بلـد ضهبــان! (2-2)
25 October, 2009
بالأمس رأينا صوراً من الضهبان الذي تعيشه البلاد، وطرحنا عدة أسئلة لامجيب لها. اليوم يؤسفنا أن نعرض عليكم صوراً أخرى من التيه الذي تعيشه الحركة السياسية ببلادنا.
لا أحد يعرف الى أين تمضي المعارضة الشمالية والجنوبية؟. ماهي برامجها وكيف ستدخل الانتخابات إن كانت ستفعل أصلا، وأين فعالياتها السياسية وكوادرها وعضويتها وماذا تفعل الآن؟. الفعل الأبرز لهذه القوى هو التصريحات التي تسوّد بها الصحف كل صباح. لو استثنينا مؤتمر جوبا فهل تذكرون أي فعل آخر نهضت به الحركة السياسية. تعيش القوى السياسية في غيبوبة تامة ولايعرف أحد متى ستنهض منها بشكل كامل. صحيح أننا بين الحين والآخر نشهد بعض أوقات الصحو لكنها مؤقتة. هذه المعارضة تضهّبت لعقدين في أصقاع الدنيا، وعادت الى الوطن ولكن لازالت حالة الضهبان التي أدمنتها تلازمها.
الصحافة ليست أقل ضهبانا من القوى السياسية الحاكمة والمعارضة، بل إن حالتها تتجلّى وهي تطرح بضاعتها على القُراء العازفين عن الشراء، فترتد عليها مرتجعات، كنتيجة يومية قصد بها القراء كشف حالة الضهبان الذي تعانيه صحافتنا. ياترى ماهي الأهداف النبيلة والسامية التي تسعى الصحافة السودانية لتكريسها، وهل هي حقا مهنيا وأخلاقيا في مستوى تحقيق تلك الأهداف.؟. يخيل إليّ أن الصحافة عند الكثيرين أصبحت لاتعني أكثر من تجارة لبيع الورق أيا كانت محتويات هذا الورق. بل إن بعضهم استخدم الورق كأغلفة لأسلحة دمار شامل تدمر الوطن ووحدته وأخلاقه وكل قيم نبيلة مركوزة فيه. صحافة بلا أسوار، كل من تعلم فك الخط صار صحفيا، وكل من لم يجد مهنة امتهنها وأي صفيق أو لعان أو بذيء يمكن ان يصير كاتباً مشهوراً يُشار له بالبنان. هذه صحافة تعاني من ضلال مهني، وبحالتها هذه ستزيد الوطن ضهبانا، وعوضا أن تصبح قلعة للتنوير والتثوير ستصبح بؤرة لإثارة الفتن والنعرات الجهوية والعنصرية ـ أي ستزيد الآفاق إظلاماـ.
انظر لساحتنا الرياضية، فالرياضة في هذا الوطن هي كرة القدم، وفي كرة القدم هي الهلال والمريخ!! فتأمل. الأسبوعان الماضيان ومنذ مباراة مازيمبي انكشفت حالة الضهبان الكروي الذي نعانيه. تتالت خيباتنا تماما كما في الساحة السياسية، فالحال من بعضه. ودّع المريخ البطولة الافريقية ولحق به الهلال بشكل مخزي (خليكم من الأحلام) ثم تلاشت فرص الفريق القومي في الوصول لأنغولا، أي إظلام تماماً كحال استاد الهلال في يوم الفضيحة!!.
هل استمعت قريبا لأغنية جديدة أسعدتك أو أطربتك (ياحليل زمن الطرب) أما زلت تستمع وتستمتع بغناء الحقيبة وفناني الستينيات؟ إذن فأنت في حالة ضهبان، وهي حالة أدخلك فيها المطربون الشباب الذين لايزالون يتغنون بالأغاني التي ظهرت في الوجود قبل ميلاد أجدادهم.!! هل هناك ضلال فني أكثر من ذلك. أجمل وأروع البرامج خلال شهر رمضان الماضي هو برنامج (أغاني وأغاني) في الرائعة قناة النيل الأزرق. هذا البرنامج من الماضي وهو تجسيد لحالة الضهبان التي نعانيها، فإذا كانت أزهى أيام الوطن وأجمل أغانية وأروع شعرائه من الماضي فلاشك أن حالة من الضهبنة الشاملة تعتريه في حاضره ومستقبله أيضا.
دعك من حالتنا نحن، وانظر لحالة المبعوثين الذين انتدبتهم دولهم الى بلادنا. جميعهم اعترته حالتنا هذه، فضهبوا عن مهامهم. انظر لحال آخر المبعوثين وهو السيد غرايشن فستجده في حالة لاتملك معها إلا أن تضحك. فغرايشن بُعث أساسا لإنهاء أزمة دارفور ولكن ما أن وصل البلد فوجئ بأن اتفاقية السلام مهددة بالانهيار فترك دارفور وركّز على الجنوب، ولكن خلافات الشريكين أفسدت مهمته فحاول لم شملهم عبر الآلية الثلاثية فأخفق، ففضل العودة لدارفور لعله يصيب شيئا من النجاح، فسعى حثيثا لتوحيد الحركات فوجدها قبائل شتّى فجمع الزغاوة في إثيوبيا، والعرب والفور في مصر، والآن يحاول أن يجمع الزغاوة والفور والمساليت والعرب في الكُفرة. السيد غرايشن غاص في دهاليز مشاكلنا وقبائلنا، فاعتراه ما اعترانا منذ أمد بعيد. حالة من الضهبان شفى الله الجميع منها.