الإعلام الالكترونى والسياسة فى السودان .. نموذج سودانايل (2-2)
9 July, 2009
أحاديث سودانية
فى الإطار المتعلق بالإعلام الالكترونى والسياسة فى السودان يبرز نموذج أخر هو موقع سودانايل، وهو أهم موقع سودانى فى الفضاء الإنترنتى إلى جانب موقع سودانيز اونلاين. وهناك بطبيعة الحال عدة اوجه للشبة والاختلاف بين الموقعين . من أهمها أن "سودانايل" كان حتى وقت قريب يعمل كصحيفة الكترونية فقط قبل أن يتحول بعد التطوير إلى موقع أكثر شمولا، فى حين أن "سودانيزاونلاين" طرح نفسه منذ البداية كموقع تفاعلى متعدد الخدمات يهتم بالجانب الخبرى والسياسى إلى جانب الإجتماعى والفنى، كما إتسم بوجود منبره التفاعلى النشط، الذى تحول بمرور الوقت إلى سيطرة نوع من الصخب الجامح الذى يتوسع فى الكثير من الأحيان على حساب الطرح الموضوعي، ويفسح المجال لقضايا تفرق أكثر مما تجمع، وإن كانت الانتقادات الموجهه الى هذا المنبر لاتعنى على الاطلاق التقليل من أهمية الإسهامات الاخرى العديدة ذات الطابع الايجابى بكل المقاييس التى يوفرها الموقع بشكل عام.
على الناحية الإخرى يبرز سودانايل كموقع يلتزم سياسية تحريرية واضحة المعالم تضع نصب أعينها أن السودان يمر بمرحلة انتقالية حرجة، وان حرية الفضاء الإلكترونى لاتعنى المساهمة فى تعميق الفرقة والانقسام عبر النعرات ذات الطابع الإثنى أو الجهوى ، بل تعنى إفساح المجال لحرية مسئولة تسعى لاشراك الجميع فى البناء والحفاظ على وحدة الوطن .
تأسس موقع سودانايل عام 2000، كأول صحيفة سودانية عبر الانترنت من داخل السودان، وبعد أن بدأ المشروع طموحا وإتجه للعمل كمؤسسة يعمل بها خمسة عشر شخصا فى التحرير والادارة، واجهته بعض صعوبات التمويل نتيجه ضعف الإعلانات، كما إنسحب أحد الشركاء المؤسسين، غير أن الموقع لم يتوقف حيث أخذ الإستاذ طارق الجزولى المهمة على عاتقه منذ عام 2002 كأحد مؤسسى الموقع والقائم بالادارة والتحرير، عبر جهد فردى طويل الأمد، وبقدر هائل من الجلد والمثابرة إستطاع الحفاظ ليس على بقاء هذه الصحيفة الالكترونية وإستمراريتها، بل جعلها مع الوقت أحد المصادر المهمة لمتابعة الشأن السودانى وملتقى للأراء من كل الاتجاهات.
وكأحد المهتمين بالشأن السودانى فى مصر كنت حريصا على متابعة سودانايل بشكل شبه يومى لما تقدمه من طرح موضوعى يتسم بالهدوء والإتزان ، ويعرض فى الوقت نفسه أخبار وأراء وتحليلات تعبر عن كل التوجهات فى السودان ، ثم إتيحت لى الفرصة فيما بعد للقاء الإستاذ طارق الجزولى عدة مرات فى القاهرة والخرطوم، فوجدته شابا هادئا ودمث الخلق بشكل لافت، الأمر الذى يبدو أنه إنعكس على طريقة تناوله وسياسته التحريرية فى إدارة سودانايل.
والجزولى خريج قسم الصحافة والاعلام بجامعة إمدرمان فى النصف الثانى من عقد الثمانينيات ، حيث عمل فى صحف المرحلة الديمقراطية الثالثة لفترة من الوقت قبل أن يعود للعمل الاعلامى مرة إخرى فى نهاية التسعينيات عبر الإشراف على متابعة الصحافة العالمية وما تنشره عن السودان، ولكنه فى هذه العودة كان مهتما أيضا بالاعلام الإلكترونى، وبدأ التفكير فى إصدار صحيفة الكترونية تحاشيا للتكاليف الضخمة لإصدار صحيفة يومية ورقية، ولما يمكن أن يوفره الإعلام الالكترونى من مساحة أكبر للحرية والقدرة على مخاطبة قراء من داخل وخارج السودان.
وعلى إثر ذلك أطلق بالتعاون مع آخرين شركة سودانايل فى نوفمبر 2000 ،وصدر العدد الأول في السابع من يناير 2001م. وفى تعريف الصحيفة عن نفسها أنها " مجهود أشخاص نذروا أنفسهم من أجل هذا الوطن ومن أجل حرية الكلمة حتى ينهض جيل معافى من كل أمراض الماضي التي أقعدت سوداننا الحبيب .. فمن أجل ذلك آلينا على أنفسنا أن تكون سودانايل منبرا للثقافة الرفيعة والمثاقفة الشريفة والتبادل الحر للافكار".
السياسة التحريرية للصحيفة تعتمد على إتاحة الفرصة لكل الاراء خاصة تلك التى لم تكن تجد الفرصة الكافية للتعبيرعن نفسها فى ذلك الوقت مثل مناطق الجنوب وجبال النوبا ودارفور وشرق السودان، مع الحرص على الإلتزام التام بالموضوعية والابتعاد عن المهاترات وتعميق الحوار الجاد الهادف لبناء وطن مستقر .
ويقول طارق الجزولى أنه يرفض نشر أى مقالات أو آراء تمجد الصراع القبلى أو العنف ، حتى لاتتحول سودانايل إلى جزء من هذه الصراعات الأولية، كما انها حرصا عل استقلاليتها وموضوعيتها لا تدين بالولاء لأى توجه سياسى، ومن ثم فهى لا تقبل أى دعم من أى جهة سياسية فى الداخل أو الخارج.
بدءا من فبراير 2009 ، حدث تطوير كبير فى موقع سودانايل نتيجة إعادة توزيع أسهم الملكية للشركة الناشرة، لتوفير التمويل اللازم لاعادة تأهيل الجريدة وتأسيس مقر متكامل لها فى الخرطوم، وزيادة عدد الاقسام والخدمات ، وكذلك إستحداث إدارة اعلان جديدة لتطوير الجانب التسويقى. هذا التطوير للصحيفة هو أكثر عمقا وأقرب ما يكون إلى إعادة الصياغة الشاملة حيث إضيفت خدمات جديدة متنوعة وكان من بينها إنشاء منتدى سودانايل كمنبر تفاعلى متعد الأقسام، وبذلك تحول الموقع من صحيفة إلكترونية إلى موقع متكامل الخدمات يحاول الإستفادة من كل ما هو متاح فى هذا المجال التقنى المتقدم ، كما تم وضع تصميم وإخراج جديد مصحوب بقسم متطور للأرشيف ومقالات الرأى.
النتيجة المباشرة لعملية التطوير هذه كانت حدوث قفزة هائلة لزوار الموقع فى فترة وجيزة من حوالى سبعين أو ثمانين ألف زائر يوميا، إلى حوالى مائة وخمسين ألف زائر فى اليوم، فى زيادة مضطردة تتجه الى الارتفاع بثبات.
تبقى فى النهاية الإشارة الى أن بكرى أبوبكر صاحب تجربة سودانيزاونلاين، وطارق الجزولى صاحب تجربة سودانايل هما إثنين من أبناء السودان المبدعين قدما نموذجين ناجحين، إستطاع كل منهما أن يحقق إختراقا هائلا انطلق من الجهد المضنى والإصرار والمثابرة ، وأصبح لكل منهما إسهامه الواضح والمؤثر فى تطور العمل الإعلامى فى السودان.