سفارة فوق العادة … بقلم: جمال عنقرة

 


 

جمال عنقرة
25 August, 2009

 

          عندما فكرت الحكومة السودانية في ترشيح المرحوم البروفيسور أحمد عبد الحليم لقيادة البعثة الدبلوماسية السودانية في مصر في التسعينات، ترددت في الأمر كثيراً قبل أن تعرضه علي الرجل. فالسيد أحمد عبد الحليم عمل وزيراً في مطلع سبعينات القرن الماضي، عندما كان وزير الخارجية علي ذاك الوقت الدكتور مصطفي عثمان لم يزل طالباً في بداية حياته الجامعية، وكان الرئيس عمر البشير نقيباً في القوات المسلحة. لكن الرئيس رأي أن المهمة أكبر من ذلك فلهذا اختار أن يكلم العم أحمد بنفسه. وبذات اللفظ (عم أحمد) كان ينادي الرئيس البشير العم أحمد عبد الحليم، وبذات العبارة عرض عليه الأمر.

          ولأن العم أحمد كان كبيراً في كل شيء، قال للرئيس إن سفارة السودان في مصر ليست وظيفة يكبر عليها أحد. فلو عرض عليه وزارة لاعتذر عنها حتي ولو كانت رئاسة مجلس الوزراء. فلقد تجاوز هذه المرحلة، ولكن خدمة العلاقة السودانية المصرية فرض عين علي كل سوداني ومصري حتي يقوم للأمر ما يسقط حق عينه عن الباقين. وما دام الناس قد قدموه لهذا التكليف فلن يتولي يوم الزحف. فجاء عم أحمد إلي مصر بكل تاريخه وخبراته وعلاقاته، فأضاف أبعاداً جديدة للسفارة، واستطاع بتوفيق الله أن ينجز معجزات ويعبر بعلاقات البلدين الشقيقين كل أوحال الفتنة التي كانت تعترض طريقها حتي استوت علي الجادة.

          وعندما توفي السفير أحمد عبد الحليم لرحمة مولاه، تردد كل من رشح لخلافته، حتي لا يبين عجزه بالمقارنة. إلا أن السفير عبد المنعم مبروك قبل التحدي، وجاء السفارة بفهم جديد أعانته عليه الخارجية السودانية. قام هذا الفهم علي تنشيط الجميع لأداء بعض ما كان يؤديه السفير الشامل أحمد عبد الحليم. ويكفي أن السفارة السودانية بالقاهرة ضمت في يوم من الأيام أربعة سفراء. فبالإضافة إلي رئيس البعثة السفير عبد المنعم مبروك، كان نائبه أيضاً سفيراً هو صديقنا السفير إدريس سليمان، وكان القنصل العام كذلك سفير هو السفير عادل شرفي، ومثله أيضاً القنصل السوداني في أسوان السفير هاشم عبد الرازق. أما طاقم السفارة فكله كان يتحرك بموتور سفير. ويكفي أن أشير إلي ثلاثة أشخاص فوق العادة، وظائفهم محلية من أدني الدرجات ولكنهم يقومون بأعظم الأعمال هم الإخوة أحمد محمود وأبو العلا والزين. وأذكر أن واحداً قال لي أنه يستغرب كيف ينجز الزين كل عمل يكلف به ولا يعود خائباً أبداً. فقلت له إن عبقرية الزين تتمثل في إدراكه لقيمة السفارة السودانية في مصر، لذلك هو يرتدي هذا الجلباب عندما يدخل أي مرفق فتنفتح له الأبواب، ويعود غانماً. وكذلك أبو العلا، وأحمد محمود الذي يمتلك سر دخول السفارات الأجنبية وقضاء الحوائج لديها. وأعرف كثيرين من السائقين في السفارة يعملون بموتور دبلوماسيين ومستشارين ولا يناديهم الآخرون في أي موقع تعاملوا معه إلا بـ (سيد فلان)

          وعندما تشتت شمل هؤلاء بسنن الحياة وتفرقوا علي مواقع شتي يرفدونها بخبراتهم ومؤهلاتهم. لم يكن أمام الحكومة السودانية خيار إلا أن تبحث عن رجل يطاول قامة العم أحمد عبد الحليم أو يقاربها لترمي به في سفارتها في مصر ليحافظ علي هذا الإيقاع. فاختار الرئيس البشير لها رجلاً من خاصته، أني رماه أتي بخير أكثر مما طلب منه. فأوفد لها صديق عمره الرجل الشامل الفريق أول ركن عبد الرحمن سرالختم، الرجل المدهش. ويكفي أن نذكر من سيرته أنه عمل وزيراً للدفاع ووالياً لأكثر ولاية تميزاً هي ولاية الجزيرة، ورئيساً لنادي الهلال الذي نعترف نحن المريخاب بعظمته. ولقد لخص الرجل سقف مهمته في مصر في إنجاز هدف الوحدة الشاملة بين مصر والسودان. ولم يقف عند حدود العاملين معه في السفارة، بل حرض كل السودانيين في مصر لتركيب موتور سفير. ومن لم يفعل ذلك يكون قد ظلم نفسه وظلم مصر والسودان معاً. وليقتدي الناس بمرافقي السفير من السودان الذين أدهشوا الناس بحضورهم في أول حضور جماهيري لهم يوم حفل الإستقبال، هم حرمه المصون ومدير مكتبه الشاب هيثم الذين يتحركون بموتورات من العيار الثقيل.

 

 

 

gamal mohamed [gamalangara1@yahoo.com]

 

آراء