علي عثمان.. (مراجعة طبيب الأسنان)..!
13 September, 2009
diaabilal@hotmail.com
المراقب المتتبع لحديث نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في الفترة الأخيرة، وعلى المنابر المتعددة، يلاحظ بوضح حضور متغيرات جديدة في طبيعة الخطاب السياسي السائد، الذي في مجمله يمضي في اتجاه التبشير بالمصائب، وشن حروب استباقية على كل ابتسامة أمل، كانت تبحث عن مساحة إشراق على وجه المواطن السوداني البسيط.
وما يميز الرجل وهو يتحدث في الشأن العام، مقدرة رياضية في الاستعلاء على المعارك الصغيرة، ورغبة بائنة في الانفتاح على الآخر.
كثير من السياسيين في الحكومة والمعارضة لا تجد الآخر في مساحة اهتمامهم إلاّ بقدر الرغبة في الإضرار به..!
قالها طه أول أمس بقاعة الصداقة في مؤتمر القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني: (الساحة السياسية بحاجة لإخاء حقيقي وابتسامة عريضة).
ولكن، إلى جوار هذه الدعوة وفي أعالي مانشيتات الصحف، كانت الأخبار تنقل ما حدث في تأبين أحد رموز التسامح السوداني (الشريف زين العابدين الهندي)، أحداث شغب وتشابك بالأيدي بين مجموعتين يريد كل طرف منهما الانفراد بالحزب وإقصاء الآخر والجلوس على تل الخراب.
وفي الصفحات الأولى وفي ذات اليوم، كانت الأمم المتحدة تحذر من نشوب حرب بين الشمال والجنوب بسبب الخلاف على قانون الاستفتاء.. وسكوت غرايشون المبعوث الأمريكي يلملم أوراقه وعلى وجهه شروخ الإحباط وملامح الاعياء.. انسحب الجنرال غرايشون من جوبا بعد أن قام الشريكان بتجريد مهمته من كل أسلحة التفاؤل.
لم يعد قانون الاستفتاء ذا جدوى.. فترتيبات الانفصال قطعت أكثر من نصف الطريق.. السيدالصادق المهدي يدعو للجوار الأخوي.. والشيخ الترابي ومن على منبر مسجد جوبا يلقي خطبة الوداع.. ويان ماثيو الناطق باسم الحركة يتحدث عن حصة الدولة القادمة من مياه النيل.. وصحيفة «الانتباهة» الداعية للانفصال تشق طريقها لتصبح أهم صحيفة في جوبا والمتمة معاً.. وعلى امتداد المليون ميل مربع لا ترفع زهرة واحدة دفاعاً عن الوحدة أو تعزية لها...!
لقد أدرك علي عثمان بحسّه السياسي الرفيع، أن المخارج الآمنة في ظروف الأزمات المغلقة، تفتح باستخدام لغة جديدة، لغة خالية من أحماض الماضي وواعية بمخاطر الراهن وباحثة عن مستقبل لا يفسد أجواءه ثاني أكسيد السياسة..!
نعم الأمر يحتاج مراجعات جراحية تتجاوز التجميل.. ويبدو أن طه قد اختار هذا الطريق، حينما بدأ يدعو لتأسيس اقتصاد سوداني عادل بعيداً عن الظلم والغش والتطفيف، اقتصاد يعود خيره للجميع، بلا تمييز وبعيداً عن الاحتكار والحصر والتضييق.. ولا يزال الجميع في انتظار وعود نائب الرئيس باتخاذ إجراءات تبسط الحريات وتُهيئ المناخ لحوار سياسي منتج ومفيد ومتسامح..!
الدكتور منصور خالد حينما كان يتحدث في حوار صحفي بعد أشهر من عودته للبلاد بعد اتفاق نيفاشا.. قال إنه لاحظ ان بعض أصدقائه القدامى بالخرطوم في زحمة انشغالهم بالهموم اليومية، لا يعيدون ترميم أسنانهم بعد سقوطها.. والملاحظة المنصورية تتجاوز الأفراد إلى الأحزاب كذلك.. فحتى تنعم الساحة السياسية بابتسامة عريضة يصبح من المهم أن تراجع الأحزاب أطباء الأسنان.. (الابتسامة العريضة) في ظل تشوه الأسنان لن تضيف الى المشهد سوى مزيد من القبح..!