حركات دارفور وأوهام القوة … بقلم: جمال عنقرة
30 August, 2009
رغم التباين الواضح في الحركات الدارفورية المسلحة، لكنها جميعا تتشابه إلي درجة التطابق فيما تطرح وتقول. فجميع هذه الحركات خرجت لأنها مظالم تقول أنهم يعانون منها، نتيجة لما يسمونه التهميش. وجميع هذه الحركات اختارت السلاح وسيلة للتعبير عن رفضها، وللمطالبة بحقوق الإقليم وأهله. وبرغم أن الناس شبه متفقين علي عدالة مطالب الحركات الدارفورية، وهي ذات المطالب التي ينادي بها أهل دارفور من غير حملة السلاح، ويطالب بها أيضاً موالون للحكومة من أبناء دارفور. لذلك فإن خلافات الحركات الدارفورية المسلحة وانقساماتها لا تعود لتباين في وجهات النظر، ولكنها تعود في أساسها لعوامل أخري بعيدة عن المطالب، ويعود أكثر هذه العوامل إلي التكوين القبلي لهذه الحركات. أو موالاتها وتحالفاتها الداخلية والإقليمية والدولية في بعض الأحيان.
ومما اتفقت عليه الحركات أخيراً أن الحل السياسي عبر الحوار المباشر مع الحكومة هو السبيل الوحيد المتاح لحل هذه المشكلة بغية الوصول لتسوية سلمية للنزاع المسلح في دارفور الذي دفع المواطنون الأبرياء ثمنه باهظاً نزوحاً وتشرداً، وأموالاً، وأرواحاً. ولكن حتي هذا الحوار الذي اتفقوا علي أنه وسيلتهم المتاحة للحل لم يتفقوا علي آليته. وهنا برزت معضلة أخري تتعلق بتقدير الأوزان لكل حركة. فكل فصيل من تلك الفصائل الدارفورية الحاملة للسلاح يزعم أنه الأقوي، وغيره دون ذلك. ولذلك لا يعترف كل بالآخر ولا يعترف بعضهم ببعض. ولهذا أعيت الوسطاء السبل لجمع حركات دارفور علي مائدة واحدة للتفاوض مع الحكومة التي يتفقون جميعاً علي اتهامها بظلم الإقليم وأهله ويطلبون منها العدالة والمساواة مع غيرهم من الأقاليم الأخري. ويتهمونها كذلك بالتسلط عليهم وينشدون التحرر من سلطانها الذي يتهمونه بالجور.
حاولت التفكير ملياً فيما تزعم هذه الحركات من قوة، فوجدتهم جميعاً يمتلكون بعض ما يدعون من عناصر قوة، ولكنه لا يوجد بينهم من يمتلك القوة المطلقة التي يمكن أن تلغي وجود غيره. فالذين يمتلكون السلاح والأرض، قد يظلمهم التاريخ. والذين يحتفظون بتارج انتماء قوي قد تعوزهم القوة. وقد يمتلك ثالث التاريخ والقوة، ويفتقد السند والقبول الإقليمي والدولي. وهكذا تظل عناصر القوة مشتتة وموزعة بين الجميع. ويصبح إدعاؤها نقطة ضعف كبيرة في مسيرة هذه الحركات، إذ تعوق هذه الإدعاءات غير المسنودة، وحدة وتنسيق الحركات المسلحة، وبغير التنسيق والوحدة لن يكون هناك أمل في أن تحقق الحركات المسلحة شيئاً مما تروم وتنشد. وعلينا أن نعترف أن أجل الحرب في دارفور قد دنا. فلم تعد هناك قوة إقليمية أو دولية قابلة بالحرب، أو علي استعداد لتقديم أي مدد للمحاربين. فلم يعد هناك خيار أمام هذه الحركات سوي الإذعان والإنصياع لصوت العقل والقبول بالحد الأدني من الإعتراف ببعضهم البعض حتي يجدوا من يعترف بهم ويقدمهم للحوار مع الحكومة. ويبدو أن حركات دارفور قد وعت ذلك مؤخراً. وهذا ما تجلي في حوار طرابلس الأخير الذي أظهر بعض المرونة لدي الحركات. وإن كان قد عابه بعض إدعاء آخرين لقوة موهومة. وهو ما ظهر في طلب البعض من حركة العدل والمساواة الإعتذار عن الماضي في العلن ونشره علي الملأ بعد أن تخلت عن موقفها غير الموضوعي القديم الذي كانت تستبعد به الآخرين، ولا تري معياراً للقوة سوي الأرض والسلاح.
وما لم تقتنع كل حركات دارفور بأن القوة المطلة غير متوفرة لأي منها. وأنهم جميعاً إلي زوال ما لم يتفقوا ولو علي الحد الأدني فإنهم سوف يظلون مجرد حركات رافضة، وقد تنتهي إلي لا شيء، تضيع أو تضيع القضية.
gamal mohamed [gamalangara1@yahoo.com]