذور المحسنة و الهندسة الجينية لإنتاج محاصيل جميلة و جذابة و لكن لا يوجد يقين حول قيمتها الغذائية. لتقييم ذلك انظروا الي مخرجات التعليم الجامعي و كفاءة الخريجين و مدي تنافسيتهم مع خريجي جامعات العالم الاخري و ذلك بعيدا عن التصنيف العالمي للجامعات.

 أصبحت المدارس تنبذ التلاميذ الذين يحصلون علي درجات اقل " اقل و ليس أسوأ " و ترفض قبولهم حتي بمبالغها الطائلة و ساهمت الحكومة في ذلك و لم تقصر بدورها ، اذ أقامت المدارس النموذجية التي تحشد لها الإمكانيات و الأساتذة المميزين و تطلق بقية التلاميذ و ابناي البسطاء في الريف و الاطراف دون كفيل. حتي الإعادة اصبحت تخصص لها مدارس و فصول و يتم فيها فرز جائر لدرجة تؤدي الي إحباط التلاميذ و تدميرهم. الي متي يتم ذلك و هل من مجير؟ هل هذه الأساليب تربوية و مجدية؟ الم يعتمد الكثير او كل المسئولين الحكوميين و أشهر العلماء و الأدباء و المبدعين علي التعليم الحكومي و الرعاية الحكومية حتي يصبحون كما هم عليه في زمانهم و مكانهم منذ ظهور الدولة السودانية و حتي اليوم؟. مع قليل من الاستثناء سنجد تلك القاعدة سليمة و بالتالي ندعو الدولة الي ان تمسك بالتعليم بكلتا يديها لان لا مستقبل لاي بلاد او امة بدون تعليم. و أخيرا اعبر عن سعادتي بتفوق طلاب القسم الادبي في الشهادة السودانية لان النظام المتبع اكثر توافقا مع ميولهم كما أجدهم اقرب الي الفكر و الإبداع. و التهنئة لجميع المتفوقين و الناجحين بنات و بنين و لأولياء أمورهم و ما ذهبنا اليه لا يبخس من انجازهم لان العيب ليس في احد و إنما في النظام. 

 

آراء