رمضان في واقع جديد … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
22 August, 2009

 

 

كل عام و جميع القراء و المسلمين في كل مكان بخير و عافية. نرجو ان تسير حياة الناس بشكل طبيعي و ان يمر الشكر الكريم بسلام و خير علي الجميع و ان يذهب عن الناس الغلاء و البلاء و ان يكف الله عن البلاد شر الأوبئة و الأمراض. ياتي شهر رمضان هذا العام في واقع اقتصادي جديد بعد تداعيات الازمة المالية العالمية . شهدت البلاد ارتفاعا كبيرا في مستويات الاسعار خاصة سلع الطعام و الشراب . وصل الغلاء الي سلع ضرورية و ذات طبيعة استراتيجية مثل اسعار السكر و اللحوم و الخضروات و زيوت الطعام و قد رفع ذلك من مستويات الأسعار بشكل لا يستطيع الكثير من المواطنين الوصول اليها مما يشكل ضائقة معيشية مستحكمة. لم تجدي المحاولات التي قامت بها السلطات المختصة في تخفيف حدة الغلاء حتي بعد ان تم تحديد مواقع معينة لبيع السكر . يشكل ذلك الاجراء في حد ذاته ازمة اذ يجب ان تتوفر سلعة مثل السكر و بسعر طبيعي في كل مكان من السودان و ان يستطيع المواطن الحصول عليها في القرى و الحضر بمنتهيي البساطة. لا يعتبر السكر سلعة نادرة او معقدة من حيث عمليات الانتاج و بالتالي فان ارتفاع سعر جوال السكر عبوة خمسين كيلو فوق ال 120 جنيه امر غريب و غير مبرر. من جانب اخر فان السكر المستورد ارخص من السكر المنتج محليا مما يؤشر الي ازمة في ادارة العملية الاقتصادية برمتها.

  اثار قرار حظر تجارة الحدود الحنق لدي الكثير من الناس بعد ان حرمهم من الحصول علي سلع استهلاكية رخيصة من دول الجوار. لم يستمع الناس الي مبررات ذلك القرار و لم يقتنعوا بها و لن يفعلوا مهما كانت المبررات قوية و منطقية لان الانسان يهمه عيشه اكثر من أي شيء اخر و اذا لم تراعي السياسات العامة تلك الحقيقة فلن تجد قبولا شعبيا مهما حاولت الحكومة تجميلها مثلما حدث في مراكز بيع السكر. اوردنا السكر كمثال لنوضح غرابة الاشياء التي تحدث في السودان و تؤثر علي حياة المواطن بشكل سلبي و بحكم ان السكر سلعة شديدة الاهمية حسب السلوك الاستهلاكي في السودان و تزداد تلك الاهمية بشكل كبير خلال شهر رمضان المعظم.

 لكن الامور لا تقف عند السكر فجميع الاحتياجات اللازمة لحياة الناس و تيسيرها خلال شهر الصوم ارتفعت اسعارها بشكل لا يطاق مع ندرة  غريبة في بعض السلع  مثل الفواكه مما جعل اسواق الخرطوم تمتلئ بالبرتقال القادم من جنوب افريقيا و يعبر ذلك بشكل واضح جدا عن ثقافة الاستيراد التي اصبحت مسيطرة علي الواقع السوداني. يبدو انه اذا استمر انتاج النفط بمعدلات مرتفعة و اذا وصلت اسعاره الي معدلات جيدة كما هو الحال هذه الايام ، فإننا لن ننتج شيء غير البترول و سنستورد كل شيء من الخارج. ستمر ايام رمضان سريعا فرمضان في النهاية شهر واحد و سنجد ان الحال لم يتبدل فيما يتعلق باحتياجات العيد و التي سنستورد معظمها من الخارج مثل الملبوسات و الحلوي و السكر اللازم للصناعات و لخبائز العيد. كم يا تري ستكلف تلك الفاتورة؟ بالتأكيد فان اصحاب الدخول المرتفعة ( ال 5% من السكان ) لن يواجهوا أي مشاكل. لكن دعونا نتحدث عن ال 95% و كم منهم  يستطيع الحصول علي احتياجات الصوم و العيد؟ اما الشريحة الدنيا من تلك النسبة و التي حددتها تقارير الفقر الاخيرة بنسبة 55% فيبدو انها خارج حسابات العيش الكريم تماما. كيف يمكن لدولة يعاني فيها ما لا يقل عن 55% من المواطنين من فقر مدقع ،  كيف لها ان تستقر و ان تكون آمنة؟ لذلك حاءات حوادث القتل التي اصبحت ظاهرة تضاف لظواهر العنف و الاضطرابات و عدم الاستقرار في دارفور و في الجنوب.

    يضاف لكل ذلك تفشي انفلونزا الخنازير التي اصبحت تشكل هاجسا حقيقيا يضاف للهم العام. في اتصال هاتفي بقريبي الذي يعيش في مكه المكرمة وجدته يعيش في حالة من الاسترخاء غير المسبوق في مثل هذا الوقت لدرجة استطاع قيها اداء العمرة برفقة والدته بمنتهي اليسر و الطمأنينة بسبب قلة المعتمرين هذا العام . فعلا نجد ان الظروف الاقتصادية و الصحية مختلفة هذا العام مما يحتم ضرورة التعامل معها بشكل مختلف يمكن من تقليل الخسائر. كل عام و الجميع بخير و تصوموا و تفطروا علي خير.

 

 

Dr.Hassan.

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء