الأزمة الاقتصادية: هل قللت من الإنفاق العسكري؟ “1” … بقلم: عاصم عطا صالح
8 July, 2009
جاء في التقرير السنوي لمعهد أبحاث السلام الدولي بالسويد بأن الإنفاق العسكري للحكومات في كل أنحاء العالم خاصة في جانب تحديث وتطوير قواتها المسلحة وصل في العام الماضي إلى 1.46 ترليون دولار. وجاء في التقرير الذي يمثل أحد مصادر المعلومات الموثوقة للمهتمين بهذا الجانب بأن مستوى الصرف العسكري في العالم قد زاد بنسبة 4% عن عام 2007، كما بلغت نسبة الزيادة 45% من العقد الماضي، ومن أهم ملامح هذا الرصد أن الصين قد صعدت للمركز الثاني بعد أمريكا التي تتصدر دول العالم في المنصرفات العسكرية.
ويتواصل نمو الصناعات الحربية بسبب الحروب المتواصلة في عدد من الدول الإفريقية والآسيوية، مع استمرار الحرب في العراق وأفغانستان التي تشارك فيها مئات الألوف من القوات الأمريكية وقوات الدول المتحالفة معها في حربها المعلنة ضد الإرهاب، إلى جانب حالات الاستعداد لحروب محتملة في عدد من نقاط التوتر. ويضيف التقرير السنوي للمعهد السويدي بأن شركات تصنيع الأسلحة قد تتعرض لنقص في الطلب إذا ما قامت الحكومات بتخفيض منصرفاتها العسكرية نتيجةً لما تعانيه من عجز في ميزانيتها العامة، ولكن يبدو أن هذا الافتراض لا يتجاوز مرحلة التمني استناداً على قرائن الأحوال. وقد سبق أن أشرنا في مقال سابق قبل عدة أشهر إلى صفقة السلاح التي بلغت مليون بندقية آلية طلبتها دولة إفريقية عربية من الصين عن طريق وسطاء إيطاليين، حتى أن الشركة الصينية التي تعتبر من أكبر شركات تصنيع هذا النوع من الأسلحة طلبت من الوسيط مراجعة معلوماته مع الزبون لضخامة الطلبية بصورة أدهشت الشركة المصنعة، خاصة بأن جيش الدولة المعنية لا يزيد عدده عن السبعين ألفاً. ويتوقع المعهد السويدي أيضاً انخفاض المنصرفات العسكرية الأمريكية، وهي الأعلى في العالم في فترة الإدارة الحالية، وأن لا ترتفع على الأقل بنفس صورة النمو الحاد الذي بلغته في فترة الرئيس بوش.
ولقد زاد الإنفاق العسكري الأمريكي بنسبة 10% في عام 2008 ليبلغ 607 مليار دولار، أي ما يساوي 42% من الإنفاق العسكري لكل دول العالم. وتأتي الصين ولأول مرة في المركز الثاني بعد أمريكا، حيث زاد إنفاقها العسكري أيضاً بنسبة 10% ليصل إلى حوالي 85 مليار دولار، ولكن المعهد السويدي يبدي تحفظه على معلوماته عن الصين، مؤكداً صعوبة الوصول إلى الرقم الحقيقي للإنفاق العسكري الصيني. ويعتبر المحللون العسكريون الغربيون بأن الميزانية الدفاعية الرسمية للصين لا تعكس دائماً مستوى الإنفاق الفعلي.
ولكن الباحث سام فريدمان ينبه إلى جانب هام لتفادي الخلط والوصول إلى نتائج غير حقيقية، إذ أن زيادة مستوى الإنفاق العسكري الصيني، والذي جعلها تحتل المركز الثاني بعد أمريكا لا يضعها في المركز الثاني من ناحية القوة العسكرية، لأن هنالك عدة دول ظلت داخل هذه اللعبة لفترة أطول كثيراً من الصين. ويضيف التقرير بأن الصين تعمل بكل جدية ليس فقط لزيادة حجم قوتها الدفاعية، بل لتجهيز قواتها المسلحة بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الأسلحة والإتصالات. وبينما تسعى الصين بكل تأكيد نحو تمدد نفوذها الإقليمي والدولي، إلا أنه لا يوجد أي دليل على أن لها نوايا عدوانية على المستوى الإقليمي حالياً. ويوضح تقرير المعهد التحولات التي تمت مؤخراً في ترتيب الدول في جانب الإنفاق العسكري مشيراً إلى تفوق فرنسا بفارق ضئيل في الترتيب على بريطانيا، والتي كانت تحتل المركز الثاني في العام الماضي، بينما صعدت روسيا للمركز الخامس بعد أن كانت في السابع في عام 2007.
أما بالنسبة للأسلحة النووية، فيوضح التقرير بأن هنالك 23300 سلاح نووي مخزنة تحتفظ بها ثمان دول هي أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والهند وباكستان وإسرائيل. أما الرؤوس النووية الجاهزة للاستخدام فقد بلغ عددها 8400 منها 2000 في درجة استعداد عالية ويمكن تجهيزها للإنطلاق في خلال دقائق.
ونعود لتأثير الصرف العسكري على الإحوال الإقتصادية والأزمة التي تسود العالم، إذ يؤكد تقرير المعهد السويدي بأن الصرف الأمريكي على الإسلحة والذي زاد بنسبة 71% في فترة حكم الرئيس بوش الإبن قد ساهم بصورة واضحة في زيادة العجز في الميزانية الأمريكية. ومع أن انتخاب أوباما أعطى الأمل في انسحاب مقبول من العراق وتغيير طريقة تعامل أمريكا مع المجتمع الدولي، إلا أنه يحذر من المبالغة في التوقعات والأمل في أوباما خاصة فيما يتعلق بأفغانستان.
نواصل في الجزء الثاني الحديث عن مدى التخفيضات في الإنفاق العسكري التي شرعت فيها إدارة أوباما والإنتقادات التي بدأت توجه لميزانية الدفاع الجديدة التي يرى البعض أنها يمكن أن تعرض القوات الأمريكية لأخطار جسيمة مع توقع المواجهات في مناطق أخرى من العالم.
Aasim Salih