وإلى الذهب يلجئون
21 October, 2009
يتساءل الناس عن سبب ارتفاع أسعار الذهب هذه الايام . الذهب بالطبع لا يزيد من تلقاء نفسه فهو لم يتبدل و ما زال ذهبا ، كما ان مفهوم الناس حوله كمعدن نفيس لم يحدث فيه تغيير. إذن لا بد من البحث عن اسباب خارج المعدن ذاته ، في زيادة الطلب عليه و دوافع تلك الزيادة. بالطبع احدثت الازمة المالية العالمية هزة عميقة في اسواق المال العالمية و اضرت بثقة المتعاملين فيها كما ابطلت جاذبية المضاربات في الاوراق المالية. من جهة اخري فان الازمة المالية اثرت علي اسعار العملات حرة التداول و جعلت من تذبذب اسعارها و اسعار الأوراق المالية من اسهم و سندات ظاهرة يومية في التعاملات المالية. كان من اكبر المتضررين الاقتصاد الامريكي و هنا يكمن سبب مهم لارتفاع اسعار الذهب و هو ان هذا المعدن النفيس اصبح الملاذ الأساسي للاحتياطات الدولية خاصة بالنسبة للدول ، بدلا عن الدولار و اذون الخزانة.
تعرض الدولار لهزات عنيفة زعزعت الثقة به و وجدت عدة دول ان الوقت مناسب للخروج من الدولار كعملة احتياط او كعملة مناسبة للتبادل التجاري او لان تكون معيارا للقيم تقاس به عملاتها المحلية و تحدد قيمها التبادلية علي أساسه. دفع ذلك بعدد من الدول لفك الارتباط بالدولار في سلة العملات او التبادل التجاري خاصة في البترول و قد فعلت ذلك كل من ايران و ليبيا و السودان كما ذهبت مجموعة من دول امريكا اللاتينية في البحث عن وحدة نقدية بديلة. يضاف كل ذلك لما حدث في مجموعة العشرين عندما تم نقاش معيار قيمة جديد بديلا للدولار. اذن تذبذب اسعار العملات و تراجع الدولار زاد من الطلب علي الذهب كاصل صالح للاحتياط و سيزداد الطلب اكثر مع ارتفاع اسعار البترول التي ستزيد من حجم السيولة و تدفع نحو الاحتياط و الادخار.
جانب اخر مهم لزيادة الطلب علي الذهب و هو تراجع جاذبية سندات اذون الخزانة التي تصدرها الخزانة الامريكية. و كما هو معروف فان تلك الاصول السائلة تشكل انجع الادوات المستخدمة في سياسة السوق المفتوحة في اسواق النقد خاصة في الدول المتقدمة اقتصاديا و الصاعدة. نسبة لنجاعة اذون الخزانة اصبحت العديد من البنوك المركزية تحتفظ بكميات كبيرة منها خاصة اليابان و الصين و المانيا و بعد الصدمة التي تعرض اليها الاقتصاد الامريكي تزعزعت الثقة حتي في تلك الاداة المهمة. يعتبر ذلك ايضا دافعا للتوجه نحو الذهب بدلا عن المخاطرة بشراء اذون الخزانة.
من العوامل المهمة ايضا ارتفاع معدلات التضخم خاصة مع بوادر الانتعاش الاقتصادي و في الدول التي تربط عملتها بالدولار مثل دول الخليج. ارتفاع اسعار النفط و الانتعاش الاقتصادي تؤدي الي زيادة السيولة النقدية . مع تراجع اسعار الدولار سترتفع مستوبات الاسعار في الدول التي تربط عملتها بالدولار. هنا من الممكن الاتجاه نحو الذهب للاحتياط من جهة و للحد من معدلات التضخم من جهة اخري. اذن هناك عدد من الاسباب التي تدفع الطلب علي الذهب نحو الارتفاع خاصة و ان اليورو لم يتمكن حتي اليوم من ان يقدم نفسه كعملة للاحتياط العالمي مع معاناة دول الاتحاد الاوربي و كذلك الين و اليوان و الروبل الروسي. لا زال الدولار يشكل عملة الاحتياط العالمي الاولي كما ان ارتباطه بالبترول لم يضعف بعد . في رأي الشخصي فان دول الخليج لن تستطيع في الوقت القريب التخلص من الارتباط بالدولار نسبة لقوة علاقاتها الاقتصادية بامريكا و لاسباب سياسية قوية ايضا. و ربما تتبع التدرج في ذلك الي ما بعد اصدار عملتها الموحدة و التي لم يتم الاتفاق حولها بعد. اذا نجحت دول الخليج في انشاء عملة موحدة فان ربطها بالبترول سيشكل عامل قوة لها لذلك ربما كان من الامثل لها التريث في البحث عن حلول.
مع ذلك فان اللجوء الي الذهب لا يخلو من عيوب ، فالذهب ليس اصلا ( Asset) سائلا مثل أذون الخزانة او السندات الاخري من اشباه النقود (Quasi Money ) و ليس كالاسهم القابلة للتداول و المضاربة و بالتالي فان اكتنازه بكميات كبيرة يؤدي الي نقص السيولة و اضعاف سياسة السوق المفتوحة مما يخلق ثغرات في التمويل و الاسعار التبادلية للعملات و يضر بالتبادل التجاري العالمي، كما يعتبر عاملا في مصلحة الدول الغنية التي ستجذب الذهب الي خزائنها بكميات كبيرة مضعفة بذلك من عملات الدول الفقيرة.
يقودنا كل ذلك الي ان وضع الاسواق العالمية لا زال شاذا و يعاني من تشوهات الازمة المالية العالمية مما يعني ان العالم لم يصل بعد الي البدائل المناسبة في الاحتياط و آليات التبادل و في ايجاد معيارا جديدا للقيم و هو ما يجب البحث عنه بعد السيطرة علي اثار الازمة المالية حتي يشفي الاقتصاد العالمي من علة الازمة و يتعافي تماما لانه الان ، في أحسن الأحول يمكن القول انه قد دخل في مرحلة النقاهة.
Dr.Hassan.